الشيعة ينتظرون المهدى المنتظر إمامهم الدينى الثانى عشر الذى دخل السرداب طفلا «حسب معتقدهم» وسوف يخرج منه آخر الزمان، واليهود ينتظرون مسيحهم المنتظر الذى يأتى آخر الزمان ليعيد مجد مملكة داود وعرش سليمان ويحارب الشعوب لتسود مملكة اليهود على جميع ممالك الأرض، والبوذيون كانوا ينتظرون الكشف عن مصير «البنتشين لاما» الطفل الصغير الذى اختاره زعيمهم الدينى «الدلاى لاما» منذ عشرين عاما ليكون أهم شخصية فى مملكة التبت البوذية بعده، لكن الطفل اختفى بعدها ولم يتم الكشف عن مصيره إلا الأسبوع الماضى.. هذه الحكاية وأساطير أخرى هى موضوع هذه السطور ..حاكم أقليم التبت وزعيمها الروحى الدلاى لاما الرابع عشر «تينزن جياتسو» بلغ منذ عدة شهور الثمانين.. فهو من مواليد 6 يوليو 1935، وعندما كان عمره «15» عاما اجتاحت القوات الصينية إقليم التبت وفى العام التالى هرب الدلاى لاما سيرا على الأقدام إلى الهند قبل أن تعتقله القوات الصينية، واستقر فى مقاطعة دارا مسالا ومنذ هذا الوقت استقر فى منفاه هذا وتبعه إليه حوالى 80 ألفًا من أتباعه التبتيين، وفى المنفى شكل حكومة دخلت فى مفاوضات مع السلطات الصينية ومازالت المفاوضات والمناوشات واتجار الغرب بأزمة إقليم التبت سارية حتى اليوم. الدلاى لاما وأتباعه ينتمون إلى بوذية خاصة بمنطقة التبت تمييزا لها عن طوائف بوذية أخرى.. ويطلق على طائفة البوذية التبتية: اللامية نسبة إلى الدلاى لاما ملك التبت خليفة «جوماتا بوذا» أو «بودا» مؤسس الفلسفة البوذية التى نشأت بالأساس فى الهند قبل أن تتشعب وتنتشر بأشكال مختلفة فى الصين، ومنغوليا، وكوريا، واليابان، وكمبوديا، وبورما وغيرها. البوذية فى الأصل فلسفة كما قلنا تعتمد على ثلاثة توجيهات أساسية توصف بأنها جواهر، أولها الإيمان ببوذا المثل الأعلى والروح العليا التى تسكن فى كل البشر، والجوهرة الثانية هى الإيمان بتعاليم بوذا التى تسمى «دارما»، أما الجوهرة الثالثة فهى الإيمان بأولئك الذين تنوروا من جماعة المتدينين والنساء البوذيين من الرهبان والعلمانيين. وحدث بعد الاحتلال الصينى لإقليم التبت ما يشبه «الشتات التبتى» وهاجر كثير من سكان الإقليم إلى الدول المجاورة وذهب بعضهم إلى أمريكا وأوروبا ومن هنا بدأ انتشار العقيدة البوذية بين الغربيين الجائعين للروحانيات والباحثين عن تفسير لألغاز الحياة بعيدا عن الأديان، والتواقين للسعادة ووضع نهاية لآلام الإنسان ومعاناته و فى البوذية تصوروا أنهم وجدوا ما يطمحون إليه خاصة أنها تقدم إليهم هذه المعانى بشكل بسيط عبارة عن تمارين وطقوس أداؤها لا يتطلب الإيمان بأى إله بل وتؤكد على الحرية الشخصية. وهذه التمارين تنطلق مما يسمى الحقائق النبيلة الأربع أو التعاليم الأساسية فى البوذية تلك التى تتعلق بمعاناة الإنسان فى حياته وطبيعة هذه المعاناة ومصدرها وإيقافها والطريق المؤدى إلى ذلك.. ويقال إن بوذا قد أدرك هذه الحقائق أثناء فترة التنوير التى مر بها.. ومَن مِن البشر لا يريد أن يتخلص من معاناته دون معاناة؟! تعاليم بوذا وطقوس البوذية لتخليص الجسد من معاناته فى الحياة هى التى جذبت الأوروبيين وغيرهم وهذا هو الجانب المشرق فى المسألة، لكن للسياسة أيضا دخل ودور كبير فى تسليط الضوء على البوذية.. وإقليم التبت.. والدلاى لاما. ? حكم وأمثال من دهب! على مواقع الشبكة العنكبوتية، بأكثر من لغة - وليست اللغة العربية فقط - انتشرت أقوال وحكم وأمثال «الدلاى لاما» الحالى يتم تناقلها ويتشارك فيها الشباب الذى يتعامل مع المعرفة تعامله مع «ماكدونالدز» و«كنتاكى» أنه يريد أن يحشو رأسه بوجبة سريعة من الحكمة المعلبة سهلة الإعداد والطهى وخذ عندك من كلام «الدلاى لاما» على سبيل المثال هذه الحكم: «النوم هو أفضل تأمل»، «كن طيبا ما أمك»، وهو دائما ممكن»، «يمكننا أن نكون سعداء للغاية حتى ونحن نعانى من مشاكل جسدية»، «ديانتى بسيطة للغاية فديانتى هى السعادة» انتهى .. ومرة أخرى من منا لا يبحث عن السعادة أو يسعى إليها. ? سقف العالم فى مصنع الأحلام وتلقفت هوليوود الأسطورة التى لفت حياة الرهبان الذين يعيشون فى أعلى قمة جبلية فى العالم «سقف العالم»، ونسجت عليه أساطيرها الخاصة فى عدد من الأفلام الجميلة التى ساعدت على مزيد من الترويج للبوذية كأسلوب حياة ورحلة إنسانية نبيلة لاكتشاف السعادة، وأنتجت هوليوود فى هذا الصدد أفلامًا عديدة لعل أشهرها الفيلم الشهير للنجم براد بيت الذى حمل عنوان «سبع سنوات فى التبت» وهو مأخوذ عن قصة كتبها متسلق جبال نمساوى يدعى «هانيريش هارر» وقد عاش فى منطقة التبت خلال السنوات السبع الممتدة من عام 1944 إلى 1951 ووقع خلال هذه السنوات حدثان كبيران هما الحرب العالمية الثانية، وغزو الصين للتبت، والاستيلاء عليها وقد عرض الفيلم عام 1997 وبعد 4 سنوات ظهر فيلم آخر حمل عنوان «الهروب من التبت» وهو أيضا مأخوذ عن رواية لكاتبة من أصل «تبتى» تحكى قصة نساء الهاملايا الذين فروا من النظام القمعى الذى حكم الأقليم بعد أن احتلته الصين ومن بين هذه النسوة واحدة تدعى «كينسنج» التى خالفت فى طفولتها رغبات والديها واختارت عن رغبة منها أن تنضم لمجتمع الراهبات فى أحد الأديرة، وفى الثالثة عشرة من عمرها تزوجت وأنجبت حيث يسمح نظام الرهبنة فى البوذية بذلك وفى عام 1959 هاجمت القوات الصينية الدير الذى تعيش فيه فهربت الراهبة «كينسنج» فى صحبة زوجها وابنتها الصغيرة إلى حيث هرب أتباع الدلاى لاما وخاضت رحلات شاقة عبر الجبال لا تحمل الأسرة إلا ما يكفى مؤونتها ويبقى على حياتها من ضروريات من الملابس وطعام أصابه العفن لكن «كينسنج» كانت حريصة على الاحتفاظ بالأيقونات البوذية المقدسة «صور القديسين» .. ويا لها من قصة مؤثرة تسحر الألباب كما يقولون. ? أسعد رجل فى العالم!! ولم يقتصر أمر الترويج للأسطورة البوذية على مصنع الأحلام الهوليودى فهناك أيضا مؤسسات أكاديمية ينظر إليها على أنها عريقة وعلمية هذه روجت لموضوعات تخص البوذية بعد أن صبغتها بصبغة علمية، ومن ذلك على سبيل المثال ما نشره موقع «ميل أون لاين» تحت عنوان معناه أسعد رجل فى العالم، وفى صلب الموضوع أن عالم الجينات الفرنسى «ريكاردو دافيد سون» الذى اعتنق البوذية وسلك فى رهبانيتها تم إخضاع مخه للمسح الإشعاعى فى جامعة «ويسكونسن» وخرجت النتائج تشير إلى أن نشاط الراهب البوذى المتمثلة فى تمارين التأمل وتدريبات «الميدتيشن» التى أخضع نفسه لها لمدة 12 عامًا تم ترجمتها إلى نشاط للمخ أتاح لصاحبه بشكل غير طبيعى مزيد من السعادة والابتعاد عن المشاعر السلبية . ? مصيدة المشاهير! مثل هذه الدعايات قادت مشاهير الغرب من الفنانين والسياسيين إلى مصيدة البوذية وأعلن بعض من أشهرهم عن اعتناقها وضمت القائمة أسماء عديدة مثل: توم كروز، وريتشارد جير، وجوليا روبرتس، ومن السياسيين بل كلينتون والقائمة طويلة لأولئك الباحثين عن التغيير والسلام الداخلى الذى افتقدوه فى مسيحية الغرب وقد تم تشويهها عمدًا خلال القرون الحديثة لإحلال ما يسمى ديانة العقل أو ديانات السلام العالمية محلها وهو جانب من مخطط عولمة الدين.. بمعنى ترشيح عقيدة عالمية جديدة تكون بديلة للأديان السماوية التبشيرية (المسيحية والإسلام) ولن يجد أصحاب الدعوة أحسن من البوذية التى لا تتماس عقائدها ولا تتضاد مع الأديان السماوية وخاصة اليهودية، فالبوذية تعتقد فى تناسخ الأرواح وعدم وجود حياة آخرة، وعقاب وثواب الإنسان فى الحياة الدنيا تبعًا لمعتقد الكرما وهى نتيجة الأفعال التى يقوم بها الإنسان فى حياته والعواقب الأخلاقية الناتجة عنها، والتى تحدد مستقبله بعد موته وانتقال روحه ليولد من جديد فى شكل كائن حى، إنسان أو حيوان حسب عمله السابق. ناهيك عن أساطير أخرى تتعلق باعتقاد البوذيين فى وجود ممالك مفقودة فى باطن الأرض فيها غابات وأنهار وبحيرات يسكنها شياطين من الجن وبشر منتظمين فى أمم وممالك وحضارات، ويتم الاتصال بها عبر شبكة من الكهوف والأنفاق تؤدى إلى جوف الأرض حيث هذا العالم الداخلى العظيم، ويؤمنون أيضا أن هناك نفقا ممتدا من عاصمة إقليم التبت إلى إحدى ممالك هذا العالم الخفى، وأن «الدلاى لامات» يحرسون مدخل هذا النفق وقد أقسموا على حفظ الأمر سرًا. ? عودة البوذى المختفى أما أحدث الأساطير التى كشف عنها البوذيون التبتيون خلال الأيام القليلة الماضية فتشير إلى مصير «البنتشين لاما» الذى اختفى طفلا قبل عشرين عاما واسمه «جنيون تشويكى ينيما» وكان الدلاى لاما الحالى قد اختاره وهو فى سن السادسة ليكون ثانى أهم شخصية دينية فى التبت بعده كتقليد لترشيح الدلاى لامات وإعدادهم للمستقبل لكن ما لبث أن انتشرت أخبار عن اختفاء الزعيم الروحى المنتظر، وقيل إن السلطات الصينية قامت باعتقاله هو وعدد من الأطفال المناظرين الذين يطلق عليهم «البنتشين» حيث تتجسد فيهم أرواح الدلاى لامات الراحلين وعلى إثر اختفائه خرجت مظاهرات من سكان الإقليم تطالب بالكشف عن مصيره، وبعد صخب دام لسنوات، خرج الأسبوع الماضى أحد مسئولى الحكم الذاتى فى منطقة التبت يعلن أن «البانتشين لاما جندون تشويكى» حى يرزق يتلقى تعليمه ويعيش حياة طبيعية وينمو بشكل صحى ولا يريد أن يزعجه أحد.