من يتابع حادثة سرقة لوحة زهرة الخشخاش للفنان الهولندي فان جوخ، لابد وأن يتوقف أمام الكثير من المشاهد، من أهمها طبعاً الإهمال الذي يضرب الجهاز الإداري للدولة، وعدم قدرة أي مسئول علي تحمل المسئولية، لذلك غالبا ما تتوه الحقيقة عند أي كارثة أو أزمة بين المسئولين. وفي هذه الواقعة بالذات لا يعرف أحد من أهمل في حق متحف محمود خليل بما يحتويه من لوحات عالمية ومصرية نادرة، هل محسن شعلان وكيل الوزارة الذي يقول إنه أبلغ وزيره بأعطال أجهزة الإنذار، أم الوزير الذي رد بأنه لم يعرف أو يسمع عن هذا الموضوع من قبل. وفي مثل هذه الأمور نقف أمام نوعين من المسئولية، الأول المسئولية الإدارية، أي المسئوليين المباشرين عن الكارثة، من العاملين بالمتحف، وصولاً إلي وكيل وزارة الثقافة المشرف علي قطاع المتاحف. وهناك نوع آخر من المسئولية السياسية، وهي أكبر من المسئولية الجنائية، فهي تتعلق بالمسئول السياسي أي الوزير، الذي عليه تحمل مسئولية أي تقصير أو تجاوز أو انتهاك القانون في وزارته.. ولا يكتفي فقط بأن يخرج وزير الثقافة ليقول أنا مسئول، وإنما يجب عليه التقدم باستقالته للرئيس، ليقرر ما إذا كان الوزير يستحق الخروج من الوزارة أم يجدد الثقة فيه. لكننا في كل الأحوال لم نر هذا النوع من المسئولية السياسية، فقط تحقيقات جنائية تجريها النيابة العامة، لمحاولة الوصول إلي السارق، ومن ساعده متعمدًا أو عبر إهمال أدي إلي سهولة سرقة لوحة نادرة بمثل هذه القيمة. المشهد الأكثر أهمية يتعلق بسياسة النفس القصير، التي أصبحت من سمات الدولة المصرية، وتكاد تكون مرادفاً لشخصية المصري، فحين سرق المتحف من قبل، أفاق الجميع علي فكرة تأمين المتاحف، بأجهزة الإنذار وكاميرات المراقبة.. لكن الشدة الناتجة عن السرقة الأولي سرعان ما انتهت وعدنا إلي مرحلة الكسل والاسترخاء والإهمال المعتاد. الآن حين سرقت اللوحة من جديد سنعود إلي الاستنفار ونراجع الإجراءات الأمنية في جميع المتاحف.. لكن بعد شهرين أو ثلاثة يمكن لأي لص مبتدأ التسلل إلي أي متحف وسرقة ما يريد.. لأن نفسنا دائماً قصير جدا.