لم تكن سيناء يومًا مجرد قطعة من أرض الوطن، بل كانت دائمًا رمزًا للصمود، ومفتاحًا استراتيجيًا لموقع مصر الجغرافى الفريد، وجسرًا بين قارات العالم وثقافاته. ورغم ما مرت به هذه الأرض المباركة من تحديات، فإن الدولة المصرية، فى السنوات الأخيرة، خاضت معركة جديدة من أجل إعادة إعمارها وتنميتها، تحت عنوان «العبور الجديد». لم يكن عبور 1973 فقط لتحرير الأرض، بل جاء عبور 2014 وما بعده ليحرر سيناء من الإهمال التنموى، ويفتح صفحة جديدة من البناء والاستثمار فى مستقبلها أطلقت الدولة المصرية منذ عام 2014 خطة تنموية غير مسبوقة لتنمية سيناء، فى إطار استراتيجية قومية تهدف إلى إدماج شبه الجزيرة بشكل كامل فى نسيج الدولة المصرية، بعد عقود من اعتبارها مجرد خط دفاع شرقى، لا تحظى بالاهتمام الكافى على مستوى التنمية والخدمات. وفى عرض شامل قدمه الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس مجلس الوزراء، خلال اصطفاف المعدات المشاركة فى تنفيذ خطة تنمية سيناء بحضور الرئيس عبد الفتاح السيسى، كشف عن حجم الإنجاز الذى تحقق على الأرض، مؤكدًا أن ما تم تنفيذه يعد معجزة بكل المقاييس، إذ بلغت تكلفة المشروعات التى تم ضخها فى سيناء نحو 610 مليارات جنيه حتى الآن. ومن أبرز ملامح هذه الطفرة التنموية، ما شهده قطاع الطرق والكبارى من نقلة نوعية، حيث تضاعف طول شبكة الطرق من 674 كم قبل عام 2014 إلى 3000 كم خلال 8 سنوات فقط، أى أكثر من خمسة أضعاف، إلى جانب إنشاء 7 كبارٍ عائمة بين ضفتى قناة السويس بتكلفة مليار جنيه، لتيسير حركة الربط بين شرق وغرب القناة. كما تم تطوير قطاع النقل البحرى بإنشاء وتحديث 5 موانئ بحرية وجافة فى سيناء بتكلفة تجاوزت 44 مليار جنيه، إلى جانب تنفيذ ازدواج الممر الملاحى لقناة السويس، بما يعزز من ربط سيناء بالعالم ويجعلها جزءًا من ممرات التجارة العالمية. وأكد رئيس الوزراء أن هذه التنمية جاءت بعد سنوات من التحديات الأمنية، حيث استطاعت الدولة تطهير سيناء من الإرهاب، لتفتح الباب أمام مشروعات التنمية المتكاملة التى لم تشهدها المنطقة من قبل. بدء مسيرة التنمية الشاملة وفى ظل هذا الواقع المعقد، لم تتوانَ الدولة المصرية عن اتخاذ قرار مصيرى، وهو خوض معركتين فى آنٍ واحد: الأولى لتطهير سيناء من الإرهاب، والثانية لبدء مسيرة التنمية الشاملة التى تأخرت لعقود. ربط سيناء بباقى الجمهورية... ملحمة وطنية حقيقية الركيزة الأساسية لتحقيق هذه التنمية تمثلت فى الربط الكامل بين سيناء وباقى أنحاء مصر، لا سيما غرب قناة السويس. فبعد أن كانت الأنفاق القديمة محدودة بوجود نفق وحيد (نفق الشهيد أحمد حمدي)، أصبحت سيناء اليوم ترتبط بباقى الجمهورية عبر 6 أنفاق (منها 5 جديدة تم إنشاؤها مؤخرًا)، إلى جانب 7 كبارى عائمة، وشبكة طرق حديثة تجاوز طولها 3000 كم. مشروع «تنمية منطقة شرق بورسعيد» وقد ترتب على مشروع «تنمية منطقة شرق بورسعيد» العديد من الآثار الإيجابية على مستوى البنية التحتية فى سيناء، إذ تم إنشاء أرصفة الميناء البحرى بتكلفة بلغت 6.5 مليار جنيه. الأنفاق والكباري... شرايين الحياة الجديدة لسيناء ولا يمكن أن نغفل ونحن نحتفل بالذكرى الثانية والخمسين من حرب أكتوبر المجيدة بأن مشروع إنشاء الأنفاق أسفل قناة السويس لم يكن مجرد عملية حفر لمرور المركبات، بل خطوة استراتيجية هدفها إحداث ربط حقيقى ومستمر بين سيناء وباقى ربوع الجمهورية. هذه الأنفاق أسهمت فى تيسير الحركة بشكل كبير، حيث أصبح العبور من وإلى سيناء يتم فى مدة زمنية قصيرة تتراوح بين 15 إلى 20 دقيقة، وعلى مدار الساعة، وهو ما لم يكن متاحًا سابقًا بهذه السهولة والمرونة. لكن الأهم من ذلك – كما أكد رئيس الوزراء د.مصطفى مدبولى – أن هذه الأنفاق لا تُعد مجرد ممرات، بل هى جزء من شبكة طرق ضخمة تمتد من أقصى الغرب المصرى فى مطروح والسلوم، إلى أقصى الشرق فى سيناء، بما يضمن ربطًا كاملًا بين جميع أطراف الدولة. الكبارى العائمة: ربط تكاملى بين ضفتى القناة ولم تقف خطة الدولة عند الأنفاق فقط، بل تم التوسع بإنشاء 7 كبارٍ عائمة كوسائل ربط إضافية لتقليل المسافات البينية بين نقاط العبور عبر قناة السويس. هذه الكبارى تم إنشاؤها بتكلفة تقدر بحوالى مليار جنيه، وسُميت تكريمًا لعدد من شهداء الوطن، الذين قدموا أرواحهم فداءً لمصر وسيناء فى معركة تطهيرها من الإرهاب وقد أسهمت هذه الكبارى فى تحسين حركة التنقل، سواء للأفراد أو للبضائع، وساعدت فى تعزيز الجهود التنموية بالمناطق المتاخمة للضفتين. شبكة الطرق: طفرة كمية ونوعية غير مسبوقة وفيما يتعلق بشبكة الطرق، فقد عقد رئيس الوزراء د.مصطفى مدبولى مقارنة بين وضع الطرق فى سيناء قبل عام 2014، والوضع الحالى بعد الطفرة التى شهدتها البنية التحتية. فبينما كان إجمالى الطرق على مدار 20 عامًا لا يتجاوز 674 كم، ارتفع طول الشبكة فى السنوات الثمانى الأخيرة فقط إلى أكثر من 3000 كم – أى ما يفوق خمسة أضعاف خلال أقل من نصف المدة الزمنية ولم تقتصر هذه النقلة على الكم فقط، بل شملت تحسينًا نوعيًا كبيرًا؛ إذ تم إنشاء طرق رئيسة تتضمن 3 حارات فى كل اتجاه، بالإضافة إلى حارة خدمة، مع مراعاة أعلى معايير الأمان والجودة، ما يجعل هذه الشبكة قادرة على خدمة عمليات التنمية فى سيناء لمدة 50 عامًا مقبلة، وليس فقط لتلبية احتياجات الوقت الراهن مشروعات طرق محورية وضمن أبرز المحاور التى تم تنفيذها، جاء طريق النفق – رأس النقب بطول 231 كم، والذى يربط بين وسط سيناء ومناطق الجنوب. كما تم تنفيذ عدد من الطرق المهمة الأخرى مثل الطريق الأوسط بشرم الشيخ، وطريق الإسماعيلية – العوجة، وجميعها تم تشييدها باتجاهين منفصلين لضمان أعلى درجات الأمان وسرعة الحركة التحول من منطقة معزولة إلى مركز تنمية متكاملة كل هذه الجهود تهدف إلى شيء واحد: دمج سيناء بالكامل فى النسيج الوطنى، وإنهاء العزلة التى فُرضت عليها لعقود. فمشروعات التنمية العمرانية، وتحسين الخدمات الأساسية كالمياه والكهرباء والتعليم، وإنشاء الموانئ والأنفاق، لم تكن فقط لتغيير شكل البنية التحتية، بل لتوفير حياة كريمة لأهالى سيناء، وجذب الاستثمارات، وتوفير فرص عمل. ربط سيناء بالعالم: نقلة استراتيجية فى موقع مصر إن جهود الدولة فى تنمية سيناء لم تقتصر فقط على ربطها بباقى المحافظات المصرية، بل امتدت لتشمل ربطها بالعالم الخارجى، من خلال مشروعات ضخمة جعلت من سيناء بوابة مصر الشرقية للتجارة الدولية وحركة النقل العالمية من أبرز هذه المشروعات، توسعة وازدواج الممر الملاحى لقناة السويس، وهو ما ساهم فى رفع كفاءة هذا الشريان العالمى، وتعزيز قدرته التنافسية. سيناء منطقة جاذبة للاستثمار وأصبحت سيناء منطقة جاذبة للاستثمار من خلال تحسين مستوى الخدمات الأساسية: فبالنسبة لقطاع المياه، أسهم نحو 52 مشروعًا فى زيادة نسبة تغطية مياه الشرب فى سيناء من 84 % فى عام 2014 إلى 98 % فى عام 2023، كما قد أشار استطلاع آخر لمركز المعلومات دعم واتخاذ القرار فى عام 2023 إلى مدى رضا الأهالى فى سيناء عن جهود الدولة فى تطوير ورفع كفاءة مستوى الخدمات المقدمة لهم فى عدد من القطاعات، وهى الصحة، والتعليم، والكهرباء، والطرق والإنارة، والصرف الصحى، ففى قطاع الكهرباء قامت الدولة بإضافة نحو 420 ميجاوات للقدرات الكهربائية فى سيناء، أما فى قطاع الصرف الصحى تم تنفيذ 25 مشروعًا بهدف رفع عملية التغطية بشبكات الصرف الصحى من 17.3 % فى 2014 إلى 40 % فى 2023. التنمية الزراعية وكما أكد د.مصطفى مدبولى رئيس مجلس الوزراء قائلا إن ما حدث فى سيناء يعتبر بحق معجزة بكل المقاييس حيث إن هناك مشروعين من أكبر وأعقد المشروعات التى تم تنفيذها على مستوى العالم والموجودين على أرض سيناء، هدفهما إضافة وضخ المياه لزيادة الرقعة الزراعية فى سيناء، حيث كان يوجد قبل عام 2014، نحو 224 ألف فدان، اليوم ومع تنفيذ هذه المشروعات سوف نتجاوز ال 675 ألف فدان، أى سوف يتم إضافة نحو 450 ألف فدان للأرض. كان التحدى الأساسى لتحقيق التنمية الزراعية هو «كيفية توفير المياه لاستصلاح مساحات الأراضى الواسعة فى سيناء»؛ فلذلك قامت الدولة بزيادة عدد محطات المياه؛ لتوفير المياه المطلوبة لاستصلاح الأراضى، وهو ما عمل على زيادة الرقعة الزراعية داخل سيناء، حيث كان يوجد قبل عام 2014 نحو 224 ألف فدان، ولكن مع تنفيذ مشروعات بمساحة 450 ألف فدان، تجاوزت مساحة الرقعة الزراعية 675 ألف فدان، ومن أهم هذه المشروعات الذى وضُع فى موسوعة جينيس، هو مشروع محطة معالجة بحر البقر الذى تم الإشارة إليه سابقًا، إذ تضخ حوالى 6 ملايين م3/يوم إلى سيناء؛ لخدمة عملية الزراعة الجديدة. مزارع الفيروز السمكية حققت جزءا من الاكتفاء الذاتي وفى إطار تنمية الثروة السمكية، من المشروعات العملاقة فى سيناء وهو مشروع مزارع الفيروز السمكية، بطاقة إنتاجية كبيرة جدا، تحقق جزءا من الاكتفاء الذاتى للدولة المصرية، بالإضافة للمزارع السمكية التى قامت بها هيئة قناة السويس فى شرق القناة، والتى بلغت تكلفتها 650 مليون جنيه، فضلًا عن حواجز الأمواج بالمزارع السمكية فى شرق بورسعيد، وعمل فى منطقة وتربة "سهل الطينة"، بالتزامن اليوم مع ما يتم من تنفيذ تطوير لميناء الصيد البحرى بمدينة طور سيناءبالعريش، والمشروع العملاق الذى وجه به فخامة الرئيس، وهو إعادة الاستفادة من بحيرة البردويل، وزيادة سريان المياه داخل البحيرة، حتى تعود بأكبر حجم من الانتاجية فيما سبق بأعلى جودة من الأسماك، حيث يتم العمل خلال الفترة الراهنة على إعادة هذه الإنتاجية والجودة كما كانت. إنشاء 5 مناطق صناعية على مساحة 83 ألف فدان أما فيما يخص التنمية الصناعية، فتم إنشاء خمس مناطق صناعية ممتدة على مساحة 83 ألف فدان، تتمثل فى المنطقة الصناعية ببئر العبد، والحرفية بالمساعيد، بوسط سيناء، بأبو زنيمة، بالقنطرة شرق، بخلاف المشروعات التى يتم تنفيذها بشرق بورسعيد، ومصانع جهاز مشروعات الخدمة الوطنية، مثل مصانع الرخام بجفجافة، ومشروعات مصانع الأسمنت التى تم تطويرها وزيادة كفاءتها، وعرض رئيس الوزراء شكل المنطقة الصناعية التى تم تطويرها فى شرق بورسعيد عام 2014، ثم صورا حديثة توضح كثافة التنمية وزيادة حجم المصانع، حيث زادت الطاقة الانتاجية لمصنع أسمنت العريش لنحو 7 ملايين طن سنويًا، والمجمع العملاق للرخام فى جفجافة بوسط سيناء، بتكلفة مليار جنيه تقريبًا، وهو أحد أهم روافد توفير هذه الخامة المهمة، ويزيد القيمة المضافة للخامات بسيناء، والتى بفضلها أصبحنا قادرين على تصديرها للخارج. منطقة وادى التكنولوجيا هذا بالاإضافة إلى منطقة وادى التكنولوجيا، والتى تعد أحد أهم المشروعات المخططة التى تضعها الدولة كأولوية فى تنفيذ التنمية فى سيناء، حيث تخدم مدينة الاسماعيلية الجديدة، ولا يمكن أن نغفل ما قامت به المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر والتى كان لها نصيب كبير من الاستثمار حيث ضخت الدولة أكثر من 2 مليار جنيه فى تلك المشروعات وفرت نحو 90 ألف فرصة عمل مباشرة المطارات أسهمت فى رفع الحركة السياحية والتجارية وفى إطار تعزيز ربط سيناء جوًا، شهدت السنوات الأخيرة تطويرًا كبيرًا لقطاع المطارات فى المنطقة. حيث تم إنشاء مطار البردويل الدولى كمطار جديد يخدم المناطق الوسطى من سيناء، إلى جانب تطوير مطار شرم الشيخ الدولى، ورفع كفاءته لاستيعاب الزيادة الكبيرة فى الحركة السياحية كما يتم حاليًا تطوير مطار سانت كاترين، الذى من المتوقع أن يلعب دورًا محوريًا فى دعم السياحة الدينية والبيئية، وخاصة مع الطفرة السياحية التى تشهدها المدينة فى الفترة الأخيرة، والتى تُعد من أهم المقاصد الدينية والثقافية فى مصر الموانئ بوابات اقتصادية جديدة لسيناء هذا فضلا عن الجهود الكبيرة المبذولة فى إنشاء وتطوير الموانئ البحرية والجافة فى سيناء حيث تم الانتهاء من 5 موانئ رئيسة، بإجمالى استثمارات تجاوزت 44 مليار جنيه، وهى ميناء شرق بورسعيد البحري: الذى شهد أعمال تطوير ضخمة، وزيادة فى سعته الاستيعابية، مع إنشاء منطقة صناعية متكاملة خلفه، تهدف لجذب الاستثمار الصناعى والتجارى، وميناء العريش البحرى الذى يُجرى تحويله إلى ميناء متكامل حديث، يدعم التجارة الإقليمية والدولية من شمال سيناء. وميناء القنطرة شرق البري: كأحد الموانئ البرية المهمة التى تربط سيناء بالضفة الغربية للقناة وميناء نويبع البحرى الذى تم رفع كفاءته لخدمة حركة الركاب والبضائع عبر البحر الأحمر. وميناء طابا البرى الذى يخدم الحركة السياحية والتجارية فى منطقة الحدود الشرقية.