لم تكن كلمات الرئيس عبدالفتاح السيسي بشأن الانحياز الكامل لاحترام إرادة الناخبين مجرد جملة عابرة، بل كانت رسالة مباشرة لكل مسئول ومرشح ومواطن: أن زمن المجاملة على حساب القانون قد انتهى، وأن أي ممارسات تَمسّ نزاهة العملية الانتخابية ستواجه بأعلى درجات الحسم، ولو وصل الأمر إلى إلغاء نتائج دوائر أو إعادة جولات كاملة. في لحظاتٍ بعينها، لا تكون كلماتُ رئيسِ الدولة مجرد تعليقٍ على حدث، بل تتحول إلى وثيقةِ توجيهٍ وضميرٍ عام، تُعيد ضبط البوصلة وتُرسّخ معايير ما يجوز وما لا يجوز فى دولةٍ اختارت أن يكون القانون هو الحَكم والإرادة الشعبية هى السيد. هذا ما تجلّى بوضوح فى كلمات فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي تعقيبًا على مجريات انتخابات مجلس النواب 2025، وما شاب الجولة الأولى من ممارسات، ثم ما أعقب ذلك من تصحيحٍ للمسار تجسّد فى الجولة الثانية التى جاءت أكثر انضباطًا، وأعلى مشاركة، وأشد تعبيرًا عن ضمير المصريين. أكد الرئيس – بعبارات حاسمة وهادئة فى آن واحد – أن الهيئة الوطنية للانتخابات هى صاحبة الولاية الكاملة على هذا الاستحقاق، وأنها وحدها المنوط بها فحص الأحداث والطعون، وإعلان النتائج، والتعامل مع أى مخالفات، وصولًا إلى إعادة الاقتراع متى تعذّر الوقوف على الإرادة الحقيقية للناخبين. وهكذا ارتقى الخطاب الرئاسى من مجرد متابعةٍ سياسية إلى تكريس لمبدأ دستورى أصيل: لا صوت يعلو فوق صوت القانون وإرادة الشعب. انطلقت المرحلة الثانية من انتخابات مجلس النواب 2025 في 13 محافظة جاءت كخريطة حيّة للوعى المصري الممتد من قلب العاصمة حتى أطراف الوطن فى أقصى الشرق والغرب والجنوب. في هذه المحافظات، وعلى مدى يومين من الاقتراع، شهدت اللجان إقبالًا كبيرًا من مختلف فئات الشعب؛ شبابًا وكهولاً، نساءً ورجالاً، عمالاً وموظفين، وأصحاب مهن وحرف. لم يكن المشهد مجرد طوابير انتخابية، بل كان استفتاءً صامتًا على الثقة فى الدولة، وعلى جدوى المشاركة، وعلى أن البرلمان القادم يجب أن يكون معبرًا بحق عن واقع الشارع المصرى وتطلعاته. لقد جاء هذا الحضور الكثيف ردًّا عمليًا على كل محاولات التشكيك، وإعلانًا واضحًا بأن المصرى – حين تُمنح له الفرصة فى أجواء من النزاهة والانضباط – لا يتخلف عن أداء واجبه ولا يفرّط فى صوته، لأنه يدرك أن الصوت اليوم هو موقف الغد وتشريع السنوات القادمة. تفرض الأمانة الوطنية توجيه تحية تقدير صادقة لكل أجهزة الدولة المدنية التى شاركت فى إنجاح هذه الجولة، فأخرجتها بهذه الصورة المشرّفة - التى تابعتها مصر والعالم - وفى مقدمتها الهيئة الوطنية للانتخابات التى أدارت المشهد وفق جدولٍ زمنى دقيق، وإجراءاتٍ مُحكمة، وشفافيةٍ مُعلنة فى الحصر العددى، والطعون، وإعلان النتائج، بما عزّز ثقة المواطنين فى أن أصواتهم تُحصى وتحترم ولا تضيع. كما نثمن جهود وزارة الداخلية التي اضطلعت وحدها بمسئولية تأمين اللجان ومحيطها، فوفّرت انضباطًا أمنيًا رفيع المستوى دون إخلال بالطابع المدني للعملية الانتخابية، لتؤكد أن الأمن في خدمة الديمقراطية، وأن حماية الناخب لا تقل أهمية عن حماية الحدود. وقد أشادت الهيئة الوطنية للانتخابات بدور الداخلية ووصفت جهدها فى التأمين بأنه ركيزة أساسية لنجاح هذا الاستحقاق. القضاة وأعضاء الجهات والهيئات القضائية الذين ترأسوا اللجان العامة والفرعية، من مجلس الدولة، وهيئة قضايا الدولة، والنيابة الإدارية، وغيرهم، كان وجودهم ضمانة عملية لنزاهة الإجراءات، ورسالة ثقة أن كل ورقة اقتراع تمر تحت عين العدالة قبل أن تتحول إلى رقم فى كشف الفرز. إن التأكيد على أن القوات المسلحة لم تشارك فى تأمين العملية الانتخابية إنما يعكس نضج الدولة المصرية ورسوخ مؤسساتها؛ فلكل مؤسسة دورها: الجيش لردع الأخطار الخارجية وحماية الحدود والسيادة، والداخلية لحفظ الأمن الداخلى وتأمين المواطن ومرافق الدولة، والهيئة الوطنية للانتخابات لإدارة الاستحقاقات الديمقراطية تحت إشراف قضائى كامل، فى إطار مدنى خالص. لم تكن كلمات الرئيس عبدالفتاح السيسي بشأن الانحياز الكامل لاحترام إرادة الناخبين مجرد جملة عابرة، بل كانت رسالة مباشرة لكل مسئول ومرشح ومواطن: أن زمن المجاملة على حساب القانون قد انتهى، وأن أى ممارسات تَمسّ نزاهة العملية الانتخابية ستواجه بأعلى درجات الحسم، ولو وصل الأمر إلى إلغاء نتائج دوائر أو إعادة جولات كاملة. هذا الخطاب العملى الصارم هو الذى انعكس فى الجولة الثانية على ثلاثة مستويات متكاملة: انضباط أعلى فى الدعاية، بعد أن أُعلن بوضوح أن المخالفات لن تمر دون تحقيق، وأن الهيئة الوطنية للانتخابات تتابع وتوثِّق وستعلن ما تتخذه من إجراءات. ووعى أكبر لدى الناخبين، إذ شعر المواطن أن صوته بات محميًا بإرادة سياسية واضحة وقضاء مستقل ورقابة إعلامية وشعبية وحرص أشد من الأجهزة التنفيذية في المحافظات على توفير أفضل بيئة تنظيمية ممكنة داخل وخارج اللجان، تجنبًا لأى شبهة تقصير أو انحياز. مصر التي نراها في الصندوق.. هى مصر التي نبنيها فى الغد، الجولة الثانية من انتخابات مجلس النواب 2025 لم تكن مجرد مرحلة فى جدولٍ زمنى؛ بل كانت اختبارًا حقيقيًا لصلابة الدولة، ووعى الشعب، وصدقية ما يُرفع من شعارات عن الجمهورية الجديدة. لقد أثبت المصريون – قيادةً ومؤسساتٍ وشعبًا – أن تصحيح المسار عند اللزوم ليس ضعفًا، بل قوة ناضجة، وأن الاعتراف بالممارسات الخاطئة وفتح الباب لمراجعتها هو عين الحكمة، لا سيما حين يتعلق الأمر بإرادة الشعب؛ تلك الإرادة التى اعتبرها الرئيس بنفسه «خطًا أحمر» لا يجوز المساس به أو الالتفاف حوله. إن ما رأيناه من حضور جماهيرى واسع، وتنظيم مدنى منضبط، وإشراف قضائى كامل، وإرادة رئاسية واضحة لحماية نزاهة الاقتراع، يؤكد أننا أمام مرحلة جديدة فى تطور التجربة البرلمانية المصرية؛ مرحلة تُكتب فيها الأصوات بحبر الإرادة الحرة، لا بحسابات النفوذ والمال. تحيا مصر .. تحيا مصر .. تحيا مصر