سبق أن قلت إن اليهود يرون من خلال النصوص الدينية اليهودية وبخاصة نصوص (التلمود) أن الله قد فضلهم علي الجنس البشري كله، بل يعتقد اليهود أن جميع الأمم جعلهم الله حميرا ليركبهم شعب الله المختار، فقد جاء في بعض فصول التلمود فقرة تخاطب اليهود تقول: (الأمميون _أي جميع شعوب وأمم الأرض من غير اليهود_ هم الحمير الذين خلقهم الله ليركبهم شعب الله المختار، وكلما نفق منهم حمار ركبنا حمارا آخر). وبنظرة فاحصة علي التاريخ الحديث نجد أن استحمار اليهود للأمم لم يحدث علي الإطلاق، بل العكس تماما هو الذي حدث، وليس ما يتردد علي ألسنة كثير من الكتاب والمثقفين العرب وبخاصة الإسلاميين منهم. فالذي حدث هو أن العالم الغربي الطيب الذي انفطر قلبه ألما وفاض وجدانه شفقة ورحمة علي اليهود _كما حاول أن يخدع العالم كله ونجح في ذلك_ هو من قام باستحمار (شعب الله المختار)، بل إن الغرب بمساندته لإنشاء دولة إسرائيل وتمويله لها عسكريا وماديا ودفاعه عن أمنها وتبريره لجرائمها في حق العرب والفلسطينيين قام باستحمار العالم كله وليس شعب الله المختار وحسب. لقد جاء رد الرئيس الأمريكي (ترومان) علي مطالب الملك عبد العزيز آل سعود بوقف هجرة اليهود إلي فلسطين في 28 أكتوبر 1948 علي النحو التالي: (مقتطفات من الرسالة): (إن وضع اليهود المفجع، وخاصة من بقوا بعد اضطهاد النازيين في أوروبا، يشكل قضية ذات أهمية وتأثير، لا يمكن أناساً ذوي نية طيبة وطبيعة إنسانية أن يتجاهلوها. إن حكومة الولاياتالمتحدةالأمريكية وسكانها عاصروا مفهوم الوطن القومي اليهودي في فلسطين، منذ انتهاء الحرب العالمية الأولي، والولاياتالمتحدةالأمريكية هي التي ساهمت في الدفاع عن تحرير الشعوب، واتخذت الموقف الذي لا تزال ملتزمة به، في تهيئة هذه الشعوب للحكم الذاتي، ووجوب إنشاء وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين. وقد كان من الطبيعي أن تشجع الولاياتالمتحدة دخول عدد كبير من المشردين اليهود في أوروبا إلي فلسطين، لا ليجدوا هناك ملجأ، بل ليتمكنوا أيضاً من المساهمة بمواهبهم وجهودهم في سبيل تشييد الوطن القومي اليهودي) انتهي. وبإمعان النظر في رد الرئيس الأمريكي (ترومان) نجد أن الرد كان يرسم المخطط المستقبلي الأمريكي الغربي لاستخدام واستحمار (شعب الله المختار) عقب إنشاء دولة إسرائيل خدمة للغرب وتحقيقا لكثير من مصالحه وحسب، ناهيك عن المغالطات والخداع البين في عبارات الرسالة، فحين يقول (ترومان): (وضع اليهود المفجع) نراه يصمت عن ذكر الأسباب الفكرية الدينية اليهودية التي أوصلت اليهود إلي ذلك الوضع المفجع، وكذلك يصمت عن ذكر العالم الغربي الذي ارتكب وحده دون غيره تلك الفواجع في حق اليهود، وكذلك من الكذب والخداع الذي جري علي لسان (ترومان) قوله: (لا يمكن أناساً ذوي نية طيبة وطبيعة إنسانية أن يتجاهلوها)، وهل الأناس ذوو النية الطيبة والطبيعة الإنسانية يقومون بلملمة شعب من كل دول العالم ويجعله يحتل أرضا ليست أرضه ويشرد أهلها ويقتلهم ويهجرهم ليحل هو محله؟؟ هل هذه هي أفعال الأناس ذوي النية الطيبة والطبيعة الإنسانية كما يزعم ويكذب ويخادع (ترومان)؟؟ أما قول ترومان في رسالته: (وقد كان من الطبيعي أن تشجع الولاياتالمتحدة دخول عدد كبير من المشردين اليهود في أوروبا إلي فلسطين، لا ليجدوا هناك ملجأ، بل ليتمكنوا أيضاً من المساهمة بمواهبهم وجهودهم في سبيل تشييد الوطن القومي اليهودي)، فقد بين ترومان وكشف بقوله هذا عن المخطط الغربي الشيطاني لاستخدام واستحمار (شعب الله المختار) لجعله يساهم بمواهبه وجهوده في سبيل الحفاظ علي مصالح الغرب العليا، ولكن كيف استغل الغرب اليهود لتنفيذ ذلك؟؟ أولا: بالتخلص نهائيا من الوجود اليهودي في الدول الغربية وتطهير المجتمعات الغربية منهم ومن مخاطر أفكارهم الدينية الإجرامية المحدقة بالشعوب الغربية، وكذلك بالتخلص من ممارساتهم وسلوكياتهم غير الآدمية. ثانيا: بتحويل فلسطين إلي سلة قاذورات لقم اليهود وجمعهم من كل أنحاء العالم الغربي وغير الغربي ووضعهم في تلك السلة، ثم إعادة تدويلهم مرة أخري لاستحمارهم واستخدام أفكارهم الدينية الجهنمية غير الآدمية لردع وتخويف وتركيع شعوب وحكام منطقة الشرق الأوسط وإلهائهم في حروب وصراعات لإنهاك العرب سياسيا واقتصاديا وعسكريا، وكذلك لبث بذور الفرقة والاختلاف بين العرب وبعضهم البعض ومن ثم انقسامهم علي إسرائيل بين مؤيد لها ومعاد ومهادن. وبذلك تصبح إسرائيل عصا الغرب الغليظة لتأديب وتحجيم كل من تسول له نفسه أن يرفع رأسه من العرب. ثالثا: باعتبار مهادنة إسرائيل ومصاحبتها ومسالمتها باباً ومعيارا غربيا للتودد والتقرب من كل عربي يهادنها أو يصاحبها أو يسالمها. رابعاً: بأن تقوم إسرائيل بتمثيل الدور الاستعماري العنصري وتقمص الوجه القبيح المستبد الطغياني للعالم الغربي في منطقة الشرق الأوسط، فيما يحافظ الغرب علي تظاهره بالوجه الحضاري الذي يلتزم بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان. خامساً: بالالتزام الغربي بالحفاظ علي أمن إسرائيل وتمويلها ماديا واقتصاديا وتطويرها عسكريا لاستخدام اليهود واستخدام دمائهم وأبنائهم ونسائهم كدروع بشرية واقية وكبش فداء وحليف استراتيجي لصد أي عدوان عربي يهدد أمن المصالح الاستراتيجية التي قد تؤثر علي الأمن القومي للعالم الغربي، وكذلك ضمانا للمجتمعات الغربية بعدم عودة اليهود إليها مرة أخري. سادساً: بأن يقبل الغرب من جهة بإسرائيل كدولة غربية بمرجعية يهودية ليفاخر الغرب بإسرائيل كدولة غربية لما فيها من قيم ديمقراطية واجتماعية تتفق تماما مع القيم الديمقراطية والاجتماعية الغربية لمعايرة دول وأنظمة وشعوب منطقة الشرق الأوسط بتلك القيم الغربية، ومن جهة أخري يعترف الغرب بيهودية الدولة الإسرائيلية ليتبرأ هو ويبرئ القيم الغربية من الجرائم الوحشية والخطايا العنصرية التي تمارسها إسرائيل ضد الفلسطينيين ويتم إلصاق كل تلك الجرائم بالدين اليهودي. فمن نجح في أن يستحمر من؟ اليهود أم الغرب؟؟ (وللحديث بقية)