لا يزال مبني المحكمة المختلط الذي يجمع بين الطراز الأندلسي الشهيربمنطقة المغرب العربي, والعمارة الأوروبية, واللمسة العربية يقف صامدا في مواجهة كل محاولات تخريبه واهماله وتجاهله والتي توالت عليه منذ سقوط بورسعيد ضحية لتجربة المنطقه الحرة المريرة التي أطاحت بالأخضر واليابس مما تبقي من جمال المدينة وضاحيتها الاكثر جمالا وهدوءا( بورفؤاد). صمد وصبر مبني المحكمة المختلط المعروف والواقع بمدخل بورفؤاد علي مدار العقود الثلاثة الماضية وهو مغلق ومهمل وتحولت حدائقه الخارجية الجميلة لمقالب قمامة, وأصبحت واجهاته ضحية لعوامل التعرية والتشويه من جانب من لايعرفون قيمته التاريخية والجمالية ناهيك عمن لايعرفون في الأساس تاريخ بلادهم ولايعرفون معني( المحاكم المختلطة) والتي غطت أرجاء مصر بأسرها أثناء الاحتلال الإنجليزي للبلاد للفصل في المنازعات والدعاوي القضائية بين المصريين والأجانب. وكالعادة.. انتفض أهالي بورفؤاد للدفاع عن المبني الجميل وسعيا لإعادته للحياة لاستكمال جماليات المدخل التاريخي لمدينتهم بعدما عادت الحياة للملك العائد وقاعدته المهجورة منذ عام..1952 حيث توالت الدعوات لترميم المبني وابراز جمالياته والأهم تفريغه من الجهات الرسمية الشاغلة له والتي حولته من الخارج والداخل لخرابة ومهزلة يندي لها الجبين فمن يصدق أن مبني أثريا مثله( بالإمكان تحويله لمتحف أو منتج سياحي رائع الجمال) وقد تحول ليكون مقرا لمحكمة استئناف الاسماعيلية( مأمورية بورسعيد).. وماذنب صالات وغرف المبني الرائع الجميل لتكون ساحة لقضايا الاستئناف والفصل في دعاوي رد دوائر المحاكم, واستقبال بعض المحكوم عليهم في قضايا الجنايات الكبري. يقول محمد عاطف زورمبة الفنان التشكيلي الكبير وابن مدينة بورفؤاد والعاشق لمفردات الجمال بشوارعها وبيوتها وميدانيها القديمة انه متيم بمبني المختلط الرائع الجمال وهو ماجعله يتعمق في جمالياته من الخارج والداخل مشيرا لانتهائه من وضع دراسة تفصيلية مصورة للقيم الجمالية والتعبيرية في عمارة مبني محكمة بورفؤاد المختلط والتي تضمنت فصولا لتوثيق المبني تاريخيا وفنيا. وأضاف أن الاهتمام الشعبي لإعادة مبني المختلط لما كان عليه عند إنشائه بالثلاثينيات لا ينبغي أن يقل في تأثيره عما حدث لإعادة تنصيب تمثال الملك فؤاد علي قاعدته مشيرا لتكامل الأثرين المتلاصقين والحاجة الماسة لزيادة قيمة المدخل الاساسي لمدينة بورفؤاد بكل مكوناته. وأضاف زورمبة ان المبني قطعة أثرية غير متكررة بجميع محافظات مصر مشيرا لتأثر مصممه بمساجد المغرب وتونس تحديدا ومن بينها بينها مسجد المحمدي بحي الاحباس أو القرية الحبسية بمدينة الدار البيضاء والذي قام بتصميمه المهندس الفرنسي كادت وشرع في تنفيذه عام1934( في نفس توقيت بناء المبني المختلط ببورفؤاد), والمسجد الأعظم بمدينة وجدة المغربية, وهناك مسجد الحسن الثاني في الدار البيضاء أيضا ومسجد البيبان الثلاث بالقيروان بتونس وقال ان كروكي المبني يبين عبقرية ووعي المصمم بالقيم الجمالية في فنون العمارة الاسلامية وعناصرها وتأكيد تنوع نسب بروز المسطحات وارتفاعاتها عند بناء المختلط والتأكيد علي وجود فنائي حديقتين تتوسط المبني وهما مصدر الإضاءة الطبيعية وتجديد الهواء في جميع أرجاء المبني تتوسط إحداها نافورة وحوض أسماك الزينة واضاف زورمبة ان برج الساعة في المبني يعادل المآذنة في المسجد حيث نجد أن قاعة جلسات المحاكمة تعادل صحن المسجد من حيث الاتساع والارتفاع لتأكيد رقي وسمو العدالة وروحانيات العبادة ونجد أيضا سقف القاعة الذي بني مقوسا من الداخل ليعادل القبة في المسجد. وقال لا اخفي دهشتي حين دخلت قاعة الجلسات فلم أجد أي أعمدة في منتصف القاعة أو كمرات تحمل السقف رغم أن عرض القاعة يتخطي الخمسة وعشرين مترا بقليل وقد راعي المصمم الذي التزم بقواعد واصول العمارة الاسلامية وعناصرها فنجده لم يهمل فتحات الإضاءة الطبيعية والتهوية واضافها بحجم يتناسب مع الارتفاع وبشكل رائع يرتبط بواجهات المبني الخارجية وبطن سقف القاعة والجدران من الداخل ببلاطات عازلة تمنع تردد الصوت في سابقة لم نعهدها وكما لو كانت قاعة موسيقي.. ونلاحظ أيضا ارتفاع منسوب منصة القضاة عن الصالة وقفص المتهمين لتأكيد جلال المكان وسمو الجالسين وسيطرتهم علي مجريات الجلسة والحضور ويذكرنا هذا بالمنبر في المسجد وخلف المنصة بأبين لدخول هيئة المحكمة وباب مقابل لدخول المحامين والمتهمين والحضور. ونجد أيضا الثلاثة أحرف الأجنبيةJUS علي واجهة المنصة كما كتبت أعلي بأبي الدخول بالفسيفساء الملون في الواجهة وهي لغظ لاتيني يعني العدالة أو القانون.. وتلاحظ اختفاء نجف الإضاءة المتدلي من السقف وربما ساعة حائط ومجسم لميزان العدالة خلف المنصة. ومن جانبه كشف المهندس عفيفي محمد عفيفي رئيس مجلس مدينة بورفؤاد عن بدء أكبر عملية لإعادة الوجه الجمالي لمبني المحكمة المختلط وانقاذه من الإهمال الذي عاني منه علي مدار السنوات الماضية مشيرا للانتهاء بالفعل من ترميم وطلاء الواجهات الخارجية واستمرار أعمال تأهيل الأرصفة المحيطة به مشيرا للاهتمام الكبير الذي يوليه مجلس المدينة لهذا الأثر البورفؤادي والذي يسكن وجدان الآلاف من أبناء بورفؤاد منذ انشائه وحتي الآن وقال إن افتتاح ميدان الملك فؤاد والمحكمة المختلطة سيعيد الجمال لمدخل بورفؤاد من ناحية المراسي الرئيسية لمعديات بورفؤاد.