تعودنا عند الاستعداد للسفر ذهابًا وإيابًا أن يجمع الإنسان في حقائبه كل ما يستطيع حمله، حتي يجدها عندما يحتاج إليها، مثلما كان يفعل أجدادنا الفراعنة عندما كانوا يضعون مع موتاهم كل ما كان يستخدمونه في حياتهم الدنيا حتي إذا ما استرد كل منهم روحه أو رجعت إليه بعد الممات وجد كل احتياجاته وما كان يفضله في الدنيا معه في الآخرة.. غير أن شركات الطيران لاسيما الأمريكية كان لها رأي آخر، ولها وجهة نظر مختلفة فيما يجب علي الإنسان أن يحمله إذا كان مسافرًا. منذ عدة سنوات، بدأت الشركات في تحديد حجم الحقيبة التي يجب علي المسافر أن يحملها، وتم تحديد وزنها بحيث لا يزيد بما فيها علي 22 كيلو جراما، وألا يزيد عدد الحقائب علي اثنتين لا ثالث لهما، وإذا زاد الوزن علي ذلك، ولو كيلو جرام واحد، وجب علي المسافر أن يدفع مبلغًا قد يعادل قيمة ما تحتويه الحقيبة في حد ذاتها.. وعلي الرغم من هذه السياسات الحازمة، فلم تتغير عادات كثير من المسافرين، حيث يعز عليهم أن يفرطوا فيما جمعوا، وألا يحملوا كل ما عندهم. ومنذ عدة أشهر، بدأت الشركات الأمريكية والأوروبية في اتخاذ إجراءات جديدة، إذ تم إلغاء الحقائب المجانية التي يمكن للمسافر أن يحملها، سواء علي خطوطها الداخلية أو خطوطها الدولية، باستثناء الحقيبة الصغيرة التي يحملها المسافر معه.. وتم فرض مبالغ تتراوح بين 25 و50 دولارا علي الحقيبتين الأولي والثاني، أما الحقيبة الثالثة وما بعدها فيتم تحصيل 200 دولار عن كل منها.. وقد يتم رفض تحميل الحقائب التي يحملها المسافر معه إذا زادت علي عدد معين. وحتي الآن، لم تطبق الشركات العربية، وشركة مصر للطيران، هذا الإجراء الأخير.. غير أن الشواهد تشير إلي أنها في سبيلها إلي تطبيقه.. فالقواعد الدولية سرعان ما يتم تعميمها، وسرعان ما يتم الأخذ بها خاصة في ظل الشراكات والاتفاقيات المتبادلة بين الشركات الدولية والإقليمية.. وهنا أتوقع أن يجد المسافر المصري نفسه في مأزق حقيقي.. إذ سيكون مطالبًا بدفع مبلغ كبير في كل مرة يقرر فيها السفر. لم نتعود نحن المصريين أن نختزل الأشياء، ولا أن نتخلص من الأشياء التي لا قيمة لها، وأسطح منازلنا، وبلكوناتنا، وتحت سرايرنا، شاهدة علي ذلك، فهي مليئة بالروبابيكيا وبالأشياء التي يعز علينا التخلص منها.. علي المصري المسافر أن يعود نفسه علي أن يحمل ما خف وزنه وكان ضروريًا لسفره، وألا يحمل معه كل ما عنده وكأنه مهاجر إلي حيث لا عودة، أو «معزل» من شقة إيجار جديد.