منافس الأهلي.. بورتو يسابق الزمن لضم فيجا قبل انطلاق مونديال الأندية    7 لاعبين مهددون بالرحيل عن ريال مدريد    أحمد الفيشاوي يثير الجدل مجددًا بظهوره ب«حلق» في أحدث إطلالة على إنستجرام    من مدريد إلى نيويورك..فى انتظار ولادة صعبة لحل الدولتين    باريس سان جيرمان ينهي عقدة تاريخية لأندية فرنسا أوروبيًا    بعد رحيله عن الأهلي.. هل طلب سامي قمصان ضم ميشيل يانكون لجهاز نادي زد؟    لاعبان سابقان.. الزمالك يفاضل بين ثلاثي الدوري لضم أحدهم (تفاصيل)    معاكسة فتاة ببنها تنتهى بجثة ومصاب والأمن يسيطر ويضبط المتهمين    متحدث الصحة: نضع خطة طوارئ متكاملة خلال إجازة العيد.. جاهزية كل المستشفيات    ديستربتيك: استثمرنا 65% من محفظتنا فى شركات ناشئة.. ونستعد لإطلاق صندوق جديد خلال عامين    مطالب برلمانية للحكومة بسرعة تقديم تعديل تشريعى على قانون مخالفات البناء    البلشي يرفض حبس الصحفيين في قضايا النشر: حماية التعبير لا تعني الإفلات من المحاسبة    القومي لحقوق الإنسان يكرم مسلسل ظلم المصطبة    الحبس والغرامة للمتهمين باقتطاع فيديوهات للإعلامية ريهام سعيد وإعادة نشرها    «سيبتك» أولى مفاجآت ألبوم حسام حبيب لصيف 2025    مدير فرع هيئة الرعاية الصحية بالإسماعيلية يستقبل وفدا من الصحة العالمية    رئيس النحالين العرب: 3 جهات رقابية تشرف على إنتاج عسل النحل المصري    وزير الصحة: تجاوزنا أزمة نقص الدواء باحتياطي 3 أشهر.. وحجم التوسع بالمستشفيات مش موجود في العالم    بحثًا عن الزمن المفقود فى غزة    مصطفى كامل وأنوشكا ونادية مصطفى وتامر عبد المنعم فى عزاء والد رئيس الأوبرا    20 صورة.. مستشار الرئيس السيسي يتفقد دير مارمينا في الإسكندرية    موعد أذان مغرب السبت 4 من ذي الحجة 2025.. وبعض الآداب عشر ذي الحجة    بعد نجاح مسابقته السنويَّة للقرآن الكريم| الأزهر يطلق «مسابقة السنَّة النبويَّة»    ماذا على الحاج إذا فعل محظورًا من محظورات الإحرام؟.. الدكتور يسري جبر يجيب    الهمص يتهم الجيش الإسرائيلي باستهداف المستشفيات بشكل ممنهج في قطاع غزة    الإخوان في فرنسا.. كيف تُؤسِّس الجماعة حياةً يوميةً إسلاميةً؟.. خطة لصبغ حياة المسلم فى مجالات بعيدة عن الشق الدينى    المجلس القومي لحقوق الإنسان يكرم أبطال مسلسل ظلم المصطبة    وزارة الزراعة تنفي ما تردد عن بيع المبنى القديم لمستثمر خليجي    برونو يحير جماهير مانشستر يونايتد برسالة غامضة    القاهرة الإخبارية: القوات الروسية تمكنت من تحقيق اختراقات في المواقع الدفاعية الأوكرانية    "أوبك+": 8 أعضاء سيرفعون إنتاج النفط في يوليو ب411 ألف برميل يوميا    قواعد تنسيق العام الجديد.. اعرف تفاصيل اختبارات القدرات    ما حكم بيع جزء من الأضحية؟    محافظ القليوبية يوجه بسرعة الانتهاء من رصف وتطوير محور مصرف الحصة    ب حملة توقيعات.. «الصحفيين»: 5 توصيات ل تعديل المادة 12 من «تنظيم الصحافة والإعلام» (تفاصيل)    استعدادًا لعيد الأضحى| تفتيش نقاط الذبيح ومحال الجزارة بالإسماعيلية    محافظ أسيوط ووزير الموارد المائية والري يتفقدان قناطر أسيوط الجديدة ومحطتها الكهرومائية    تكشف خطورتها.. «الصحة العالمية» تدعو الحكومات إلى حظر جميع نكهات منتجات التبغ    وزير الخارجية يبحث مع عضو لجنة الخدمات العسكرية ب"الشيوخ الأمريكي" سبل دعم الشراكة الاستراتيجية    مصادرة 37 مكبر صوت من التكاتك المخالفة بحملة بشوارع السنبلاوين في الدقهلية    حظك اليوم السبت 31 مايو 2025 وتوقعات الأبراج    لماذا سيرتدي إنتر القميص الثالث في نهائي دوري أبطال أوروبا؟    تفاصيل ما حدث في أول أيام امتحانات الشهادة الإعدادية بالمنوفية    "حياة كريمة" تبدأ تنفيذ المسح الميداني في المناطق المتضررة بالإسكندرية    بدر عبد العاطى وزير الخارجية ل"صوت الأمة": مصر تعكف مصر على بذل جهود حثيثة بالشراكة مع قطر أمريكا لوقف الحرب في غزة    وزير التربية والتعليم يبحث مع منظمة "يونيسف" وضع خطط لتدريب المعلمين على المناهج المطورة وطرق التدريس    استخراج حجر بطارية ألعاب من مريء طفل ابتلعه أثناء اللعب.. صور    أفضل الأدعية المستجابة عند العواصف والرعد والأمطار    رئيس الإنجيلية يستهل جولته الرعوية بالمنيا بتنصيب القس ريموند سمعان    ماذا قالت وكالة الطاقة الذرية في تقريرها عن أنشطة إيران؟    مصدر كردي: وفد من الإدارة الذاتية الكردية يتجه لدمشق لبحث تطبيق اتفاق وقّعته الإدارة الذاتية مع الحكومة السورية قبل نحو 3 أشهر    "نفرح بأولادك"..إلهام شاهين توجه رسالة ل أمينة خليل بعد حفل زفافها (صور)    قبل وقفة عرفة.. «اليوم السابع» يرصد تجهيزات مشعر عرفات "فيديو"    عمرو الدجوى يقدم بلاغا للنائب العام يتهم بنات عمته بالاستيلاء على أموال الأسرة    عيد الأضحى 2025.. محافظ الغربية يؤكد توافر السلع واستعداد المستشفيات لاستقبال العيد    سحب 700 رخصة لعدم تركيب الملصق الإلكتروني خلال 24 ساعة    لمكافحة التلاعب بأسعار الخبز.. ضبط 4 طن دقيق مدعم بالمحافظات    سويلم: الأهلي تسلم الدرع في الملعب وحسم اللقب انتهى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من عبد الناصر إلى السيسى.. رحلة البحث عن العدالة الاجتماعية
نشر في أكتوبر يوم 26 - 07 - 2015

العدالة الاجتماعية.. حلم الفقراء.. وجنة المظلومين ومطلب الثائرين فى كل زمان ومكان.. سُنة الله فى الكون ولا يحيد عنها إلا سلطان جائر أو حاكم ظالم. وفى تاريخ مصر الحديث منذ بدايات القرن التاسع عشر وحتى اليوم هناك فترات مد وجذر ارتفعت فيها أو انحسرت المطالبات بالعدالة الاجتماعية.. وكانت دائمًا فترات المد مرتبطة بثورات المصريين، هذه الثورات التى خرجت من طين الأرض من الريف وأبناء المدن الفقراء أو من عند عمال المصانع المستنزفين لصالح أرباب العمل وتغذت هذه الثورات بأفكار وآراء النخب التى حملت على أكتافها مطلب تحقيق العدالة الاجتماعية.
وخلال ثلاثة أرباع القرن الأخيرة فى عمر الدولة المصرية تحديدًا مرت مصر بمشروع مهم لتحقيق العدالة الاجتماعية، انطلق هذا المشروع بقوة مع نجاح ثورة 23 يوليو 1952 وتصاعد مع توجه النظام السياسى المصرى للأفكار الاشتراكية والمعسكر الاشتراكى، لكن هناك نكسة أصابت الأفكار والتوجهات مع وصول الرئيس السادات للحكم بداية السبعينيات والاستدارة بوجهه نحو الغرب الرأسمالى وأفكاره عن الحرية الاقتصادية واقتصاديات الوفرة وثقافة اللذة، وركبت مصر قطار الرأسمالية الذى لا يرحم ومضت فى طريقها إلى أن وصلت إلى محطة 25 يناير 2011 لترتفع مجددًا أصوات المطالبين بالعدالة الاجتماعية.
وفى هذا الملف نناقش رحلة العدالة الاجتماعية منذ الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وإلى الرئيس الحالى عبد الفتاح السيسى.. ما كان وما هو حاصل وما هو مأمول، وهى ليست محاكمة للأشخاص والأنظمة وسياساتها ولكن سعى وبحث عن الأفضل للوطن والناس. د. جمال زهران:
العدالة تحطمت على صخرة السادات ومباركأكد د. جمال زهران، أستاذ العلوم السياسية بجامعة قناة السويس المنسق العام لتحالف العدالة الاجتماعية، أنه كان هناك مشروع بعد التخلص من رجال الزعيم جمال عبد الناصر فيما سمى كذبا ب «ثورة التصحيح» عام 1971، التى كانت بمثابة محاولة واضحة للانقضاض على مكتسبات الثورة، وأن هذا العدوان على العدالة الاجتماعية التى أقر أسسها الرئيس عبد الناصر ظهر جليا فى أعقاب حرب 1973، حيث استغلت السلطة النصر فى الحرب للتغطية على سياساتها الرامية إلى الإجهاز على كل ما تحقق بعد ثورة 23 يوليو من مكتسبات للفقراء.
وقال د. زهران إن العدالة الاجتماعية التى وضعت ثورة يوليو أسهها تحطمت على صخرة رغبة الرئيس السادات فى تنفيذ مشروعه الانفتاحى الذى فتح الباب على مصراعيه أمام اللصوص لتكوين ثروات طائلة من سرقة قوت الشعب الفقير، وتحويل السوق إلى حالة من الفوضى نتيجة تعطيل كل آليات الرقابة التى تضمن حق المواطن فى موارد الدولة، ثم جاء عصر مبارك الذى شهد عدوانًا صريحًا على حقوق الفقراء.
وأضاف أن عهد مبارك كان الفقراء أقل حظا فى مقابل توغل اللصوص الذين تكاتفوا والسلطة لنهب كل ما تبقى للفقراء من قطاع عام كان بمثابة رمانة الميزان فى معادلة الاقتصاد، فكانت برامج الإصلاح الاقتصادى والتكيف الهيكلى، الذى خلق طبقة من المنتفعين أو ما أطلق عليه فى حينه القوة الرأسمالية، التى اتسمت بتوحشها وهرولتها بدون هوادة وراء جمع المال بدون محاسب أو رقيب، فالسلطة الحاكمة فى عهد الرئيس مبارك تحالفت مع هؤلاء اللصوص لتحويل الاقتصاد إلى وسية يتسيد فيها حليف السلطة على الفقراء أصحاب الأرض.
وأشار منسق عام التحالف الشعبى للعدالة الاجتماعية إلى أن هذه السياسات نجحت خلال ثلاثة عقود كاملة فى القضاء على ما تبقى من أحلام الفقراء فى عيشة كريمة، فى وطن يحترم الضعيف قبل القوى، وتجلى هذا الأمر فى تنامى ظاهرة «توريث المناصب»، بحيث أصبح التوريث هو البوابة الملكية للدخول إلى مملكة المناصب السيادية فى الدولة فأصبح فى مصر مملكة القضاة ومملكة ضباط الشرطة ومملكة أساتذة الجامعات بل تطور الأمر لتتملك هذه الآفة من قطاعات كانت دوما حكرا على المتميزين والمتفوقين مثل مملكة الأطباء، نتيجة السماح بدخول التعليم الجامعى الخاص.
ولفت إلى أنه لم يبق من العدالة سوى تنسيق الجامعات، الذى تحطم أثره فى سنوات حكم مبارك الأخيرة، عندما تم السماح بإنشاء جامعات خاصة بدأت ب4 جامعات خاصة فى عهد الوزير حسين كامل بهاء الدين، وكان ذلك بداية تنفيذ مخطط خصخصة قطاع التعليم العالى، وذلك بتعليمات أو أوامر من صندوق النقد والبنك الدوليين، لتبدأ الدولة فى تنفيذ سياسة جديدة تتمحور حول الخلاص من فكرة مجانية التعليم، بزعم أن هذا الأمر يرهق ميزانية الدولة، التى تعانى عجزا مزمنا فىالموازنة العامة.
أفرزت كل هذه السياسات الخاطئة، بحسب د. زهران، حالة مقيتة من التشوه الطبقى بسبب غياب العدالة منذ عام 1974، وكان ذلك بمثابة السبيل الذى مهد لثورتى 25 يناير 2011 و30 يونيو 2013، اللتين يستهدفان بالأساس إحياء مكتسبات ثورة 23 يوليو 1952، فثورتا 25 يناير و30 يونيو جاءتا لانقاذ مصر من أيدى عصابة السادات ومبارك، التى نجحت خلال نحو 4 عقود فى تدمير كل مكتسبات ثورة يوليو 1952.
وبالتالى، فإن الرئيس السيسى هو حلم كل الفقراء للبدء فى تنفيذ سياسات جادة تحقق بدورها العدالة الاجتماعية التى طالما حلم بها المصريون، خاصة أنه بدون العدالة الاجتماعية لن يستقر المجتمع، ولابد أن تبدأ هذه الإجراءات من إعداد العدة لتشكيل برلمان منتخب قوى يعبر عن كافة طوائف المجتمع، بحيث يتم تجنيب هذا البرلمان آثار سطوة الدين والمال، فالثورة أداة لتحقيق العدالة الاجتماعية، والبرلمان مرآة للمجتمع، فإنه من الضرورى الإسراع فى إقرار قانون العزل السياسى لرموز نظام مبارك، وإقرار الآليات اللازمة لمواجهة الفساد الإدارى والمالى والسياسى المستشرى فى مختلف مؤسسات وأركان الدولة، والعمل على حل كافة الأحزاب السياسية الدينية، وإقرار قانون حماية الثورة، والمضى قدما فى عقد محاكمات سياسية لكل من اقترف جرما فى حق هذا الوطن، وتحقيق مطالب ثوار 25 يناير و30 يونيو التى تدور فى مجملها حول مطلب تحقيق العدالة الاجتماعية
وتتمثل أدوات العدالة الاجتماعية فى قطاع عام يقود القاطرة، التى تقود منظومة العدالة الاجتماعية، بحيث يتم إقرار قانون جديد للإصلاح الزراعى، يعيد توزيع الثروة من جديد، علاوة على التوسع فى إقامة مشروعات قومية توفر المزيد من فرص العمل المحترمة للشباب المصرى، وتعزيز آليات مكافحة الفساد الذى يعجز الدولة عن التقدم للأمام، والقضاء على التوريث فى مختلف قطاعات الدولة، وكذلك يجب الإسراع فى تنفيذ نصوص الدستور الخاصة بالعدالة الاجتماعية مثل زيادة الإنفاق على الصحة والتعليم والبحث العلمى، وتطبيق نظام ضريبى تصاعدى يحقق بدوره إعادة توزيع الدخل ويقلل من حالة التفاوت الشديد فى الدخول، والتمسك بتطبيق الحد الأدنى للأجور فى مختلف قطاعات الدولة الحكومية والعامة والخاصة، وكذا تطبيق قانون الحد الأقصى للأجور بدون استثناءات، حتى لا يتم تفريغ القانون من مضمونه.د. فخرى الفقى:
مهم جدًا.. أن تسبق التنمية عدالة التوزيعتحقيق العدالة الاجتماعية مطلب يمكن إدراكه، بحسب د. فخرى الفقى، أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة المستشار السابق لصندوق النقد الدولى، من خلال تطبيق المذهب الرأسمالى فى الاقتصاد، وأن التجارب الدالة على ذلك عديدة ولا حصر لها، بل إن التفاوت فى الدخول سمة أساسية فى البلدان الاشتراكية، ودراسة التجارب الاشتراكية فى قارة آسيا أو فى أوروبا الشرقية تثبت صحة هذه المزاعم، وأن التنمية هى السبيل الوحيد لتحقيق العدالة الاجتماعية، على أن تصاحب جهود التنمية فى مناخ من الحريات الاقتصادية حرص الدولة على بناء شبكات الحماية الاجتماعية.
لا تعانى البلدان المتقدمة الرأسمالية-مثل غيرها من البلدان الأخرى- مشكلة غياب العدالة الاجتماعية، نظرا لأن هياكلها الاقتصادية تتسم بالتوازن والاستقرار والنضوج، بما يترتب عليه تحقيق معدلات تنمية مستدامة تسمح بإقرار برامج حماية اجتماعية تقوم بتوزيع فوائض التنمية «ثمار التنمية» بشىء من العدالة، بما يترتب عليه تقليل التفاوت فى الدخول بحيث تتلاشى معدلات الفقر، ويعيش كل المجتمع فى حالة من الرفاهية الاقتصادية، بما لا يترتب عليه أى تقصير من قبل الدولة فى حماية الملكية الخاصة، لأن حماية هذه الملكية مطلب أصيل لتحقيق الرفاهية لعموم المجتمع.
لكن أزمة العدالة الاجتماعية فى البلدان النامية ومنها مصر- بغض النظر عن تبنى النظام الاشتراكى أو الرأسمالى فى إدارة الاقتصاد- تتجسد فى عدم اكتمال هياكل الإنتاج بما يترتب عليه من اختناقات متكررة فى منظومة الاقتصاد، فالناتج المحلى الإجمالى يشهد زيادات دورية دون أن يترتب على هذه الزيادات تنمية حقيقية، فهذه الزيادات يتم ترجمتها إلى زيادات ملحوظة فى دخول فى بعض فئات المجتمع دون غيرها، بما يترتب عليه من تفاوت فى الدخول وبالتالى انعدام العدالة الاجتماعية.
بالتالى، فإن الدولة لن تتمكن من تحقيق العدالة الاجتماعية عبر إقرار تشريعات فحسب بل الأمر كله مرتبط بالقدرة على تحقيق تنمية اقتصادية مستدامة بالتزامن مع إقرار برامج حماية اجتماعية، وهذا يحتاج بدوره إلى إعادة هيكلة الاقتصاد، والعمل على علاج الاختلالات المالية فى الموازنة العامة للدولة وميزان المدفوعات، وأخيرا، صياغة شبكة متكاملة للحماية الاجتماعية، على أن يتم البدء من إعادة هيكلة الاقتصاد بما ينتج عنه تنمية حقيقية يترتب عليها ثمار للنمو يتم توزيعه من خلال الشبكات، أى البدء فى اتخاذ الإجراءات اللازمة لزيادة الكعكة ثم البدء فى إجراءات توزيعها بعدالة عبر شبكة الحماية الاجتماعية.
وكانت هذه الكعكة، وفقا ل د.فخرى الفقى فى العهد الناصرى يتم الحرص على توزيعها بعدالة دون الاهتمام بتنمية هذه الكعكة وزيادتها بما يترتب عليه الرفاهية الاجتماعية، بحيث أولى الرئيس جمال عبد الناصر الاهتمام الأكبر للملف الاجتماعى السياسى دون الاهتمام بالملف الاقتصادى، ومن ثم وجد المواطن نفسه أمام معضلة خطيرة للغاية، وهى تراجع فى معدلات التنمية الاقتصادية على الرغم من أن الخطة الخمسية الأولى (1960– 1965) نجحت فى تحقيق معدلات نمو معتبرة لكن هذا الأداء لم يستمر على نفس الوتيرة نتيجة تغليب الاعتبارات الاجتماعية والسياسية على الاقتصادية.
ثم كانت المرحلة التالية، التى تولى فيها الرئيس السادات السلطة (1971– 1981)، التى شهدت إعادة ترتيب أولويات الأجندة الحكومية، بحيث تم تغليب الجوانب السياسية الاقتصادية على الاعتبارات الاجتماعية، فكانت قرارات الانفتاح الاقتصادى الرامية إلى تطوير الاقتصاد بإقرار آليات السوق فى إدارة الاقتصاد، لكن هذا التطور حدث دون إقرار آليات حماية اجتماعية فكانت آثاره سلبية على منظومة العدالة الاجتماعية، ليأتى الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك ليكمل ما بدأه الرئيس السادات، فالنمو يتحقق لكن ثماره لا تصل إلى المواطن لانسداد قنوات العدالة الاجتماعية.
هكذا، كان الرئيس عبد الناصر حريصا على تحقيق العدالة الاجتماعية بما أصدره من قوانين تخدم هذا الهدف مثل قوانين الإصلاح الزراعى والتأميم فى القطاع الزراعى، بحيث تم انتزاع الأراضى الزراعية من ملاكها الإقطاعيين لتوزيعها على المزارعين من الفلاحين الفقراء.
ثم كان التأميم فى القطاع الصناعى بحيث تم إقرار قوانين تلزم بضرورة أن يكون 50% من مجالس إدارات المصانع من العمال بما يعطى لهم فرصة جادة لتعظيم دخولهم من إدارة هذه المصانع، وترتب على ذلك كله، أن أصبحت الحكومة المتحكم الرئيسى فى كافة قطاعات الاقتصاد، وأصبح الدعم أحد أهم آليات تحقيق العدالة الاجتماعية، فالأمر كان تقسيم الكعكة دون أن يتم تنميتها، فالعدالة فى توزيع الفقر أمر غير مطلوب.
وبعد وفاة عبد الناصر، والكلام مازال ل«د.الفقى»، جاء السادات لينمى الكعكة، فكان عيبه أنه نمى بدون شبكة حماية، فالسادات كان فى حاجة ماسة إلى شبكة حماية اجتماعية، خاصة فى حالة اتخاذ قرار الانفتاح الاقتصادى، لكن الوقت لم يسعفه لإعادة البناء الاقتصادى فاغتيل السادات، ثم جاء مبارك ليستمر على ذات النهج فى التنمية الاقتنصادية، لكنه أهمل إعادة صياغة شبكة الحماية الاجتماعية.
وبدأ المرض يمسك بتلابيب الهياكل الاقتصادية، كونها تعانى حالة من التشوه، لأنها هياكل عفى عليها الزمن، فمن يسقط دون السن الاجتماعية لا تلتقطه شبكة الحماية الاجتماعية، لأن فتحات هذه الشبكات كانت واسعة جدا، وبالتالى زاد الفقر بالتزامن مع تباهى الحكومات بتحقيق معدلات نمو سنوى 7 و8%، إلا أن ثمار هذا النمو لم تصل إلى الفقراء.
واتسمت هذه الفترة، بحسب د. فخرى الفقي، بالتفاوت الهائل فى الأجور سواء للعاملين فى القطاع الحكومى أو غيره، وتوقفت الحكومة عن تعيين الخريجين، لأن الفساد كان يعم كل أرجاء الدولة، وأصبحت السمة الغالبة أن الفقير يزداد فقرا والغنى يزداد غنى، فنظام مبارك كان يهتم بالنمو دون آليات إعادة توزيع ثماره، نتيجة هذا الفساد والبيروقراطية والفقر بدأ المخطط الخارجى لاستغلال الغضب الشعبى لإسقاط الدولة المصرية، وذلك من خلال ثورتى 25 يناير 2011 و30 يونيو 2013، التى خرج فيهما المصريون للمطالبة بضرورة تعزيز الاهتمام بالاقتصاد وتحقيق الحرية السياسية، ثم تكون فيما بعد العدالة الاجتماعية.
خلال هذه الفترة، كان الشعب يطالب بضرورة الاهتمام بالاقتصاد أولا لتنمية الكعكة، ثم تكون فيما بعد العدالة الاجتماعية، تتوازى العدالة الاجتماعية مع التنمية الاقتصادية، وتم بالفعل المضى قدما صوب تطبيق الحدين الأدنى والأقصى للأجور بما يقلل التفاوت فى الدخول قدر المستطاع، وإن كنت أرفض فكرة الحد الأقصى للأجور، وكذلك بدأت الدولة تولى اهتمامًا أكبر ببرامج الحماية الاجتماعية الأخرى مثل الإسكان الاجتماعى وتطوير العشوائيات، وزيادة الإنفاق على الصحة والتعليم، وتحسين منظومة معاشات الضمان الاجتماعى التى تغطى الآن نحو 3 ملايين أسرة، وإعادة النظر فى منظومة الدعم بما يحقق العدالة الاجتماعية.
المطلوب، فى رأى د. الفقى، المضى قدما لتطبيق منظومة إعانات البطالة، على أن تكون هذه الإعانة مشروطة بشكل لا يجعل الشباب المتعطل عن العمل يعزف عن العمل رغبة فى الحصول على هذه الإعانة، علاوة على ضرورة إعادة النظر فى منظومة التعليم والصحة، بحيث يتم تحسين المنظومة (مبان– مناهج– معلمين وتلاميذ)، خاصة أن الدستور يتحدث عن ضرورة زيادة الإنفاق على الصحة والتعليم إلى 10% من الناتج القومى، وزيادة الاهتمام بالمشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر لما لها من قدرة على توفير المزيد من فرص العمل لمواجهة معدلات البطالة المرتفعة، التى تضرب العدالة الاجتماعية فى مقتل. د. هالة السعيد العدالة الاجتماعية.. رهينة الإرادة السياسيةأكدت د. هالة السعيد، عميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن قضية العدالة الاجتماعية هى قضية محورية للأمن والسلام الاجتماعى لهذا الوطن، وأنه لا يمكن أن تختزل فى الحدين الأقصى والأدنى للأجور، ولكن يجب أن تشتمل على منظومة متكاملة من قواعد تضمن تكافؤ الفرص، وخفض معدلات الفقر، ورفع جودة الخدمات التعليمية والصحية والمرافق العامة, وخلق شبكات الضمان الاجتماعى لجميع المواطنين.
وقالت د. السعيد فى ورقة بحثية لها بعنوان «طريق العدالة الاجتماعية.. إلى أين؟»، إن المأزق الذى تواجهه حكومات ما بعد الثورة يتلخص فى كيفية التوفيق بين الحاجة إلى التوسع فى الإنفاق، وهو المعلن لمواجهة قضية التشغيل وخلق فرص عمل، وبين ضرورة خفض عجز الموازنة. وأضافت أنه مما لا شك فيه أن معدلات النمو المتواضعة فى الفترة التى تلت ثورة 25 يناير 2011 خلقت أعباء جسيمة على أى جهود للتنمية الاقتصادية والاجتماعية ولتحقيق العدالة الاجتماعية، وأن تنامى معدلات البطالة يمثل تحديا قويا أمام واضعى السياسة الاقتصادية حتى يتمكنوا من تحديد الطلب ودفع القدرات التشغيلية لقطاعات الاقتصاد الوطنى، لتتمكن من توفير ما بين 750 و850 ألف فرصة عمل جديدة سنويا، ناهيك عن إحداث خفض تدريجى سنوى فى معدلات البطالة السائدة، التى تصل إلى 13%، فيما تصل هذه المعدلات إلى ذروتها بين الشباب والحاصلين على مؤهل عال لتبلغ 37% فى المتوسط.
ويصعب من مهمة إدراك العدالة الاجتماعية، وفقا ل «د. السعيد»، استمرار ارتفاع معدلات الفقر ووصولها إلى 25% فى المتوسط، وإذا أضفنا لها التفاوتات الإقليمية، فتصل معدلات الفقر إلى أعلى مستوياتها فى ريف محافظات الوجه القبلى، لتبلغ50%، ويزيد حدة المشكلة التفاوت الكبير فى توزيع الدخل بين الطبقات، حيث أوضحت البيانات الصادرة عن وزارة التخطيط أن أفقر20% من السكان يحصلون على10% من الدخل فى حين يستحوذ أغنى 20% من السكان على 40% من الدخل، بما يعكس الخلل الشديد فى منظومة العدالة الاجتماعية.
وتمثل بنود الإنفاق فى الموازنة هى الأخرى تحديا كبير، حيث يذهب 80% من الإنفاق إلى بنود الأجور والمرتبات ودعم الطاقة والغذاء، ويزيد من حدة المشكلة اتسام فاتورة الدعم بقدر عال من عدم العدالة، حيث يتسرب الجزء الأكبر من هذا الدعم لغير مستحقيه، وينحاز لصالح الأغنياء أو الوسطاء بدلا من الفقراء.
وتشير التقديرات، وفقا للدراسة، إلى أن 45% من دعم الطاقة يستفيد منه فقط أصحاب الدخول العليا، أما أصحاب الدخول المحدودة، فلا يستفيدون إلا بحوالى 10% فقط، لذا فأنا من ذلك الفريق الذى أسعده إلغاء مجلس الشورى، لما يتيحه ذلك من إعطاء فرصة أكبر لوجود قنوات بديلة أهم فى هذه المرحلة، تتمثل فى إنشاء مجلس استشارى يختص بمناقشة الأمور الاقتصادية والاجتماعية.
وقد يأخذ هذا المجلس الاستشارى الشكل المتعارف عليه لدى أغلب دول العالم، فيما يعرف بالمجالس الاقتصادية والاجتماعية أو المجلس الاقتصادى القومى، وأن مثل هذا النوع من المجالس دورها استشارى، ولكنه يهدف بشكل أساسى إلى دعم المشاركة المجتمعية فى مناقشة كافة الأمور الاقتصادية والاجتماعية وكافة السياسات والبرامج الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، كما تساعد، وهو المطلوب فى ظل هذه الظروف السياسية والاقتصادية غير العادية فى قياس الانعكاسات والمردود الاجتماعى لكل السياسات الاقتصادية المختلفة على مكون مهم وهو العدالة الاجتماعية، ولها أن تقترح مشروعات قوانين أو سياسات اقتصادية مختلفة على الحكومة أو البرلمان.
وبالفعل، يوجد نحو 84 دولة على مستوى العالم لديها مجالس اقتصادية واجتماعية أغلبها فى دول آسيا وأفريقيا، وهذه المجالس أغلبها أجهزة مستقلة تكتسب وضعها القانونى إما من خلال وضعها فى الدستور مثل فرنسا وجنوب إفريقيا أو بقرار جمهورى مثل ماليزيا أو بموجب قانون أو لائحة خاصة مثل البرازيل وكوريا والأردن، وأيا كان الاتجاه أو الطريقة لإنشاء مثل هذا المجلس، وقد كنت أتمنى أن ينص على إنشاء مثل هذا المجلس فى الدستور مثل بعض دول العالم، ولكن يمكن أيضًا انشاؤه بقانون أو بقرار جمهورى كحالات عديدة أخرى.
حسنا فعل دستور 2014 فى المواد الاقتصادية منه، حيث نص على أن هدف النظام الاقتصادى هو تحقيق الرخاء من خلال التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية، بما يكفل رفع معدل النمو الحقيقى للاقتصاد القومى، ورفع مستوى المعيشة، وزيادة فرص العمل، وتقليل معدلات البطالة والقضاء على الفقر، كما يلتزم النظام الاقتصادى والاجتماعى بضمان تكافؤ الفرص والتوزيع العادل لعوائد التنمية، وتفعيل الفوارق بين الدخول، والالتزام بحد أدنى للدخول يضمن حياة كريمة.
وكذلك أعطى الدستور، وفقا ل«د.السعيد»، اهتماما بالتنمية البشرية التى تعد الثروة الحقيقية لهذا الوطن، وتظل المعضلة الأساسية المتمثلة فى السياسات, وبرامج العمل، وترتيب الأولويات، وحساب التكلفة والعائد من كل سياسة، فالطريق إلى العدالة الاجتماعية يحتاج الآن وأكثر من أى وقت مضى إلى توافر الإطار المؤسسى والإرادة السياسية، ولا يزال هو الطريق الوحيد إلى الأمن والسلام الاجتماعى لهذا الوطن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.