رغم المحاولات الدءوبة، والزيارات المكوكية، والمفاوضات واللقاءات بين مصر وإثيوبيا، لحل أزمة سد النهضة، إلا أن كل هذا الجهد المضنى لم يسفر عن نتائج، يمكن أن تترجم على أرض الواقع باتفاق صريح يحفظ لمصر حقها فى حصة مياه النيل، الأمر الذى بات يشكل خطرًا على الأمن القومى للبلاد، حين يمس ذلك صميم الحاجة المائية، فحصة مصر من النيل تغطى أكثر من 97% من احتياجاتها المائية، وتقف مصر على المحك الآن، بعد وصول المفاوضات الفنية لطريق مسدود، فى الوقت الذى يلعب فيه السودان دورًا غامضًا فى تلك الأزمة.. وسد النهضة أو سد "الألفية الكبير"، هو السد الإثيوبى الذى تم تحديد موقعه بواسطة مكتب الولاياتالمتحدة للاستصلاح (إحدى إدارات الخارجية الأمريكية) خلال عملية مسح للنيل الأزرق أجريت بين عامى 1956 و1964 دون الرجوع إلى مصر حسب الاتفاقيات التى تنظم تلك الأمور.. حيث إن مصر لديها حق تاريخى على مجرى نهر النيل تنظمه اتفاقيات : 1902 وهى اتفاقية حدودية، وقعت بين خمسة أطراف هى (بريطانيا، إيطاليا، إريتريا، إثيوبيا والسودان)، إلى جانب 1906، 1925، 1930، واتفاقية 1935، وهى اتفاقية فى غاية الأهمية، تم النص فيها على أن لمصر وحدها (وليس السودان) كدولة مصب، الحق فى الموافقة أو عدم الموافقة على إنشاء سدود على مجرى نهر النيل.. الى جانب اتفاقية 1929 والتى تنص على إقرار دول الحوض بحصة مصر المكتسبة من مياه النيل، وأن لمصر الحق فى الاعتراض فى حالة إنشاء هذه الدول مشروعات جديدة على النهر وروافده.. وهذه الاتفاقية كانت بين مصر وبريطانيا (التى كانت تمثل كينيا وتنزانيا والسودان وأوغندا) لتنظيم استفادة مصر من بحيرة فيكتوريا. ويقع السد تحديدًا على النيل الأزرق بولاية "بنيشنقول- قماز" بالقرب من الحدود الإثيوبية- السودانية، على مسافة تتراوح بين 20 و40 كيلومترًا، وعند اكتمال إنشائه المرتقب سنة 2017، سوف يصبح أكبر سد كهرومائى فى القارة الأفريقية، والعاشر عالميا فى قائمة أكبر السدود إنتاجا للكهرباء، وتضع إثيوبيا آمالا أن تقوم مصر والسودان بشراء حصة من الكهرباء المنتجة من السد والتى تقدر بحوالى 6000 ميجاوات.. ويبلغ ارتفاع "سد النهضة" 145 متر، وطوله حوالى 1800 متر، وتقدر تكلفة إنشائه بحوالى 5 مليارات دولار، ويقطع السد مجرى النيل الأزرق، أكبر فروع النيل، وتبلغ سعته التخزينية 74 مليار متر مكعب، أى حوالى مرة ونصف من إجمالى سعة النيل الأزرق من المياه سنويًا.. لكن المثير فى الأمر أن إثيوبيا تخطت هذه الأرقام المعلنة (كما أفادت التقارير الأخيرة عن سد النهضة) فوصلت بالارتفاع إلى 160 مترًا بسعة تخزينية تصل إلى 80 مليار متر مكعب، وهو ما يشكل الخطر الأكبر على حصة مصر من مياه النيل.. ويكمن خلف نزاع مصر مع إثيوبيا فى ملف السد، صراع خفى هو جوهر ما يدور على العلن، ويدرك المسئولون فى مصر ذلك، حين نقف على حقيقة تمويل السد، لا كما تعلنها إثيوبيا، حين قالت إن التمويل عبر سندات حكومية وتبرعات خاصة من الإثيوبيين داخل البلاد وخارجها بواسطة البنوك الصينية.. ويأتى وكيل أول وزارة الموارد المائية والكهرباء السودانى السابق، المهندس حيدر يوسف، ليكشف النقاب عن الصراع الكامن خلف أزمة «سد النهضة» الإثيوبى، فى حديثه لجريدة دوت مصر بتاريخ 4/ 3/ 2015 عن الدور الإسرائيلى فى بناء سد النهضة، مؤكدًا أن «تل أبيب» وراء فكرة إنشاء السد، محذرًا من أن توربينات «السد العالى» ستتوقف عن العمل حال الاستمرار فى بناء «النهضة» بمواصفاته الحالية، وأن النيل سيصبح «ترعة».. واستطرد يوسف قائلا: تقدمت عام 2011 بمذكرة رسمية لوزارة الموارد المائية والكهرباء السودانية عن «سد النهضة» طالبت فيها بأن تتقدم وزارة الموارد المائية والكهرباء السودانية بطلب لتشكيل لجنة فنية لمعرفة مخاطر السد وفوائده بالنسبة للسودان، بحيث تشمل الأضرار المحتملة على مصر أيضا، وهى كثيرة، وكان الرد هو أن «السد مفيد للسودان»، وبعدها تم إقصائى من العمل، عقابا لى على تقدمى بتلك المذكرة.. وعن تمويل السد قال يوسف: تقوم بعض الدول والجهات الدولية بتمويل السد «من تحت الترابيزة»، وأضاف: ويكفى أن يكون لإسرائيل طابق كامل فى وزارة الموارد المائية والكهرباء فى «أديس أبابا»، فضلا عن تدريب 500 مهندس رى إثيوبى فى تل أبيب، كما تم توقيع اتفاقية بين وزارة الكهرباء الإثيوبية وشركة «تل أبيب» لإدارة كهرباء إثيوبيا. وليس أمام مصر الآن سوى خيارات ثلاثة ينبغى الإسراع فى التمرحل فيها: الخيار الأول: يكون عبر الأطر الدبلوماسية بين البلدين، من خلال المفاوضات الهادفة لإنهاء الأزمة عبر إقناع إثيوبيا بضرورة التوقف بارتفاع السد عند 90 مترًا فقط، حيث من المتوقع أن يصل إلى ذلك الارتفاع فى أبريل 2016 وحتى نستطيع أن ننقذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان. ومن الممكن الاستعانة بإدخال وساطات خليجية، خصوصا أن السعودية والإمارات لديها استثمارات ضخمة فى إثيوبيا. الخيار الثانى: اللجوء الى محكمة العدل الدولية فى لاهاى، وهى تمثل أولى خطوات تدويل الملف ووضع المجتمع الدولى أمام مسئولياته التاريخية إزاء حقوق مصر فى حصة مياه النيل، والمنصوص عليها فى اتفاقية 15 مايو 1902وما تلاها من اتفاقيات، وقد شرعت بالفعل المستشارة هايدى فاروق الخبيرة فى مجال الحدود والاتفاقيات فى شهر نوفمبر الماضى، فى هذا الإجراء، بمبادرة فردية لم تدعمها فيها الحكومة المصرية حتى الآن.. الخيار الثالث والأخير وفيه الحذر كل الحذر، وهو الخيار العسكرى، ويراعى حين استخدامه أن تكون الضربات الموجهة للسد قبل تمام إنشائه، أو قبل امتلاء خزانه بالمياه، حتى لا يتسبب فى فيضان يؤثر على مجرى النيل.