«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نقص مياه النيل.. آخر تحديات الثورة وأبرز أخطاء النظام السابق
نشر في الشعب يوم 01 - 06 - 2013

شركة "تحال" الصهيونية تعتزم إنشاء 26 سدا و40 خزانا على النيل بأثيوبيا.. ويؤدي إلى إهدار 40 مليار متر مكعب من حصة مصر
لاحظ الفارق بين الثورة الشعبية والنظام السابق فى التعامل مع قضية مياه النيل، ستجد أن هذا النظام ارتكب أخطاء قاتلة فى التعامل مع هذا الملف الحيوى، وأغفله طوال 30 عاما حتى أصبحت مصر دولة لا قيمة لها فى إفريقيا ولا صوت ولا أحد يهتم بما تقول، فيما حدث تغير جوهرى فى تركيبة التزامات ثورة 25 يناير بعد ستة أسابيع فقط، بتعهد المتظاهرين بحماية نهر النيل الذى يمثل أمن مصر القومى، بكل السبل الممكنة.
ممثلو الثورة من الجماهير المصرية التى تعرف أهمية ملف مياه النيل للمصريين، وأنه شريان الحياة، وبدونه تضيع مصر؛ أكدوا -منذ تصاعد الأزمة عقب توقيع سادس دولة من دول أعالى النيل اتفاقية لا تعترف بنصيب مصر من المياه- أن التحديات تفرض على المصريين بكافة فئاتهم الالتزام الآن بمبدأ «حماية حقوق مصر فى نهر النيل»، وانتشرت البيانات الداعية إلى الحفاظ على حقوقها فى نهر النيل، كما دعت خطب الجمعة بمعظم المساجد المحيطة بميدان التحرير إلى تأكيد هذه الحقوق المشروعة.
الثورة لم تكتف بالحديث فقط عن الحفاظ على مياه النيل وإيجاد الحلول للمشكلة، وإنما السعى إلى الحفاظ على ما يصلنا من مياه المصرية، بداية من تلوث مياه النيل بالمصادر الصناعية والزراعية ومياه الصرف الصحى والقمامة والمصادر الأخرى، وغياب التخطيط البيئى، وسوء استخدام نهر النيل، وصرف المصانع والتجمعات السكانية مخلفاتها السائلة إليه مباشرة، وحتى معالجة المياه.
هل تعانى مصر العطش؟
بتوقيع سادس دولة من دول حوض النيل على الاتفاقية الإطارية لمياه النيل التى أصبحت أمرا واقعا، أصبح متوقعا أن تسعى دول حوض النيل إلى اقتسام ما يصل إلى مصر من مياه النيل (التى لا تكفى مصر أصلا)، وأن تقيم ما تشاء من مشروعات مائية وكهربائية تحتجز مياه النيل التى تصل إلى مصر دون أن يكون لمصر -حسب الاتفاقيات القديمة- حق النقض أو الفيتو (الاعتراض). وزاد حجمَ هذا الخطر شروعُ إثيوبيا فى بناء سد النهضة الذى سوف يقلص حصة مصر إلى 36 مليار متر مكعب فقط!؛ ما يعنى أن الثورة المصرية تواجه فاتورة باهظة؛ إذ ستتحمل مشكلات خلفها لها النظام السابق نتيجة فشله فى إدارة هذه الأزمات، وتغييب دور مصر الإقليمى القوى، والالتفاف -لفساده- على الداخل فقط، وضياع هيبة ومكانة مصر الإفريقية والعربية والعالمية، الذى استغلته إسرائيل وأمريكا!.
وتوقيع بوروندى على الاتفاقية التى تطالب بتقاسم مياه النيل، ومنع مصر من الحصول على حصتها الحالية (55 مليار متر مكعب) التى تصل قرابة 90% من موارد النيل- يمهد الطريق لإقرار هذه الاتفاقية رسميا بحيث تصير أمرا واقعا، عقب تصديق برلمانات هذه الدول الست (المؤكد) على الاتفاقية، فتدخل حيز التنفيذ فى غيبة مصر والسودان، وعدم توقيع الكونغو المتوقع أن يحدث قريبا.
أما خطورة هذه الاتفاقية فهى أنها لا تعترف باتفاقيات مياه النيل السابقة عامى 1929 و1956، ومن ثم تسمح لكل دول حوض النيل بإقامة مشاريع مائية وكهربائية وحواجز على مجرى النيل تقتطع كمية كبيرة من نصيب مصر من المياه التى لا تكفيها أصلا حاليا، وتلغى ما يسمى «حق الفيتو المصرى» على بناء أى سدود على النيل تهدد مصر.
أما الأخطر فهو التغلغل الصهيونى والأمريكى فى حوض النيل، فى ظل غياب النظام السابق فى مصر وغفلته عن مصالح مصر العليا، وتوفير الدعم للدول الإفريقية لتشجيعها على بناء السدود واحتجاز المياه وتهديد أمن مصر القومى، لتدفع الثورة أول الفواتير الخاسرة للنظام السابق الفاشل فى التعامل مع قضايا أمن مصر القومى!.
والحقيقة أن تجاهل دول حوض النيل الاتفاقات القديمة المتعلقة بمياه النيل، بدأ منذ التفكير فى توقيع هذه الاتفاقية الإطارية، ورغم رفض مصر إياها بدأت عدة دول، أبرزها إثيوبيا، تقيم عشرات السدود لتوليد الكهرباء، لكنها تحتجز مع كل سد تبنيه قسما من المياه التى كانت تصل إلى مصر.
وقد كشفت مصادر بمعهد بحوث المياه العربى وخبراء بدول حوض النيل، أن شركة «تحال» الإسرائيلية أنشأت (26) سدا و40 خزانا فى إثيوبيا على نهر النيل؛ ما أهدر 40 مليار متر مكعب من المياه بحصة مصر البالغة 55 مليار متر مكعب سنويا، طبقا للاتفاقيات الدولية. وكشف خبراء مياه أن إسرائيل لها حضور فى جنوب السودان، وأنها أقامت سد «تكيزى» لتعطيش مصر أو الحصول على حصة من مياه النيل.
هل وصل الخطر مداه؟
واقع الأمر يقول إن هناك أيدى أجنبية تعبث فى ملف مياه النيل ضد مصر، وإن النظام السابق اكتفى بتعاملات موسمية مع دول حوض النيل وترك الصهاينة والأمريكان يرتبون الأوراق لصالحهم هناك.
وقد أرجع مصدر مصرى مسئول توقيع بوروندى على الاتفاق الإطار لحوض النيل «اتفاق عنتيبى» الذى ترفضه مصر والسودان؛ إلى أن الحكومة البوروندية وجدت أن طريقها مع مصر أصبح مسدودا خلال الفترة المقبلة بعد الثورة، وأنها لن تحصل من مصر على المساعدات التى كانت تتسلمها فى الماضى، فوجدت أن من صالحها عدم الإبقاء على موقفها الرافض للتوقيع على الاتفاق الإطارى، واختارت السير بجانب الدول الخمس الأخرى التى وقعت من قبل.
وقال المصدر إن مصر نجحت خلال الفترة الماضية فى «فرملة» توقيع بوروندى على الاتفاق الإطارى بمساعدات عاجلة وإغراءات، لكن الجانب البوروندى استغل الأحداث الأخيرة والثورة فى مصر للتعلل بأن فى مصر حالة فراغ ألجأتهم إلى الطرف الآخر.
وقال وزير البيئة فى بوروندى جان مارى نيبيرانتيجى، فى تبريره، إن الدولة الواقعة فى وسط إفريقيا تريد هى أيضا استخدام مياه النيل فى توليد الكهرباء، وقال: «وضع المانحون (الغرب) دوما توقيع هذه الاتفاقية شرطا لتوفير التمويل لتشييد هذه المحطات لتوليد الطاقة الكهربائية»!.
وبتوقيع بوروندى لم يتبق سوى الكونغو ليرتفع بذلك عدد الدول الموقعة على الاتفاقية الإطارية لدول حوض النيل إلى 7 دول، هى كل دول منابع النيل (لو وقعت الكونغو)؛ فبعد توقيع بوروندى على الاتفاقية الإطارية «عنتيبى» أصبحت الاتفاقية قانونية ومعترف بها وفقا لدراسة أجراها مكتب استشارى قانونى دولى «فرنسى»، أوضح أن توقيع 6 دول من حوض النيل يجعل الاتفاقية قانونية ومعترفا بها رغم وجود خلافات حول بعض بنود هذه الاتفاقية.
ورغم تصريحات المسئولين المصريين والسودانيين المطمئنة بأن توقيع أى اتفاقية منفردة بين بعض دول الحوض يجعلها غير ملزمة لمصر أو السودان؛ فإن تكتل الدول السبع غير المنفرد للتوقيع على الاتفاقية دون إعادة النظر فى البنود الثلاث التى ترفضها مصر والسودان؛ سيخلق واقعا جديدا وتحديا يصعب على دول المصب التحكم فيه.
فمصر تعتمد على مياه النيل بنسبة 97% فى حين أن بعض دول حوض النيل تعتمد على مياه النيل بنسب تتراوح من 1-3% وقد تصل إلى 11% فقط من استخداماتها؛ بسبب غزارة سقوط الأمطار هناك والزراعة على الأمطار؛ لهذا بدأ المسئولون المصريون بعد تهديدات فى بداية الأمر بالحرب، بعد غياب سنوات عن ملف المياه -للحفاظ على حصة مصر من المياه- بالتهدئة والسعى إلى تفاهمات مباشرة وثنائية مع دول حوض النيل وفق استراتيجية من الواضح أنها ارتكزت على أسلوب ضخ استثمارات وفنيين ومشاريع مصرية زائدة لهذه الدول؛ لتوفير مشاريع اقتصادية توثق العلاقات بهذه الدول ولا ترفع من درجة العداء، وفى الوقت نفسه، السعى الحثيث إلى إقناع هذه الدول بمشاريع مصرية تركز على فكرة زيادة موارد النيل للجميع والاستفادة منها.
إذ يبلغ الحجم المتوسط السنوى للأمطار التى تسقط على دول أعالى النيل، نحو 900 مليار متر مكعب سنويا، يمثل ما يأتى منها من مياه قرابة 137  144 مليار متر مكعب، فى حين أن إيراد النيل -طبقا لآخر التقديرات- لا يتجاوز 84 مليار متر مكعب؛ يأتى 72 مليار متر مكعب -أى 87% من مياه النيل- من النيل الأزرق الذى ينبع من بحيرة تانا فى إثيوبيا، فيما يأتى 13% من منطقة البحيرات العظمى -أى نحو 12 مليار متر مكعب- أى أن كميات ضخمة من المياه تُهدر ولا يجرى الاستفادة منها؛ لهذا تقترح مصر بناء سدود وترع تتحكم فى هذا الفاقد وتوفره للدول العشرة بما لا يخلق أزمة مائية مستقبلا.
ولا نبالغ لو قلنا إن ما يجرى حاليا فى أعالى النيل يعتبر الطلقة الأولى فى أول حرب مياه حقيقية ينتظر أن يشهدها العالم فى عدة مناطق أغلبها مناطق اشتباك عربية مع دول أخرى غير عربية. وتهدد غالبيةَ الدول العربية الأخطارُ لو اندلعت؛ لأن غالبية الأنهار التى تمر فى الدول العربية تأتى من خارجها. وتعتبر الدول العربية دول مصب لا دول منبع.
فبموجب الاتفاقية، أُلغى حق مصر والسودان فى الاعتراض على أى مشاريع مائية لسبع دول حول حوض أعالى النيل. ولو تصورنا بناء كل دولة سدا أو سدين ولو لتوليد الكهرباء، فسوف يعنى هذا حجز كميات من المياه لا تقل عن 10 مليارات متر مكعب أو تزيد للكهرباء، سوف يتعرض القسم الأكبر منها للبخر فى السدود التى تحتجزها؛ ما يعنى تقليل حصة مصر التى تصلها دوريا بما يُدخل مصر فى دائرة الفقر المائى الخطيرة، ويقيد خطط التنمية ويفتح الباب لصراعات وحروب مياه مستقبلا.

سد النهضة الإثيوبى يقلص حصة مصر من المياه من 55 مليار متر مكعب إلى 36 مليارا!!
ونحن نتقاتل فى الداخل، ونرى معارضة فاشلة ممثلة فى جبهة الإنقاذ تتعطش للسلطة رغم فشلها فى كل انتخابات خاضتها، رئاسية أو برلمانية؛ ننسى أن مصر تتجه إلى خطر كبير هو العطش المائى، وأن دول أعالى النيل -وعلى رأسها إثيوبيا وكينيا- تهدد أمن مصر بخطط لحجز كميات من مياه النيل الذى يرتوى بها مصر وبدونها يموت.
القصة باختصار أن عداء النظام السابق لهذه الدول وتجاهله إفريقيا عموما، جعل هذه الدول ترتمى فى أحضان الغرب والدولة الصهيونية، وتتمرد على مصر وتتجه لإبرام اتفاقية مائية جديدة تلغى عمليا حق مصر فى الفيتو (الاعتراض) على بناء أى سدود على النيل تؤثر فى حصتها من مياهه وحق مصر فيها البالغ 55 مليار متر مكعب.
ولم تكتف هذه الدول بهذا، بل شرعت بالفعل فى بناء عدة سدود على نهر النيل تحجز كميات كبيرة من مياه مصر، خصوصا سد النهضة الإثيوبى الذى تشارك فى دعمه وبنائه شركات صهيونية وغربية، الذى يبنى على النيل الأزرق الذى تحصل مصر منه على 50% من حصتها المائية؛ ما يعنى أن كمية المياه الحالية التى لا تكفى مصر، سوف تنخفض بعد اكتمال هذا السد إلى 36 مليار متر مكعب فقط؛ ما سينتج أضرارا بيئية واقتصادية خطيرة.
مصر حاولت التعامل مع الموقف بدبلوماسية بدلا من «إظهار العين الحمراء» لإثيوبيا، خصوصا بعدما تبدلت موازين القوى فى إفريقيا وأصبحت لغة القوة التى هدد بها السادات يوما بنسف أى سد إثيوبى بالطائرات المصرية لا تجدى حاليا؛ لهذا شُكلت لجنة ثلاثية مع إثيوبيا والسودان لبحث مخاطر هذا السد، كما سافر الرئيس مرسى إلى أثيوبيا للأمر ذاته، بجانب حضوره القمة الإفريقية.
لكن جاء تقرير اللجنة الثلاثية الدولية المعنية بملف سد النهضة -حسبما كشف الدكتور علاء الدين محمد الظواهرى عضو اللجنة- ليقرع جرس الإنذار ويؤكد الأضرار السلبية لسد النهضة الإثيوبى على كل من مصر والسودان؛ التى منها تقليل حصة مصر من المياه التى ستصل إلى نحو 19 مليار متر مكعب، بالإضافة إلى تقليل الكهرباء من السد العالى!!.
وسيُسلّم التقرير النهائى إلى كل من وزارة الخارجية والرئاسة ومجلس الوزراء المصرى لبحث الخطوات التى ستتخذ حيال الملف، والتى ستبدأ بالتفاوض مع إثيوبيا لتقليل تلك الآثار. وإذا فشلت المفاوضات سيتم اللجوء إلى الوساطة، وإذا فشلت سيتم اللجوء إلى المحكمة الدولية وسيترك الحل للجهات السيادية، فيما تعلو أصوات مصرية بردع إثيوبيا وتهديدها بنسف هذا السد كما سبق أن فعل الرئيس الراحل أنور السادات لو استمرت فى تجاهل حقوق مصر المائية.
خطورة ما يجرى أنه بدل من أن تلجأ هذه المعارضة الليبرالية واليسارية الفاشلة إلى وضع يدها فى القضايا القومية مع الرئيس وأجهزة الدولة المختلفة، كما تفعل أى معارضة شريفة فى العالم؛ تلجأ إلى رفض التعاون -كما فعلت فى ملف إطلاق سراح الجنود المختطفين ورفضت حضور لقاء الرئيس مع القوى المختلفة لبحث الحلول- وتهتم بالعنف والتخريب فقط فى الشارع؛ لتعطشها إلى السلطة أكثر من تعطش مصر كلها إلى الماء.
لا يدرك هؤلاء المتعطشون إلى السلطة، حتى بعد أن لفظتهم صناديق الانتخابات، أن مصر ستُكلف سنويا 50 مليار جنيه لتحلية مياه البحر وتعويض النقص الذى سيسببه سد النهضة بإثيوبيا فى حصة مصر من مياه النيل، كما يؤكد الدكتور «ضياء الدين القوصى» خبير المياه؛ فمتر المياه الواحد يُحلّى ب5 جنيهات؛ ما يعنى أن مصر ستتحمل 50 مليار جنيه (12% من ميزانية مصر) لتغطية الاحتياجات المائية للبلاد.
مع الأسف، يجرى حصار مصر مائيا عمدا، وكان هناك تخطيط مصرى لحفر قناة جونجلى وقناة مشار فى جنوب السودان لتعويض الفارق فى نقص المياه بتوفير 10 مليارات متر مكعب من المياه المفقودة تقسم بين مصر والسودان، لكن جرى أولا فصل جنوب السودان، ثم أعلنت حكومة جوبا أن هذا المشروع المصرى (مات) ولا تفكر فى تنفيذه، فلم يعد أمام مصر سوى أن تحارب لعدم إنقاص حصتها المائية الحالية وإلا عطشت بعد سنوات قليلة، وهى التى تحتاج إلى مزيد من المياه مع زيادة السكان والمشاريع.
أضرار سد النهضة الإثيوبى
- فقْد مصر والسودان كمية من المياه تعادل سعة تخزين سد النهضة التى تتراوح من 5 إلى 25 مليار متر مكعب حسب حجم الخزان، ولمرة واحدة فقط فى السنة الأولى لافتتاح السد؛ لأن متوسط إيراد النيل الأزرق نحو 50 مليار متر مكعب سنويا.
- قصر عمر السد الذى يتراوح بين 25 و50 عاما، نتيجة الإطماء الشديد (420 ألف متر مكعب سنويا)، وما يتبعه من مشكلات كبيرة لتوربينات توليد الكهرباء، وتناقص فى كفاءة السد تدريجيا.
- زيادة فرص تعرض السد للانهيار، نتيجة العوامل الجيولوجية، وسرعة اندفاع مياه النيل الأزرق، التى تصل كميتهما فى بعض فترات العام (شهر سبتمبر) إلى ما يزيد عن نصف مليار متر مكعب يوميا، وارتفاعها يزيد عن 2000 متر، وإلى مستوى 600 متر عند السد. وإذا حدث ذلك فإن الضرر الأكبر سوف يلحق بالقرى والمدن السودانية، خاصة الخرطوم، التى قد تجرفها المياه جرفا يشبه التسونامى اليابانى 2011.
- زيادة فرصة حدوث زلازل بالمنطقة التى يتكون فيها الخزان؛ نظرا إلى وزن المياه التى لم تكن موجودة فى المنطقة من قبل فى بيئة صخرية متشققة من قبل.
- المشروعات المائية الكبرى لا تناسب دول المنابع؛ لتكلفتها العالية للتغلب على الظروف الجيولوجية، وزيادة نسبة تعرضها للانهيار، نتيجة الفيضانات والتشققات الصخرية والزلازل، وعدم إمكانية نقل المياه وتوزيعها فى حالة تخزينها. والحل الأمثل هو التوسع فى إقامة سدود صغيرة متعددة الأغراض (كهرباء ومياه شرب وزراعة بسيطة)؛ لكى تخدم أكبر عدد من المدن أو القرى التى يستحيل نقل المياه إليها من أماكن أخرى.
- سد النهضة (الألفية) الإثيوبى المزمع إنشاؤه على النيل الأزرق بالقرب من الحدود السودانية، الذى يقال إنه سوف يخزن 67 مليار متر مكعب، ليس فى صالح إثيوبيا للأسباب سابقة الذكر. والهدف من ورائه سياسى بالدرجة الأولى؛ ليجمع رئيس الوزراء الإثيوبى الشعب من حوله، والفوز بالأغلبية فى الانتخابات البرلمانية، وشغلهم عن ثورات الإصلاح التى بدأت فى الانتشار فى بعض الدول الإفريقية والعربية، وعلى رأسها ثورة 25 يناير 2011 المصرية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.