عندما يخطئ الكاتب أو الكاتبة أو الإعلامية أو الإعلامية خطئا لسانيا (لغويا) ما، في كتابة أو نطق كلمة ما أو عبارة ما، كأن ينصب الفاعل أو يرفع المفعول، أو غيرها من الأخطاء التي ترد كتابة أو نطقا، هذه الأخطاء يمكن التسامح فيها وغض الطرف عنها لكثير من الاعتبارات، منها أننا لا نتحدث اللسان العربي (اللغة العربية الفصحي) السليمة في أي منحي من مناحي حياتنا اليومية ولا حتي في مؤسساتنا التعليمية التي من المفترض أن يكون التعليم فيها باللسان العربي (اللغة العربية الفصحي)، وكذلك قد يخطئ البعض بسبب تركيزه الشديد في الموضوع والفكرة التي يعالجها فيما يكتب، أو ربما لعامل السرعة التي قد لا ينتبه معها البعض من التحقق من خط الكلمة أو نطقها بشكل صحيح، لكن ما لا يمكن التسامح فيه أن يتصدي بعض الإعلاميين الذين ليس لديهم أدني معرفة باللغة العربية لتفسير دلالة بعض الكلمات في اللغة العربية وشرح معانيها. ففي برنامج (مع نضال) الذي كان يذاع علي قناة (القاهرة والناس) في شهر رمضان وتقدمه الإعلامية اللبنانية (نضال الأحمدية)، في الحلقة الأولي التي استضافت فيها المطربة اللبنانية (رولا) قالت السيدة (نضال) في نهاية الحلقة: (سميت المرأة بالمرأة لأن كلمة مرأة جاءت من الفعل مرأ الذي يعني طهي الطعام شوفي كيف اللغة العربية ظلمت المرأة لما نسبتها إلي طهي الطعام، فأنا سيدة ولست امرأة). انتهي كلام السيدة (نضال الأحمدية). كلام السيدة نضال هذا في شرح وتعريف معني كلمة امرأة في برنامج يشاهده الملايين من الناس هو فضيحة لغوية وكارثة بكل المقاييس، ولكن قبل الحديث عن كيف كان تفسير السيدة نضال لكلمة المرأة في اللغة العربية فضيحة وكارثة، أود أولا أن أبين المعني الحقيقي لكلمة (امرأة) في اللسان العربي كما ورد في قواميس اللغة، جاء في معجم مقاييس اللغة لابن فارس ما يلي: (مرأ: الميم والراء والهمزة، يقال امرؤ وامرآن وامرأة تأنيث امرئ) انتهي كلام ابن فارس. وجاء في المعجم الوجيز ما يلي: (مرأ الطعام مراءة: ساغ. فهو مرئ. والطعام مراءة: صار مريئا. واستمرأ الطعام: وجده مريئا. المرء: الرجل. ويقال: امرؤ للذكر، وامرأة للأنثي) انتهي كلام المعجم الوجيز. وقال الأصفهاني في معجم مفردات ألفاظ القرآن ما يلي: (مرأ: يقال مرء، ومرأة، وامرؤ، وامرأة. قال تعالي: (إِن امْرُؤٌ هَلَكَ) (النساء:176)، وقال تعالي: (وَكَانَتِ امرَأَتِي عَاقِراً) (مريم:5). ومرؤ الطعام وأمرأ: إذا تخصص بالمريء لموافقة الطبع، قال تعالي: (فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَّرِيئاً) (النساء:4). انتهي كلام الأصفهاني. لقد تبين لنا مما ورد في قواميس اللغة أن لفظ (امرأة) ليس لفظا خاصا بالأنثي وحسب كما زعمت وادعت السيدة (نضال الأحمدية)، لأن اللفظ يطلق علي الرجل كذلك فيقال للذكر: (مرء) أو (امرؤ)، والأنثي يقال لها: (مرأة) أو (امرأة)، هذه هي السقطة الأولي التي كشفت عن مدي أمية السيدة نضال بدلالات ألفاظ اللسان العربي. أما السقطة الأخري للسيدة نضال فقولها إن اللغة سمت المرأة مرأة نسبة لطهي الطعام، وهذا الكلام غير صحيح تماما لأنه لم يرد في أي قاموس لغوي أن الفعل مرأ يدل علي طهي الطعام كما زعمت وادعت السيدة نضال، بل الفعل (مرأ) يدل علي استساغة الآكل لما يأكل من طعام، أي استطابة مذاقه واستحسانه وسهولة بلعه وهضمه، وليس طهيه. فأمية الإعلامي بالدلالة الحقيقية الصحيحة للألفاظ والكلمات تجعله ينقل إلي الناس معلومات مغلوطة ومشوهة، تعمل علي تشويه حقائق الأشياء ومعانيها في وعي الناس، بل وتجعله غير أمين علي التصدي لهذه المهنة التي تشكل وعي الجماهير وتشكل أفكارهم وقناعاتهم، وهذا بالضبط ما ارتكبته السيدة نضال الأحمدية بقولها إن اللغة العربية ظلمت المرأة، فهي بذلك قامت بتقديم معلومة خاطئة مضللة لمشاهديها، لأنها تحمل تحريضا واضحا ضد اللغة العربية التي نزل بها القرآن الكريم، بل واتهام خطير للغة العربية بأنها تحمل في معانيها ودلالاتها ما فيه ازدراء للمرأة وانتقاص من قيمتها، ما يجعل الناس يحتقرون لغتهم التي هي لغة دينهم وأداة تحصليهم العلمي والتعليمي ووسيلة تواصلهم وتخاطبهم فيما بينهم. فعلي السيدة نضال وغيرها قبل أن يفتوا فيما لا علم لهم به أن يتعلموا ويتفحصوا جيدا ما يريدون التفوه به أمام الآلاف ممن يشاهدونهم قبل تضليل وعي الناس وتشويه أفكارهم، وعلي السيدة نضال وغيرها أن يعوا جيدا أن اللغة أية لغة هي الوعاء الوحيد الذي يحمل حقائق قيمنا ومعتقداتنا، بل ويحمل دلالات وحقائق الأشياء ومفاهيمها ومعانيها الحقيقية، وأن أي خلل في هذا الوعاء وأي خطأ في تناوله فحتما سيترتب عليه خلل كبير وخطير في قيمنا ومعتقداتنا وحقائق الأشياء من حولنا، ومن يجهل هذه الحقيقة البديهية فليس أهلا لأن يؤتمن علي مهنة تخاطب وعي الناس وتشكل أفكارهم وقناعاتهم.