في العادة يختار الناس ممثليهم في البرلمان علي أساس الخدمات التي يقدمونها لهم, وليس لقدرتهم علي المشاركة في وضع التشريعات, أو اقتراحها, أو الرقابة علي الجهاز التنفيذي. وبذلك يجد النائب نفسه منصرفا عن أداء مهمته الرئيسية التي يجب أن يقوم بها تحت القبة. وعلي ذلك تجد نسبة ليست بالقليلة من النواب, وقد تفرغوا لإنجاز طلبات أبناء الدائرة, مثل توفير فرص العمل لهم, أو تحقيق مطالبهم العامة كرصف الطرق, والإنارة, والصرف الصحي, وغيرها, وإذا لم يفعلوا يتهمهم أبناء الدائرة بالتخلي عنهم, ثم يعدون العدة لتصفية الحساب معهم في أول انتخابات برلمانية! نواب البرلمان كما تقول الدكتورة فوزية عبدالستار, رئيس اللجنة التشريعية سابقا بمجلس الشعب وأستاذ القانون بجامعة القاهرة ينبغي أن تكون مهمتهم المساهمة في وضع التشريعات لصالح المجتمع, أو المشاركة في تعديلها, وكذلك ممارسة دور الرقابة علي الحكومة في كيفية تنفيذها القوانين, وتعديل مسار التنفيذ إذا شابه خلل أو قصور, تلك هي مهمة النائب الحقيقية والتي ينبغي ألا يحيد عنها. لكن علي أرض الواقع الصورة مختلفة تماما فأبناء الدائرة يحاصرون نوابهم بكمية كبيرة من الطلبات حتي أن مسألة الخدمات شاعت في الآونة الأخيرة بدرجة ممجوجة, بما يخل بهيبة النائب, ويجعله يستجدي الوزير أو المسئول للحصول علي خدمة ما أو استثناء ما, سواء كان ذلك لنفسه أو لغيره, ولو أن الجهاز التنفيذي قام بواجبه المنوط به, لما اضطر النواب للجوء إلي الوزير المختص لقضاء مصلحة أو الحصول علي استثناء ما, بمعني أن فرص العمل لو كانت متاحة بشكل متكافيء أمام الجميع, لما ظهرت الوساطة, والاستثناءات في التعيينات, ولما ذهب الناس إلي نوابهم لتوفير فرص العمل لهم بتأشيرات خاصة من الوزراء والمسئولين ولو ان الجهاز التنفيذي قام بمهامه لما اضطر النواب للحصول علي موافقات بخصوص علاج المرضي, ورصف الطرق, وإنارة الشوارع, وتنفيذ مشاريع الصرف الصحي, وغيرها من الاحتياجات التي يطلبها أبناء الدوائر من نوابهم, والتي يمكن ان تتم مناقشتها وحلها في جلسات المجالس الشعبية المحلية والتي يشارك فيها الجهاز التنفيذي ويحضرها كافة المسئولين بدءا من المحافظ, وانتهاء بوكلاء الوزارات في تخصصاتهم المختلفة, لكن أبناء الدوائر يتركون أعضاء المجالس المحلية ويحاصرون النواب بطلباتهم فيصرفونهم عن دورهم الرقابي والتشريعي. وتلك هي الكارثة! وكلنا يعرف, والكلام مازال للدكتورة فوزية عبدالستار, أن انشغال النواب بتلبية طلبات واحتياجات أبناء الدائرة يلهيهم عن أداء واجبهم البرلماني المتعلق بالرقابة علي أداء الحكومة, وممارسة دورهم في التقدم بمشروعات القوانين التي تحقق الصالح العام في مجالات مختلفة كالزراعة, أو الصحة, أو التعليم, أو الصناعة وغيرها, أو التقدم باقتراح بقانون حتي يأخذ مساره داخل البرلمان من حيث عرضه علي لجنة الاقتراحات والشكاوي, ثم اللجنة التشريعية, ومن ثم العرض علي المجلس خلال انعقاد جلساته. وتتساءل: كيف يتمكن النائب من متابعة تنفيذ الحكومة للقوانين أو التقدم بطلبات إحاطة للوزير المختص, أو تقديم سؤال للوزير بشأن أمر معين, أو تقديم بيان عاجل أو استجواب, وهو في ذات الوقت يلاحق الوزير, ويتودد اليه للحصول علي توقيعه, من أجل تحقيق مصلحة ما, لنفسه, أو لغيره من أبناء الدائرة؟! وبشكل عام, فإن سعي النائب وراء الوزير أو المسئول أيا كان موقعه كما يقول الدكتور شوقي السيد أستاذ القانون وعضو مجلس الشوري, يقيم حاجزا من الحياء بين شجاعة الرقابة والمواجهة والمساءلة والإحاطة بين النائب والمسئول, إذ كيف يحصل النائب علي تأشيرات من الوزير أو المسئول بتعيينات أو طلب استثناءات لأبناء دائرته, أو لنفسه, ثم يقوم بمساءلته, ومراقبة أدائه؟! وعندما يحاصر أبناء الدوائر نوابهم, بطلبات الخدمات والاستثناءات فإنهم لابد أن يعلموا أنهم بذلك يتنازلون عن حقهم في الرقابة والمشاركة في التشريعات, ويضعون نائبهم في موقف حرج, وضعيف لا يستطيع أن يقوي معه علي المواجهة, أو الرقابة أو المساءلة فيما هو أهم من قضاء مصالح شخصية, لاسيما أنه إذا تفرغ النائب لأداء مسئولياته البرلمانية من حيث التشريع, والرقابة وتشجيع الاستثمار فإن ذلك سينعكس بدوره علي القضايا المحلية المتعلقة باحتياجات المواطنين الخاصة كفرص العمل, أو تحسين الدخل, وليس مطلوبا من النائب أن يتفرغ لحمل حقيبة الطلبات الخاصة بأبناء الدائرة متجولا بين الوزارات, أو مشغولا بتسليمها إلي كل جهة معنية بها, فينصرف بذلك عن دراسة قضايا كبري, وعن واجب قومي. سألته: كيف تتعامل مع طلبات أبناء الدائرة التي تمثلها في مجلس الشوري لعدة دورات وما هي نوعية هذه الطلبات؟ { د. شوقي السيد: طلبات أبناء الدائرة مختلفة ومتنوعة, منها ما هو مشروع, ومنها ما هو غير مشروع, أو يخل بمبدأ المساواة, والاخيرة لا التفت اليها, وتتمثل الطلبات التي ترد إلي, أو إلي زملائي في المجلس, في الوظائف, وإنشاء الأفران, والحصول علي مسكن حكومي, أو تلك المتعلقة بقرارات هدم العقارات الآيلة للسقوط, وكلها بالطبع ترتبط بمصالح ذاتية, وبالنسبة للمطالب المشروعة, فإنني أكتفي بتعزيزها وإرسالها للمسئول بالبريد ولا أذهب بصفة شخصية ولا أفضل أن يكون هناك جميل لأحد من المسئولين علي, ففي مصر تأسر المجاملات الناس, وتضع عقبات في سبيل أداء الواجب, كما أن القضايا التي أتبناها تحت قبة البرلمان تتعلق بأمور قومية, وتتعدي المصلحة الشخصية إلي المصلحة العامة, ومن د ون ذلك يصبح النائب كمالة عدد فالمهمة الحقيقية للنائب هي الرقابة والتشريع, وإذا سقط في براثن المصالح الخاصة فإنه حتما سوف يفقد قدرته علي القيام بواجبه إذ كيف يراقب حكومة ويقوم بمساءلتها وهو يطلب استثناءات ويحصل علي امتيازات؟! وعلي ذلك من الضروري نشر الثقافات المتعلقة بمهام النائب الحقيقية بين أبناء الدوائر, فيما يتعلق بالرقابة, والتشريع, وليس الحصول علي تأشيرات من المسئولين, لتحقيق مصالح خاصة, لنفسه أو لأبناء دائرته, لان ذلك يضعف النائب ويصرفه عن مهمته الأساسية تحت القبة, كما أنه يجب أن تتحمل المجالس الشعبية المحلية مسئولياتها فيما يتعلق بإنجاز مصالح المواطنين, ودراسة قضاياهم اليومية, ومطالباتهم, وبحث همومهم والعمل علي حلها لكي يتفرغ النواب للهم العام, وللقضايا القومية, ودراسة القوانين أو اقتراحها, وكذلك المشاركة في الخطة والموازنة وحينئذ يكون النائب قد أدي واجبه الذي جاء من أجله إلي البرلمان. وبالتالي يجب أن يكون دوره هو التشريع, والرقابة, لا الخدمات.