انتهاء الدعاية واستعدادات مكثفة بالمحافظات.. معركة نارية في المرحلة الثانية لانتخابات النواب    زكريا أبوحرام يكتب: هل يمكن التطوير بلجنة؟    ترامب يعلن موعد اللقاء المرتقب مع زهران ممداني في البيت الأبيض    إسلام الكتاتني يكتب: المتحف العظيم.. ونظريات الإخوان المنحرفة    دعاء الفجر| اللهم إن كان رزقي في السماء فأنزله    بيان سعودي حول زيارة محمد بن سلمان إلى الولايات المتحدة    مستشار ترامب للشئون الأفريقية: أمريكا ملتزمة بإنهاء الصراع في السودان    أسامة العرابي: رواية شغف تبني ذاكرة نسائية وتستحضر إدراك الذات تاريخيًا    سفير فلسطين: الموقف الجزائري من القضية الفلسطينية ثابت ولا يتغير    أدعية الرزق وأفضل الطرق لطلب البركة والتوفيق من الله    كيفية تدريب الطفل على الاستيقاظ لصلاة الفجر بسهولة ودون معاناة    فلسطين.. تعزيزات إسرائيلية إلى قباطية جنوب جنين بعد تسلل وحدة خاصة    مكايدة في صلاح أم محبة لزميله، تعليق مثير من مبابي عن "ملك إفريقيا" بعد فوز أشرف حكيمي    تضرب الوجه البحري حتى الصعيد، تحذير هام من ظاهرة تعكر 5 ساعات من صفو طقس اليوم    أول تعليق من الأمم المتحدة على زيارة نتنياهو للمنطقة العازلة في جنوب سوريا    طريقة عمل البصل البودر في المنزل بخطوات بسيطة    الجبهة الوطنية: محمد سليم ليس مرشحًا للحزب في دائرة كوم أمبو ولا أمينًا لأسوان    يحيى أبو الفتوح: منافسة بين المؤسسات للاستفادة من الذكاء الاصطناعي    إصابة 15 شخصًا.. قرارات جديدة في حادث انقلاب أتوبيس بأكتوبر    طريقة عمل الكشك المصري في المنزل    أفضل طريقة لعمل العدس الساخن في فصل الشتاء    مروة شتلة تحذر: حرمان الأطفال لاتخاذ قرارات مبكرة يضر شخصيتهم    حجز الإعلامية ميرفت سلامة بالعناية المركزة بعد تدهور حالتها الصحية    أسعار الدواجن في الأسواق المصرية.. اليوم الخميس 20 نوفمبر 2025    مأساة في عزبة المصاص.. وفاة طفلة نتيجة دخان حريق داخل شقة    بينهم 5 أطفال.. حبس 9 متهمين بالتبول أمام شقة طليقة أحدهم 3 أيام وغرامة 5 آلاف جنيه في الإسكندرية    خبيرة اقتصاد: تركيب «وعاء الضغط» يُترجم الحلم النووي على أرض الواقع    تراجع في أسعار اللحوم بأنواعها في الأسواق المصرية اليوم    وردة «داليا».. همسة صامتة في يوم ميلادي    مهرجان القاهرة السينمائي.. المخرج مهدي هميلي: «اغتراب» حاول التعبير عن أزمة وجودية بين الإنسان والآلة    خالد أبو بكر: محطة الضبعة النووية إنجاز تاريخي لمصر.. فيديو    ضبط صانعة محتوى بتهمة نشر مقاطع فيديو خادشة للحياء ببولاق الدكرور    ارتفاع جديد في أسعار الذهب اليوم الخميس 20 نوفمبر 2025 داخل الأسواق المصرية    بوتين: يجب أن نعتمد على التقنيات التكنولوجية الخاصة بنا في مجالات حوكمة الدولة    إعلام سوري: اشتباكات الرقة إثر هجوم لقوات سوريا الديمقراطية على مواقع الجيش    إطلاق برامج تدريبية متخصصة لقضاة المحكمة الكنسية اللوثرية بالتعاون مع المعهد القضائي الفلسطيني    تأجيل محاكمة المطربة بوسي في اتهامها بالتهرب الضريبي ل3 ديسمبر    معتذرًا عن خوض الانتخابات.. محمد سليم يلحق ب كمال الدالي ويستقيل من الجبهة الوطنية في أسوان    "مفتاح" لا يقدر بثمن، مفاجآت بشأن هدية ترامب لكريستيانو رونالدو (صور)    ضمن مبادرة"صَحِّح مفاهيمك".. أوقاف الفيوم تنظم قوافل دعوية حول حُسن الجوار    خالد الغندور: أفشة ينتظر تحديد مستقبله مع الأهلي    دوري أبطال أفريقيا.. بعثة ريفرز النيجيري تصل القاهرة لمواجهة بيراميدز| صور    تقرير: بسبب مدربه الجديد.. برشلونة يفكر في قطع إعارة فاتي    بالأسماء| إصابة 5 أشخاص في حادث تصادم ميكروباص وملاكي بأسيوط    ديلي ميل: أرسنال يراقب "مايكل إيسيان" الجديد    فتح باب حجز تذاكر مباراة الأهلي وشبيبة القبائل بدورى أبطال أفريقيا    أرسنال يكبد ريال مدريد أول خسارة في دوري أبطال أوروبا للسيدات    لربات البيوت.. يجب ارتداء جوانتى أثناء غسل الصحون لتجنب الفطريات    ماييلي: جائزة أفضل لاعب فخر لى ورسالة للشباب لمواصلة العمل الدؤوب    الذكاء الاصطناعي يمنح أفريقيا فرصة تاريخية لبناء سيادة تكنولوجية واقتصاد قائم على الابتكار    عصام صاصا عن طليقته: مشوفتش منها غير كل خير    أمريكا: المدعون الفيدراليون يتهمون رجلا بإشعال النار في امرأة بقطار    تصل إلى 100 ألف جنيه، عقوبة خرق الصمت الانتخابي في انتخابات مجلس النواب    علي الغمراوي: نعمل لضمان وصول دواء آمن وفعال للمواطنين    أسعار الأسهم الأكثر ارتفاعًا وانخفاضًا بالبورصة المصرية قبل ختام تعاملات الأسبوع    خالد الجندي: الكفر 3 أنواع.. وصاحب الجنتين وقع في الشرك رغم عناده    أهم أحكام الصلاة على الكرسي في المسجد    مواقيت الصلاه اليوم الأربعاء 19نوفمبر 2025 فى المنيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كارت أخضر لعبد الحليم قنديل – موقع الخبر
نشر في مصر الجديدة يوم 04 - 09 - 2009

الشجاعة هي القيمة الكبرى التي تصنع مصائر الشعوب، وعندما تتراجع تلك القيمة الرائعة، في الأفراد أو المجتمعات، فإن أحذية المستبدين تكون أقرب إلى صناعة انهيار أمة أو تراجع شعب!
التواكل سمة تتميز بها الشعوب التي إما أنها ترفع أيديها إلى السماء مطالبة بملائكة مسومين يتولون رفع الظلم، أو يقول أفرادها للذين يحثونهم على التمرد والثورة: اذهبوا أنتم وربكم فقاتلوا، إنا هاهنا قاعدون، أو يصبح التواكل رديفا للبلادة والبرود وعدم الاكتراث لكل أنواع الاضطهاد والمهانة والاذلال و .. الاسترقاق!
لو وقف مُعلم أو ثائر أو جيفاري أو لومومبي أو عرابي أو ماندلي أمام تلامذته ومريديه يشرح لهم مظاهر وارهاصات ودوافع واشارات الثورة قبل انطلاقها فلن يجد خيرا من مصر مَثالاً للغليان، فإذا اقترب من المشهد، ولمس الصورة فسيدهشه الأمرُ، وسيفرك عينيه مرات كثيرة غير مصدق أن ما يُعَلمه في مدرسة التمرد والثورة والغضب والعصيان والتظاهر والدفاع عن النفس والأهل والكرامة يتناقض تماما مع الوضع في أم الدنيا!
مصر التي تتعرض لاغتيال منذ ثمانية وعشرين عاما تتنفس برئات عُصبة صغيرة من الرجال والنساء أزعم أنهم بضعة مئات يحركون الجبال، ويلينون الحديد، وينبجس الماء من الصخر إنْ سقط كلامُهم عليه، لكن شعبنا الذي حقنه عهد مبارك الأسود باللامبالاة لو خيّرت معظم أفراده بين الهروب من الطاعون أو مشاهدة نهائي الدوري العام لكرة القدم لما تردد في اختيار الملعب ولو وقعت الواقعة.
لو قدم الدكتور عبد الحليم قنديل كتابه ( كارت أحمر للرئيس ) في ساحة بقلب بيروت أو ليما أو وارسو أو بونُس آيرس أو استنبول أو بوجوتا أو بوخاريست أو كاركاس أو نواكشوط لما بقي أحد في بيته، ولتعطلت المواصلات من طول الصف الطويل الذي سيحظى الواقفون فيه بتوقيع ثائر أو متمرد أو كاتب يرفض الظلم الواقع عليهم!
تقرأ لعبد الحليم قنديل أو يحيي القزاز أو مجدي أحمد حسين أو محمد عباس أو سكينة فؤاد أو صلاح بديوي أو محمد عبد الحكم دياب أو أسامة رشدي أو سعد الدين إبراهيم أو أحمد صبحي منصور فتظن بعد أي مقال أن كل مصري سيجري في الشارع متوجها بجهاز عصبي يحترق إلى القصر الجمهوري، ومطالبا برقبة الرئيس مبارك قبل أن يأتيه ملك الموت فينقذه من غضب المصريين، لكن أبناء بلدنا لا يغضبون، وتسقط من الذاكرة بعد دقائق قليلة أشياء لو تم نشرها في بلد متقدم لما انبلج فجر يوم جديد على كل من يسكن القصر من الإنس والجن والشياطين!
قام الدكتور عبد الحليم قنديل بتقديم مشاهد يوم القيامة المصري في عهد الطاغية مبارك، وكان رائعا في كلمته التي ألقاها، ولم تكن روعته أقل وهو يُعرّي على الهواء مباشرة نقيب الصحفيين مكرم محمد أحمد فيثأر لكل الصحفيين الشرفاء الذين يرفضون أن يكون مداد أقلامهم من أقسام الشرطة، وأن لا يفرق القاريء بين المَحْضر والمقال!
في لفتة متحضرة وبأدب جم وجد مكرم محمد أحمد في غرفته بالفندق في عاصمة خليجية كتابين في مظروف أنيق مع كلمة رقيقة قلت له فيها بأن الكاتب يسعد بالقاريء المثقف والاعلامي مثله وكان الكتابان هما الثامن والتاسع من مؤلفاتي العشرة ( وقائع محاكمة سيد القصر ) و ( دعوة إلى التمرد) وكنت قد قمت بطبعهما في أوسلو.
في صباح اليوم التالي تقدمت منه، وسألته عن الكتابين، فقال لي: أنت لم ترسل لي كتابين، لكنهما قنبلتان، وأنا لا أقرأ هذه الأشياء، ولا أحملها معي، ولا أدخل بها مصر!
قلت له: لكنك نقيب الصحفيين، وكاتب، وإعلامي، وصحفي، وقاريء، فكيف ترفض قراءة ما خطه زميل صحفي؟
رد قائلا: لا ياعم، أنا ماليش دعوة بالحاجات ده، ثم انصرف سريعا حتى لا يراه أحد معي، وبعد ذلك علمت أنه أتصل بالأجهزة الأمنية والسفارة المصرية حتى يتبرأ من تهمة امساك الكتابين!
لذا شعرت براحة شديدة والدكتور عبد الحليم قنديل يثأر لآلاف من الصحفيين الذين فرضت الدولة عليهم نقيبا لا تعرف إن كانت رتبته غير مرئية فوق كتفيه أم أنها نتيجة انتخابات نزيهة في عصر نزيه لا يعرف التزوير أو التزييف!
وماذا بعد ؟
الأيام الأخيرة لصاحب الكارت الأحمر الذي يظن أن خريفه الواحد والثمانين هو ربيعه الأربعون، ولا يزال الوضع قائما كأن أصابع الرئيس التي يغرسها في عيوننا طوال فترة اعداد ابنه لم يرها من الشعب إلا قلة، أما الآخرون فقد وضعوا أصابعهم في عيونهم قبل أن يضعها الرئيس فيضحى العمىأضعافا!
يعيش المصريون متوهمين أن البديل للشيطان قد يكون شيطانا مجهولاً يترحمون على مبارك بعد غيابه عن الساحة، لكنهم لا يعرفون، أو يعرفون ويفتخرون بالذاكرة الضعيفة، أن جمال مبارك سيذيق المصريين عذابا لم يعرف مثله أبناء النهر الخالد مثيلا.
الشعب ينتظر بصبر أيوبي لا مثيل له قائدا يعلن أنه القادر على اخراج مصر من جحيم أسرة مبارك، والقائد المجهول لا يزال مختفياً تحت الأرض أو منزويا فوقها، وقد يكون في ثكنة عسكرية أو قريبا من الرئيس ينتظر الفرصة الملائمة أو رجلا في أمن الدولة أو مخابراتها العسكرية أو المدنية استيقظ ضميره من فرط حبه لمصر، لكن الظرف المناسب للبيان رقم واحد لم يأت بعد!
الطاغية مبارك، وبدعم أمريكي وإسرائيلي، يراقب أحلام الجنرالات في جيش العبور، ويحركهم في مواقع مختلفة كما يفعل لاعب شطرنج ماهر، ولا يسمح لكبارهم أن يتزاوروا أو تلتقي عائلاتهم أو يجتمع أكثر من أربعة منهم لمرات محددة، يقوم بعدها بتفريقهم في معسكرات متباعدة خشية الانقلاب العسكري.
لا أعرف إن كان جيشنا البطل لا يزال جيش العبور أم أن الفساد الذي نخر في كل شبر من أرض مصر وجد طريقه أيضا إلى الثكنات العسكرية وفكر القادة, أو أن الطاغية اشترى الكثيرين من الأبطال بامتيازات وأموال وفيلات! الرد سيأتي من داخل معسكرات الجيش، إما أن يصبحوا مثل وزير الدفاع الذي يسير خلف الرئيس في المناسبات والاستقبالات والحفلات بدلا من أن يكون بين جنوده، فمهمته التصفيق لمادحي رئيسه .. القائد الأعلى للقوات المسلحة، وإما أن نكون على مرمى حجر من عبور جديد فيه من الشرف والشجاعة والكرامة والنبل ما يعيد لنا الثقة بأبطال العبور.
القضاة، ممثلو العدالة السماوية على الأرض، لم يعودوا قادرين حتى على الدفاع عن زميل لهم يعلمه ضابط أمن مبارك بالحذاء على رأسه أن السلطتين القضائية والتشريعية تحت قدمي الطاغية الارهابي!
آلاف من حملة الأقلام في بلاط صاحب الجلالة السلطة الرابعة اختاروا لقمة العيش المهينة فهي التي تحميهم من قبضة الأمن، وتجعل الرئيس يبتسم لمحرريهم الكبار وهم يتشرفون بالركوع المُذل أمامه في طائرة يكفي الحديث فقط على صوت أزيزها مع رضاء الرئيس لتتفتح أبواب البلد كلها أمام الصحفي المخبر.
لا ينكر إلا مكابر أن مقالات إبراهيم عيسى شهادة وطنية ورائعة ومقاومة في عهد مشؤوم، وإن كنت على المستوى الشخصي قد حزنت كثيرا بعدما قرأت مقال الزميل في عزاء الطاغية برحيل حفيده، فقد ظننت لحظتئذ أن زميلنا سيعتذر عن كل كتاباته، ويطلب من الرئيس أن يقمعنا أكثر لأننا نبكي حفيده. كان مقال إبراهيم عيسى كبوة حصان من أجود وأفضل الخيول العربية والمصرية!
لعلي لا أنسى الزميل عادل حمودة صاحب الأسلوب الرشيق والمتمكن الذي تحمل ضاده روحا تحسب عندما تقرأ له أنه يرسم بريشة فنان، ويصف ما يكتب عنه كأنه مخرج عبقري يقف خلف الكاميرا ويمسك القلم بيد والريشة بالأخرى، وعندما كتب عن لصوص الوطن الهاربين بمليارات من أموال شعبنا أحسست أنه سلم كل واحد منا حبل مشنقة، راجبا مطاردة كلاب السلطة لنعلقهم أينما وجدناهم!
أعود للدكتور عبد الحليم قنديل وهو يتربع في الواقع على عرش المقاومة الشرسة والصريحة والمباشرة والأمينة ضد حكم مبارك، وتحول كارت أحمر للرئيس إلى كارت أخضر لمناضلنا الكبير الذي رفض اللعب مع الكبار، وكشف سوءات الفاشية المباركية في الانتخابات والتزوير والتزييف، ورفض أن يدنس قلمه بالدخول إلى حلبة مصارعة تم مسبقا تحديد الضربات الجزائية ثم القاضية، مثلما حدث عندما رفض دعوة أجهزة القمع له لحضور خطاب الرئيس أوباما في جامعة القاهرة.
عندما دعوت للعصيان المدني في أوائل عام 2005، واتصلت بالدكتور أيمن نور، وقلت له صراحة بأن اللعب مع الكبار سيؤذيه، وأنهم مجرمون وبلطجية، ويمكن لأحدهم أن يضع له قطعة مخدرات فينتهي الأمر خلف القضبان، وسينساه مئات الآلاف من مريديه وحوارييه.
لكن الرجل ظن بطيبته أن صندوق الاقتراع يعبر عن تطلعات محبيه، فدفع الثمن في السجن، وعندما خرج لم تنهض به صحته التي تدهورت من جراء التعذيب والقمع والتنكيل ومنع الرعاية الطبية عنه، فاللعب مع الكبار لا ينتهي بهزيمة الصغار، إنما تظل مطاردتهم قائمة حتى يختفي آخر مؤيديهم، ولا يستطيع بعدها زعيم الحزب أو الثائر أو المناضل أن يجمع عشرين من مؤيديه فوق سلالم نقابة الصحفيين.
في اضراب 6 ابريل الماضي الذي جندت له السلطة عشرات الآلاف من رجال أمن مبارك، أعطت كل القوى الوطنية، تقريبا، ظهرها لشباب 6 ابريل، واكتشفنا أن المصريين يحسبون المتظاهرين قرودا في حديقة الحيوانات، وجاءت الضربة القاضية من داخل المعارضة نفسها عندما رفعت أغبى وأحمق شعار ( خليك في البيت )، ولو جلس أربعون مليونا من المصريين في بيوتهم لما اهتزت شعرة في رأس النظام الحاكم، بل إن ( خليك في البيت) كانت اغتيالا لاضراب 6 ابريل، فنحن أفشل محامين عن أعدل قضايا.
لعبة الاختيارات الهزلية التي شغلت شعبنا تمنح الساذجين احساساً بأن اختيار خليفة لمبارك يعود إليها، فبدأ الحديث عن اللواء عمر سليمان وعمرو موسى والدكتور البرادعي والدكتور أحمد زويل وغيرهم رغم أن لا أحد من كل الذين رشحهم العامة والصفوة كلف نفسه عناء الرد على مرشحيه أو انتقاد الطاغية أو حتى عتابه على استحياء!
شعارات الاضرابات والمظاهرات تعطي دائما الأمان للارهابي حسني مبارك، فهي تعني أننى نرضى بأقل القليل في مقابل غض الطرف عن كل جرائمه في 28 عاماً، فالدعوة إلى حد أدنى للأجور في بلد تأكل مئات العائلات فيه من القمامة، والدعوة إلى سكن لكل شاب في بلد يعيش فيه 40% من السكان في عشوائيات، وغيرها تدل على أن التخبط أضحى سمة مميزة لقيادات الحركة الوطنية.
الرموز الدينية تشهد الله في المساجد والكنائس على أنها لا تكذب، ثم تعلن خصومتها وعداءها وكراهيتها للشعب وذلك بدعم ابن الطاغية ليكتمل مشهد احتراق مصر بالكامل، وانتهاء العصر المصري، وفتح الطريق للهيمنة الاسرائيلية على مقدرات المصريين وطعامهم ونيلهم وجيشهم البطل .. الصامت.
الإخوان المسلمون يضعون كالعادة قدما في الجنة وقدما في النار، ويفضلون لعب دور الضحية، ولا يستطيعون بكل قوتهم المزعومة أن يدافعوا عن أهلهم وأعضاء الجماعة وقياداتهم الذين يقبعون في زنازين الظلم والقسوة والتعذيب بأوامر من الطاغية مبارك.
لكنهم على استعداد للخروج بعشرات الآلاف للدفاع عن منقبتين في مدرسة بمدينة تولوز الفرنسية، فالدين كما يرونه ليس للدفاع عن أهلهم واخوانهم في سجون مبارك الذين ذاق أكثر من ربع مليون منهم الذل والمهانة والصعق الكهربائي والتعذيب الممنهج خلال فترة حكم الفاشي .. حسني مبارك.
لا أفهم كيف لا تخجل القوى الدينية، الاسلامية والمسيحية، وهي تعبد الله وتمد في روح الحكم التسلطي الارهابي؟
كل هذا يجعلني ازداد احتراما وتقديرا للموقف النضالي الوطني الذي يتحدى به الدكتور عبد الحليم قنديل واحدا من أكبر طغاة ومجرمي العصر.
ألم يأن الوقت قبل أن يقف جمال مبارك في شرفة القصر ويبصق على شعبنا أن نتكاتف في الدعوة لعصيان مدني يجمع كل المسميات من اضراب ومظاهرات وتجمعات وانتفاضة، ولا يرفع شعارات دينية أو حزبية؟
أنا أقترح اعلان حكومة وطنية يكون مقرها في الخارج ورؤوسها في الداخل يتقدمها الدكتور عبد الحليم قنديل والمستشارة نهى الزيني والدكتور يحيي القزاز والسفير أمين يسري والاعلامي حمدي قنديل مع بعض وجوه المعارضة المصرية في الخارج، وهذا سيخفف العبء الثقيل على الوطنيين في الداخل لكنهم سيكونون الدينامو المحرك للحكومة المؤقتة، وتصدر البيانات، ويتم استخدام الفضائيات والحرب الالكترونية ومنظمات حقوق الانسان وتحريك الشارع المصري وتحريض الجيش وأمن الدولة والمخابرات ضد الطاغية، شريطة أن لا تكون هناك أي دعوة طائفية، جهرا أوضمنا، فيوحدنا، كما قال فهمي هويدي، الهم الوطني فقط؟
لكن تبقى الخطوة الأهم وهي الانتفاضة الشعبية حتى لو رفضها الأقباط والإخوان المسلمون والقوى الدينية الأخرى والدكتور رفعت السعيد وآلاف الاعلاميين والمثقفين وأساتذة الجامعات والعاملين في حقل السياسة، وحتى لو اعتذر عن المشاركة فيها تسعة ملايين من العاطلين عن العمل وثلاثة ملايين من سكان المقابر وسبعة ملايين من مرضى الكبد الوبائي وخمسة ملايين من الذين ينامون كل ليلة على بطون خاوية!
الدكتور عبد الحليم قنديل بعد رفع الكارت الأحمر في وجه الطاغية يخط السطور الأخيرة في ملحمة بطولة عاشقي مصر، وهم مقارنة بعدد سكانها حفنة قليلة يضعها النظام الارهابي لمبارك في أولويات التصفية الجسدية أو الأدبية، فخطوة المجرمين القادمة لن تكون الاختطاف ثم الالقاء في الصحراء، إنما لجزاري الشعوب طرق أكثر وحشية وهي التي جعلت الأمريكيين يرسلون المتهمين إلى أجهزة مبارك لانتزاع اعترافاتهم، تماما مثلما جعلوا الممثلة حبيبة تعترف بجريمة قتل لم ترتكبها، فالسجن ولو كان المؤبد أرحم من الوقوع بين ايدي زبانية مبارك.
ينبغي أن يتم تحديد يوم الانتفاضة لتكون قبل نهاية العام الجاري، وأنا واثق بأننا جميعا، المناهضين خارج مصر لحكم الارهابي مبارك، سنقف مع الدعوة بكل ما نملك، ومنهم كاتب هذه السطور، فلم يعد الأمر يتحمل أكثر من هذا، فإما الذل لربع قرن قادم وإما الايمان بأن فينا من روح الله، ونحن بشرفائنا وجيشنا والصامتين على مضض في أجهزة أمن الدولة والمخابرات قادرون على انهاء عهد الديكتاتور كما فعلت معظم شعوب الدنيا.
وكارت أخضر للدكتور عبد الحليم قنديل الذي تجرأ فرفع كارتاً أحمر في وجه رجل إسرائيل في المنطقة، وممثل أرواح كل طغاة الدنيا.
ايها المصريون،
هل يحتاج الأمر فعلا إلى الحيرة بين الوقوف مع الشيطان أو .. الانحياز إلى الله؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.