هل يمكن القول إن سرقة اللوحات الفنية صار ظاهرة عالمية، مثلما نردد بعد كل أزمة نمر بها؟ مثلما كان الارهاب ظاهرة عالمية، والفساد ظاهرة عالمية والحريق وغيره الكثير؟ أغلب الظن أن هذه الاجابة عن سرقة لوحة زهرة الخشخاش للفنان الهولندى فنسانت فان جوخ يجانبها الصواب. صحيح أن فى 2008 سرقت أربع لوحات من متحف زيورخ بسويسرا منها عمل لفان جوخ أيضا وقدرت مجمل الأعمال بمائة واثنى عشر مليون دولار، كما سرقت لوحات أخرى لبيكاسو وبراك من متحف الفن الحديث بباريس أو من متحف نيويورك، إلا أن الأمر يختلف تماما فى حادثة السبت الماضى لأن أصابع الاتهام تشير ببساطة إلى الاهمال الجسيم، حيث «انتزعت» اللوحة من اطارها عن طريق «الكاتر» فى وضح النهار، فى غياب أى نظام أمنى متحفى مثلما يحدث فى العالم أجمع، كما أكد النائب العام أثناء تفقده حالة المتحف تعطل معظم كاميرات المراقبة و أجهزة الانذار، إلى الدرجة التى جعلت أحد المسئولين، الذى رفض ذكر اسمه، يهمس معلقا على الحادث: «المال السايب يعلم السرقة». فى متاحف العالم تحدث سرقات تقدر بالملايين، لكنها تكون لمافيا الأعمال الفنية الذى يعرفون كيف يتحايلون على النظام الأمنى ذى القبضة الحديدية، أما هنا فتتفتح كل الأبواب عن عمد أو عن إهمال ليجد السارق بغيته فى وضح النهار دون مواجهة أية عقبات. فقد انتهز السارق فرصة النهار الرمضانى الهادئ وتجمع أفراد أمن المتحف لأداء صلاة الظهر جماعة تاركين مواقع عملهم فى حراسة المتحف. وطبقا للناقد الذى نشر فى 1998 ضمن إصدارات دار الشروق «متحف فى كتاب» موثقا لمقتنيات متحف محمود خليل وحرمه من لوحات وقطع نحتية. كما أن معظم السرقات التى سبق و تمت داخل المتاحف المصرية كانت يشوبها فساد إدارى، بحيث تقترن باسم مسئول كبير فى الدولة، أو بتسهيلات يقوم بها أو يقدمها موظف بوزارة الثقافة. مسلسل من السرقات السهلة فيسترجع صبحى الشارونى كواليس الحادث الأول لسرقة زهرة الخشخاش التى وقعت فى 1977 وتم العثور عليها بعد عام فى 1978، حيث يروى أنها تمت سرقتها لصالح ابن وزير كان يعمل وقتذاك فى مجال السياحة، وحين تم العثور عليها، تم الاتفاق عل عدم تقديمه للمحاكمة وتم التعتيم على هوية الفاعل. ويتعجب الشارونى على التصميم على سرقة هذه اللوحة رغم أنها أقل لوحات فان جوخ قيمة فنية ومادية، فقد تم تقدير قيمة التأمين لخروجها خارج مصر بمبلغ 55 مليون دولار (وهى قيمة تقريبية لم تعتمد)، بينما تقبع اللوحة وسط مجموعة من أعمال التأثيريين مثل مونيه ورينوار وديجا، بل إن أحد لوحات الفنان جوجان لوجوه تاهيتى كما يقول الشارونى تسكن فى قاعة مقابلة للوحة فان جوخ وأنها تم تقييمها فى فرنسا بمبلغ 80 مليون دولار. أما أحدث السرقات فليست بعيدة، وهى التى وقعت فى العام الماضى وشملت تسع لوحات أثرية ترجع لعصر أسرة محمد على (1805 1952) من قصر محمد على فى شبرا الخيمة و عثر عليها بعد عشرة أيام، وأوضحت وزارة الثقافة آنذاك ان الجهات الامنية تلقت «اتصالا من مجهول للابلاغ عن مكان اللوحات» دون تحديد المكان الذى عثر فيه على اللوحات ولا طبيعة اللص أو اللصوص الذين «قاموا بفك اللوحات من براويزها» كما ذكر بيان وزارة الثقافة آنذاك. أما حادث السرقة الشهير الذى تمت استعادته عن طريق المصادفة وبجهود أحد القائمين على الفن التشكيلى المصريين، فكان فى سبتمبر 2008، وصادف فى شهر رمضان الكريم أيضا، حيث قام أحد الموظفين بسرقة لوحتين للفنان حامد ندا (1924 1990) من دار الاوبرا بالقاهرة، وعرضهما للبيع لهشام قنديل المصرى الذى يدير أتلييه جدة الفنون التشكيلية فى السعودية، غير أن قلة سعر اللوحات (مائة ألف جنيه مصرى للوحتين) أثارت الشكوك فى نفسه وبعد أن تأكد من انهما لوحتان أصليتان علم بنبأ السرقة وابلغ عن الوسيط الذى باعهما له وأعادهما إلى مكانهما فى دار الأوبرا حيث كان حامد ندا قد أهداهما بمناسبة افتتاح الأوبرا الجديدة. «الإهمال مسلك قومى فى حياتنا» كما لاقت لوحة «الأختين» لروبنز، نفس النهاية المفرحة فى سنوات الخمسينيات، حيث قام اللصوص وهم مجموعة من الطلبة بالاستيلاء عليها من متحف الجزيرة، كما يروى صبحى الشارونى، وقاموا بدفنها فى مكان فى منطقة الأهرامات وقاموا بابلاغ المسئولين عن مكانها، وقيل إنهم حذروا من الاهمال الذى تلاقيه الأعمال الفنية. ويبدو أن معظم اللوحات التى يتم النشر عنها وتتطايرها وكالات الأنباء العالمية يتم العثور عليها، بينما لا نعلم شيئا عن العديد من الأعمال التى يتم نقلها فى هيئاتنا وتمثيلاتنا الدبلوماسية فى الخارج. وهى المشكلة الأخطر، فإذا كانت مقتنيات المتاحف الموثقة التى تعد من الكنوز القومية تنال هذا المصير، فهناك العديد من الأعمال فى المخازن والتى تمتلكها الدولة ولا تزال غير موثقة مما يجعل مصيرها مجهولا وخاصة فى حالات الاستعارة، حين تملأ هذه المقتنيات أروقة المؤسسات والوزارات فى مصر، أو حين يتم نقلها فى الخارج مثلما كان الحال مع «راهبة» أحمد صبرى الشهيرة فى أمريكا أو مع لوحة محمود سعيد «على الأريكة الخضراء» الموجودة فى السفارة المصرية بواشنطن. على من تقع المسئولية فى ظل غياب الدقة وتطبيق القواعد بشكل حاسم؟ تتوزع المسئولية على الجميع تماما مثلما أوجز المشكلة الناقد والكاتب يوسف الشارونى فى رواية «الغرق» التى كتبها على خلفية حادث العبارة سالم اكسبريس، واسماها فى الرواية «المحروسة» فى إشارة إلى أرض مصر، حيث يتحمل المسئولية القبطان وصاحب السفينة، بينما الجميع فى حقيقة الأمر مسئول، لأننا كما يشير يوسف الشارونى نبدا الأشياء بانضباط، ثم نتهاون وننتظر حتى تأتى صفعة لنصحو من النوم، وهكذا فى كل مناحى حياتنا، «فالإهمال ليس فقط فى المتحف، بل أصبح مسلكا قوميا فى حياتنا».