قد لا يعرفه أغلب أبناء الجيل الحالي، ولا يعرفون إنجازاته وإسهاماته في الثقافة المصرية والعربية، ويرجع ذلك لتقصير وزارتى الثقافة والتعليم في تسليط الضوء على شخصية مصرية فذة استطاعت أن تغير كثيرا من أوجه الحياة الانسانية من خلال علم الجغرافيا.. إنه جمال حمدان الذي آمن بأن الجغرافيا هي السبيل الوحيد أمام الإنسان ليعرف وطنه ويرى جماله ويدرك أسراره، واستطاع أن يغير أنظار العالم نحو هذا العالم، بل تمكن من خلاله من دراسة كل فروع العلوم الأخرى.أصدرت مكتبة الإسكندرية مؤخرا كتابا بعنوان «جمال حمدان وعبقرية المكان» من إعداد الباحثين محمد محمود غنيمة وأيمن منصور وقدمه د. إسماعيل سراج الدين. الكتاب يكشف جوانب مهمة فى حياة جمال حمدان ويعرض لسيرة حياته، واكتشافاته العلمية، وتنبؤاته بكثير من الأحداث التى تجرى حاليا فى مصر والوطن العربى، كما يعرض لأسرار من حياته، وطريقة وفاته المريبة ووجود شكوك قوية بأنه قتل داخل شقته وأن الموساد لها يد فى هذا. لم يكن الدكتور جمال حمدان مجرَّد أستاذ للجغرافيا، بل كان مفكِّرًا وعالِمًا أفنى عمره كلَّه باحثًا فى عشق مصر، محلِّلاً لزمانها ولمكانها فألف فيها موسوعته الخالدة المعروفة ب «شخصية مصر دراسة فى عبقرية المكان». وعانى جمال حمدان من غيرة زملائه والتى تسببت فى معاداة الجامعة له ويقول محمد محمود غنيمة مؤلف الكتاب إنه بعد عودة حمدان من بعثته وانضمامه عضوًا بهيئة التدريس بقسم الجغرافيا، ثم ترقتيه أستاذًا مساعدًا، أصدر كتبه الثلاثة الأولى وهى: «جغرافيا المدن»، و«دراسات عن العالم العربى» و«أنماط من البيئات»، وقد حصل بهذه الكتب على جائزة الدولة التشجيعية سنة 1959، فبدأت تلتفت إليه أنظار الحركة الثقافية فى مصر، وفى الوقت نفسه أكسبته غيرة بعض زملائه وأساتذته داخل الجامعة، وما لبث أن تقدّم باستقالته من الجامعة فى 1963بسبب تخطيه فى الترقية إلى وظيفة أستاذ، إلا أن الجامعة لم تقبلها إلا بعد عامين. ورغم محاولات زملائه المستميتة بقسم الجغرافيا لإثنائه عن هذا القرار فإنها باءت بالفشل، ومنذ ذلك الحين فرض «حمدان» على نفسه عزلةً اختياريةً عن المجتمع؛ فلم يكن يستقبل أحدًا فى منزله، وتفرَّغ لدراساته وأبحاثه، وبالرغم من أن هذه الحادثة قد تكررت مع العديد من زملائه، فإن جمال بحسه المرهف لم يعد يتحمل هذا العبء مرددًا هذه العبارة «لا أريد التعامل مع المجتمع،ولن أخرج من عزلتي.. حتى ينصلح حاله وإن كنت أتصور أن ذلك لن يحدث». ويذكر شقيقه الدكتور عبد الحميد صالح حمدان أن حمدان عندما انتُدِب للعمل فى جامعة القاهرة فرع الخرطوم، وجد أحد الزملاء ممن قام بالسطو على كتبه ومحاضراته، وطَبَعها ووزّعها على الطلبة على أنها من بنات أفكاره؛ فأصيب بالدهشة، فسيطر عليه الغضب، وبعد أن أثبت للطلاب أنه صاحب هذه النصوص، عاد مرة أخرى بكل مرارة ليجد أن نفس الأستاذ ينافسه على الترقية، ويحصل عليها قبله دون وجه حق. وهنا أيقن «حمدان» بعد أن تأثّرت صحته أنه لن يقوى على الوقوف أمام هؤلاء الديناصورات على حد قول شقيقه؛ وأنه لا سبيل أمامه إلا بمحاربتهم بسلاحه الوحيد وهو العلم، ورأى أن الأولى به أن ينسحب من هذا الميدان، وأن يترك هذه الكعكة ليتقاسموها بينهم وأن يُكرّس نفسه لمشروعه الكبير الذى كان يحلم به. ظل جمال حمدان معتصمًا فى بيته رافضًا الانخراط فى تفاهات الحياة لا يفتح الباب لأحد إلا البواب والأصدقاء الحميمين، وكان لا يسمح لأحد بأن يقتحم عليه عزلته دون موعد سابق فيتحدث اللواء عبد العظيم وشقيقه عبد الحميد بأنهما حينما كانا يريدان لقاءه؛ كانا يمران عليه صباحًا ويتركان له بطاقة بموعد حضورهما أو كانا يطرقان عليه الباب بشفرة طرق معينة وهى (ثلاث طرقات متقطعة)، فإذا فتح الباب وكان مشغولاً فى عمل أو يقوم بتمريناته الرياضية، يجلس من يدخل فى غرفة الاستقبال حتى ينتهى. وظل حمدان منكبًّا على قصيدته العاشقة (شخصية مصر- دراسة فى عبقرية المكان) يكتبها بشرايينه قبل عقله وكأنه يسبق الزمن الذى كان متأكدًا أنه لا يسعف العباقرة، ولا يحنو عليهم، واستغرق فيها عشر سنوات وصدر فى أربعة أجزاء وهى قرابة 4000 صفحة من القطع الكبير. الموساد وحمدان وأصدر حمدان أيضا فى 1967 كتابه «اليهود أنثروبولوجيًّا» الذى كشف فيه عن التشتت الثقافى والبشرى لليهود؛ حيث أثبت فيه أن اليهود المعاصرين الذين يدَّعون أنهم ينتمون إلى فلسطين ليسوا هم أحفاد اليهود الذين خرجوا من فلسطين قبل الميلاد، وفى عام 1968م أى بعد النكسة بعام أصدر كتابه «استراتيجية الاستعمار والتحرير» الذى تحدث فيه عن الجدل الدائر للعلاقة بين تطور النظم الاقتصادية والثقافية والسياسية. وظل جمال حمدان فى عزلته الاختيارية حتى توفى محترقًا فى 1993 إثر فاجعة أودت بحياته نتيجة تسرب الغاز من أنبوب البوتاجاز فى أثناء قيامه بإعداد كوب من الشاى لنفسه فحرقت نصف جسده الأسفل.ويطرح الكتاب تساؤلا مهمًا وعلامات استفهام بناء على شهادات العديد من معاصرى حمدان وأصدقائه. وأول هذه الأسئلة: لماذا كانت أنبوبة الغاز سليمة ونسبة الحروق لا تكفى لإحداث الوفاة كما أثبتها الأطباء عقب الحادث؟ ولماذا النصف الأسفل فقط هو ما أصابه الاحتراق؟ وهل الموساد من قتل حمدان؟ وللإجابة عن هذه العلامات نحيلكم إلى الكتاب. فهو يعرض لشهادة الأديب والكاتب الكبير يوسف القعيد الذى يقول: «إن جمال حمدان قبل وفاته كان قد انتهى من ثلاثة كتب، أولها «اليهود والصهيونية وبنو إسرائيل» ويقع فى ألف صفحة، وكان ينتظره ناشره يوسف عبد الرحمن وطباعته وتوزيعه، وكتاب «العالم الإسلامى المعاصر»، الذى أصدره عام 1965ثم توسع فيه حتى صار كتابًا جديدًا، أما الكتاب الثالث فهو عن علم الجغرافيا، ولقد ذهبنا إلى الشقة فور علمنا بوفاته وعايناها، واختفت هذه الكتب التى كانت موجودة ورأيتها بنفسي». أما اللواء عبد العظيم حمدان فيقول: «إن قدمه كسرت فى أحداث مقلة، ثم سافر إلى بلده، وأن جارة له كانت تسكن فى البيت قالت لنا إن هناك رجلاً وامرأة «خواجات» سكنا فى الشقة الموجودة فوق شقته قبل شهرين ونصف الشهر من اغتياله ثم اختفيا بعد قتله». ويستطرد اللواء عبد العظيم قائلاً: «المؤكد أن الموساد الإسرائيلى هو الذى قتل جمال حمدان». كما يذكر الكاتب الصحفى محمد وجدى قنديل فى مقال بعنوان: «لغز الموساد ومقتل جمال حمدان» أن جمال حمدان لم يمت مختنقًا من اشتعال البوتاجاز ولم يكن مصابًا سوى بحروق طفيفة فى الساق اليمنى حتى الركبة، بينما أصيب بهبوط حاد فى الدورة الدموية وبأن حمدان لم يغلق بابه كعادته ولكنه تركه مواربًا كى يصله البواب بما طلبه منه من كراريس وأقلام ومستلزماته اليومية، كما أنه بعد نقله إلى مستشفى (أم المصريين) تبين أنه مضروب فى رأسه من الخلف، كما لم يعثر على أى أموال فى الشقة كما قالت زوجة أخيه (محمد حمدان)». أما عن بنت شقيقه الأكبر (إيمان محمد حمدان) فتقول: «توجهنا فور إبلاغنا إلى مستشفى أم المصريين حيث نقل جثمان عمى الدكتور جمال حمدان، وكان هناك عمى اللواء عبد العظيم حمدان وأخبرنا بأنه لا يوجد أى آثار لحروق فى جسده وقال الأطباء وقتها إن الوفاة حدثت بسبب هبوط بالدورة الدموية، ولكن المريب وقتها أن التقرير الطبى يشير إلى وجود ضربة على الرأس من الخلف وهذا ما يوحى بأن شخصًا ما فاجأه بتلك الضربة وانتهز وجوده وحده بالشقة وقام بتصفيته هذه نقطة، والنقطة الأخرى أنه لم يحدث حريق بالمعنى المفهوم ولم يأت على محتويات الشقة ولم تمتد النيران إلى غرفة النوم أو المكتب إنما حدث تسرب من خرطوم البوتاجاز أثناء إشعاله وأدى إلى احتراق جزء منه ولم تنفجر الأنبوبة». من القاتل إن احتمالية قتل الدكتور حمدان لا يحمل أية مبالغة، فتاريخ إسرائيل وجهاز الموساد فى سفك الدماء لا يحتاج إلى دلائل، فهى لا تتعقب فقط من يحملون السلاح فى مقاومتها، إنما تتعقب كل من يقدم فكرًا يؤصل جرائمها ضد الإنسانية، وكتاب مثل «اليهود والصهيونية وبنو إسرائيل» الذى كان حمدان انتهى من تأليفه، وكما يقول القعيد، إنه كان على موعد مع ناشره لتسليمه، وهو ذروة المقاومة ضد إسرائيل فى مجال الفكر، الذى يقود فى النهاية إلى حمل السلاح ضدها، وبالتالى فإن قتل الرجل والسطو على الكتاب من البديهى أن تقوم به إسرائيل عبر جهازها المخابراتى «الموساد» ولِمَ لا وهو من قال فيهم: «إسرائيل لا جدال مسخ اصطناعى بحت، بدأ ابنًا غير شرعى لبريطانيا، ونما لقيطًا لأمريكا، ويشب الآن ربيبًا لفرنسا، وإذا كان وجودها برمته خطيئة سياسية، فإن كيانها هو خطأ جغرافى وفضيحة اقتصادية. ويكفى أن ننظر إلى نسيجها البشرى المهلهل لنعرف مدى المتناقضات الداخلية التى تمزقها. فلا نكاد نعرف فى العالم أجمع دولة أكثر خلاسية وتخليطًا من إسرائيل. فرغم أن عددها لا يتجاوز الآن2.25 مليون، فإن المليون مهاجر الذين تدفقوا عليها منذ مايو 1948 حتى يونيه 1961 ينتمون وحدهم أصلاً إلى 79 دولة من كل قارات وأطراف العالم! فلا تكاد جنسية أو قومية أو أقلية أو ديانة فى العالم لا تتمثل فيها. فهى بوضوح متحف جنسي، وبرج بابل لغوي، وبالوعة اجتماعية. إنها وإن كانت دولة دينية عنصرية صرفة، فليس كمثلها دولة أقليات فى العالم». وليس غريبًا بعد هذا أن تكون العلاقات بين هذه الأقليات المتنافرة مشحونة بالتوترات والتشنجات الخطيرة. والواقع أن إسرائيل اجتماعيًّا «دولة كاست» أى مجتمع طبقات صارمة جامدة أساسها العنصرية والطائفية. «زُبد» هذا المجتمع المريض هم اليهود الأوروبيون الشنكاز «الاشكنازيم» الذين يحتكرون كل القيادات والثروة والنفوذ، وزَبَده هم اليهود الشرقيون السفارديم الذين لهم كل الأعمال الحقيرة والأحياء الفقيرة، بينما لا تأتى الأقليات غير اليهودية من عرب مسلمين ومسيحيين (ونسبتهم 10% من سكان الدولة المزيفة) لا تأتى كمواطنين من الدرجة الثانية أو حتى الثالثة، وإنما هم تمامًا فى مرتبة «المنبوذين» الذين يقعون خارج هذا الهرم كلية. وهم يعيشون فى ظل إرهاب الحكم العسكرى فى منطقتهم فى المثلث الأخضر كما لو فى «أبارتيد صهيوني» حقيقى كالإفريقية فى معازل جنوب إفريقيا أو فى معسكرات اعتقال واسعة. والمؤكد أن عنصرية الصهيونية تجمع بين أسوأ ما فى عنصرية النازية وعنصرية اتحاد جنوب إفريقيا. ومعنى هذا كله أن جسم إسرائيل أبعد ما يكون عن الانسجام أو التماسك داخليًّا، وقابل للتصدع عند أية قلقلة. أما من الناحية المادية، فليست إسرائيل سخرية اقتصادية فحسب بل هى فضيحة اقتصادية كاملة. فمعروف كيف أنها تستمد أغلب ميزانيتها ودخلها من الخارج، ومعروف كيف هى لا تصدر إلا كسرًا ضئيلاً مما تستورد حتى أصبح ميزان مدفوعاتها مثلاً فريدًا فى الاختلال وحتى أصبحت علمًا على دولة العجز». كذلك معروف أنها لا تكفى نفسها بنفسها فى الغذاء أو حتى فى الخامات والضروريات ومن الممكن أن نلخص كل تطورها الاقتصادى فى أنها بدأت دولة عصابات وانتهت دولة متسولين. وأوضح حمدان بعض الأفكار والمعتقدات الخاطئة؛ فعلى سبيل المثال يذكر «مادام اليهود لم يعودوا من الساميين فيمكننا أن نرى الخطأ الشائع فى تسمية اضطهاد اليهود بمعاداة السامية، فنحن فى الحقيقة إزاء «ضد اليهودية»، الاضطهاد النازى لليهود فى ألمانيا لم يكن فى جوهره إلا اضطهاد ألمان لألمان، لا يقل معظمهم عنهم فى الآرية والنوردية. إنما يختلفون فقط فى الديانة وطريقة الحياة». ثم أسقط دعوى اليهود عن أية قرابة دم بين العرب واليهود قائلاً «يسقط كذلك ببساطة وتلقائية أية دعوى قرابة دم بين العرب واليهود: قد يكون يهود التوراة والعرب أبناء عمومة – إنما تاريخيًّا فحسب حين بدأ الكل قبائل مختلفة من الساميين الشماليين وحين كانت العبرية لغة تشتق من الأصول العليا التى تفرعت عنها العربية، وقد يكون من الصحيح، بل إنه لصحيح بالفعل، أن إسماعيل أبو العرب وإسحق أبو اليهودية إخوة غير أشقاء وكلاهما ابنا إبراهيم – ولكن فى البداية فقط تصدق هذه الأخوة على نسليهما، أما بعد ذلك فقد ذاب أحدهما فى دماء غريبة ووصل الذوبان إلى حد الانحلال حتى أصبحنا إزاء قوم غرباء لا علاقة لهم البتة بإسحق فضلاً عن إسماعيل». أما عن قرابتهم لفلسطين فيقول: «ومن ناحية أخرى فلا علاقة لهم جنسيًّا أو أنثروبولوجيًّا بفلسطين، وهم أجانب غرباء عنها دخلاء عليها». وبهذا فإن كل ادعاءات إسرائيل الفاشلة بصلة وقرابة الدماء وحقها المزعوم زورًا فى الأراضى الفلسطينية قد أسقطها حمدان ورد على كل الأكاذيب التى مازال الإعلام اليهودى والصهيونى يبثها على العالم، فنزل هذا الكتاب على الصهاينة كالصاعقة، فما كان منهم إلا أن قتلوه! والطريف أن الدكتور جمال حمدان واسى نفسه فى مذكراته قائلاً «لو كان جمال حمدان أوروبيًّا أو أمريكيًّا لتحولت مقولاته إلى مزامير تتلى صباح مساء، ولكانت مقولاته ورؤاه الاستراتيجية عنوانًا عريضًا لدى معظم الباحثين ومراكز الدراسات». أزمة مع أحمد بهاء حرم جمال حمدان من المعاش وذلك بسبب الروتين الذى لا تسمح لوائحه بمعاش إلا لمن قضى عشر سنوات فأكثر فى الجامعة وكانت شئون العاملين بالجامعة قد أبلغت الدكتور بأنه لم يستوف المدة القانونية لذا لزم انقطاع المعاش، وكان أحمد بهاء الدين وجمال حمدان صديقين حميمين، وعندما سمع الكاتب الصديق أحمد بهاء الدين بما كان من الأمر كتب فى مقاله يطلب معاشًا استثنائيًّا له وقال: «إن الرجل يعيش على معاش تقرر له فى الستينيات بالقرب من منتصفها، وأن مصر التى تقرر فيها هذا المعاش ليست مصر السبعينيات، وأن الرجل يعيش فى غرفة وصالة تحت السلم فى الدور الأرضى من عمارة تقع فى شارع أمين الرافعي، وأنه يمر بظروف حياتية أكثر من صعبة وأن طباعة كتبه لا عائد وراءها تقريبًا وليس له أى دخل آخر» فكانت هذه بداية الخلاف واحتدام الخصام، حيث ثار حمدان وغضب وخاصم بهاء حتى النهاية. ويقول الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل عن حمدان «إن عبقرية سقراط انتهت بكأس شراب مسموم وعبقرية نابليون جرى تسفيرها للبحر إلى منفى سانت هيلين وعبقرية نيتشة وصلت فى النهاية إلى بيت منعزل على حافة جبل فى سالزماريا قرب سانت موريتز بسويسرا أقام فيها العقل الشامخ بعد أن غام ضياؤه ولفه الضباب، ونحن نقول بأن عبقرية حمدان وصلت فى النهاية إلى سرقة أفكاره وحرقه فى صومعته». كما رثاه الكاتب الكبير الراحل أنيس منصور وقال: «عاش غريبًا ومات وحيدًا.. يرحمه الله مات وحده.. مات كما تموت الشهب.. محترقًا فى السماء، لا أحد رآه، ولا أحد عرف كيف صرخ وكيف بكى.. إنما سقط رمادًا أضيف إلى تراب مصر.. يا أرض مصر قد مات فيلسوفك وشاعرك والشاهد على عبقريتك». إن الجغرافيا عند حمدان ليست علم الأرض بقدر ما هى علم المكان فيقول «الجغرافيا هى علم المكان، كما أن التاريخ علم الزمان. البعض من المؤرخين يعرِّف التاريخ بأنه علم الزمان وليس علم الماضي، بالمثل الجغرافيا ليست علم الأرض بقدر ما هى علم المكان والفارق مفهوم. وبالرغم من أن الكثير من المتخصصين به ينظرون إلى الجغرافيا على أنها علم جاف جامد؛ لكن قراءة «جغرافيا حمدان» تجعلك تشعر بطراوة العلم وليونته، فتسبح فى القراءة دون أن تدرى وتبحر فى أعماق العلم بلا شراع، هذا هو جمال حمدان عبقرى حتى فى عشقه للجغرافيا وعبقرى فى عشقه لبلده وقوميته.