يستكمل الدكتور أحمد رجب الباحث الأثرى المتخصص فى تراث وتاريخ مدن القناة الحديث الذى بدأناه عن مدينة بورفؤاد فى العدد 4730) بتاريخ 25 سبتمبر الماضى، وأنها آخر مدينة تحمل اسما ملكيا وهو الملك فؤاد الأول الذى قام بافتتاحها فى 16 جمادى الآخرة 1345ه/ 21 ديسمبر 1926م. وقال رجب: اليوم نستكمل الحديث عن تلك المدينة والتى تتميز بمنشآتها ذات الطابع المعمارى الأوربى، ومن أهمها مبنى المحكمة المختلطة، والذى يقع بميدان 6 أكتوبر (ميدان المحكمة سابقا) ويعد من علامات المدينة المعمارية واللافتة لنظر المارة سواء سكان المدينة أو زوارها، فالناظر للمبنى للوهلة الأولى يظن أنه أمام مسجد شُيد على الطراز الأندلسى. وعن تاريخ الإنشاء فتعد أقدم وثيقة توصلت إليها خلال دراستى عقد بيع مسجل فى المحكمة بتاريخ 30 يوليو سنة 1931م بين أحد أفراد الجاليات الاجنبية ومواطن مصرى، مما يدل على أن تاريخ إنشاء المبنى يرجع فى الفترة ما بين 1926م وهو تاريخ افتتاح المدينة وعام 1931م. وعن سبب إنشاء المحكمة المختلطة بمدينة بورسعيد فى ذلك الوقت يرجع إلى زيادة أعداد الجاليات الأجنبية بشكل كبير، والدليل على ذلك أنه وفق تعداد سكان القطر المصرى عام 1346ه/ 1927م كان بمدينة بورسعيد 14466 أجنبى ما بين (يونانى – فرنسى – إيطالى – بريطانى) بالإضافة إلى جنسيات أخرى كانت أقل عددا، لذا كانت هناك الحاجة والضرورة لوجود مثل هذه المحاكم للنظر فى الامور المتعلقة ما بين الأجانب والمصريين. والجدير بالذكر أن العمل بمشروع المحاكم المختلطة فى مصر يرجع إلى عهد الخديوى إسماعيل عام1293ه/ 1876م، وذلك للحد من سلطات القضاء القنصلى أو نظام الامتيازات الأجنبية الممنوح من الدولة العثمانية إلى الدول الغربية (والمقرر فى مصر بسبب تبعيتها للباب العالى). وكان يقضى بأن يكون مرجع رعايا تلك الدول فى شئونهم التجارية، والمدنية، والشخصية، إلى قناصلهم؛ وأن لا يفرض عليهم ولا يؤخذ منهم ضرائب، إلا بعد مصادقة دولهم عليها، وأن لا يحاكموا أمام محاكم السلطة المحلية، فيما يتهمون به من جنايات ومخالفات، وفى قضاياهم التجارية والمدنية مع رعايا الدولة، إلا بحضور قناصلهم لينالوا من ذلك الحضور حماية من كل ظالم ومساعدة فى كل شأن. بالإضافة انه من خلال الامتيازات الاجنبية كان يتمتع بها الأجانب بالتعويض المالى الجائر لصالح الأجنبى، فجاء قانون المحاكم المختلطة ليضع حدا لهذا الاستنزاف المالى عن طريق تعيين قضاة مصريين مع القضاة الأجانب أثناء الفصل فى الخصومات المدنية والتجارية، واستمر العمل بالمحاكم المختلطة فى مصر حتى تم إلغاؤها عام1356ه/ 1937م فى عهد الملك فاروق. ويشغل مبنى المحكمة المختلط ببورفؤاد الأن إدارة الاشغال التابعة لهيئة قناة السويس، ومحكمة استئناف الإسماعيلية مأمورية بورسعيد، والمبنى يعد الوحيد المشيد على الطراز الأندلسى وباقى على حالته الأصلية، إلا أنه غير مسجل فى عداد الآثار الإسلامية والقبطية حتى يومنا هذا، فهل سيكون هناك استجابة لسرعة تسجيل المبنى وإعادة توظيفه، خصوصاّ أنها محط إعجاب أهل المدينة وزوارها؟؟؟؟