لجان البرلمان تواصل مناقشة مشروع الموازنة.. التموين والطيران والهجرة وهيئة سلامة الغذاء الأبرز    اليوم.. «محلية النواب» تناقش طلب إحاطة بشأن إزالة 30 عقارًا بالإسماعيلية    الريال السعودي يواصل التراجع مقابل الجنيه بالبنك الأهلي اليوم الثلاثاء    بنك مصر يوقع عقد قرض طويل الأجل ب 990 مليون جنيه مع إيديتا للصناعات الغذائية لتمويل خطوط إنتاج جديدة    ارتفاع جماعي لمؤشرات البورصة بمستهل تعاملات اليوم    محافظ جنوب سيناء: نسعى للنهوض بالسياحة العلاجية وشرم الشيخ تتميز بتنوعها السياحي    طهران تصدر تحذيرات مشددة للدبلوماسيين الإيرانيين في الخارج    آخر مستجدات جهود مصر لوقف الحرب في غزة والعملية العسكرية الإسرائيلية برفح الفلسطينية    مبعوث أممي يدعو إلى استئناف المحادثات بين إسرائيل وحماس    زلزال يضرب محيط مدينة نابولي جنوبي إيطاليا    أوكرانيا: ارتفاع عدد قتلى وجرحى الجيش الروسي إلى 49570 جنديًا منذ بداية الحرب    10 لقطات لا تنسى في موسم الدوري الإنجليزي 2023-2024 (صور)    رقم تاريخي لعدد أهداف موسم 2023/24 بالدوري الإنجليزي    الحالة الثالثة.. التخوف يسيطر على الزمالك من إصابة لاعبه بالصليبي    بشير التابعي: معين الشعباني لم يكن يتوقع الهجوم الكاسح للزمالك على نهضة بركان    أول صور لحادث سقوط سيارة من أعلى معدية أبو غالب في المنوفية    بالأسماء، إصابة 18 عاملًا في انقلاب ميني باص بالشرقية    موعد عرض مسلسل دواعي السفر الحلقة 3    داعية إسلامي: الحقد والحسد أمراض حذرنا منها الإسلام    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 21-5-2024    جهات لا ينطبق عليها قانون المنشآت الصحية الجديد، تعرف عليها    التأخيرات المتوقعة اليوم فى حركة قطارات السكة الحديد    موعد إجازة عيد الأضحى 2024 في مصر: توقيت وقفة عرفات وعدد أيام العطلة    تراجع سعر الفراخ البيضاء واستقرار البيض بالأسواق في منتصف الأسبوع الثلاثاء 21 مايو 2024    حمدي الميرغني يحيي ذكرى رحيل سمير غانم: كنت ومازلت وستظل أسطورة الضحك    تعليم الوادى الجديد تحصد المركز الثامن بالمسابقة البحثية للثقافة الإسلامية    بعد رحلة 9 سنوات.. ماذا قدم كلوب لفريق ليفربول؟    جامعة أسيوط الجديدة التكنولوجية تنهي كافة الاستعدادات لامتحانات الفصل الدراسي الثاني    ننشر بالأسماء ضحايا حادث العقار المنهار بالعياط    براتب 5000 جنيه.. وزارة العمل تعلن عن وظائف جديدة بالقاهرة    قبل طرحه في السينمات.. أبطال وقصة «بنقدر ظروفك» بطولة أحمد الفيشاوي    ضياء السيد: مواجهة الأهلي والترجي صعبة.. وتجديد عقد معلول "موقف معتاد"    عاجل.. مصرع شاب إثر غرقه بمياه نهر النيل بمنشأة القناطر    فرصة للشراء.. تراجع كبير في أسعار الأضاحي اليوم الثلاثاء 21-5-2024    مندوب فلسطين أمام مجلس الأمن: إسرائيل تمنع إيصال المساعدات إلى غزة لتجويع القطاع    أحمد حلمي يتغزل في منى زكي بأغنية «اظهر وبان ياقمر»    وزير الصحة: صناعة الدواء مستقرة.. وصدرنا لقاحات وبعض أدوية كورونا للخارج    وزير الصحة: مصر تستقبل 4 مواليد كل دقيقة    «في حاجة مش صح».. يوسف الحسيني يعلق على تنبؤات ليلى عبداللطيف (فيديو)    الطيران المسيّر الإسرائيلي يستهدف دراجة نارية في قضاء صور جنوب لبنان    منافسة أوبن أيه آي وجوجل في مجال الذكاء الاصطناعي    الأنبا إرميا يرد على «تكوين»: نرفض إنكار السنة المشرفة    المقاومة الفلسطينية تستهدف قوات الاحتلال قرب مفترق بلدة طمون جنوب مدينة طوباس    «سلومة» يعقد اجتماعًا مع مسئولي الملاعب لسرعة الانتهاء من أعمال الصيانة    انتداب المعمل الجنائي لمعاينة حريق شقة سكنية بالعمرانية    «الداخلية»: ضبط متهم بإدارة كيان تعليمي وهمي بقصد النصب على المواطنين في الإسكندرية    الدوري الإيطالي.. حفل أهداف في تعادل بولونيا ويوفنتوس    دعاء في جوف الليل: اللهم ابسط علينا من بركتك ورحمتك وجميل رزقك    ميدو: غيرت مستقبل حسام غالي من آرسنال ل توتنهام    موعد عيد الأضحى 2024 في مصر ورسائل قصيرة للتهنئة عند قدومه    رفع لافتة كامل العدد.. الأوبرا تحتفي وتكرم الموسيقار عمار الشريعي (تفاصيل)    مصطفى أبوزيد: تدخل الدولة لتنفيذ المشروعات القومية كان حكيما    أطعمة ومشروبات ينصح بتناولها خلال ارتفاع درجات الحرارة    حظك اليوم برج الميزان الثلاثاء 21-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    على باب الوزير    بدون فرن.. طريقة تحضير كيكة الطاسة    تأكيداً لانفرادنا.. «الشئون الإسلامية» تقرر إعداد موسوعة مصرية للسنة    «دار الإفتاء» توضح ما يقال من الذكر والدعاء في شدة الحرّ    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د.أحمد عكاشة: الطوارئ حولت أخلاق المصريين إلي أخلاق العبيد
نشر في الدستور الأصلي يوم 27 - 09 - 2010

محمد علي خير يحاور : عالم الطب النفسي الذي يبحر محللا النفس البشرية للحاكم وبطانته والوزير ووزارته والشعب وسلبيته
سألت د.عكاشة.. متي يكتئب الحاكم.. فقال: هناك فرق بين اكتئاب الحاكم الديمقراطي واكتئاب الحاكم المستبد!!
د.أحمد عكاشة
ضيفي في هذا الحوار لا يحتاج إلي تعريف يأخذ من مساحة ما قاله.. خاصة إذا كان المتحدث في قامة وعلم خبير النفس البشرية الدكتور أحمد عكاشة، والذي أبحر محلقا في هذا الحوار محللا للنفس البشرية للحاكم والمسئول والبطانة التي حوله.. كما أنه انتقل إلي أمراض السلطة خاصة إذا طال الجلوس فيها حيث يظهر ما سماه بالاغتراب الوجودي عندما تمكث المسئول في السلطة طويلا.. وعندما سألته عن حال وزرائنا وأمراضهم فحكي لي عن أخطر ما يصيبهم وهو مرض فقدان الهوية، لأنهم لا يعرفون لماذا تم تكليفهم بالوزارة ولماذا خرجوا منها؟!.. واعتبر الدكتور عكاشة أن السلبية واللامبالاة هي أخطر ما أصاب الشخصية المصرية خلال العقود الأخيرة.. وعزا ذلك إلي خمسة أسباب شرحها بالتفصيل.. لكنه استفاض شارحا عما سببه قانون الطوارئ من تدمير نفسي للشخصية المصرية عندما حولت أخلاق المصريين إلي أخلاق العبيد.. وإلي تفاصيل الجزء الأول من الحوار:
سألت الدكتور عكاشة في البداية.. متي يكتئب الرئيس؟
- فقال: بداية يجب التفريق هنا بين اكتئاب الحاكم الديمقراطي والحاكم المستبد
وهيه تفرق؟
- طبعا فالحاكم الديمقراطي يكتئب مثل جموع الشعب لأسباب تتعلق بقدراته عندما لا تتواكب مع تطلعاته ثم عندما يفشل في توقعاته لتنمية وطنه.. ويزداد اكتئابا عندما تتسع الفجوة بينه وبين جموع الشعب وعندما تستلزم الإجراءات الأمنية أن ينعزل عن الناس.. ويسمي ذلك نفسيا بالاغتراب الوجودي.
وماذا يعني الاغتراب الوجودي؟
- يعني أنه رغم امتلاك هذا الحاكم القوة والسلطة والمال والأسرة لكنه منفصل عن الشعب.
هل يتساوي هنا الحاكمان.. الديمقراطي والمستبد في درجة الاكتئاب؟
- عادة لا يصاب الحاكم الديمقراطي بالاكتئاب بنفس النسبة التي يعاني منها الحاكم المستبد بل بدرجة أقل.. وهنا يجب الإشارة إلي سلوك بعض الحكام المستبدين والذي يتميز بالقسوة والقمع والقهر لأن هذا السلوك هو تعبير لا شعوري عن الخوف والقلق.. والخوف هو أحد أعراض اليأس والاكتئاب.
اشرح؟
- ليس شرطا أن يصيب الاكتئاب الحاكم المستبد لأنه حزين بل يظهر ذلك في إجراء سلوكي عندما تصبح الحياة لدي الحاكم المستبد موازية للبقاء في السلطة.. وعندها
يصبح كل شيء مباحا أمامه في سبيل البقاء في السلطة وينسي الحاكم في تلك الحالة أنه إنسان.
هل هناك فرق في سيكولوجية الحاكم الذي يحكم لمدة محددة والآخر الذي يحكم للأبد؟.
- كل مسئول يجب تحديد مدة توليه المسئولية لأن طول البقاء علي الكرسي يصيب المسئول بمرض التوحد مع الكرسي.. والرئيس الذي يعرف أن بقاءه في السلطة محدد بفترة معينة.. تجد في يقينه وقناعاته أن أقوي واحد في البلد التي يحكمها هو المواطن الذي انتخبه.. ومن ثم سيري أنه سوف يعود قريبا ليعيش كمواطن مثل أي مواطن في الشارع بعد انتهاء فترة حكمه.. ستجد هذا هو شعور أوباما مثلا.
وماذا عن الحاكم الذي يحكم للأبد؟.
- الحاكم المستبد لا يهتم إلا بما يبقيه في السلطة التي تصبح همه الأكبر.. وأوباما مثلا عندما وصل للسلطة تحدث عن وعود كثيرة جدا لكن عند دخوله إلي المعمعة.. وجد الكونجرس والشعب مش موافقين علي ما يطرحه.. فبدأ يعيد النظر فيما قاله لأن عينه علي الفترة الثانية.. وبالتالي لم يعد يفكر فيما قاله للشعب.. لكنه في المرة الثانية سيكون قويا جدا.
حدثني عن الأمراض النفسية للسلطة والتي تصيب المسئولين؟
- كلما طالت مدة السلطة تغيرت الشخصية حيث تقل قدرتها علي الابتكار والإبداع والتجديد.. ويصبح الهدف الأول هو البقاء فيها.. لذا تمنع دساتير العالم أن تكون السلطة مطلقة أي غير محددة المدة.
وما التأثير النفسي في الحاكم أو المسئول عندما تطول مدة بقائه في السلطة؟
- طول البقاء في أي سلطة كبرت أو صغرت يصيب المسئول بانتفاخ في الذات ويؤدي إلي تهميش إنسانيته ويشعر أنه الوحيد المنقذ للرعية بصفته رسول السماء لإنقاذ الشعب مما يعانيه.. ولا ينطبق ذلك علي الحاكم فقط بل علي كل مسئول يجلس في منصبه لمدة طويلة.
هات مثالاً؟
- أقرب مثال يحضرني هنا ستجده في عمادة الكلية ورئاسة القسم حيث يحدد القانون المدة لشاغل هذا المنصب بثلاث سنوات ويمكن مدها لفترة واحدة فقط ثم يعود بعدها العميد إلي منصبه السابق قبل العمادة مثل بقية أساتذة الكلية.. وطول السلطة مفسدة للجميع لأنها تصيب البلد والناس والحكومة بالجمود ويصبح دائما الحل عند الرئيس الذي عليه حل المشكلة والأمثلة كثيرة يمكن أن تسترجعها بسهولة.
وهل تنتقل أمراض السلطة إلي البطانة المحيطة بالحاكم؟
- بقاء البطانة في أماكنها مرهون دائما بقدرتها علي نفخ ذات الحاكم أو المسئول وتأليهه حتي يقتنع في نهاية الأمر أن أي نقد يوجه إليه هو بمثابة خيانة وليس مجرد رأي آخر.. عندئذ يصبح الحوار مع هذا المسئول صعب جدا حيث لا ينتهي إلي شيء.. فالبقاء الطويل في السلطة يخلق نوعا من الإنكار للحقائق لمدة طويلة.
لكن كيف نصف الحالة النفسية لبطانة الحاكم؟
- البطانة تقنع نفسها أن بقاء الحاكم في السلطة يعني بقاءها والعكس صحيح، حيث تنتهي سلطة تلك البطانة عندما تنتهي سلطة الحاكم.. فالخروج من السلطة يؤدي إلي نوع من العجز واليأس الشديد وفقد الشعور بالأمان.
وماذا عن الصحة النفسية للمسئول في السلطة؟
- أهم مكون للصحة النفسية لأي إنسان وليس الحاكم فقط هو الصداقة والنسيج الاجتماعي.. والمشكلة أن السلطة تفقد المسئول صداقاته ويتأكد أن كل من يقترب منه يكون بسبب الحصول علي منفعة.. ومن ثم يصاب المسئول بالشك فيمن حوله.
بصفتك عالمًا وخبيرًآ في النفس البشرية.. وقد مررت بحالات مرضية كثيرة لمسئولين ووزراء.. ما أكثر مرض يعاني منه الوزراء؟.
- يخشي الوزير ترك الكرسي.. كما أنه لا يعرف متي يرضي عنه الحاكم أو متي تغضب عنه السلطة.. فالوزير في بلادنا يدخل السلطة ولا يعرف لماذا جاء ويرحل كذلك دون أن يعرف لماذا رحل.. مما يؤدي إلي إصابته بأزمة هوية.. والاكتئاب هو مرض السلطة ثم القلق النفسي والإحساس بالحسرة والندم.. لذا ستجد أن أكثر منتقدي النظام الحالي هم المسئولون السابقون.
عندك تفسير؟
- هذا سلوك نفسي طبيعي طالما كنت مسئولا سابقا.. فعندما تكون في السلطة فلابد أن يكون هناك إنكار للحقائق لكن أول ما تترك السلطة وتخرج منها سينتابك شعور بأنك قد ظلمت.. ورغم ذلك فهناك وزراء ومسئولون كبار كانوا مبسوطين بخروجهم من السلطة.
إجابتك تدعوني لسؤالك عن الأكثر زيارة لعيادتك النفسية المسئولين الحاليين أم السابقين؟
- لاشك أن المسئول الحالي لديه قوة مطلقة ويعيش عملية إنكار للحقائق عكس السابق.. وعندما أعالج مريضا وتأتيه السلطة أثناء العلاج فإنه يترك العلاج.. ويكمل د.عكاشة مبتسما ويقول.. واضح جدا إن السلطة علاج للأمراض النفسية.
دعني أنتقل معك لمنطقة نفسية أخري لدي الحاكم وعندي هنا سؤال.. هل يمكن أن يتنازل الحاكم عن السلطة لابنه؟
- يحدث هذا في الملكية.. وفي الجمهورية صعب حدوثه لأن البقاء في السلطة لفترة طويلة يؤدي إلي تغيير في السمات الشخصية للحاكم.. حيث يتوحد الحاكم مع الكرسي ويري أن الناس أغبياء لأنهم لا يعرفون أنه الوحيد الذي يخدمهم.. ولا يترك الأب السلطة إلا للمرض.. وقناعتي أن حب السلطة أقوي من أي غريزة.. فالبقاء في السلطة مدة طويلة مرض شديد يفوق اللهفة علي الأبوة.. والأصل استمرار المسئول أو الحاكم لفترة محددة.. يا راجل ده مفيش نبي قعد في النبوة 30 سنة.
ما تحليلكم لنفسية الثري عندما يصبح وزيرا ويجمع السلطة والثروة معا؟.
- هذا الشخص يشعر وقتها بالقوة المطلقة والتي هي مفسدة مطلقة.. وهذه التجربة من النادر حدوثها في أي بلد في العالم.. لأنه جرت العادة أن تعمل الثروة من الوراء لصالح السلطة.. لا أن يتوحد المال والسلطة في شخص واحد.
تشغلني مسألة اتساع المسافة بين الشعوب العربية وحكامها.. عندك تفسير؟
- إذا أجريت بحثا بين الشعوب العربية وحكامهم ستلحظ وجود اختلاف كبير حول القرارات الصادرة بين الحاكم والمواطن العربي بنسبة لا تقل عن 90%.. خذ مثلا المفاوضات العربية الإسرائيلية.. سوف تجد الشعوب متشائمة لكن الحكام متفائلون.. ليه ما أعرفشي.. مثال ثان عندما انتصر حزب الله في حربه مع إسرائيل فرحت الشعوب وحزن غالبية حكامنا.
وما تأثير ذلك علي العلاقة بين الشعب والحاكم؟.
- انفصام تام بين الطرفين.. فالأصل هو توحد الرأي ثم القرار بين الحاكم والشعب.. وعاوز أكلمك هنا عن الرئيس أوباما الذي جاء للسلطة محملا برغبة قوية في إنجاز حاجات كتيرة لبلده لكن لم يستطع بسبب وقوف الكونجرس ضده.. وفي تركيا قال رئيس وزرائها إنه لا يستطيع تعيين مسئول دون موافقة البرلمان المنتخب من الشعب.
لكن الرأي العام الأمريكي لم يتحد مع الرئيس بوش في قرار الحرب علي العراق؟
- العكس هو الصحيح.. فالرئيس بوش أقنع شعبه بأهمية قراره بحرب العراق ونجح في ذلك لأن الأمريكان سطحيون في المعرفة.. كما لعبت الميديا دورا مهما في التأثير علي الرأي العام الأمريكي في تلك المسألة.
قرأت لك أن هناك عدة صور للنفس البشرية.. حدثني عن ذلك؟
- لكل إنسان ثلاث صور.. الأولي ذاتية لا يعرفها سوي صاحبها وطبيبه النفسي.. والثانية اجتماعية يظهر عليها الناس مع بعضهم البعض وفيها تحدث اللقاءات الاجتماعية.. و60% بالمائة من الناس يعيشون حياتهم بتلك الصورة وأحيانا مائة بالمائة.. وأخيرا الصورة المثالية وهي ما تتوق إليه النفس البشرية في الوصول إليه.. وسلامة الصحة النفسية تكمن في التوازن بين الثلاث صور.
أي من الصور الثلاث السابقة التي يعيش بها السياسي أو المسئول؟
- الصورة الاجتماعية هي الغالبة عند السياسيين لأنها هي التي تجعل الناس تنتخبهم.. وأخطر ما يصيب السياسي أو المسئول هو اختفاء الصورة الذاتية عنده.. وليس هذه فحسب بل تختفي كذلك الصورة المثالية.
وما وجه الخطورة في ذلك.. مش هو عاوز كده؟
- تنشأ الخطورة النفسية عندما يترك السياسي السلطة.. مع رغبته في العودة إلي الصورة الذاتية وعندها سيكتشف أنها أصبحت مشوشة.. وهنا أتذكر ما قاله سقراط بأن العلم تواكبه الفضيلة.. بينما السياسة تواكبها المراوغة.. لذا فإنه نادرا ما تجد العلماء وأهل العلم يبغون السياسة أو الحكم.. عمرك شفت حاكم في الدنيا كان عالما في الأصل.
تفتكر ليه.. أو إيه تفسيرك؟
- لأن السلطة وطبيعتها تتعارض تماما مع العلم ونفسية وطبيعة العلماء.. وأرسطو قال السعادة هي الالتزام بالفضيلة وأسعد إنسان هو الملتزم بالفضيلة.. بينما التعيس هو من يعيش في الرذيلة لأن الفضيلة سعادتها ليست مؤقتة فهي الرحمة والتسامح والعدل وقبول الآخر والمصداقية.
ما الصفة السلبية التي اكتسبتها الشخصية المصرية في العقود الثلاثة الأخيرة وتثير اهتمامك؟.
- اللامبالاة والسلبية.. وأتحدي أن تأتي بنجار أو سباك أو طبيب ثم ينهي عمله علي أكمل وجه من أول مرة.. والسبب هو افتقاده القدرة علي الابتكار والثقة في الآخر.
أكيد فيه أسباب تانية؟.
- لقد وصلنا إلي حال أصبح كل إنسان في مصر حاطط إيده في جيب الآخر بسبب انهيار الأخلاق وغياب القدوة وإن وجدت فهي سيئة.. فالأب أو الأم يشترون الامتحان لابنهم وهو يعرف ذلك ويشجعونه عليه.. والطالب في المدرسة يعرف أن المدرس لا يشرح بضمير حتي يذهب التلميذ إليه للحصول علي درس خصوصي.. والناظر يعرف ذلك وموافق عليه.. وعندما يكبر هذا الطالب وينضم للمجتمع يكتشف أن كل واحد في مصر يستطيع الحصول علي ما يريد بالفهلوة.. فكيف تريد للضمير أن يتكون.
وما النتيجة؟.
- انهيار القيم الأخلاقية داخل أي مجتمع يعني انهيار الدولة.. لأن نمو أي بلد في العالم لا يعتمد علي القوي السياسية أو الاقتصادية بل علي الأخلاق.. ورحم الله من قال كل شعب يحكم بما يستحق.
للدكتورة نعمات أحمد فؤاد مقال ممتع نشرته في الأهرام في أوائل الثمانينيات عن تأليه المصريين للحاكم عبر تاريخهم.. ما التفسير النفسي لهذه الظاهرة؟
- نظر المصريون عبر تاريخهم إلي الحاكم كأنه مندوب الله في الأرض.. وبدأوا يخلعون عليه صفات الألوهية.. فأصبح كلامه هو كلام الإله.. واستمر ذلك عشرات القرون ومع كثرة المحتلين لبلادنا غلبت علينا ثقافات المحتلين.. فتعاملنا مع الثقافة الرومانية والتركية وهكذا.
هل تغيرت تلك النظرة أو الصورة مع تولي حكمنا مصريين مثلنا وتحديدا مع ثورة يوليو؟
- ازدادت الصورة تعقيدا عندما نظرنا لأنفسنا كما لو كنا أطفالا وزاد من هذا الشعور أن حكامنا المصريين جعلونا فعلا أطفالا.. عندما طلبوا منا ألا نفعل شيئا سوي السمع والطاعة مقابل توفيرهم المأكل والمشرب والعمل لنا.
وماذا جري بعد ذلك؟.
- تمثلت الصعوبة النفسية في اعتماد الشعب كلية علي حاكمه واعتباره بمثابة الأب لأن الأبوة هي التي توفر الطعام والشراب.. لذا حدث مشهد فارق ويحمل دلالات كثيرة حيث لم يحدث في تاريخ العالم كله أن جرت هزيمة نكراء لحاكم ثم ينزل الشعب إلي الشارع ليطالبه بالبقاء ويتحايل عليه بعدم ترك السلطة بل يبكي أفراد الشعب ويتوسلوان لهذا الحاكم المهزوم أن يستمر في الحكم ولا يغادرهم.
وما تفسيركم لتلك الحالة؟
- هذه كانت غلطة الشعب لأنه رفض أن يكبر وظل طفلا ورأي أن أباه هو الحاكم.. وعندما تكون طفلا وتستمد الحماية من أبك ثم يخطئ هذا الأب أو تتم هزيمته.. ستقول له فورا وبطريقة لا شعورية لا تتركني.. فكيف تعيش كطفل دون أب.. لكن هناك مفارقة عندما تقارن بين وضع المصريين أيام الاحتلال وحالتهم مع حكامهم المصريين.
ما تلك المفارقة؟.
- لقد أنجز المصريون كثيرا وكبروا وهم مستعمرون.. ويكفي أن أذكر لك أننا كنا نمشي علي أقدامنا لأننا كنا مسئولين وقبل أن يحكمنا مصريون أما الآن فقد أصبحنا نحبو ولا نتكلم حيث عدنا إلي الطفولة بل الرضاعة.. واستمر الحال من الرضاعة للحبو ثم الطفولة وانتهينا إلي سريان مشاعر الخوف واليأس.
وما السبب في هذا الشعور الذي ضرب نفوس المصريين؟.
- منذ ثلاثين سنة والمصريون يعيشون تحت حكم الطوارئ.. والطوارئ تؤدي إلي تغيير الأخلاق لأنها تعني الاستسلام والخضوع والخوف وتلك أخلاق لا يمكن أن تنتج إنجازًا أو تقدمًا.
يعني المصريين تخلفوا بسبب الطوارئ؟.
- طبعا.. الشخصية المصرية تغيرت لخمسة عوامل.. أولها هزيمة 67 التي أدت إلي انهيار الهوية القومية وكان هذا بداية التحول من القومية العربية إلي القومية الدينية.. حيث تأكد المصريون أن الدنيا مفيهاش فايدة فقالوا نأخذ من الآخرة.. ثم جرت اتفاقية كامب ديفيد والتي ألغت الانتماء عند المصري فلم يعد يمتد انتماؤه إلي البلاد الإسلامية أو العربية بل أصبح منتميًا إلي الهوية المصرية.
وهل في هذا الانتماء مشكلة؟.
- نعم لأنه في الهوية المصرية لا توجد قومية لأن المصرية تعني أن تكون مقهورا ومقموعًا ثم رابع أسباب تحول الشخصية المصرية جاء مع التحول إلي سياسة الانفتاح الاقتصادي عندما أصبحت الفلوس سهلة جدا بسبب الفهلوة وضاعت قيمة ومعني العمل الجاد.. وستجد أن ثروة غالبية الأغنياء في مصر كان سببها الأراضي وفهلوتهم في الحصول عليها (إضافة إلي أسباب أخري) فمن النادر أن تجد غنيا كون ثروته بسبب العمل أو إقامة المصانع إلا قلة منهم.. وانتشرت بين المصريين الثقافة الاستهلاكية.. وكان الانفتاح أخطر ما يمكن.. ثم جاء قانون الطوارئ ليكمل المنظومة.
وما الذي خلفه حكم الطوارئ؟.
- تؤدي الطوارئ إلي انتشار أخلاق العبيد بين المواطنين.. فالمواطن تحت حكم الطوارئ ممكن يتبهدل دون سبب.. ويسجن دون سبب وهذا الإحساس يجعله جبانا وخائفا ومستسلما.
وهل الأسباب السابقة هي التي أدت إلي عدم انتماء المصري لبلده؟.
- نعم إضافة إلي أسباب أخري.. فالشخصية المصرية الآن غير منتمية فتجد المواطن ينظف شقته ويرمي الزبالة في الطريق ويكسر الشجر في الشوارع ويرمي القاذورات في النيل.. ثم بالله عليك كيف يكون منتميًا وهو يتابع ما جري لابن طارق الغزالي حرب وهذا طالب متفوق في الطب وكان مسافرًا لندن لمناقشة رسالته للدكتوراه والحصول علي زمالة كلية الجراحين الملكية.. لكن ألقوا القبض عليه وتمت تغمية عينه.. بينما أمه وأبوه مايعرفوش حاجة عنه وهذا يحدث عام 2010.. ثم تتحدث عن الانتماء.
لكن مع غياب الانتماء انتشر النفاق بين المصريين؟
- أنت تسألني وأنا أتابع ما جري في جامعة القاهرة التي منحت السيدة سوزان مبارك حرم الرئيس الدكتوراه الفخرية.. وعلمت أن أساتذة الجامعة ونجوم الحفل قد حضروا بدعوات خاصة مسبقة وتم تفتيشهم تفتيشا دقيقا كما عزف الفنان رمزي يس مقطوعات علي البيانو.
طب وإنت إيه اللي مزعلك في كده؟
- وهل فيه دكتوراه في العالم يجري فيها عزف المزيكا أثناء الحصول عليها.
بصراحة أنا لم أحصل علي دكتوره فخرية قبل كده عشان أجاوب
- أنا بقي أخذت دكتوراه فخرية قبل كده ومحدش ضرب لي مزيكا.. دا إحنا في الدكتوراه العلمية نتحايل علي الناس عشان تحضر.
يمكن إنت اللي مطلبتش يضربوا لك مزيكا؟
- هل طالعت جامعة القاهرة وقد دهنوها قبل وصول السيدة سوزان مبارك.. مثلما يجري مع الرئيس عندما يزور المصانع والمحافظات.. والسؤال هل هو عارف الخداع ده أم لا.
هل لديكم إجابة؟.
- الحاكم يقول لك أنا مع الشعب لكن اللي حواليه بيوضبوا له تقارير ملونة ويقدمون له ناس مصنوعة.. والحاكم الذي يعتمد علي الأمن في حكمه فإنه يبتعد عن الشعب وعاوز أقول لك هنا أن حسني مبارك حاكم طيب ويميل إلي الخير لكن الإشارات التي تصل إليه لا تحمل الحقيقة الكاملة.
لماذا ثار المصريون في مظاهرات 18و19يناير أواخر السبعينيات عندما ارتفع سعر الرغيف تعريفة أما الآن فالأسعار تشتعل دون رد فعل للمواطن؟.
- هناك فرق بين لقمة العيش وبين مستلزمات العيش.. فالمصري لا يثور إلا لأربعة أسباب وهي إهانة عقيدته الدينية أو شرفه وعرضه أو إذلال كرامته بصورة لا يمكن أن يعيش أبدًا بعدها وأخيرًا عندما يمس أحد لقمة عيشه.
معظم إن لم تكن كل هذه الأسباب تحدث الآن للمصريين دون رد فعل منهم.. فما السبب؟
- عرف المسئولون في مصر أنهم يحكمون شعبا طيبا ثم أنهم تعلموا من تجارب سابقة.. وبالتالي فإنهم عندما يزيدون أسعار السلع والخدمات فإن ذلك يجري تدريجيا بدلا من زيادتها دفعة واحدة مثلما كان يفعل السادات باستخدامه طريقة الصدمات الكهربائية.. انظر حولك ستجد أن كل حاجة في مصر ارتفع سعرها لكن بالتدريج.. والأدهي أن المسئولين ينكرون وجود ارتفاع في الأسعار.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.