لن تتحقق «لا مركزية الحكم» فقط بالتبشير السياسي والتعديلات القانونية.. لن تحصل المحليات علي ما تستحق من نفوذ يومي إلا حين يقتنع الإعلام بكل روافده، بأنه لا بد أن يخرج أيضًا من حالة المركزية التي يعيشها منذ سنوات بعيدة.. ربما منذ تأسست صناعته في مصر. نحن في الصحافة، وزملاؤنا في التليفزيون، في مختلف الكيانات، لا نغادر القاهرة إلا حين تكون هناك مأساة.. أو تحدث مصيبة.. ننشر أخبار الأقاليم حين تقع جريمة قتل.. وحين تنهار عمارة.. وحين يندلع حريق.. بخلاف هذا نحن أسري القاهرة.. ويا لها من سجن رهيب ومعتقل سخيف. كنت أقول للزملاء إنه ليس علينا أن نختصر مصر، بعيدًا عن القاهرة، في مجموعة أخبار تنقل ما فعله المجرمون.. وأن في المحافظات ما يجري حقًا وينبغي رصده.. وربما كان هذا في وقت مبكر لم نلمس فيه النهوض التنموي الحقيقي الذي تشهده محافظات مختلفة.. ويستحق الرصد.. ولعل اللحظة مناسبة كي نذكر بالخير تحولات جوهرية تتم فعلاً في بعض المحافظات وتؤثر في حياة الناس. أهم ملاحظة لا بد أن تذكر، سياسيا، هي أن المحافظين في الانتخابات الأخيرة لم يتدخلوا بأي طريقة.. لم يساندوا مرشحًا.. ولم يعينوا منافسًا.. وبقيوا علي الحياد.. وكانت لديهم تعليمات واضحة نفذوها بكل دقة.. وقد أثر هذا في مظهر الانتخابات بكل تأكيد.. بدليل أن أحدًا لم يسجل ملاحظة علي أداء أي منهم في الانتخابات، لكن كثيرًا من المحافظات تحتاج إلي وقفة من جانبنا. الإسكندرية التي تعاني من بضعة آلاف من العقارات القديمة، التي لا يريد سكانها أن يغادروها، ليست خصائصها الآن أنها بلد الانهيارات، الإسكندرية تشهد قدرًا ملموسًا ومتزايدًا من الدقة القانونية والانضباط النابع من شخصية اللواء عادل لبيب.. عملية تنظيم واسعة النطاق.. ومشروعات متنامية تطور في شكلها.. وتمد ملامح التنمية إلي مساحات أخري في عمق المحافظة وليس فقط الكورنيش الذي يحافظ علي رونقه. الأقصر صارت قبلة الأخبار الصحفية والإعلامية.. محافظها سمير فرج استطاع أن يجعل منها لؤلؤة براقة.. والكثير أصبح يلحظ جهده الجبار في مجالات مختلفة علي مستويات تنموية متوازية.. ويحسب له علي المستوي السياسي أنه استطاع أن ينهي أزمة الكنيسة الإنجيلية بحيث أدي هذا إلي تحقيق إرادة المحافظة.. وفي ذات الوقت دون إثارة مشكلات طائفية.. وهذا نموذج أعتقد أن علي الكثيرين أن يقتدوا به. الدقهلية تشهد عملية تطوير خلابة.. المحافظ سمير سلام منشغل بتخطيط تجميلي جديد لكورنيش المنصورة.. وفي ذات الوقت بعمليات النظافة التي تحتاج سنويا إلي ما لا يقل عن 160 مليون جنيه.. ومهموم بجهد منظم من أجل جذب مزيد من الاستثمارات إلي مشروعات التنمية في «المنصورةالجديدة».. وتطوير مدينة جمصة وإعادة اجتذاب نخبة الدقهلية إلي نطاقها الجغرافي كي تلعب فيها دورًا ثقافيا متطلبًا. سوهاج تتمتع الآن بتنمية منظمة افتقدتها سنوات طويلة.. بل عقودًا.. ويقود محسن النعماني عملاً دؤوبًا.. وتطويرًا يشمل مختلف مراكز المحافظة خصوصًا علي مستوي البنية التحتية.. ومشروعاتها كثيفة الأهداف.. ومتعددة الفوائد.. في إقليم افتقد النمو لزمن.. الصحيح أن أي جهد في هذه الأرض الجدباء سوف ينكشف ويتضح.. ولكن الأصح أن هناك محافظًا يقوم بكل ما يستطيع لتحقيق إنجازات مختلفة يرصدها الجميع. في السويس، تراكم إنجاز اللواء سيف جلال، حيث صارت المحافظة واحدة من أبرز الأقاليم جاذبية للاستثمارات.. خصوصًا في مناطق السخنة والزعفرانة.. وبحيث أدي هذا إلي توفير مزيد من فرص العمل.. وهي المحافظة التي تتخيرها الدولة دائمًا لتجريب الأفكار الجديدة.. إذ يبدو أن لديها جهازًا إداريا مميزًا وقادرًا علي استيعاب المستجدات. هذه ملاحظات واجبة تفرض الثناء علي كل صاحب جهد في تلك المحافظات.. لكنها أيضًا لا تنفي غيرها.. الذي سوف يأتي وقته.. فقط علينا أن نطالب وزير المالية يوسف بطرس غالي بأن «يفرجها» علي ميزانيات تلك المحافظات.. فالكل يشكو من قيوده.. وأنهم لا يستطيعون القيام بمهامهم في ضوء المخصصات المالية المحدودة.. وناهيك عن سعي السيد وزير المالية إلي فرض سطوة وزارته علي مصادر تمويل للمحافظات لا تدخل في نطاق الميزانية القومية. الموقع الالكتروني : www.abkamal.net البريد الالكتروني : [email protected]