بصراحة ووضوح: تبدو شبهة المؤامرة علي مصر وحصتها من مياه النيل من خلال الخطوات التي قامت بها اثيوبيا من جانب واحد بدون الرجوع الي دولتي المصب »مصر والسودان«.. وصار جليا بعد توقيع ست دول علي الاتفاق الاطاري ان دول حوض النيل تتحرك بطريقة منفردة بينما اعلنت بعضها انها تمضي في عرض الاتفاقية علي برلماناتها وكذلك المضي في اعلان مفوضية حوض النيل. ولو ان مصر والسودان قامتا بالمشاركة في نشاط المبادرة في الاجتماع الاخير بعدما اعلنتا من قبل عدم المشاركة بعد توقيع خمس دول فقط علي الاطار. ولكن تغير الوضع بعد انضمام بوروندي ومشاركتها في مبادرة حوض النيل.. وقد سعت مصر والسودان الي ايجاد حلول لنقاط الخلاف في الاطار ولكن تواجه دولتا المصب الآن توقيع ست دول من الحوض، وتعتبر المادة 41 ب هي محل الخلاف الاساسي، ولذا اتفقت مصر والسودان علي مراجعة اتفاق كينيا ويتم عرضه بعد ذلك علي دول الحوض.. وبينما الاتفاق الاطاري يؤكد ان دول الحوض تتحرك بطريقة منفردة.. وبينما تقوم اثيوبيا ببناء سد بودر علي النيل الازرق وهو ما ادي الي استياء مصر من تصرف اثيوبيا »المنفرد« الذي يضر بحصتها في مياه النيل!. لم يعد خافيا المخطط الاثيوبي للتحكم الكامل في مياه النيل الازرق وروافده باقامة اربعة سدود كبيرة وتم بالفعل بناء سد تكيزي العالي الذي يتحكم في نهر عطبرة بمعونة شركات اسرائيلية.. والدراسات المصرية تؤكد ان هذه السدود تؤثر علي حصة مصر من المياه بشكل بالغ، ولم يكن مفهوما السكوت علي ذلك الخطر المائي من قبل!. واتوقف برؤية فاحصة امام ما قاله ميليس زيناوي رئيس الوزراء الاثيوبي لتبرير الموقف: »ان مشروع سد الالفية العظيم سيفيد عمليا كلا من مصر والسودان، ونهدف الي ان يكون له تأثير ايجابي علي تفكير المصريين.. وان اثيوبيا يمكنها بناء السد اعتمادا علي نفسها، ولن تنجح محاولات منعها من ذلك«!. وما يثير الشبهات ادعاء زيناوي: »ان مصر تحاول منع اثيوبيا من القيام بأنشطة تنموية علي نهر النيل من خلال الضغوط علي دول اخري لمنعها من تقديم قروض ومنح لاثيوبيا لبناء سد الالفية« وهو ما ليس صحيحا!. ان السد الجديد في اثيوبيا سوف يؤثر بلاشك بالسلب علي اداء منشآت مصر المائية خاصة خزان اسوان وقناطر نجع حمادي واسنا وسوف يقلل انتاج الطاقة الكهربائية الي عشرين في المائة من الطاقة الحالية.. وبالاضافة الي ان نقص الموارد المائية من انشاء هذا السد بمقدار خمسة مليارات متر مكعب سيؤدي الي عدم زراعة مليون فدان »باعتبار ان استهلاك الفدان من المياه يبلغ خمسة الاف متر مكعب في العام«.. وكما تشير الدراسات الخاصة بهذا السد الي انه سيمنع قرابة 02 مليار متر مكعب من حصة مصر من مياه النيل والتي تبلغ 55 مليار متر مكعب، وليس خمسة في المائة من الحصة كما تدعي اثيوبيا، والخطير انها تقوم بذلك دون الحصول علي موافقة مصر والسودان »دولتي المصب«!. وليس من مصلحة مصر والسودان تفاقم ازمة مياه النيل مع دول المنبع الستة، وليس من مصلحة مصر بالذات تصعيد الخلاف مع اثيوبيا حرصا علي حصتها المقررة تاريخيا من ايرادات النهر لان 58 في المائة من المياه تجيء من انهار وروافد الهضبة الاثيوبية، ولان المصالح المشتركة تحتم ضرورة التفاهم حول حق اثيوبيا في اقامة السدود لتوليد الكهرباء اللازمة لها، ومن المفيد محاصرة الازمة بالقوة الناعمة والتفاوض بما يرضي جميع الاطراف وبما يلبي احتياجاتهم!. لابد ان يكون واضحا ان ملف مياه النيل يكتسب اهمية قصوي لان الامن المائي جزء لا يتجزأ من الامن القومي.. وله الاولوية علي ما عداه من القضايا الداخلية والخارجية، من منظور ان النهر يعتبر شريان الحياة للمصريين منذ قديم الازل.. ولذا فان العلاقات بين مصر ودول حوض النيل تكتسب اهتماما خاصا تحت كل الظروف. ومن هنا يتضح مبرر القلق بعدما وصلت الامور الي حد الازمة، والغريب ان مشروعات السدود التي تنفذها اثيوبيا ليست جديدة وانما كانت موجودة منذ سنوات طويلة، ولكن عدم ظهورها من قبل كان بسبب دور مصر ومراعاة عدم اغضابها واثارة الخلافات معها.. ولكن عندما تراجع الدور المصري في افريقيا وانحسر تأثيره في الحقبة الاخيرة خرجت مشروعات السدود الاثيوبية الي حيز التنفيذ وصارت امرا واقعا!. ولاشك ان النظام السابق يتحمل المسئولية بسبب عدم الاهتمام بتدعيم العلاقات مع دول حوض النيل، وبينما اسرائيل تلعب بأصابعها وتسعي للتسلل بالمساهمة في بناء السدود وغيرها من المشروعات للحصول علي حصة من مياه النهر في الهضبة الاثيوبية.. ولاشك انه حدث اهمال من جانب مصر لملف مياه النيل علي مدي السنوات الاخيرة ولم يؤخذ بعين الاعتبار التداعيات المحتملة لتصاعد الخلاف بين دول المنبع الستة ودولتي المصب حول تعديل الحصص الخاصة بكل دولة وبصرف النظر عن الاتفاقيات الدولية التاريخية بالنسبة لتقاسم مياه النهر.. ولو ان المسئولين عن الملف المائي وبالذات وزراء الري والاشغال المائية اهتموا في وقت مبكر بالقضية التي تمس الامن القومي، لامكن احتواء الازمة والقابلة للشحن من جانب القوي الخارجية المحرضة ولكن جرت المعالجة بالتجاهل لمطالب دول المنبع.. وكان من الممكن اقامة مشروعات مشتركة بين مصر والسودان واثيوبيا في توليد الكهرباء والزراعة وبحيث يتم الاستجابة لاحتياجات كل دولة!. وانتبهوا.. فإن اسرائيل تلعب في حوض النيل!.