نعرض اليوم لكتاب من أقيم المصنفات فى «علم الكلام» وهذا العلم هو البذرة الأولى نحو نشوء الفلسفة الإسلامية، وهو كتاب «الأربعين فى أصول الدين» للإمام أبو حامد الغزالى، والذى يضم خلاصة علوم الدين وأعمالها الظاهرة والباطنة، فقد كان علم الكلام مختصا بموضوع الإيمان العقلى بالله، وكان غرضه الانتقال بالمسلم من التقليد إلى اليقين وإثبات أصول الدين الإسلامى بالأدلة المفيدة لليقين بها، ولهذا كان الكتاب محط أنظار أهل العلم، وذلك لما احتواه من أسرار المعالم الحُكمية والحكمية، ومن حقائق المباحث العقلية والنقلية، ومن شروحات فى المسائل الإلهية، حيث تنقسم موضوعات الكتاب إلى قسمين، الأول: احتوى على ستة وعشرين مسألة فى مواضيع منها: حدوث العالم، فى أن المعدوم ليس بشيء، فى إثبات العلم بالصانع، فى أن الله قديم أزلى باق سرمدي، فى أن الله ليس بمتميز، فى بيان كونه تعالى قادراً أو متكلماً، فى بقاء الله، فى كونه تعالى حياً، فى بيان أن صانع العلم سبحانه وتعالى واحد، فى خلق الأفعال، فى أنه لا يجوز أن تكون أفعال الله وأحكامه معللة بعلة البتة، أما القسم الثانى فاحتوى على أربعة عشر فصلاً تحدث فيها عن: إثبات الجوهر الفرد، حقيقة النفس، فى إثبات الخلاء، فى المعاد، فى عصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فى إثبات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، فى أن الأنبياء أفضل من الملائكة، فى كرامات الأولياء، فى أحكام الثواب والعقاب، فى أن وعيد الفساق منقطع، فى شفاعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فى أن التمسك بالدلائل اللفظية هل يفيد اليقين أم لا؟ فى الإمامة، فى ضبط المقدمات التى يمكن الرجوع إليها فى إثبات المطالب العقلية وهى خاتمة الكتاب. أما مؤلف الكتاب فهو أبو حامد محمد الغزّالى الطوسى النيسابورى الصوفى الشافعى الأشعري، ولقب ب «الغَزَالي» نسبة إلى بلدة غزالة من قرى طوس الموجودة فى خراسان فى إيران، وهو أحد أهم أعلام عصره وأحد أشهر علماء المسلمين فى التاريخ، ومجدّد علوم الدين الإسلامى فى القرن الخامس الهجرى (1058م - 1111م)، كان فقيهاً وأصولياً وفيلسوفاً، وقد عُرف كأحد مؤسسى المدرسة الأشعرية السنّيّة فى علم الكلام، لُقّب الغزالى بألقاب كثيرة فى حياته، أشهرها لقب «حجّة الإسلام»، بعد خوض الغزالى فى علوم الفلسفة والباطنية، عَكَف على قراءة ودراسة علوم الصوفية، كان له أثرٌ كبيرٌ وبصمةٌ واضحةٌ فى عدّة علوم مثل الفلسفة، والفقه الشافعي، وعلم الكلام، والتصوف، والمنطق، وترك عشرات الكتب فى تلك المجالات، فقد كانت الفلسفة فى عصر أبى حامد الغزالى قد أثرت فى تفكير الكثيرين من أذكياء عصره وسلوكهم، وأدى ذلك إلى التشكيك فى الدين الإسلامى والانحلال فى الأخلاق، والاضطراب فى السياسة، والفساد فى المجتمع، فتصدّى أبو حامد الغزالى لهم بعد أن عكف على دراسة الفلسفة لأكثر من سنتين، حتى استوعبها وفهمها، وأصبح كواحد من كبار رجالها، فتناول الغزالى الفلسفة بالتحليل التفصيلي، وذكر أصنافهم وأقسامهم، وما ليس من الدين، بذلك اعتُبر الغزالى أول عالم دينى يقوم بهذا التحليل العلمى للفلسفة.