إثيوبيا تشن حربًا بالوكالة عن إسرائيل ضد مصر والسودان.. وأحذر من ثورة مصرية عارمة تتجه صوب تل أبيب مقدمة: في الوقت الذي انشغل فيه النظام السابق بنهب ثروات مصر وخيراتها، تواترت التحديات على البلاد، وتفاقمت المشكلات حتى ازداد الخرق على الراقع، في معظم المجالات، خصوصًا في قضية المياه؛ فالمياه المصرية تواجهها تحديات كثيرة على كافة الأصعدة، وتعطي مؤشرات تتسم بالضبابية والغموض حول مستقبل تأمينها للأجيال المصرية القادمة، بل وللأجيال الحالية.. فعلى الرغم من أن الله -تعالى- حَبَا مصر موقعًا جغرافيًّا متميزًا، إلا إنها تقع في المنطقة الجافة وشبه الجافة، التي تتميز بمحدودية مياهها، ومن ثم فإن 95% من مواردها المائية تأتي من خارجها (85% منها تأتي من أثيوبيا وحدها)، أما من داخل مصر فتكاد تنعدم الموارد المائية -اللهم بعض مصادر المياه الجوفية، وبعض الأمطار في فصل الشتاء على السواحل وبعض المناطق الداخلية- كل ذلك في ظل تصاعد وتيرة الخلافات بين دول منابع النيل ودول المصب، والتوجهات المتتالية هناك لتقليل حصة مصر من المياه، وتَنَكُّر بعض الدول للاتفاقيات المنظِمة والمقرِّرة لحقوق مصر التاريخية في تلك المياه، وتوقيع الاتفاقية الإطارية في غياب مصر والسودان.. مع تحرك صهيوني ماكر ودائب في تلك الدول للتأثير على حصة مصر من مياه النيل، والعمل على زعزعة الأمن القومي المصري.. وهذه سياسة إسرائيلية قديمة، حيث أعلنت "جولد مائير" قبل عقود من الزمن في خطاب لها بقولها: "إن التحالف مع تركيا وأثيوبيا يعني أن أكبر نهرين في المنطقة -أي النيل والفرات- سيكونان في قبضتنا" ويبدو أن هذه السياسة الاستراتيجية تسعى إسرائيل لتحقيقها، ولا أدل على ذلك مما نشهده اليوم من تحالفات بين إسرائيل وأثيوبيا، وبين إسرائيل وتركيا، قبل اعتداء إسرائيل السافر على قافلة الحرية المتجهة لإخواننا المحاصرين في غزة. ناهيك عن تخطيطها لنقل المياه من أثيوبيا إليها عبر خراطيم ضخمة تمر في قاع البحر الأحمر..!! وكما سبق فإن نهر النيل هو المورد الرئيسي للمياه في مصر، حيث تحصل مصر من خلاله على حصتها السنوية ومقدارها 55.5 مليار متر مكعب، والأمطار لا تتعدي مليار متر مكعب في السنة علي الساحل الشمالي وساحل البحر الأحمر وبعض مناطق سيناء، أما المخزون الجوفي في الصحراء الغربية فهو غير متجدد ولا يسمح بأكثر من 3-5 مليارات متر مكعب سنويًا لمدة 50 – 100 عام. أما عمليات التحلية فإن تكلفتها عالية ولا تزيد كمياتها حاليًا عن 200 مليون متر مكعب ولكن الاحتياجات المائية تزيد على 75 مليار متر مكعب سنويًا بما يفوق كثيرًا الموارد المتاحة ب 30% ويتم تغطية العجز عن طريق إعادة الاستخدام، وقد تناقص نصيب الفرد المصري من المياه ليصل إلى أقل من 700 متر مكعب سنويًّا، ويتوقع الخبراء أنه بحلول عام 2050م ستحتاج مصر إلى 21 مليار متر مكعب فوق حصتها الحالية لسد احتياجات سكانها الذي يتوقع أن يصل إلى 150 مليون نسمة.. وحوض النيل هو مسمي يطلق علي عشرة دول إفريقية يمر فيها نهر النيل وهي: أوغندا، إثيوبيا، السودان، جنوب السودان، الكونغو الديمقراطية، بوروندي، تنزانيا، رواندا، كينيا، مصر، بالإضافة إلى دولة أريتريا كمراقب. ونتيجة للإمكانات الهائلة التي يوفرها نهر النيل (باعتباره أطول أنهار الكرة الأرضية إذ يبلغ إجمالي طوله 6650 كم) فقد كان مطمعا للقوى الاستعمارية في القرن التاسع عشر. فقد تحكمت الدول الأوروبية في دول حوض النيل في تلك الفترة؛ فبينما كانت بريطانيا تحكم قبضتها علي مصر والسودان وأوغندا وكينيا، فقد أحكمت ألمانيا قبضتها على تنزانيا، رواندا، وبوروندي. وفي نفس الوقت فقد قامت بلجيكا بالسيطرة علي الكونغو الديمقراطية والتي كانت تعرف في هذا الوقت باسم زائير. وبعد أن وضعت الحرب العالمية الأولى (1914-1918) أوزارها، فقد قسمت الإمبراطورية الألمانية بين كل من بريطانيا وبلجيكا؛ فحصلت إنجلترا على تنزانيا، بينما حصلت بلجيكا على رواندا وبوروندي، في حين بقيت إثيوبيا دولة مستقلة. وقبل الحديث عن سد النهضة الأثيوبي، ومدى قانونية إنشائه بهذه الصورة، وأيضا الآثار الناجمة عنه، وسيناريوهات التحرك لمواجهة مخاطره، يجدر بنا هنا أن نشير إلى الاتفاقيات المنظمة للاستفادة من مياه النيل.. المحور الأول: اتفاقيات المياه الموقعة بين مصر ودول حوض النيل: لقد سعت مصر منذ القدم إلى تنظيم علاقتها بدول حوض النيل والاتصال الدائم بها بالاتفاق على الأسلوب الأمثل لاستغلال مياه نهر النيل بما يعود بالنفع على كل دول الحوض مع الحفاظ على حق مصر التاريخي فى مياه نهر النيل. وبالفعل نجحت مصر فى ذلك من خلال عقد العديد من الاتفاقيات سواء على المستوى الثنائي أو الإقليمي، يصل عددها إلى أكثر من 15 اتفاقية، وقع بعضها أبان فترات الاستعمار، وكان لها تأثير على العلاقات الحالية بين مصر ودول الحوض. ونشير إليها على النحو التالي: أولا فيما يتعلق بالهضبة الإثيوبية هناك خمس اتفاقيات تنظم العلاقة بين مصر وإثيوبيا والتي يرد من هضبتها نحو 85% من مجموع نصيب مصر من مياه النيل: 1- بروتوكول روما الموقع فى 15 إبريل 1891م بين كل من بريطانيا وإيطاليا التي كانت تحتل إريتريا فى ذلك الوقت -بشأن تحديد مناطق نفوذ كل من الدولتين فى أفريقيا الشرقية، وتعهدت إيطاليا فى المادة الثالثة من الاتفاقية بعدم إقامة أية منشآت لأغراض الري على نهر عطبرة يمكن أن تؤثر على تصرفات النيل. 2- اتفاقية أديس أبابا الموقعة فى 15 مايو 1902م بين بريطانيا وإثيوبيا، تعهد فيها الإمبراطور منيليك الثاني ملك إثيوبيا وقتذاك بعدم إقامة أو السماح بإقامة أي منشآت على النيل الأزرق أو بحيرة تانا أو نهر السوباط من شأنها أن تعترض سريان مياه النيل إلا بموافقة الحكومة البريطانية والحكومة السودانية مقدماً. 3- اتفاقية لندن الموقعة فى 13 ديسمبر 1906م بين كل من بريطانيا وفرنسا وإيطاليا. وينص البند الرابع منها على أن تعمل هذه الدول معاً على تأمين دخول مياه النيل الأزرق وروافده إلى مصر. 4- اتفاقية روما وهى عبارة عن مجموعة خطابات متبادلة بين بريطانيا وإيطاليا فى 1925، وتعترف فيها إيطاليا بالحقوق المائية المكتسبة لمصر والسودان فى مياه النيل الأزرق والأبيض وروافدهما، وتتعهد بعدم إجراء أى إشغالات عليهما من شأنها أن تنقص من كمية المياه المتجهة نحو النيل الرئيسى. 5- إطار التعاون الذى تم توقيعه فى القاهرة فى الأول من يوليو 1993م بين كل من الرئيس المصرى السابق ورئيس الوزراء الإثيوبى الراحل ميليس زيناوى، وتضمن هذا الإطار التعاون بين مصر وإثيوبيا فيما يتعلق بمياه النيل فى النقاط التالية: عدم قيام أى من الدولتين بعمل أى نشاط يتعلق بمياه النيل قد يسبب ضرراً بمصالح الدولة الأخرى، وضرورة الحفاظ على مياه النيل وحمايتها، واحترام القوانين الدولية، والتشاور والتعاون بين الدولتين بغرض إقامة مشروعات تزيد من حجم تدفق المياه وتقليل الفواقد. ثانيا: فيما يتعلق بالهضبة الإستوائية تعد الهضبة الإستوائية المصدر الثانى لمياه النيل حيث يصل 15% من مياهها إلى مياه النيل وتضم ستة دول هى:كينيا، تنزانيا، أوغندا، الكونغو الديمقراطية، رواندا وبوروندى، وتنظم العلاقة المائية بينهم وبين مصر عدد من الاتفاقيات أهمها: 1- اتفاقية لندن الموقعة فى مايو 1906 بين كل من بريطانيا والكونغو – وهى تعديل لاتفاقية كان قد سبق ووقعت بين ذات الطرفين فى 12 مايو 1894 – وينص البند الثالث منها على أن تتعهد حكومة الكونغو بألا تقيم أو تسمح بقيام أية إشغالات على نهر السمليكى أو نهر أسانجو أو بجوارهما يكون من شأنها خفض حجم المياه التى تتدفق فى بحيرة ألبرت ما لم يتم الاتفاق مع حكومة السودان. 2- اتفاقية 1929 وهى عبارة عن خطابين متبادلين بين كل من رئيس الوزراء المصرى آنذاك محمد محمود وبين المندوب السامى البريطانى لويد، وكلا الخطابين موقعين بتاريخ 7 مايو 1929 ومرفق بهما تقرير للجنة المياه الذى سبق إعداده فى عام 1925. ويعد هذا التقرير جزءاً من هذه الاتفاقية، وكان توقيع بريطانيا على هذه الاتفاقية نيابة عن كل من السودان وأوغندا وتنجانيقا (تنزانيا حالياً) وجميعها دول كانت تحتلها بريطانيا آنذاك وأهم ما ورد فى تلك الاتفاقية: أ- ألا تقام بغير اتفاق مسبق مع الحكومة المصرية أعمال رى أو توليد قوى أو أية إجراءات على النيل وفروعه أو على البحيرات التى ينبع منها سواء فى السودان أو فى البلاد الواقعة تحت الإدارة البريطانية من شأنها إنقاص مقدار المياه الذى يصل لمصر أو تعديل تاريخ وصوله أو تخفيض منسوبه على أى وجه يلحق ضرراً بمصالح مصر. ب- وتنص الاتفاقية أيضاً على حق مصر الطبيعى والتاريخى فى مياه النيل. 3- اتفاقية لندن الموقعة فى 23 نوفمبر 1934 بين كل من بريطانيا نيابة عن تنزانيا، وبين بلجيكا نيابة عن رواندا وبوروندى، وتتعلق باستخدام كلا الدولتين لنهر كاجيرا. 4- اتفاقية 1953 الموقعة بين مصر وبريطانيا نيابة عن أوغندا بخصوص إنشاء خزان "أوين" عند مخرج بحيرة فيكتوريا، وهى عبارة عن مجموعة من الخطابات المتبادلة خلال 1949 و1953 بين الحكومتين المصرية والبريطانية، ومن أهم نقاط تلك الاتفاقية: أشارت الاتفاقيات المتبادلة إلى اتفاقية 1929 وتعهدت بالالتزام بها ونصت على أن الاتفاق على بناء خزان أوين سيتم وفقاً لروح اتفاقية 1929، كما تعهدت بريطانيا فى تلك الاتفاقية نيابة عن أوغندا بأن إنشاء وتشغيل محطة توليد الكهرباء لن يكون من شأنها خفض كمية المياه التى تصل إلى مصر أو تعديل تاريخ وصولها إليها أو تخفيض منسوبها بما يسبب أى إضرار بمصلحة مصر. 5- اتفاقية 1991 بين كل من مصر وأوغندا التى وقعها الرئيس السابق مبارك والرئيس الأوغندى موسيفينى ومن بين ما ورد بها: أكدت أوغندا فى تلك الاتفاقية احترامها لما ورد فى اتفاقية 1953 التى وقعتها بريطانيا نيابة عنها وهو ما يعد اعترافاً ضمنياً باتفاقية 1929، كما نصت الاتفاقية على أن السياسة التنظيمية المائية لبحيرة فيكتوريا يجب أن تناقش وتراجع بين كل من مصر وأوغندا داخل الحدود الآمنة بما لا يؤثر على احتياجات مصر المائية. ثالثا: اتفاقيات المياه الموقعة بين مصر والسودان هناك اتفاقيتان لتنظيم العلاقة المائية بين مصر والسودان وهما:
1- اتفاقية 1929، وتنظم تلك الاتفاقية العلاقة المائية بين مصر ودول الهضبة الإستوائية،كما تضمنت بنوداً تخص العلاقة المائية بين مصر والسودان وردت على النحو التالى فى الخطاب المرسل من رئيس الوزراء المصرى والمندوب السامى البريطانى: حيث جاء فيه: "إن الحكومة المصرية شديدة الاهتمام بتعمير السودان وتوافق على زيادة الكميات التى يستخدمها السودان من مياه النيل دون الإضرار بحقوق مصر الطبيعية والتاريخية فى تلك المياه، وتوافق الحكومة المصرية على ما جاء بتقرير لجنة مياه النيل عام 1925 وتعتبره جزءاً لا ينفصل من هذا الاتفاق، وألا تقام بغير اتفاق سابق مع الحكومة المصرية أعمال رى أو توليد قوى أو أية إجراءات على النيل وفروعه أو على البحيرات التى تنبع سواء من السودان أو البلاد الواقعة تحت الإدارة البريطانية من شأنها إنقاص مقدار المياه الذى يصل لمصر أو تعديل تاريخ وصوله أو تخفيض منسوبه على أى وجه يلحق ضرراً بمصالح مصر، وتقدم جميع التسهيلات للحكومة المصرية لعمل الدراسات والبحوث المائية لنهر النيل فى السودان ويمكنها إقامة أعمال هناك لزيادة مياه النيل لمصلحة مصر بالاتفاق مع السلطات المحلية. 2- اتفاقية 1959، وقد وقعت هذه الاتفاقية بالقاهرة فى نوفمبر 1959 بين مصر والسودان، وجاءت مكملة لاتفاقية عام 1929 وليست لاغية لها، حيث تشمل الضبط الكامل لمياه النيل الواصلة لكل من مصر والسودان فى ظل المتغيرات الجديدة التى ظهرت على الساحة آنذاك، وهو الرغبة فى إنشاء السد العالى ومشروعات أعالى النيل لزيادة إيراد النهر وإقامة عدد من الخزانات فى أسوان. وتضم اتفاقية الانتفاع الكامل بمياه النيل على عدد من البنود من أهمها: "احتفاظ مصر بحقها المكتسب من مياه النيل وقدره 48 مليار متر مكعب سنويًّا وكذلك حق السودان المقدر بأربعة مليارات متر مكعب سنوياً، وموافقة الدولتين على قيام مصر بإنشاء السد العالى وقيام السودان بإنشاء خزان الروصيرص على النيل الأزرق وما يستتبعه من أعمال تلزم السودان لاستغلال حصته. كما نص هذا البند على أن توزيع الفائدة المائية من السد العالى والبالغة 22 مليار متر مكعب سنويًّا توزع على الدولتين بحيث يحصل السودان على 14.5 مليار متر مكعب وتحصل مصر على 7.5 مليار متر مكعب ليصل إجمالى حصة كل دولة سنويًّا إلى 55.5 مليار متر مكعب لمصر و18.5 مليار متر مكعب للسودان. بالإضافة إلى قيام السودان بالاتفاق مع مصر على إنشاء مشروعات زيادة إيراد النهر بهدف استغلال المياه الضائعة فى بحر الجبل وبحر الزراف وبحر الغزال وفروعه ونهر السوباط وفروعه وحوض النيل الأبيض، على أن يتم توزيع الفائدة المائية والتكلفة المالية الخاصة بتلك المشروعات مناصفة بين الدولتين. وأيضا إنشاء هيئة فنية دائمة مشتركة لمياه النيل بين مصر والسودان (راجع كتابنا: الماء والأمن المصري القومي، رؤية مستقبلية لحل المشكلة، القاهرة: كتاب الجمهورية، عدد نوفمبر 2010م، ص 111-114 نقلا عن موقع الهيئة العامة للاستعلامات)... وبعد الإشارة إلى الاتفاقيات المنظمة للاستفادة من مياه النيل، ننتقل إلى التعريف بسد الألفية أو سد النهضة الأثيوبي المثير للجدل.. المحور الثاني: مشروع إكس، أو سد النهضة الأثيوبي الكبير: "أبعاده ومخاطره" وسد النهضة أو سد الألفية الكبير هو سد إثيوبي قيد البناء (تم الانتهاء من 21% منه، منذ أن وضع حجر أساس هذا المشروع في الثاني من أبريل 2011م) وهو يقع على النيل الأزرق بولاية بني شنقول-قماز، بالقرب من الحدود الإثيوبية-السودانية ويبعد عنها حوالي من 20-40 كيلو مترا. وأعلنت الحكومة الإثيوبية تدشين المشروع، وإسناده إلى شركة "ساليني" الإيطالية بالأمر المباشر، وأطلقت عليه مشروع إكس، وقررت تغيير الاسم إلى سد الألفية الكبير، ثم تغير الاسم للمرة الثالثة ليصبح سد النهضة الإثيوبي الكبير. هذا وقد تم تشكيل المجلس الوطني لتنسيق المشاركة العامة في تشييد سد النهضة، وهو المجلس الذي يعبر عن الطابع القومي للمشروع لدى الأثيوبيين، وتم تشكيله بغرض إتاحة الفرصة لكل إثيوبي داخل البلاد وخارجها للإسهام في هذا المشروع، الذي تم وصفه بالحدث التاريخي، كما يضم في تشكيله جميع أطياف الشعب الأثيوبي (75 عضوًا من الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة والمشاهير والمثقفين والزعماء الدينيين والجمعيات المدنية). ويتكون المشروع بالأساس من سد رئيسي من الخرسانة المضغوطة RCC -أحد طرق بناء السدود وتم استخدامها في سد التنور بالأردن- وسد فرعي على المناطق المنخفضة المجاورة للخزان لمنع غمرها بالمياه، ومحطتين لتوليد الطاقة الكهربية، ومنطقة تحويل بطاقة 500 كيلو فولت، بالإضافة إلى المفيض (قناة تصريف فائض المياه). وتم تصميم المشروع بسعة تخزين 74 مليار متر مكعب عند مستوى الإمداد الكامل، ويغطي مساحة 1680 كيلو مترا مربعا سيتم استخدامها بشكل أساسي في توليد الطاقة الكهربية، ويبلغ عدد العاملين بالمشروع نحو 4225 شخصًا منهم 131 من الأجانب و2905 عمال محليين و1189مقاولين من الباطن، وتبلغ الآلات والمعدات المستخدمة فيه نحو 991 وحدة، منها 893 تابعة لمقاولين و81 تابعة لمقاولين من الباطن بالإضافة إلى 17 وحدة مؤجرة.. وذلك وفقا للتقرير الصادر عن إدارة المشروع والمجلس الوطني لتنسيق المشاركة العامة في تشييد سد النهضة. وعند اكتمال إنشائه يصبح المشروع أكبر سد كهرومائي في القارة الأفريقية، والعاشر عالميا في قائمة أكبر السدود إنتاجا للكهرباء. وتتجاوز تكلفته أربع مليارات دولار. وهو واحد من ثلاثة سدود تُشيد لغرض توليد الطاقة الكهرمائية في إثيوبيا. ويبلغ ارتفاع السد 145 مترا، في حين يبلغ طوله الذي يعترض مجرى النيل الأزرق نحو 1800متر، ويمكنه توليد 6 آلاف ميجا واط، أي نحو ثلاثة أمثال الطاقة الكهربائية المولدة من المحطة الكهرومائية للسد العالي في مصر، ومن المتوقع أن يكون أكبر منشأة للطاقة الكهرومائية في إفريقيا. ومن الواضح أن فكرة إنشاء السد كانت فكرة قديمة حيث بدأت الدراسات حول سد النهضة أو (الألفية) منذ عام 1946، بواسطة مكتب الاستصلاح الأمريكي، في دراسة موسعة حددت 26 موقعًا لإنشاء السدود، أهمها أربعة سدود على النيل الأزرق، وحمل سد الألفية في تلك الدراسة اسم سد بوردر (Border). ويؤكد الدكتور مغاوري شحاتة خبير المياه العالمي أن النيل الأزرق كان محل اهتمام الأمريكيين عام 1964، ردا على إنشاء الزعيم جمال عبد الناصر للسد العالي بالتعاون مع الاتحاد السوفيتي، فقررت أمريكا إنشاء 34 سدا على النيل الأزرق، نكاية في عبد الناصر، بحجة تطوير أثيوبيا. وأشار إلى أن تربة أثيوبيا غير صالحة لإنشاء سدود، وليس من المستبعد أن ينهار عقب إنشائه، على غرار سد "تكيزي" الأثيوبي وهو ما يمثل خطرا كاسحا على السودان بوجه التحديد، رغم أن السودان أعلنت إنها لا تضار. والمشكلة في بناء هذا المشروع الضخم تتمثل في تلك الفترة المطلوبة لملء خزان السد، حيث ستحول كميات كبيرة من مياه النيل الأزرق التي تنتهي إلى السودان ثم مصر ستتحول إلى الخزان، إذ يتوقع أن تتقلص حصة البلدين من تدفق النيل بشكل ملحوظ خلال فترة ملء الخزان. وتسعى القاهرةوالخرطوم مقابل الموافقة على إنشاء السد، إلى تنظيم عملية ملء الخزان على نحو يقلل من حجم الضرر المائي على البلدين. ويرى الخبراء أن الدولتين ستدفعان باتجاه تقنين فترة ملء الخزان بجعل فترة ملء الخزان لا تقل عن خمسة عشر عاما، وبإشراف خبراء من البلدين، إلى جانب التوقف عن عملية الملء في حال تراجع المنسوب إلى أقل من المتوسط العام، في ظل استخدام إثيوبيا أسلوب "التمويه والخداع الاستراتيجي" في إدارة ملف حوض النيل والمراوغة لكسب الوقت، وأخيرا استباقها قرار اللجنة الثلاثية المكلفة بتقييم السد وبدأت في فرض مشروعها كأمر واقع جديد بالإعلان عن تحويل مجرى النيل الأزرق لبدء الأعمال الإنشائية لسد الألفية، ومن ثم تضاعف قلق المصريين والسودانيين بخصوص تأثيره على تدفق مياه النيل وحصة مصر والسودان منها. اللجنة الثلاثية المكلفة بتقييم سد النهضة: وإزاء هواجس مصر والسودان من هذا المشروع المثير للجدل، تكونت لجنة ثلاثية لتقييم سد النهضة ومدى تأثيره على حصة مصر والسودان من مياه النيل جراء بناء هذا السد، من خبيرين من إثيوبيا، وخبيرين من السودان، وخبيرين من مصر، بالإضافة إلى أربعة خبراء دوليين في مجالات هندسة السدود وتخطيط الموارد المائية، والأعمال الهيدرولوجية، والبيئة، والتأثيرات الاجتماعية والاقتصادية للسدود من ألمانيا وفرنسا وجنوب إفريقيا. وعلى الرغم من أن قرارات هذه اللجنة غير ملزمة فإن مصر تستطيع التحرك علي جميع المستويات، خصوصا وأن نتائج التقرير الفني أوضحت أنه لا توجد دراسات كافية لإقامة السد العملاق بشهاده الخبراء الدوليين، الأمر الذي يعزز أطروحة انهيار السد، وتأثيره البالغ على مصر والسودان. المحور الثالث: إسرائيل والعبث بحصص مصر والسودان من مياه النيل: الناظر المدقق لما يحدث في قضية المياه لا يستطيع أن يغض الطرف عما تدبره إسرائيل في هذا الصدد، فبعد أن لمح الرئيس أنور السادات بأنه سيمد إسرائيل بالمياه، (إبان معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية)، ولم يحدث ذلك، ناهيك عن مصادرة إسرائيل للمياه العربية وسرقتها للموارد المائية في: الجولان السوري المحتل، والجنوب اللبناني، والأراضي الفلسطينية المحتلة، وتحويل مسارها بالقوة، وبناء المشاريع عليها بصورة تمثل انتهاكاً خطيراً لقواعد القانون الدولي وللشرعية الدولية التي تكفل مبدأ السيادة الدائمة للشعوب الواقعة تحت الاحتلال الأجنبي على مواردها الطبيعية بما فيها الأراضي والمياه، مما يشكل تهديداً للأمن المائي العربي وبالتالي للأمن القومي العربي، كل ذلك في ظل تحرك صهيوني ماكر ودائب في دول حوض النيل خصوصا إثيوبيا للتأثير على حصة مصر من مياه النيل، وإثارة القلاقل بشأن المياه.. وهذه سياسة إسرائيلية قديمة –أشرنا إليها من قبل- كما أننا لا يمكن أيضا أن نغض الطرف عن تخطيط إسرائيل لنقل المياه من إثيوبيا إليها عبر خراطيم ضخمة تمر في قاع البحر الأحمر..!!. وفي ظل توتر الأجواء المصرية السودانية بسبب سد النهضة الأثيوبي، المدعوم من إسرائيل، وفي ظل الغضب المصري العارم من الكيان الصهيوني بسبب سياساته الاستفزازية لمصر والسودان، وما قد ينجم عن ذلك من ثورة مصرية عارمة قد تتجه صوب تل أبيب، تطالعنا بعض الصحف العبرية ببعض الأخبار لتبرأ ساحة إسرائيل من ذلك، بل والأعجب أنها تؤكد أنه لا يوجد دليل واحد على وجود أي علاقة لإسرائيل بهذا المشروع... متهمة عرب إسرائيل بالتسبب في الأزمة المصرية – الإسرائيلية.. يقول الكاتب الصحفي الأستاذ عبد الباري عطوان، رئيس تحرير صحيفة القدس العربي اللندنية، في افتتاحية صحيفته بعددها الصادر يوم الخميس 30 مايو 2013م: "إن مصر تتعرض لمأزق حاد.. فالنظام المصري السابق اتبع سياسات كارثية في إفريقيا، ودول حوض النيل على وجه الخصوص، وتصرف بطريقة متعالية متكبرة حاقدة مع دولة السودان لحوالى عشر سنوات، الأمر الذي أدى بإسرائيل إلى التسلل وملء الفراغ، ومحاربة مصر من فنائها الخلفي وضرب أمنها القومي والشقّ المائي منه على وجه الخصوص". ويستطرد "إن بناء هذا السد هو نتيجة التحريض الإسرائيلي... وأن ليبرمان وزير الخارجية الإسرائيلي السابق، هدد من قبل بقصف السد العالي وإغراق مصر، كما قام بجولة في خمس دول إفريقية في عام 2011م على رأس وفد إسرائيلي يضم أكثر من مائة شخص معظمهم من رجال المال والأعمال فضلا عن الخبرات الهندسية المتخصصة في مجال بناء السدود، وعرض خدمات إسرائيل في بناء السدود وتمويلها لتحويل مياه النيل.. وكان من أبرز الثمار المسمومة لهذا التحريض اتفاقية "عنتيبي". ولم نفاجأ بهذه الطعنة، مثلما لم نفاجأ بتوقيع شركات إسرائيلية اتفاقا لتولي توزيع منتوج الطاقة العائد من السدّ الجديد"أ.ه. إن توجه إسرائيل نحو دول إفريقيا ظل دائمًا يشكل جزءًا من الصراع العربي الإسرائيلي، وجزءًا من نظرية الأمن الإسرائيلية القائمة على التفوق العسكري واكتساب الشرعية والهيمنة والتحكم في المنطقة وتطويق الدول العربية - خاصة مصر- وحرمانها من أي نفوذ داخل القارة الإفريقية. لذلك يحاول الكيان الصهيوني دائمًا استغلال الخلافات العربية مع بعض الدول الإفريقية وتعميقها، وتهديد أمن الدول العربية المعتمدة على نهر النيل بمحاولة زيادة نفوذها في الدول المتحكمة في مياه النيل من منابعه، مع التركيز على إقامة مشروعات زراعية تعتمد على سحب المياه من بحيرة فكتوريا. وهي تستغل في ذلك العداء التاريخي بين إثيوبيا والعرب وإمكاناتها في التأثير في السياسة الأوغندية، إلى جانب قيامها بتشجيع الحركات الانفصالية في جنوب السودان، كما تسعى إلى خلق تيار مناهض للعرب خاصة في المناطق المطلة على الساحل الشرقي في إفريقيا، وفقا للدراسة المنشورة في الجزيرة نت للكاتب غازي دحمان تحت عنوان: "التغلغل الإسرائيلي في أفريقيا ومخاطره على الأمن العربي".. وهكذا تولي إسرائيل أهمية خاصة للقرن الإفريقي لاعتبارات عديدة منها وجود السودان باعتباره دولة إسلامية لها نشاط إسلامي ملموس في الدول الإفريقية، وتخوف إسرائيل من أن يتحول القرن الإفريقي -خصوصًا على امتداد الساحل البحري- إلى منطقة نفوذ إيرانية سودانية، من شأنها تعريض مصالحها الاستراتيجية لخطر كبير، كما تركز إسرائيل على نيجيريا باعتبارها دولة إسلامية كبرى في إفريقيا، وقد أسهم الضغط الأميركي في فتح الأبواب النيجيرية للشركات الإسرائيلية. وتقوم جماعات تبشيرية يهودية، من بينها "شهود يهوه" التي استطاعت أن تؤثر في فئات مسيحية ومسلمة لاعتناق ما تدعو إليه عن طريق الإغراءات وتقديم المساعدات. ثم يأتي مدخل "المجتمع المدني والتنمية" حيث اتخذت إسرائيل دعم كل من المجتمع المدني والديمقراطية في إفريقيا مدخلًا للنفاذ والتغلغل داخل نسيج المجتمع الإفريقي، بالإضافة إلى تحركاتها لمكافحة الإيدز في القارة عبر إقامة مراكز طبية في الأماكن الصحراوية لهذا الغرض في بتسوانا وغيرها من الدول الإفريقية، ويعد هذا المدخل من أهم وأكثر المداخل فعالية لكسب قلوب الشعوب الإفريقية وعقولهم في هذه الآونة. وللأسف نجح الكيان الصهيوني في اختراق إفريقيا من خلال "المدخل الأمني" حيث تمتلك إسرائيل مصداقية لدى الدول الإفريقية في ميادين الاستخبارات والتدريب العسكري، كما أنها تتبنى سياسة تهدف إلى إشعال الصراعات في إفريقيا وتصعيدها بهدف إسقاط جميع الأنظمة التي تسعى للتقارب مع الدول العربية.. ولإحكام السيطرة السياسية والاقتصادية الإسرائيلية تقوم بدعم أنظمة الحكم المتعاونة معها والموالية لها في القارة الإفريقية، وتوسيع دور حركات المعارضة في الدول غير الموالية لإسرائيل لنشر حالة من عدم الاستقرار السياسي، وتتعامل إسرائيل مع الأشخاص الأفارقة ذوي النفوذ الذين لهم مستقبل سياسي فاعل في بلدانهم.. وفقا لما نشر في صحيفة المصريون يوم الجمعة 31 مايو 2013م. المحور الرابع: آثار إنشاء سد النهضة على مصر والسودان: يرى الكثير من الخبراء أن إنشاء سد النهضة سيؤدي إلى مجموعة من الآثار السلبية (الحالية والمستقبلية) على مصر والسودان، حيث أكد الدكتور عادل عامر "أن تأثيرها سيكون بالغ الأثر في مصر بفقدان مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية، وانخفاض كهرباء السد العالي وخزان أسوان وقناطر إسنا ونجع حمادي، وتوقف العديد من محطات مياه الشرب الموجودة على نهر النيل، وتوقف الكثير من الصناعات، فضلًا عن تأثر محطات الكهرباء التي تعمل بالغاز وتعتمد على التبريد من مياه النيل، وتدهور نوعية المياه في الترع والمصارف، وتداخل مياه البحر في المنطقة الشمالية، وتدهور نوعية المياه في البحيرات الشمالية". بالإضافة إلى عجز مصر عن الوفاء باحتياجاتها من المياه، ومن ثم تأثيره الاجتماعي البالغ على ملايين الأسر من الفلاحين، ويمكن تفصيل ذلك في النقاط التالية: - الآثار الكارثية الناجمة عن احتمالية انهيار السد: تشير مصادر مصرية مطلعة إلى أن إصرار الجانب الإثيوبي على المضي في بناء مشروع سد الألفية بالمواصفات الحالية سيقود حتما إلى نتائج خطيرة تمس الأمن القومي لكل من السودان ومصر. وتؤكد هذه المعلومات والدراسات المتوفرة لدي جهات مصرية عدم قدرة السد علي تحمل ضغط المياه الضخمة التي سوف تحتجز خلفه، والتي تصل إلى نحو 74 مليار متر مكعب من المياه، كما أنه مشيد من الأسمنت، ومن ثم فقد ينهار في أية وقت، وعندها ستحدث الكارثة، حيث سيغرق شمال السودان وجنوب مصر ويحدث تشريد لملايين الأسر الذين سوف يتم تدمير منازلهم وزراعاتهم. ويزيد من الشكوك نكوص الجانب الإثيوبي بتعهداته التي قطعها علي نفسه منذ تأسيس لجنة تقييم حيث دأب علي التأجيل والمراوغة من جولة إلى أخرى، ولم يقدم المستندات والدراسات التي استند عليها قبل إقدامه على هذا المشروع العملاق، ولم تحصل اللجنة علي الوثائق التي تعهدت بها الحكومة الإثيوبية. والمرجح أن تدخل اللجنة تعديلات علي السد، حتى تتجنب الأخطاء الضخمة التي ارتكبها الجانب الإثيوبي في الشروع بالمشروع دون وجود الدراسات السليمة من جهات مختصة. كما يرى الدكتور نادر نور الدين أستاذ الموارد المائية والري بجامعة القاهرة والخبير الدولي في مجال المياه، وغيره من الخبراء أن هذا السد لن يطول عمره، حيث يتراوح عمره الافتراضي ما بين 25 و50 عامًا، نتيجة الإطماء الشديد (420 ألف متر مكعب سنويًا)، وما يتبعه من مشاكل كبيرة لتوربينات توليد الكهرباء، وتناقص في كفاءة السد تدريجيًا، ومن ثم تزيد فرص تعرض السد للانهيار، نتيجة العوامل الجيولوجية، وسرعة اندفاع مياه النيل الأزرق، والتي تصل في بعض فترات العام (شهر سبتمبر) إلى ما يزيد على نصف مليار متر مكعب يوميًّا، وهو الأمر الذي يهدد بتدمير معظم القرى والمدن السودانية، خاصة الخرطوم، التي قد تجرفها المياه بطريقة تشبه "تسونامي" "اليابان" 2011، كما أنه من شأنه زيادة فرصة حدوث زلازل بالمنطقة التي يتكون فيها الخزان؛ نظرًا لوزن المياه التي لم تكن موجودة في المنطقة من قبل في بيئة صخرية متشققة من قبل. أما مدير المخابرات العامة الأسبق، اللواء ممدوح قطب، فأكد أن "هذا السد مخالف للاتفاقيات الدولية، لأنه لا يراعي مصالح مصر والسودان"، كما جدد التحذير من انهيار هذا السد، فقال: "يمكن أن يمحو مدينة الخرطوم" لاسيما وأن السلطات الإثيوبية تعتزم بناءه على منطقة "شديدة الوعورة"، كما أن معامل الأمان به 1.5 درجة، مقارنة بمعامل الأمان بالسد العالي الذي يبلغ 8 درجات، مما يعني أنه في حال انهياره، نتيجة احتجازه كميات هائلة من المياه، يمكن أن يمحو السدود التي بنتها السودان، وتصل المياه إلى مصر بعد 18 يوماً". وتشير الدراسات أن انهيار السد لن يمثل خطرا على إثيوبيا؛ لأنه سيبنى على أطراف حدودها مع السودان، ولكن أضراره ستلحق السودان ومصر، فمن المتوقع أن تغرق الخرطوم بكاملها، بينما ستغرق مساحات شاسعة من أسوان إلى الجيزة –كما سبق- وقال الدكتور نادر نور الدين: "إذا نهار "سد النهضة" وكانت بحيرة ناصر ممتلئة، فإن السد العالي سينهار تماما، وإذا كانت البحيرة غير ممتلئة فإن المياه ستغمر السد العالي وتنساب فوقه بمعدل مليار متر مكعب كل يوم". تأثير السد على حصة مصر والسودان من المياه: لعل الضرر الرئيس الذي يتحسب له المصريون والسودانيون يكمن في العجز المائي الخطير الذي سيحدث خلال فترة ملء الخزان، فإذا كانت هذه الفترة قصيرة، فإن التأثير في العجز المائي بمصر والسودان سيكون هائلًا، وربما كان أيضًا مدمرًا، أما إذا كانت هذه الفترة متوسطة، فربما كان الأثر أقل قسوة وأكثر احتمالًا، أما إذا تم ملء هذه الخزانات خلال فترة تزيد على40 عامًا، فإن التأثير سيكون محتملًا. فالتقارير والدراسات العلمية تقرر أن تخزين74 مليار متر مكعب من المياه –المتجهة لمصر والسودان عبر النيل الأزرق- سيهدد ببوار الأراضي المصرية، خاصة أن مصر تعاني فقرا مائيًّا، والسد من شأنه أن يقلل حصتنا من المياه بشكل كبير، بل يتوقع بعض الخبراء حدوث مشكلات اقتصادية وسياسية واجتماعية بالغة الخطورة. حيث يؤكد الدكتور ضياء الدين القوصي، خبير المياه الدولي، "أن بناء إثيوبيا لسد النهضة وحده سيؤدي إلى نقص حصة مصر من المياه بنسبة 9 إلى 12 مليار متر مكعب في العام، أما إذا قررت إثيوبيا بناء حزمة السدود كاملة فإن ذلك سيؤدي لنقص ما لا يقل عن 15 مليار متر مكعب من المياه سنويًّا". ومن ثم –وفقا للخبراء- سيتسبب في بوار من4 إلى5 مليون فدانا، وتشريد من 5 إلى 6 مليون فلاح، وقد ينجم عن ذلك مجاعات ومشكلات واجتماعية يستحيل السيطرة عليها..كل ذلك في ظل ما يتوقعه الخبراء من أنه بحلول عام 2050م ستحتاج مصر إلى 21 مليار متر مكعب فوق حصتها الحالية لسد احتياجات سكانها الذي يتوقع أن يصل إلى 150 مليون نسمة من المياه. تكلفة تعويض نقص المياه في مصر الناجم عن إنشاء السد: وإزاء التناقص والخصم المتوقع من حصة مصر من مياه النيل يرى الدكتور ضياء الدين القوصي، خبير المياه، أن مصر ستتكلف سنويًّا نحو50 مليار جنيه لتحلية مياه البحر لتعويض النقص الذى سيسببه سد النهضة بأثيوبيا في حصة مصر من مياه النيل، خصوصا وأن تحلية المتر الواحد من مياه البحر تتكلف 5 جنيهات، مما يعني أن مصر ستتحمل 50 مليار جنيه سنويًّا، أي ما يعادل 12% من ميزانيتها، لتغطية الاحتياجات المائية للبلاد. إشعال الصراعات والتوترات السياسية في المنطقة: ومن ضمن أضرار إنشاء هذا السد، أن من شأنه إحداث توتر سياسي بين مصر والسودان وإثيوبيا، لأن المشروع يشكل تهديدًا وخصما من الحصة المائية الواردة لمصر والسودان، فيقلل منها بصورة واضحة، ومن ثم فمن المحتمل أن تدخل المنطقة كلها في حروب وصراعات لا قدر الله.. المحور الخامس: الخيار العسكري المدقق في الخطاب السياسي المصري المعلن يلحظ لغة الهدوء والتريث، ذلك لأن العلاقات المصرية الأثيوبية ليست وليدة اللحظة بل هي علاقات تاريخية وممتدة شئنا أم أبينا، ومن هنا يجب أن نتحرك من هذه القاعدة.. فهل ستقوم الدبلوماسية الناعمة بدورها إزاء هذه الأزمة، أم أن الأصوات ستظل تتعالى مطالبة باستخدام لغة التهديد في الأيام المقبلة.. ومع تأكد القيادة المصرية بأن السد من شأنه حرمان مصر من حصتها في مياه النيل، فهل سيكون للجيش المصري دور في القيام بضربات جوية ضد إثيوبيا لوقف بناء السد أو تدميره نهائيًّا. وإذا كان الجيش المصرى قادرا على حماية مصر وأمنها القومى وحماية ثرواتنا المائية من نهر النيل، فهل تستخدم الإدارة المصرية مستقبلا "الخيار العسكري" فى حال فشلت الدبلوماسية فى حل أزمة سد النهضة الإثيوبي.. وهل مصر بوضعها الحالي جاهزة لمثل ذلك... وما مدى إيمان القوات المسلحة المصرية بفكرة شن الحرب على دولة يرتبط أمننا المائي بها بصورة ممتدة، وهل من الممكن أن تلوث (وتسرطن) أثيوبيا المياه التي تصل لمصر لإنهاك المصريين؟ وهل من المنطق التفريط في حقوقنا المائية؟ وما هو السبيل لمعالجة هذه المخاطر بأقل الأضرار على الجميع؟! من الواضح أن الخطاب الرسمي المعلن (الحكومي والعسكري) يتسم بالروية والهدوء الحذر، فاللواء محمد على بلال، قائد القوات المصرية خلال حرب الخليج، يؤكد على الملأ أن القوات المسلحة المصرية لن تقوم بأية عملية عسكرية استباقية لضرب سد النهضة؛ لأنه لا توجد أي صواريخ أو قوات جوية تستطيع ضرب السدود؛ لأن السدود تحتاج إلى قنابل نووية حتى يتم تفجيرها وهدمها... كما أن أثيوبيا لم تقم بإنشاء سد النهضة بعد، بما يعنى عدم وجود هدف عسكرى من الأساس حتى يتم ضربه.. مطالبًا بضرورة فتح قنوات اتصال قوية مع الجانب الإثيوبى. والمعنى السابق يؤكده اللواء يسرى قنديل، رئيس استخبارات القوات البحرية سابقًا، فيقرر "أن فكرة ضرب سد النهضة مرفوضة تمامًا؛ لأن تدميره –بعد بنائه- سيؤدى إلى غرق الخرطوم وصعيد مصر، فضلاً عن أنه سيدخلنا في صراعات نتيجة توجيههم ضربة مماثلة للسد العالى. وأشار إلى أن علاقة مصر بإثيوبيا متوترة منذ فترة بعدما تم إيقاف اتفاقية أحمد أبو الغيط لاستيراد 30 مليار كيلو من اللحوم الأثيوبية". والخطير في الأمر والذي من شأنه أن يهدد الجهود الدبلوماسية أن السلفية الجهادية دخلت على خط الازمة مؤكدة أن لديها أبناءها فى الصومال والسودان وجيبوتى ولن يسمحوا ببناء سد النهضة... على أية حال فإن الخيار العسكري يجب أن يستبعد تماما وإفساح المجال للمفاوضات والحوار بين كافة الأطراف تجنيبا للمنطقة من الدخول في حرب عالمية جديدة من شأنها أن تأكل الأخضر واليابس في المنطقة.. المحور السادس: المنهجية المطلوبة للتعاطي مع الأزمة وبعد أن تأكد لنا خطورة التسرع باستخدام الخيار العسكري للحيلولة دون تشييد سد النهضة، فإن الخيار الدوبلوماسي هو الأجدى في هذه المرحلة، ومن هنا فلابد من العمل على إظهار حسن النية من جميع الأطراف، والبعد عن التلويح بالخيارات العسكرية، والتفاوض بشكل منطقى مع السلطات الإثيوبية ودول حوض النيل، ومن الأهمية استثمار هذه الفرصة لتوقيع اتفاقية جديدة مع أثيوبيا – تحت إشراف الأممالمتحدة تنبني على قواعد الحقوق التاريخية التي تؤكد حق مصر والسودان في كل قطرة مياه تصل لكل منهما من المياه الإثيوبية نظرًا لترتب حياة البشر والثروة الحيوانية والنباتية عليها وحق الارتفاق للمياه التي حصلت عليها- لضمان حصتي مصر والسودان من المياه كشرط للموافقة على بناء السد، -كما أشار الخبير الاقتصادي أحمد السيد النجار- على أن تقر فيها أثيوبيا صراحة بحصتي مصر والسودان من مياه النيل، مقابل الموافقة على إنشاء السد، وتنظيم عملية ملء الخزان بصورة تقلل الأضرار على مصر والسودان خلال فترة الملء التي ينبغي أن تكون 15 سنة على الأقل وتشارك مصر والسودان في الإشراف على ملء الخزان، كما أنه في السنوات التي ينخفض فيها إيراد النيل عن المتوسط (84 مليار متر مكعب عند أسوان) تتوقف عملية ملء الخزان بصورة مؤقتة.. والذكاء السياسي يحب يسعى في هذا الاتجاه ويستثمر تصريحات المسؤولين الإثيوبيين التي تؤكد أن حصة مصر من المياه لن تنقص، لتوقيع الاتقافية الجديدة ومن ثم تستريح جميع الأطراف.. وإن كان البعض يرى أن هذه التصريحات من قبيل المراوغات السياسية وأنها مجرد تهرب ومحاولة استدراج لإضاعة الوقت لحين الإعلان عن إتمام بناء السد.. وإلا فهناك البدائل –كما قال اللواء ممدوح قطب- "كأن تتواصل مصر مع المؤسسات المانحة، وتصعد الموضوع دوليًّا للضغط على إثيوبيا، ومن ذلك أيضا اللجوء إلى التحكيم الدولي الذي سيكون في صالح مصر، وحينها سترفض أي مؤسسة مانحة توفير المال اللازم لهذا السد"، كما يمكن لمصر أن تطلب رسميًّا من البنك الدولي وقف تمويل بناء السد. ففي الوقت الذي نؤكد فيه علي حق أثيوبيا في إنتاج الطاقة، فإننا في الوقت نفسه نؤكد على أن مصر لن تقبل أن ينقص أحد من حصتها المائية قطرة واحدة.. لذلك يجب أن يتوحد المصريين لمواجهة هذا الخطر، وأعتقد أن الفرصة الآن سانحة للرئيس مرسي للم شمل المصريين بجميع أطيافهم وفئاتهم وأحزابهم السياسية للتعامل بكامل الحرص فى هذه القضية حفاظا على المصلحة العليا للبلاد... مع ضرورة المعالجات السياسية بالتعاون مع الكنيسة والمبادرات الشعبية، بالإضافة لدور رجال الأعمال والشركات الكبرى لترتيب الأوضاع من جديد بين مصر ودول حوض النيل، والعمل على إقناع الجانب الإثيوبي بأهمية السدود الصغيرة ودورها في حل مشكلة توليد الكهرباء. قال اللواء أحمد عبد الحليم الخبير الأمني والاستراتيجي، إن الحل الدبلوماسي هو الأمثل الآن في التعامل مع قضية سد النهضة التي تعمل إثيوبيا على إنشائه على النيل الأزرق، مشيرا أن ضرب السد لن يؤدي الى النتائج المرجوة منه، ولن يفيد بشكل كبير. وأن الحل الآخر هو التوجه القانوني إلى محكمة العدل الدولية ومجلس الأمن والمحكمة الجنائية الدولية والأممالمتحدة للحفاظ على الحق التاريخي لمصر في مياه النيل. ومن هنا فإنني أطالب الرئيس والحكومة بسرعة تشكيل فريق لإدارة الأزمة من أفضل الخبرات المصرية في القانون الدولي والتخصصات المتعلقة به لإدارة أهم ملف وهو المياه والري، ولم الشمل المصري والبعد عن التجاذبات السياسية، والترفع عن الأنانية السياسية، والعمل الجاد على استعادة مصر لهيبتها، خاصة أن تحويل مجرى النيل الأزرق دون اطلاع مصر مسبقا يعتبر في أعراف الدول ع