بكل صراحة، عدد ليس قليلاً من نواب الشعب تحولوا إلي بسطجية مع كامل الاحترام لرجال البريد وما يؤدونه من خدمات جليلة للمجتمع لكن دور نائب الشعب جوهرة التشريع والمراقبة، وليس حمل طلبات العلاج علي نفقة الدولة إلي وزارة الصحة والعودة بها إلي أبناء الدائرة، أو جمع ما تيسر من طلبات التعيين وملاحقة الوزراء للحصول علي التأشيرات، ومن ثم خلق مصالح متبادلة بين النواب والوزراء، فالأكثر منحاً للتأشيرات هو الأكثر أمناً تحت قبة البرلمان من الأسئلة والأستجوابات والملاحقات الرقابية. نعم قطاعات من الجماهير تئن من المرض والفقر والبطالة، ولا خلاف علي أن دور النواب خدمة الجماهير التي منحتهم الثقة، بتخفيف أعبائهم، لكن هذا الهدف يتحقق بأن يعمل النواب علي استصدار القوانين التي تحقق تكافؤ الفرص، فلأولي بهم سن تشريع قانوني يلزم الحكومة ووزارة الصحة بإنشاء منافذ لتلقي طلبات العلاج علي نفقة الدولة بكل وحدة صحية أو مستشفي عام بالمدن والمحافظات لتسهيل حصول المريض أو قريبه من الدرجة الأولي علي الخدمة، وبالتالي يتحقق الهدف وتسد الثغرات أمام الطفيليات المتربحة من آلام المرضي. عجز بعض النواب عن تأدية دورهم الحقيقي يجعلهم يجدون في جمع الطلبات والعودة بها لدوائرهم بما فيها من تأشيرات غير صريحة فرصة لإيهام البسطاء بأنهم يقدمون خدمات جليلة، فتزداد شعبيتهم دون إنجاز حقيقي، ومن يفشل في الوصول للنائب لا يحصل علي فرصة العلاج المجاني. موظفو البريد يقدمون خدماتهم لكافة المواطنين دون تفرقه، لكن الكثير من نواب الشعب يقدمون خدماتهم لأولي القربي والأنصار بالدوائر، ومن لا يملك واسطة يلزم منزله عبئاً علي أسرته حتي يقضي الله أمراً كان مفعولا. الطريف أن بعض نواب الشعب طالبوا الدكتور طارق كامل وزير الاتصالات بوقف التعيين في الوزارة والشركات التابعة لها بنظام المسابقات، ومنح التأشيرات للنواب أولا وما يتبقي من فرص يعلن عنه، فأين تكافؤ الفرص وأين معايير الكفاءة وأين المساواة في الحقوق أين الدستور؟! الآفة الأخطر في مصر انتشار الفساد في قطاعات عدة، فالأنساب والواسطة التي يشتريها من لا يملكها بأمواله، الأمر الذي يهدد الحراك الاجتماعي في المجتمع، فبعد أن كان التعليم والتفوق هو الوسيلة الوحيدة أمام محدودي الدخل للارتقاء لطبقات أعلي، فالآباء البسطاء يكافحون من أجل حياة أفضل لأبنائهم، الآن عدد ليس قليلاً يفاجئ بأبنائه يجلسون إلي جوارهم في المنزل ليس لعيب فيهم بل لغياب المعايير العادلة التي تمنح كل ذي حقاً حقه. لن أطالب الحكومة اليوم، بأن تكفل معايير تكافؤ الفرص، بل سأطالب البوسطجية بالعودة إلي دورهم الحقيقي في الرقابة علي الحكومة والجهات التنفيذية وسن التشريعات التي تحقق العدالة.. مارسوا دوركم الحقيقي ولا تشتكوا من اتهامكم بالتربح أو تقليص قرارات العلاج والتأشيرات الممنوحة لكم.. بل اجعلوها حقاً في متناول يد المستحق أينما كان وأياً من كان... والأهم ألا تشتكوا من النقد فبداخلكم تعلمون أنه الحق.. أو هكذا أعتقد.