إسرائيل دولة غربية بمرجعية يهودية (4) التحايل علي نصوص الدين اليهودي لإنشاء دولة إسرائيل نعتقد - نحن العرب - في سذاجة وسطحية وقلة وعي أن الغرب عَمِل علي إنشاء دولة إسرائيل لأن الغرب قد صحا ضميره فجأة وبدأ يشعر بالذنب تجاه ما تعرض له اليهود من اضطهاد ومحارق وإبادة جماعية علي يد النازيين في الحرب العالمية الثانية، وأن البلدان الغربية المنتصرة في الحرب قد آلمها الإحساس بالذنب نتيجة تقاعسها عن دحر القوات النازية حين بدأت في الظهور وتركتها تعثو فسادا في أوروبا حتي فعلت باليهود ما فعلت. بالله عليكم هل من إنسان لديه أدني مسكة من عقل أن يصدق أن الحكومات الغربية التي استعمرت جميع بلدان الأرض لعشرات السنين ونهبت ثرواتها واستعبدت شعوبها وأبادت شعوباً بأكملها كما حدث مع الهنود الحمر وكما حدث من إلقاء قنبلتين ذريتين علي مدينتي هيروشيما ونجازاكي في اليابان وعشرات الملايين الذين قتلوا في الحربين العالميتين الأولي والثانية وغيرها وغيرها من الجرائم التي ارتكبتها الحكومات والجيوش الغربية والتي يندي لها جبين البشرية هل يصدق عاقل في هذه الدنيا أن هذا الغرب قد صحا ضميره فجأة وامتلأ قلبه بالمحبة والعطف والشفقة والرحمة علي اليهود حتي ينشئ لهم وطنا يعيشون فيه علي حساب شعب بأكمله؟ ألهذه الدرجة من السذاجة والسطحية أن يصدق أحد أن الغرب بهذه الدرجة من طيبة القلب ودماثة الأخلاق؟ وكي نجيب عن هذه الأسئلة المهمة دعونا بداية نقف علي الحقيقة الدينية لقيام الدولة اليهودية علي أرض الميعاد في فلسطين طبقا للمعتقدات اليهودية ذاتها. أولا: يقول المفكرون الصهاينة _وفقا لما جاء في موسوعة ويكيبيديا_ إن الحاجة لإقامة وطن قومي لليهود قديمة ظهرت خصوصاً بعد الأسر البابلي علي يد (نبوخذ نصر) وكذلك اعتقاد المتدينين اليهود أن أرض الميعاد (قد وهبها الله لبني إسرائيل فهذه الهبة أبدية ولا رجعة فيها) إلا أنهم لم يتحمسوا كثيراً لإنشاء دولة لليهود باعتبار أن أرض الميعاد ودولة إسرائيل يجب الأ تقام من قبل بني البشر كما هو الحال الآن، بل يجب أن تقوم علي يد المسيح المنتظر)، إذن فإنشاء دولة إسرائيل الموعودة علي يد البشر هو مخالفة صريحة للعقيدة الدينية اليهودية بل يعد تحايلا وخروجا صارخا علي الشريعة اليهودية. ثانيا: كان أول من دعا للتحايل والخروج علي الشريعة اليهودية ونادي بإنشاء دولة لليهود علي يد البشر هو الحركة الصهيونية، وكلمة "صهيوني" مشتقة من الكلمة "صهيون" وهي أحد ألقاب جبل صهيون الذي يسمي ب"جبل داود" والذي يعتبر الأقرب إلي مكان بناء هيكل سليمان في القدس، وتعبّر كلمة "صهيون" عن أرض الميعاد عند اليهود وعودة اليهود إلي تلك الأرض. أما الصهيونية فهي حركة سياسية هدفها توحيد اليهود في الشتات وإسكانهم في فلسطين وتوجت جهودها بإقامة دولة إسرائيل عام 1948 وكان أول من استخدم مصطلح الصهيونية هو (ناثان برنباوم) الفيلسوف اليهودي النمساوي عام 1890 وتم عقد أول مؤتمر صهيوني في مدينة بال في سويسرا ليتم تطبيق الصهيونية بشكل عملي علي فلسطين. ثالثاً: كان من أهم أسباب الخروج علي الشريعة اليهودية والاستعجال في إقامة وطن قومي لليهود ما سبق أن قلناه وهو الشعور اليهودي العام بالنبذ والاحتقار والرفض من قبل الشعوب الغربية للشخصية اليهودية التي كانت تحمل فكرا دينيا إجراميا غير آدمي جعلهم يفكرون في محاولة تأويل النصوص الدينية للتعجيل بإقامة الدولة الموعودة علي يد البشر، مبررين ذلك بأن هذه الدولة هي فقط تمهيد لدولة إسرائيل التي سيأتي المسيح الموعود لإقامتها بنفسه، ولا يخفي علي أحد مدي الخداع والمراوغة التي قام بها اليهود مع نصوصهم الدينية للهروب من حالة النبذ والاحتقار التي كانوا يعانون منها في المجتمعات الغربية، لكن الصهيونية الحديثة لم تستطع الظهور إلا عندما تم ما يسمي (علمنة) الحياة اليهودية عن طريق حركة التنوير اليهودية "الهسكلاه" التي ترأسها (موسي مندلسون) في القرن الثامن عشر الميلادي، حيث ساهمت بالابتعاد عن ظاهر النصوص الدينية اليهودية الأرثوذكسية وخلق روح قومية تتوحد عن طريق الدين، وفي منتصف القرن التاسع عشر ظهر حاخامان دعوا اليهود إلي تمهيد الطريق للمسيح المنتظر بإقامة وطن قومي وظهر الفيلسوف الألماني اليهودي (موسي هس) في كتابه (رومة والقدس) وقال إن المشكلة اليهودية تكمن في عدم وجود وطن قومي لليهود. ولكن ما حدث هو أن الغرب الطيب الذي انفطر قلبه ألما وفاض وجدانه شفقة ورحمة علي اليهود كما يظن معظم الناس، لم يساند اليهود في التوطين في فلسطين من أجل سواد عيون اليهود ولا من أجل رقة قلبه ودماثة أخلاقه إنما قام بذلك لاستحمار شعب الله المختار، كيف، هذا ما سنفصله في المقال القادم. (للحديث بقية)