رئيس الطائفة الإنجيلية يشهد افتتاح مبنى خدمات ومكتبة كنيسة المقطم.. صور    آخر تحديث: سعر الدولار صباح تعاملات اليوم الخميس 25 أبريل 2024 في مصر    تطبيق التوقيت الصيفي في مصر 2024: خطوات تغيير الساعة وموعد البدء    تأثير حملة "خلّوها تعفن" على أسعار الأسماك واللحوم في مصر    محافظ الغربية يتابع الموقف التنفيذي لكورنيش المحلة الجديد    تراجع إنتاج السيارات في المملكة المتحدة خلال مارس الماضي    حماس تبدي استعدادها لإلقاء السلاح في حالة واحدة فقط    الدفاع المدني الفلسطيني: الاحتلال دفن 20 شخصا على الأقل بمجمع ناصر وهم أحياء    الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام المسجد الأقصى    إصابة 3 أشخاص في انقلاب سيارة بأطفيح    مسلسل البيت بيتي 2.. تفاصيل العرض ومواعيد الحلقات على منصة شاهد VIP    الرئيس السيسي: سيناء تشهد جهودا غير مسبوقة لتحقيق التنمية الشاملة    شوشة عن إنجازات سيناء الجديدة: مَنْ سمع ليس كمَنْ رأى    البحرية البريطانية: بلاغ عن حادث بحري جنوبي غرب عدن اليمنية    الكويت ترحب بنتائج تقرير أداء "الأونروا" في دعم جهود الإغاثة للفلسطينيين    مواعيد مباريات الخميس 25 إبريل - الأهلي والزمالك في بطولة إفريقيا لليد.. ومواجهة صعبة لمانشستر سيتي    صباحك أوروبي.. بقاء تشافي.. كذبة أنشيلوتي.. واعتراف رانجنيك    مفاجأة غير سارة لجماهير الأهلي قبل مواجهة مازيمبي    الأهلي يصطدم بالترجي التونسي في نصف نهائي كأس الكؤوس لليد    موعد مباراة الزمالك وشبيبة أمل سكيكدة الجزائري في نصف نهائي كأس الكؤوس لليد    "أبو زعبل للصناعات الهندسية" تكرم المحالين للمعاش    التريلا دخلت في الميكروباص.. 10 مصابين في حادث على صحراوي البحيرة    مصرع وإصابة 10 أشخاص إثر تصادم سيارتين في البحيرة    «التعليم» تستعرض تجربة تطوير التعليم بالمؤتمر الإقليمي للإنتاج المعرفي    حمزة العيلى عن تكريم الراحل أشرف عبد الغفور: ليلة في غاية الرقي    اليوم.. حفل افتتاح الدورة ال 10 لمهرجان الإسكندرية للفيلم القصير    الليلة.. أنغام وتامر حسني يحيان حفلا غنائيا بالعاصمة الإدارية    وزير التعليم العالي: تعزيز التعاون بين منظومة المستشفيات الجامعية والتابعة للصحة لتحسين جودة الخدمات    التحقيق في سقوط سيارة من أعلى كوبرى روض الفرج    الشواطئ العامة تجذب العائلات في الغردقة هربا من الحر.. والدخول ب20 جنيها    نشرة مرور "الفجر ".. سيولة بمحاور القاهرة والجيزة    بعثة الزمالك تغادر مطار القاهرة استعدادا للسفر إلي غانا لمواجهة دريمز    فرج عامر: لم نفكر في صفقات سموحة حتى الآن.. والأخطاء الدفاعية وراء خسارة العديد من المباريات    انقطاع مياه الشرب عن منشية البكري و5 مناطق رئيسية بالقاهرة غدًا    وزير النقل يشهد توقيع عقد تنفيذ أعمال البنية الفوقية لمشروع محطة الحاويات تحيا مصر 1 بميناء دمياط    فن التهنئة: استقبال شم النسيم 2024 بعبارات تمزج بين الفرح والتواصل    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس25-4-2024    أمر عجيب يحدث عندما تردد "لا إله إلا الله" في الصباح والمساء    هل يوجد فرق بين صلاتي الاستخارة والحاجة؟ أمين دار الإفتاء يوضح    عادل الغضبان يهنئ أبناء محافظة بورسعيد بالذكرى ال 42 لعيد تحرير سيناء    هيئة الرعاية بالأقصر تعلن رفع درجة الاستعداد تزامنا مع خطة تأمين ذكرى تحرير سيناء    الصحة: 3.5 مليار جنيه لإنجاز 35 مشروعا خلال 10 سنوات في سيناء    حبس المتهم بإنهاء حياة شخص بسبب الخلاف على المخدرات بالقليوبية    لأول مرة .. أمريكا تعلن عن إرسالها صواريخ بعيدة المدى لأوكرانيا    احتجاجات طلابية في مدارس وجامعات أمريكا تندد بالعدوان الإسرائيلي على غزة    علماء بريطانيون: أكثر من نصف سكان العالم قد يكونون عرضة لخطر الإصابة بالأمراض التي ينقلها البعوض    هل ترك جنش مودرن فيوتشر غضبًا من قرار استبعاده؟.. هيثم عرابي يوضح    مشاجرات خلال اعتقال الشرطة الأمريكية لبعض طلاب الجامعة بتكساس الرافضين عدوان الاحتلال    المنيا.. السيطرة على حريق بمخزن أجهزة كهربائية بملوى دون خسائر في الأرواح    الاحتفال بأعياد تحرير سيناء.. نهضة في قطاع التعليم بجنوب سيناء    أحمد موسى: مطار العريش أصبح قبلة للعالم وجاهز لاستقبال جميع الوفود    هل يجوز قضاء صلاة الفجر مع الظهر؟.. «الإفتاء» تحسم الجدل    رئيس «الطب النفسي» بجامعة الإسكندرية: المريض يضع شروطا قبل بدء العلاج    مش بيصرف عليه ورفض يعالجه.. محامي طليقة مطرب مهرجانات شهير يكشف مفاجأة    تقسيط 30 عاما.. محافظ شمال سيناء يكشف مفاجأة عن أسعار الوحدات السكنية    الزكاة على أموال وثائق التأمين.. الإفتاء توضح أحكامها ومتى تجب    حظك اليوم برج الميزان الخميس 25-4-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    فريد زهران: نسعى لوضع الكتاب المصري في مكانة أفضل بكثير |فيديو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مصر في مواجهة مراكز القوي

كيف ارتفع صوت الأجيال الجديدة ؟
لا أذكر أن كاتبا أو قارئا قد شكر في عام مضي. أو أثني عليه. تلك هي طبيعة الأمور. البشر لايرضون غالبا عما انصرم من زمن.. خاصة حين ينتهي الزمن حالا. الغضب مما فات هو نوع من الندم المستتر.. عدم رضي عن النفس.. وإخلاء مسئولية من الأحداث المقرفة.
غير أن البعض يلاحقه الحنين إلي أيام مضت بعد سنوات.. وحين تتوالي الأحداث يخالجه الإحساس بأن ما كان هو بالفعل كان أفضل.. أو هكذا يتخيل. وحين تكرر الأرض مزيدا من دوراتها السرمدية حول النجم الأسطوري المجهول والبعيد المعروف باسم الشمس.. وينقضي مزيد من سنوات العمر بمئات من مرات الشروق والغروب.. وتتفاعل معها الأحداث بطريقة أشرس وأقسي.. فإن 9002 قد يبدو وقتها عاما بريئا مسالما.. رغم ما عانينا فيه.
أيهما أفضل: عام 9002 أم أنه عام 3002؟.. في الأقدم وقعت الحرب علي العراق.. وفي الأحدث جرت الحرب علي غزة.
أيهما أفضل: عام 9002 أم أنه عام 8002؟.. في الأقدم وقعت كارثه منشية ناصر تحت صخرة المقطم.. وفي الأحدث وقعت كارثة العياط.. وهي لاتقارن بالسابقة رغم مأساويتها؟
أيهما أفضل: عام 9002 أم أنه عام 9291؟.. في الأقدم وقعت الأزمة الاقتصادية العالمية الأشهر والأخطر.. وفي الأحدث وقعت الأزمة الاقتصادية العالمية الآنية.
أيهما أفضل عام 9002 أم أنه عام 5002؟.. في الأقدم فاز الدكتور محمد البرادعي بجائزة نوبل.. وفي الأحدث أدلي بتصريحات تشكك في شرعية الدولة المصرية داعيا لإعادة بنائها من جديد. سافر الرئيس مبارك إلي واشنطن لأول مرة بعد خمس سنوات من الانقطاع المتعمد من جانبه.
سافر إلي هناك بعد أن رحل الرئيس بوش الذي ظن أنه يمكنه أن يقود تغييرا قسريا في مصر.
وثبت للجميع من معني وتوقيت هذه الزيارة أن لرئيس مصر كلمته وموقفه. وأن كل الخطط التي أعدت من أجل مصر بعد حرب العراق لم يتمكن أحد من تنفيذها رغم كل الضغوط.
إن تلك فقط مجرد واقعة مهمة من بين عشرات المواقف التي صنعها الرئيس في العام الماضي.
أيهما أفضل عام 9002 أم أنه عام 7002؟.. في الأقدم جرت التعديلات الدستورية المصرية.. وفي الأحدث عاني المجتمع أكثر من الحراك السياسي الذي أفرزته التعديلات الدستورية.
أيهما أفضل عام 9002 أم أنه عام 6002؟.. في الأقدم كان أن سُوِّقَ حزب الله كبطل للأمة العربية بعد حرب لبنان.. وفي الأحدث كان أن كُشِفَ كحزب خائن يتعدي علي سيادة مصر ويحاكم فيها تابعوه.
أيهما أفضل عام 9002 أم أنه عام 4591؟.. في الأقدم كانت مصر تدعم - مالاً وسلاحاً - حرب تحرير الجزائر.. وفي الأحدث تعرض المشجعون المصريون للعدوان من فرق البلطجية الكسحة الجزائريين في السودان.
أيهما أفضل عام 9002 أم أنه عام 6002؟ في الأقدم انفضح الإخوان المسلمون باستعراض عسكري في جامعة الأزهر.. وفي الأحدث انكشفوا بانفجار داخلي رهيب سيقودهم إلي متاهة معقدة؟
أيهما أفضل عام 9002 أم أنه عام 9791؟.. في الأقدم نجحت الثورة الإيرانية في قلب نظام الشاه وتحولت نموذجا ملهما للكثيرين.. وفي الأحدث أكلت الثورة ذراع أبنائها وألسنتهم فخرجوا ضدها في الشوارع.. يعترضون عليها وعلي مرشدها؟
أيهما أفضل عام 9002 أم عام 5002؟.. في الأقدم فاز الإخوان بخمسة مقاعد في مجلس الشعب.. وفي الأحدث انفجر الإخوان من الداخل.
أيهما أفضل عام 9002 أم أنه عام 1002؟.. في الأقدم هدد بوش العالم الإسلامي بحرب صليبية.. وفي الأحدث حاول أوباما أن يسترضي مشاعر المسلمين بحلو الكلام؟
والمعني أن القياس نسبي. والحكم يتوقف علي الوقت الذي يصدر فيه (هذا الحكم).. وعلي الوقائع.. وعلي مرارة الزمن.. وهل مازالت باقية في أفواه الذاكرة. إذ كلما تباعد الزمن أدي هذا إلي ذوبان العلقم.. ومع مقارنة السنوات ببعضها تكتشف أن هذه كانت أفضل من تلك.. وكنت تراها سيئة.. ويتبين لك أن هذه أسوأ من غيرها.. وكنت تعتقد أنها أفضل.. وأن الأمر لايتوقف علي اسم العام ورقمه ولكن علي ما جري فيه.
ناس منشغلة
لكن تلك الأحكام التي نصدرها مع اقتراب المفصلات الزمنية، أو خلالها، في رؤوس السنوات.. ومطالع الفصول.. وبدايات القرون.. لاتكون غالبا موضوعية.. وكثيرا ما تنبني علي العواطف.. كما أن السنة في حد ذاتها مدة زمنية قصيرة للحكم علي الأمور.. والأفضل في التحليل أن ننظر إلي المدي الزمني (القصير) علي أنه إطار وقتي للانتباه إلي الموضوعي.. إطار قاد إلي وقائع.. أدت بدورها إلي ظواهر وأحداث.. لكل منها جذور.. وبالتأكيد أنبتت براعم تعني أن لها آثاراً في المستقبل.
وهذه سنة (9002) جرت فيها أمور كثيرة جدا. متخمة. بعضها عادي.. وإن كان مؤلما أو ملهما في لحظة وقوعه. وبعضها تاريخي.. حتي لو لم يشعر به الكثيرون حول العالم أو لم تنشغل به الأغلبية في مصر. لكن اللافت في مصر أن هناك دائما ملفاً أو قضية أو موضوعاً يشغل الرأي العام.. وبطريقة تدفع صانع القرار في كثير من الأحيان إلي الانشغال بنفس الأمور.. خاصة إذا كانت جادة. وقد كانت تمضي أشهر في سنوات مضت دون أن يلتف الرأي العام كله حول أمر ما.
الآن، وعلي سبيل المثال من العام الماضي، لا يمر أسبوع بدون أن يكون هناك عنوان ما علي أجندة الناس بمختلف اتجاهاتهم.. من محاكمة هشام طلعت مصطفي إلي أزمة مباراة الجزائر.. ومن قانون الضريبة العقارية إلي مناقشات قانون زراعة الأعضاء.. ومن صخب حول مؤتمر الحزب الوطني السنوي إلي جدل حول نوايا محمد البرادعي وغيره الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة.. ومن احتجاج خبراء العدل إلي ما أثارته قرارات الأزهر والجامعات بمنع النقاب في غرف الدراسة وسكن الطالبات ولجان الامتحانات.. ومن عمليات ذبح الخنازير إلي موجات انتشار أنفلونزا تحمل اسمها.. وغير ذلك كثير.
مقياس الخوف
والمحصلة أننا أمام بلد حيوي.. فيه حراك.. متفاعل.. أحداثه متوالية.. كان البعض يفزع إذا ما اهتم الناس بأكثر من مباريات الدوري.. الآن من العادي والمعتاد أن يكون هناك موضوع مثار النقاش العام.. حتي لو كان كثير من النقاش شائعات.. فيه صناع متنوعون للأحداث.. سواء كانت سلبية أو إيجابية.. الفعل لم يعد قاصرا علي الحكومة.. وهذا دليل تغيير وتطور.. وأحد أهم أسبابه نمو حرية التعبير في البلد.. وسطوة الصحافة وتأثير التليفزيون.. وسخونة غرفتي البرلمان.. وإصرار الحكومة علي أن تتكلم وتشتبك..بدلا من أنها كانت تلتزم الصمت وتأكل سد حنك التصريحات والرد في زمن مضي.
ولو استخدمنا ما يمكن أن نسميه (مقياس الخوف) أو (باروميتير الهلع).. لاكتشفنا أن المسئولين في سنوات فاتت كانوا يشعرون بالتوتر حين يندمج الناس في حوارات عامة حول موضوعات عريضة.. المؤشر انخفض الآن تماما.. فالنقاش لم يعد مشكلة.. ولايثير ريبة.. خصوصا وأنه يتجسد حينا آخر في مظاهر تفاعلية في الشارع.. وكنا فيما مضي إذا اعتصم خمسة عقدت الاجتماعات في غرف الأزمات.. الآن يمكن أن يطول الاعتصام أسابيع طويلة دون أن يخشي القائمون علي الأمور علي استقرار النظام.
وقد يقول قائل: هذا مجرد كلام في الهواء الطلق.. وصراخ لاينصت له أحد. والواقع ينفي ذلك.. ففي كثير من المرات أسفر الجدل قرارا.. وأنتج الصخب اهتماما.. وتحول انشغال الناس ضغطا.. هم الذين دفعوا وزير المالية لأن يمد فترة تقديم الإقرارات الضريبية إلي 13 مارس 0102 بدلا من 13 ديسمبر 9002، مما اقتضي تعديلا تشريعيا.. وضغوط الرأي العام هي التي قادت إلي استقالة الوزير محمد لطفي منصور بعد كارثة العياط.. لكن الرأي العام لم يضغط حتي الآن لكي يعين غيره.. وضغوط الفلاحين هي التي دفعت حزب الأغلبية إلي أن يجبر حكومته لكي تتخذ مجموعة من الإجراءات لصالح المستوي الاجتماعي والاقتصادي للفلاحين.. وغير ذلك كثير. ولكن الانشغال من الرأي العام بموضوع ما لا يدفع دائما إلي الرد عليه بقرار مواز.. الأمر يتوقف علي طبيعة الجدل.. وقدرة أصحاب المصالح في المجتمع علي إقناع نفس المجتمع، قبل صانع القرار، بأحقيتهم في الاستجابة لهم.. مثلا الضغوط المحلية والضغوط الدولية لم تفلح في أن توقف عمليات ذبح الخنازير..لأن الحقيقة العلمية المرة هي أن الزرائب العشوائية يمكن أن تصبح منبتا لتحور الفيروسات المختلفة وليس فقط فيروس أنفلونزا الخنازير.. والضغوط المتطرفة لم تفلح في أن توقف قرار منع النقاب المشروط.. لأنه قرار يتوافق مع الروح العصرية.. والشائعات والحملات المساندة للمتهم هشام طلعت مصطفي لم تضغط علي قاضي محكمة الجنايات فأصدر حكم الإعدام لأنه اقتنع بذلك من الوقائع.. وغير ذلك مما لا يمكن حصره. ويمكنني أن أقول إن حيوية المجتمع تعبر كذلك عن حالة تفاوض بين فئاته.. وفي التفاوض تحالفات.. فريق يساند وفريق يعارض.. ويمكن أن يكون أيضا هناك فريق معاند.. وفي خضم هذا يتدرب الرأي العام - خاصة الأجيال الجديدة - علي إنضاج دوره وتحقيق تأثيره.. وإذا كانت صناعة الإعلام تتطور وتمضي أبعد في اتجاه تنمية دورها السياسي.. فإن هذه الصناعة لا تدرك أن الرأي العام يسبقها في معدلات نضجه.. وأنها تستمرئ الإثارة والاستثارة في أحوال وأحيان عديدة.. وفجأة تجد نفسها وحيدة.. هجرها الناس.. بعد أن ظنت أنهم مشغولون بما تدفعهم إليه.. ولهذا تخفت فجأة ملفات كما انفجرت فجأة.. وتتلاشي طلقات أضواء لم تكشف شيئا في كثير من الصحف.
نخبة تائهة
وفي هذه المسألة برمتها لابد من تسجيل ظاهرتين مهمتين تصاعدتا في العام الماضي: - صعود صوت الأجيال الجديدة في تشكيل اتجاهات الرأي العام.. الأجيال التي ولدت في السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات صار لها صوت ملحوظ ومؤثر.. وهي ظاهرة نشأت مع اتجاهات التصويت في انتخابات 5002. وسوف يكون لها تأثير في انتخابات 0102 و1102. ليس فقط لأنها الأجيال الأكثر تفاعلا مع وسائل النقاش العام خصوصا الإنترنت.. ولكن لأنها ابنة عصر الحراك وتربت في زمن نمو حرية التعبير.. أجيال تصحو علي نحو 51 جريدة يومية.. وفي يدها موبايلات موصولة بالإنترنت.. وتتابع يوميا مئات المواقع.. وتتواصل بالتويتر والفيس بوك.. وتشاهد في الليل مجموعة من برامج التوك شو، ومن الواجب أن نقول إن ثورة الاتصالات التي أنتجت هذا الوعي هي من إنجازات الحكومة الحالية.. وذلك إسهام حقيقي ومؤثر في النمو الديموقراطي.
صوت هذه الأجيال هو الذي يصنع الجدل أكثر من غيره في داخل جماعة الإخوان المحظورة.. وصوتها (الأجيال الجديدة) هو الذي يصنع النقاش حول دور الكنيسة ومسئوليتها وتوجهات كهنوتها.. وصوتها هو الذي أرسل باحتجاج واضح في انتخابات نقابة الصحفيين.. وصوتها هو الذي أيضا - ويا للتناقض - وقف ضد قرار منع النقاب.. فقد كان المعنيون به من هذا المستوي العمري قبل غيرهم.. كما أن بضع تلك الأجيال تمثل تحديا لبرامج التنمية في البلد لأنها هي التي تعاني من البطالة أكثر من غيرها.. وأداؤها وأداء شبابها - أي تلك الأجيال - هو الذي يقود المؤسسات المصرية الخاصة إلي نجاح اقتصادي متنامٍ وملموس.. ذلك أن غالبية الكوادر التي تقود هذا النجاح الاقتصادي في الشركات والبنوك والبورصة وقطاع الاتصالات والصناعة من الأجيال الجديدة.
- الظاهرة الثانية هي أنه في الوقت الذي يتراجع فيه إلي حد بعيد خوف الدولة من التغييرات الحادثة في المجتمع.. بحيث لم تعد التفاعلات الساخنة تثير التوتر علي الاستقرار.. وفي الوقت الذي يتفاعل الجيل الجديد مع المجريات بصدر مفتوح.. فإن النخبة - في أغلب قطاعاتها- تفسر الأمور المتشابكة علي أنها شعور عام بالقلق في المجتمع.. وأن القلق قد يعني اضطرابا.. وأن هناك خوفاً لدي الناس.. وهذه تحليلات غريبة ومثيرة للتساؤل.
فالواقع أن مصر لا يجري فيها شيء غريب علي مجتمع ديموقراطي حر.. بشرط أن تثق تلك النخبة في صفته تلك وفي أنه تحول.. وأن الدولة التي صنعت التحول - هي التي فعلت بغض النظر عن التقولات الأخري - كانت أقدر علي أن تدرك حقائق الأمور أسرع من الآخرين.. واستوعبت ثمار ما أنتجت.. وتمتعت برؤية تستشرف التغيير الذي خلقته.. في حين أن النخبة لم تنتبه بعد إلي الحقائق.. رغم أنها تتحرك علي أرضية نشأت بسبب تلك الحقائق.
إن من المثير والمزعج في آن واحد أن تواصل النخبة تفاعلها مع الواقع المصري الجديد بأدوات تعود إلي الستينيات والخمسينيات.. وهي تبني تصورات وسيناريوهات وفق مقاييس بالية ومناهج متأخرة.. ولذا فإنها تعيش حالة إحباط تتراكم يوما تلو آخر.. ولاتنتبه إلي أن الأجيال الجديدة سوف تسبقها.. حتي لو كانت النخبة تعتقد أن تلك الأجيال محسوبة في رصيدها.. ولهذا تجد تساؤلا بلا إجابة لدي بعض المثقفين: إذا كان الناس محبطين - كما يعتقدون - ولديهم غضب - كما يظنون - فلماذا لاينفجرون.. ويسعون للتغيير بطريقة أسرع؟! لماذا لايخرجون إلي الشارع؟!.. وفي المقابل تجد الأجيال الجديدة تتحدث عن أنها لاتجد القدوة.. ولاتثق في كثير مما تسمعه.
والإجابة في الحالتين تقريبا واحدة. وهي أن هناك فجوة. والمسئولة عنها هي النخبة. فهي لاتدرك أن الأجيال الجديدة تقيم الانتقادات الموجهة للأداء العام.. وتستنتج ببساطة أن تلك النخبة إما ساهمت فيه.. أو أنها كانت عاجزة فلم تصلحه.. وهي تري التناقض بين القول والفعل.. وهي تري أن كلام النخبة لايقودها إلي غد أفضل بل يعدها بما هو أسوأ.. وهي تري أن النخبة لاتطرح حلولا أكثر من كونها تشارك المشمئنطين في اشمئناطهم.. وتلك المرئيات إنما تمثل معضلة كبيرة جدا في مصر العصرية.
مراكز قوي
لقد انزعج كثيرون في العام الماضي والأعوام الثلاثة التي سبقته ممن وجدوا أن حالة تخبط تلم بالرأي العام.. حالة لم تنتج عن حرية التعبير.. بقدر ما أدت حرية التعبير إلي تناثر المعلومات والأقوال بطريقة متضاربة متلاطمة.. وبحيث ظن المراقبون أن هذا إنما يؤدي إلي تيه الناس.. ليس لأن أمامهم آراء متنوعة.. ولكن لأنهم لايعرفون الحقيقة.. ولا يمكنهم بلوغها.. فالكل يدعي أنه يملك المعلومة السليمة والكل يؤكد ذلك.. والموضوع تخطي تنوع التوجهات.
وربما اعتقد البعض أن الواقع الإعلامي بالتحديد، والسياسي عموما، يحتاج إلي وقفة.. تعيده إلي رشده.. وتقوده إلي طريق واحد.. ما يعني أنهم في نهاية الأمر يريدون حجب التنوع أو تحجيمه.. وهناك أيضا من اعتقد أن السكوت علي تلك الحالة إنما يؤدي إلي استقرارها وبقاء التخبط لفترات طويلة تضر بالبلد.. وربما طرحت هذه الآراء علي مستويات مختلفة في إطار مناقشات ومناسبات متنوعة.
وفيما أظن فإن هذه الآراء، علي وجاهتها لم تجد صدي حقيقياً، رغم المعاناة التي تتعرض لها مؤسسات الدولة وشخوصها وحزب الأغلبية وقياداته من الحالة الآنية، ومساوئها، ووجهة النظر التي تحكم عقيدة الدولة الآن في التعامل مع الأمر هي أن (الواقع يصحح نفسه)، وآلياته تصوبه.. وأن التدخل القسري يؤدي إلي نشوء (مراكز قوي).. بالمعني المعنوي لا المادي.. أطراف تقود الرأي العام وتوجهه.. ربما حسبما تريد.. في حين أن التفاعل الحالي يؤدي إلي حالة مكاشفة حقيقية في البلد.. كل شيء معلن وصريح.
أنت تسمع الآن تكراراً متتالياً لمبدأ (قوتنا في تنوعنا).. (تعدد الآراء ليس عيبا).. (الاختلافات لاتثير الخوف)..(الإجماع لايمكن بلوغه في كل شيء).. وهي عبارات تعني التمسك بحالة الحراك والاقتناع بها.. وعدم الرهبة منها.. حتي لو كانت قد أوحت لبعض الوقت بأنها تهدد الاستقرار.. أو قد تفرز مشكلات أكبر.
ما يحسب للدولة في هذا السياق هو أنها لاتتدخل إلا في حدود دورها.. كمنظم.. لا يشارك في اللعب إلا حين يكون علي أي من مؤسساته أن يتفاعل.. وهكذا فقد فرضت الأوضاع علي المؤسسات أن تتداخل لكي ترد وتعقب وتسوق وتدافع وفي أحيان كثيرة تهاجم أيضا.
الصحيح بالطبع أن عددا من الوزارات والمصالح والأطراف قد فهموا - حتي الآن - هذا الواقع بطريقة خاطئة.. بحيث صار سلوكهم يهدف إلي الدفاع عن المصالح الذاتية والشخصية.. وأن طريقتهم لاتؤدي إلي دفاع عن الدولة ومكانتها وتأثيرها وقوتها وتماسكها واستقرارها.. وأن لكل منهم قنواته الخلفية وسككه السرية مع الإعلام.. وأن هدف هذا الوزير أو ذاك هو أن يبقي لا أن تبقي الدولة. إلا أن هذا لن يدوم كثيرا.. وأعتقد أن الأداء في هذا السياق يخضع للمساءلة.. حتي لو كانت غير معلنة.
الاجتراء علي الدولة
لكن الواقع ليس حالما إلي هذه الدرجة. ذلك أن القناعة في قيادة الدولة بالديموقراطية.. وأن لها قواعد تنظمها وآليات تصحح الخطايا.. لم تبلغ بعد أو بنفس الدرجة إلي كل المستويات الدنيا.. وقد أنتج هذا عددا من الظواهر المختلفة.. أخطرها علي الإطلاق.. ما يلي:
1- الاجتراء علي الدولة.
2- الاعتقاد أحيانا بأنه لاتوجد دولة.. أصلا.. ومن ثم التصرف في ضوء تلك القناعة.
إن قواعد التوازن بين السلطات.. وضوابط التفاعل.. تنتظر مزيدا من الوقت لكي تحصل علي النضج الكافي واستيعاب المتغيرات الجارية في البلد.. كما أن البيروقراطية تجد في حالة الحراك الحالية ما تعتقد أنه سيولة وتظن أنه اهتراء.. فتمضي في غي الفساد.. وتنهل من بحر اعتقادها أنه لا توجد مساءلة.. وفي ذات الوقت فإن قطاعات من النخبة لايمكنها أن تستوعب حقيقة ما يجري في البلد.. فتلاطمت الأنواء.
وبالتالي يحدث اجتراء علي الدولة وعلي القانون.. ويتصرف كثير من الناس في إطار أنه لارقيب.. خاصة إذا تأخر القرار الذي ينبغي أن تتخذه جهة ما.
مثلا في نهاية 9002 تجسدت إحدي الوقائع المعبرة عن ذلك.. في منطقة الهجانة في مدينه نصر.. حيث ارتفعت عشرات من المباني بدون ترخيص.. وأرادت محافظة القاهرة أن تفرض سطوتها بعد أن فات الوقت.. وتحركت متأخرة.. وواجهت الاعتراضات الكثيفة.. ولكن مجلس الوزراء أكد أن القرار لا رجعة فيه.. وأنه لن يعوض المخالفين.. وبعد أن بقي الموقف معلقا لبعض الوقت.. فإن الإزالات تراجعت.. وتقرر إحالة عدد كبير من المسئولين إلي النائب العام لتخاذلهم في تطبيق القانون.. والوصول إلي هذه المرحلة المتدهورة. هذه الواقعة يمكن أن تجد فيها مجموعة من الظواهر.. محصلتها (الاجتراء علي الدولة): 1- مؤسسة محلية تهاونت في تطبيق القانون حتي استفحلت المشكلة.. وظن الناس أنهم لن يراجعوا.. هي (محافظة القاهرة).
2- التوقيت المتأخر في الحسم.. وفي وقت لم يحظ بتبرير كاف إعلاميا وسياسيا.. ويشرح للناس لماذا هذه المنطقة وليس غيرها.
3- دخول وسائل الإعلام علي الخط.. بانحياز واضح ودائم ضد الدولة.. وبدون تحقق من الأمر.. وبشكل يثير العواطف.. ويبتعد عن المناقشات الموضوعية.
4- حدوث انقسام ما بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية.. في سنة اقتراب الانتخابات.. ولجوء نواب مجلسي الشعب والشوري إلي المزايدة علي الحكومة والمطالبة بعدم الهدم.. ناهيك عن انقسام داخل السلطة التنفيذية نفسها.
5- تبين أن هناك قدرا هائلا من الثروة قد أهدر بفعل مزدوج من السلطات المعنية ومن أصحاب المباني.. فهي إن هدمت أضاعت الملايين.. وإن بقيت ظلت دليلا علي الثروة غير الشرعية.. والفساد.. وعلامة علي عدم قدرة الأجهزة المعنية علي تطبيق القانون.
6- تحول أصحاب المباني وساكنوها إلي مراكز قوي مؤقتين بدعم من الإعلام وبعض السياسيين وضعف محافظة القاهرة.. ومثل هؤلاء عشرات من أصحاب المناطق العشوائية في مختلف أنحاء البلد.. تلك المناطق بما فيها هي بعض من أخطر مراكز القوي في البلد.. ترفض التطوير.. ولا تقبل أي تدخل يؤدي لتبديل أوضاعها.
حدود وقيود
لكن هذا المثال، ويوجد غيره، لاينفي أنه حين تتكامل العناصر في سياقات أخري، تتجسد الدولة القوية واقعا حقيقيا.. وليس كما يظن البعض أنها غير موجودة.. وفي العام الماضي عديد من الأمثلة علي ذلك:
1- عملية إلقاء القبض علي عناصر تابعة لحزب الله.. في قضية شهيرة.. لم تفلح الدعاية المصاحبة لها من جانب الحزب والمتهمين في أن تدفع الدولة المصرية إلي التراجع.. والتخلي عن تطبيق القانون.. وهؤلاء يحاكمون الآن.. رغم كل الادعاءات التي قالت إن مصر سوف تتنازل وتنسي.. ورغم كل ما سُوِّقَ عن أن هذا الإجراء القانوني الذي اتُّخِذ يمثل سلوكا مصريا ضد المقاومة.. لقد ظن الحزب الشيعي أن تاريخه الملتبس كحركة مقاومة يمكن أن يجعله (مركز قوة) وبما يعطيه الحق في اختراق سيادة البلد.
2- عملية تحصين الحدود المصرية مع قطاع رفح.. فوق وتحت الأرض.. التي تعلقت لمدة يوم واحد.. ثم عادت تتواصل بكل دأب بدءا من يوم الثلاثاء الماضي.. وهي عملية سوف تستمر عاما علي الأقل.. وتتم بإصرار شديد من الدولة المصرية علي أن تبقي هذه الحدود صلدة أمام أي محاولة تعدٍّ.. سواء كانت جماعية، كما جري في يناير 8002. وقت اقتحام الغزاويين لسيناء.. أو منظمة تحت الأرض من خلال الأنفاق.. كما كان يجري لوقت كبير.
وقد ظنت حركة حماس أن حملة سياسية وإعلامية ضد مصر يمكن أن تثنيها عن القيام بأي من أعمال السيادة علي أرضها.. وأن الاتهام بالتخوين قد يؤدي إلي التراجع.. وأن القول الذي جاء علي لسان خالد مشعل بأن الجدار من أعمال الحرب سوف يمثل كلاما يمكن وضعه في الحسبان. لقد ظنت حركة حماس ومناصروها في مصر أن التعاطف مع المقاومة في فلسطين بين المصريين.. يمكن أن يحولها إلي مركز قوة.. وبما يمكنها من أن تفعل أي شيء في أي وقت عبر الحدود المصرية. 3- ليس بعيدا عن ذلك وإنما سبقه وفي سياقه.. مواجهة كل حملات الدعاية السوداء ضد مصر.. ومخططات التفجير الداخلي.. إبان حرب غزة التي جرت في بداية العام 9002. والإصرار من جانب مصر علي أن تبقي بعيدة عن الحرب..حتي لو كانت قد بذلت كل الجهد من أجل أن تضع لها حدا.. والتصميم المعلن علي أن يبقي منفذ رفح مغلقا وقت الحرب.. وألا يفتح لكي لاتتحول سيناء إلي ميدان جديد للحرب التي تجري علي الجانب الآخر.. وفي هذا التوقيت كانت مصر في مواجهة معقدة مع محور إقليمي متكامل تقوده إيران وفيه قطر وسوريا وحزب الله وحماس.. وهؤلاء ومن يؤيدون مواقفهم داخل مصر ظنوا أنه يمكن أن يكونوا مراكز قوي.. يؤثرون في القرار المصري أو يدفعونه إلي ما يتسق مع مصالح هذا المحور.. وضد مصالح مصر.. ولكن هذا لم يحدث.
نقاب وإخوان
وإذا كانت تلك أمثلة تتعلق بملفات تخص الأمن القومي في الإطار الخارجي والإقليمي.. فإن في مجريات العام الماضي أمثلة محلية مختلفة تعبر عن قوة الدولة وإنها تتدخل في الوقت المناسب.. حين يخرج التفاعل عن السياق المفترض:
1- الإصرار علي تنفيذ عمليات ذبح الخنازير في مختلف الزرائب العشوائية غير الخاضعة لضوابط صحية في مختلف المحافظات المعنية.. والوقوف في وجه أصحاب المصالح الذين حاولوا أن يلبسوا الأمر ثوبا طائفيا.. وبما قد يقدمهم إلي صانع القرار بأنهم (مراكز قوي).. وإن كان هذا القرار لم يلحقه بالتالي تحديد مواقع الحظائر البديلة حتي الآن رغم تكرار وعد الحكومة بذلك.
2- الإصرار علي تنفيذ قرار منع ارتداء النقاب في الجامعات العامة والمدارس الأزهرية.. ومدن الطالبات.. رغم تكرار الاحتجاجات.. واللجوء إلي القضاء الإداري.. والحملات الإعلامية التي ساندت اتجاه التطرف.. وحاولت أن تبتز ممثلي الدولة أو شيخ الأزهر دينيا أو خلف شعارات حرية التعبير.. وحرية العقيدة.. وأن تقدم نفسها كمركز قوة علي القرار.. وهو ما لم يحدث تأثيرا.. وهي مسألة مازالت تفاعلاتها مستمرة حتي الآن.
وفي هذا السياق لابد من الانتباه إلي مراكز قوي الدين.. أو فرق الدعوة العشوائية التي حاربت القرار.. وهاجمت شيخ الأزهر وكل علماء الدين الذين ساندوه.
3- مضت المحاكمة القانونية في قضية هشام طلعت مصطفي في الاتجاه الذي عليها أن تسير فيه.. رغم ضغوط من وسائل الإعلام المناصرة له.. ورغم ادعاءات كثيرة بأن المتهم هو أحد مراكز القوي.. الذين لايمكن الاقتراب منهم.. أو القول بأنه كان من بين مراكز القوي وتمت التضحية به.. وهذا كله كلام ثبت أنه فارغ.. وليس له علاقة بالواقع.. جريمة جرت.. وتم التعامل معها علي أنها كذلك بالقانون أيا ما كان حجم المتهم الاقتصادي، أو شهرته السياسية، أو نفوذه الاجتماعي.. وهاهو ينتظر الآن حكم النقض في إعدامه.
ولابد أن الجميع يري أن الإعلام في مصر هو أحد أهم مراكز القوي، ولكن دوره الفاشل في هذه القضية حين تواطأت مجموعة من الصحف والمحطات لدفع الحكم القضائي في اتجاه بعينه.. قد أثبت أن هناك حدودا لقوة الإعلام.. حدود لا تنفيها.
4- تخيلت جماعة الإخوان المسلمين أنها بسبب وجودها السياسي في مجلس الشعب.. والحفاوة المفتعلة التي تحظي بها في الإعلام الدولي.. وبعض روافد الإعلام المحلي.. أنها مركز قوة.. وتوهمت أن ما تكتبه تحليلات غربية لا تعرف واقع المجتمع المصري.. بل وواقع الجماعة المحظورة نفسها.. يفتح الطريق أمامها إلي الحكم.. بل يحصنها ضد إجراءات القانون.. ومن ثم صدقت أنها مركز قوة في البلد.. واعتقدت أن الابتزاز الذي تقوم به علي المستوي السياسي خاصة في عمليات التأليب والتظاهر والتحريض.. سوف يثني الدولة عن أن تواجهها بكل السبل القانونية إذا ما خالفت القانون.. وقد تعرضت في العام الماضي كما كان قبله إلي مزيد من العمليات القانونية الموثقة والمحققة.
إن من يراجع تحليلات النخبة فيما يخص الإخوان.. خصوصا من توقع أنهم بديل الحكم.. و لاسيما من ادعي أن الدولة تستخدمهم كفزاعة مفتعلة للترهيب من التغيير لابد أن يصل إلي حكم معناه أن هذه النخبة لا يمكن الاعتماد عليها.. أو الوثوق فيها.
عدد خاص
وفي العام 9002 مزيد من الظواهر التي لايتسع لها المقام هنا.. خاصة تلك التي سوف تكون عابرة للأعوام.. وينتظر أن تكون حاضرة في 0102 ومنها إلي 1102 خصوصا علي المستوي السياسي.. ولكن للمساحة حدود.. وللتحليل نهاية.
وقد تكفل هذا العدد الخاص من روزاليوسف بأن يلقي إطلالة متعمقة علي أحداث السنة بكل أبعادها.. وشخوصها.. إطلالة اختارت الأحداث الأهم بغض النظر عن عواطفنا تجاهها.. والشخصيات الأبرز بغض النظر عما إذا كنا نؤيدها أم لا.. فنرجو أن ينال جهدنا تقديركم.
اختياراتى لأحداث وشخصيات العام 2009
مبارك فى واشنطن
سافر الرئيس مبارك إلي واشنطن لأول مرة بعد خمس سنوات من الانقطاع المتعمد من جانبه.
سافر إلي هناك بعد أن رحل الرئيس بوش الذي ظن أنه يمكنه أن يقود تغييرا قسريا في مصر.
وثبت للجميع من معني وتوقيت هذه الزيارة أن لرئيس مصر كلمته وموقفه. وأن كل الخطط التي أعدت من أجل مصر بعد حرب العراق لم يتمكن أحد من تنفيذها رغم كل الضغوط.
إن تلك فقط مجرد واقعة مهمة من بين عشرات المواقف التي صنعها الرئيس في العام الماضي.
الظاهرة .. نمو الشعور الوطنى
عاد علم مصر لكي يرتفع فوق النوافذ والسيارات. ولم يكن هذا واقعا في تفاعلات مباراة مصر والجزائر فقط.. بل إن هناك شعورا وطنيا جارفا يتنامي أدي إلي رفع العلم في القلوب.. مع ما تعرضت له مصر من تحرشات سياسية من كثير من الأشقاء في العام الماضي خاصة خلال حرب غزة.. ولعل الكثيرين يلاحظون زيادة اهتمام الناس بالأعمال الفنية التي تنحو إلي هذا الاتجاه: مسلسل حرب الجواسيس - فيلم أولاد العم.. وهذه ليست شهادة في مستوي كل منهما.
القانون .. من أجل نصف مصر
لايمكن لأي راصد حقيقي لمجريات مصر في العام الماضي إلا أن يتوقف عند الإنجاز الأهم الذي تحقق من أجل النساء حين أقر القانون الذي يعطي الحق للسيدات في مقاعد خاصة في مجلس الشعب، والصحيح بالطبع أن هذا من إنجازات المؤسسة التشريعية، وبإسهام قوي من حزب الأغلبية، وبناء علي تعديلات دستورية تاريخية، ولكن هذا الجهد ناتج عن مشروع ثقافي واجتماعي تقدمي وممتد ومستمر تبنته السيدة الأولي.. السيدة سوزان مبارك.
الشخصية .. النائب العام
واصل المستشار عبدالمجيد محمود تجسيد مواصفات مختلفة ومتطورة لموقع النائب العام.. ودوره القانوني.. سواء من خلال التدخل المباشر بدون أن يتوافر طلب من عموم الناس كما جري في قضايا توظيف الأموال.. أو من خلال التطبيق الهادئ والصارم في ذات الوقت للقانون في قضايا خضعت لضغوط عامة.. مثل قضية هشام طلعت مصطفي وقضية حزب الله.
الشخصية.. الفلاح
حقق الفلاح المصري تواجدا مكثفا وتعبيرا متوهجا عن تأثيره الاجتماعي والاقتصادي في المجتمع.. وفرض علي صناعه القرار أن تعطيه مزيدا من الانتباه وأن تجعله متصدرا للاهتمامات.. ومن ثم نال في العام الماضي إعفاء علي ديونه في بنك التنمية الزراعية.. وقرارا بإعادة هيكلة البنك نفسه.. وتغييرا في أسعار توريد المحاصيل.. وقد حُمل الفلاح بمهمة وأعباء تخفيض استهلاكه لمياه النيل.
الشخصية .. جمال مبارك
بخلاف الحدث النوعي المتمثل في حواراته مع الشباب عبر الإنترنت وعليها، أحدث جمال مبارك أمين عام مساعد الحزب الوطني وأمين السياسات نقلة نوعية في طبيعة أوراق سياسات الحزب خلال المؤتمر الأخير لحزب الأغلبية.. ودفع بها لمزيد من الاهتمام بالقضايا الاستراتيجية ذات البعد المستقبلي في إطار توجهات الحزب.. وأصر علي التعامل مع حملات انتقاده من قبل المعارضة بروح وثابة ومتزنة.. ومضي في دفع المجتمع إلي الانشغال بالمشروع الذي يبذل فيه جهدا هائلا.. وهو مشروع الألف قرية الأكثر فقرا.. لدرجة دفعت كثيراً من القري لتطلب الانضمام إليه.
الشركة .. المقاولون العرب
بخلاف تبنيها لخطة تطوير ناجحة، وخضوع معاييرها الجديدة لمقومات المنافسة، استطاعت شركة المقاولون العرب أن تعبر مجددا عن إخلاصها للمهام القومية.. بدءا من تطوير برج القاهرة.. وحتي بناء السور الحامي لحدود مصر فوق وتحت الأرض مع غزة.. ولم تثنها الضغوط المختلفة عن أن تواصل انتشارها الإقليمي.. سواء في الجزائر.. أو في نيجيريا حيث اختطف مهندس وأفرج عنه ولم يوقف هذا تحركات الشركة.
المثابر .. صفوت الشريف
بعد أن نسي الكثيرون حريق مجلس الشوري، وبعد أن كانت هناك مساع لنقله من مقره التاريخي بعد الحريق لولا رفض الرئيس وحكمة قراره، فإن صفوت الشريف رئيس المجلس نجح بمثابرة عنيدة وإصرار لايلين في أن يحقق له قفزة نوعية.. ليس فقط علي المستوي الإنشائي المتسق مع الدور الوظيفي المتطور للمجلس.. وإنما أيضا علي المستوي الموضوعي من حيث ترقية دور المجلس وفق المهام الدستورية الجديدة.
اللاهث .. أحمد أبو الغيط
خفتت الحملات الإعلامية والسياسية التي تعرض لها وزير الخارجية والدبلوماسية المصرية في نهاية العام مقارنة ببداية العام، حين كان متصديا للتقولات التي تعرضت لها مصر في حرب غزة.. وقد أحرزت المؤسسة وأحرز الوزير تواجدات مكثفة في بقاع العالم المختلفة.. وبذل جهدا فعالا في إطار خطة يديرها الرئيس لتحقيق التأثير المصري وفق مفاهيم عصرية لاتعود إلي الستينيات ولاتخدع ولاتنخدع بالشعارات.. ويحدوها فقط المصلحة الوطنية والنظرة الاستراتيجية.
المتواصل .. على جمعة
تراجع تواجد مفتي الديار المصرية في الساحات الإعلامية عن عمد.. لكن دوره المؤثر في عملية التنوير والإصلاح الديني ظل حاضرا.. وقد صعده بالتواصل الدولي.. وكانت رحلته إلي الولايات المتحدة عملا مهما في هذا السياق.. وكان مقاله الأخير مع أحد رجال الدين البريطانيين البارزين حول موضوع المآذن في سويسرا موقفا مبدعا في الاتجاه نفسه.. وقد بدا مجسدا صورة رجل الدين الواعي والمتحضر والمسيطر علي مواقفه.. بتخطيط ودراسة.
الذي لا يتكلم .. عمرو سليمان
بذل رئيس المخابرات جهدا دؤوبا وخلاقا في ملفات متنوعة، أبرزها عملية المصالحة المعقدة التي تديرها مصر بين الفصائل الفلسطينية، وعلي الرغم من المؤامرات والتدبيرات التي تحيط بهذه العملية إقليميا وفلسطينيا، فإنه تمكن من الحفاظ علي حيويتها، وحتي حين تعرقلت بفعل محركين خفيين - علنيين لحماس.. فإن الصورة الإجمالية هي أن مصر بذلت كل ما في وسعها لاستعادة الوحدة الفلسطينية ولن تسمح للفشل بأن يؤثر علي أمنها.
صرامة الأمن .. حبيب العادلى
مرت السنة هادئة، بدون ارتباكات وتوترات، علي الرغم من حجم الحراك الهائل في المجتمع، والتربصات التي تعانيها مصر من أطراف إقليمية مختلفة، ويحسب للوزير حبيب العادلي أنه تمكن بجهد الجهاز الأمني من تحقيق الشعور المتطلب لاستقرار الشارع.. والحفاظ علي أمنه.. فضلا عن القضايا الكبري التي ضبطتها أجهزة الأمن ومنها قضية حزب الله.. وقضية مهندسي الأزهر.. في ظل هجوم إعلامي يستهدف التشكيك في مهام الشرطة.
المتعدد .. محمود محيى الدين
يتمتع وزير الاستثمار بدأب رهيب يحسد عليه، ولعل قدراته المختلفه حزبيا ووزاريا وعلميا قد جعلته بطلا لشائعات متنوعه تتعلق بمواقع أخري كلها تلائمه.. ليس من بينها رئيس الوزراء، في هذا العام دفع محيي الدين بنفسه إلي تفاعلات النخبة بمجموعة مميزة من المقالات في مختلف الصحف المحلية والدولية، بما يقدمه منظرا اقتصاديا لما يمثل، والأهم أنه أدار حوارا مجتمعيا حول مشروع الصكوك الشعبية قبل في نهايته بتطويره إلي توجهات حزبية بشأن إدارة الأصول العامة.
المتحقق .. سامح فهمى
بخلاف صموده أمام حملات شرسة، حركتها مصالح البيزنس، وألاعيب السياسة، في مسائل الغاز، فإن الجهد الذي يبذله وزير البترول سامح فهمي جدير بالانتباه، والإشادة.. خاصة في ثلاثة مسارات.. الأول التوسع الاكتشافي في الصحراء الغربية.. وتلبية تواجدات الدولة في مجالات الاستثمارات والإنشاءات البترولية العراقية.. والأهم تاريخيا تمكنه من تحقيق إنجاز وصول الغاز إلي صعيد مصر.. وكما تعهد في نهاية عام 9002.
الصامت .. فاروق العقدة
كان محافظ البنك المركزي المصري ملتزما بالصمت.. ثم تكلم قليلا، ولكنه عاد إلي صمته مجددا، باعتباره التزاماً أكيداً يمثل واحدا من مقومات موقعه، وقد اكتشف الكثيرون كيف أن جهده البنائي قد حقق توازنا لمصر مكنها من أن تصمد في وجه أنواء الأزمة الاقتصادية العالمية.. وعلي الرغم من عناده المبدئي فيما يتعلق بسعر الفائدة إلا أنه قاد السوق في اتجاه مرونة تلبي المتغيرات وتؤدي إلي مزيد من الاستقرار وارتفاع المؤشرات الإيجابية.
السياسى.. أحمد عز
من الأمور التي لم تعد مدهشة قدرة أمين تنظيم الحزب الوطني علي تخطي الحملات العلنية والسرية التي يتعرض لها اقتصاديا وسياسيا، وإصراره علي تطبيق تكليفاته الحزبية التطويرية بمنتهي الجدية، حتي لو لم يكن مساندة مباشرة في بعض الأحيان.. وبخلاف التزامه المؤسسي الصارم ومهامه البرلمانية المتواصلة.. فإن أحد أهم إنجازاته حزبيا في العام الماضي تعديل تركيبة نقابة المحامين انتخابيا وعبر الوسائل القانونية لأول مرة منذ أكثر من 02 عاما.
العصرى.. أحمد شفيق
عل الرغم من أن الرئيس قد افتتح المبني الثالث لمطار القاهرة في ديسمبر الماضي، أي في عام 8002، إلا أن من حق الوزير أحمد شفيق أن نثني علي أهمية إنجازه باعتباره من علامات 9002 ، التي بدا فيها التشغيل الفعلي لهذا المبني، فقدم صورة مختلفة لمصر، وتطويراً مهماً يتم بدون تحميل الأعباء المالية للخزانة العامة.. في الوقت الذي حافظ فيه علي مكانة مصر للطيران بتغيير في القيادات فاجأ الكثيرين لكنه كان ضرورة.
المؤلف.. أنيس منصور
علي الرغم من أن الكتاب الذي دفع به إلي الأسواق مؤخرا كان قد صدر من قبل في شكل حلقات في مجلة أكتوبر قبل 03 عاما، حين نشر مذكرات السادات ، إلا أن في تقديري أن كتابه (من أوراق السادات) هو أحد أهم وأبرز كتب العام.. رغم اختلافي معه في أحد مواقفه خلال العام الماضي.. هذا الكتاب كشف عما لم تقرأه ثلاثة أجيال في مسائل لم تزل حاضرة.. والأهم أنه أثبت أن القلم لايشيخ وأن الأسلوب لايبلي.. وقد ظل أسلوب أنيس متوهجا كما هو منذ 03 عاما.
النقيب .. مكرم محمد أحمد
خرج مكرم محمد أحمد بحكم طبيعة الأمور من موقعه كرئيس لمجلس إدارة دار الهلال ورئيس تحرير مجلة المصور، لكنه ظل كاتبا عامرا بالحيوية، والمثابرة، وكان أهم إنجازاته خوض معركة النقيب في (الصحفيين)، حيث أثبت قدرته علي اجتياز أشرس الحملات وتلبية احتياجات الجمعية العمومية في لحظات ظن فيها البعض أنه لن يقدر علي مواصلة الرحلة الصعبة، واستطاع أن يؤلف القلوب والتوجهات حوله فحقق نصرا تاريخيا في الانتخابات.
الناقد.. أحمد ادم
لايمسك الفنان الكوميدي اللطيف أحمد آدم بقلم، لكنه تصدر الشاشة في العام الماضي بصفة الناقد في برنامجه الأشهر (بني آدم شو)، واستطاع أن يحوله إلي منبر مميز للتعليق علي ظواهر مختلفة في المجتمع.. سواء كانت سياسية أو سلوكية أو اجتماعية أو حتي إقليمية.. وقدم آدم نقدا بناء لا يجرح وموضوعيا لا يصرخ وساخرا غير سطحي و.. ويعبر عن نظرة متعمقة للأحوال.. فكان استثناء - تقريبا - بين كثير من البرامج التي تمسك بمعاول الليل.
المصرفى .. طارق عامر
تعرض طارق عامر لحملات مختلفة خلال العام الماضي، وربما عاني من منافسات مجايليه، وربما دفع ثمناً سياسيًّا لقراباته العائلية باعتباره ابن شقيق المشير عبدالحكيم عامر، لكن الأساس في بروز رئيس البنك الأهلي هو أنه تمكن من تطوير المؤسسة المصرفية الأضخم التي يقودها في مصر بحيث اتسعت حصتها السوقية، واتجهت إلي نضوج عصري في العمل البنكي باعتبار أن (الأهلي) أحد أهم المؤسسات الاستراتيجية المالية الوطنية.
المتحدث.. حسام زكى
اختتم المتحدث الرسمي لوزارة الخارجية العام الماضي ببيان شهير يؤكد فيه حقيقة أن قطاع غزة لم يزل قيد الاحتلال، واختتم العام الحالي ببيان علق فيه علي تصريحات طائشة لقيادات حماس قال فيه إنها تردد كلاما أكبر من حجمها، وبين البيانين تصدر حسام زكي منابر الإعلام فكان متاحا ومتواصلا ومتواجدا تعبيرا عن وجهة نظر مصر عبر اختصاصه ومساحة عمله التي تتقاطع مابين الإعلام والدبلوماسية.
عبد الله كمال
يمكنكم مناقشة الكاتب وطرح الآراء المتنوعة علي موقعه الشخصي
www.abkamal.net
أو علي موقع المجلة :
www.rosaonline.net/weekly
أو علي المدونة علي العنوان التالي:
http//:alsiasy.blogspot.com
Email: [email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.