هبة أبوجامع أول محللة أداء تتحدث ل «المصري اليوم»: حبي لكرة القدم جعلني أتحدى كل الصعاب.. وحلم التدريب يراودني

برز فى السنوات الأخيرة دور «محللة الأداء» كأحد أهم العناصر المساندة فى كرة القدم الحديثة، بعدما كانت هذه المهنة حكرًا على الرجال لسنوات طويلة. ومع تطور التكنولوجيا ودخول برامج تحليل المباريات والإحصاءات الرقمية إلى ملاعبنا، أصبح من الصعب الاستغناء عن هذه الوظيفة التى تساعد الأجهزة الفنية على قراءة المنافسين، اقتحمت السيدات عالم التحليل الفنى بقوة، ليقدمن صورة مختلفة عن قدرة المرأة على العمل وسط أجواء كرة القدم التى طالما ارتبطت بالرجال.
فى هذا الحوار نقترب أكثر من تجربة هبة أبوجامع، أول محللة أداء مصرية، التى كسرت الحواجز وتحدت الصعاب، لتكتب لنفسها سطرًا مميزًا فى تاريخ اللعبة، ونرصد معها تفاصيل رحلتها، ورؤيتها للمستقبل، وطموحاتها فى تطوير هذا التخصص محليًا وعربيًا. وإلى نص الحوار:
■ متى بدأ اهتمامك بكرة القدم؟
- تعلقت بكرة القدم منذ الصغر، وتابعت مباريات الزمالك مع عائلتى التى تشجع الفريق الأبيض، كنت أتابع ميدو وشيكابالا منذ أن كان عمرهما 18 سنة. وكنت حريصة على شراء جميع المجلات الرياضية، ومن هنا بدأت رحلتى فى عالم الصحافة، حيث عملت فى العديد من الصحف قبل أن أنتقل للعمل فى المركز الإعلامى بنادى وادى دجلة.
■ كيف جاءت فكرة تخصصك فى مجال تحليل الأداء؟
- أثناء عملى فى المركز الإعلامى بوادى دجلة كنت دائمًا قريبة من الفريق الأول، أحضر جميع التدريبات والمباريات، وكنت حريصة على حضور المحاضرات التى تسبق المباريات. حصلت على رخصة التدريب لرغبتى فى دراسة كرة القدم وفهم ما يدور حولى من حديث عن طرق اللعب وخططه. لم أفكر فى العمل كمحللة أداء، لأننى لم أر من قبل فتاة تعمل فى هذه المهنة، لكن حبى للعبة جعلنى أتحدى كل الصعاب وأحصل على العديد من الدورات التدريبية.
■ كيف جاء انضمامك للعمل كمحللة أداء فى وادى دجلة؟
- كنت أعمل فى المركز الإعلامى لوادى دجلة، بالإضافة إلى فريقى محللى الأداء بقطاع الناشئين، والفريق الأول، حتى جاء المدير الفنى اليونانى تاكيس جونياس، وطلب ضمى للعمل كمساعدة لمحلل الأداء، فسأل عن راتبى، وهل أنا متواجدة مع الفريق بالفعل؟، فجاء الرد بأننى لست معهم لأن الفريق للرجال فقط، فطلب من إدارة النادى أن أتوقف عن العمل مع الناشئين وألتحق بالفريق الأول، قائلاً: «هى فتاة، لكنها تعمل أكثر وأفضل من الرجال»، وبالفعل انضممت للجهاز الفنى للفريق الأول كمساعدة محلل الأداء مع محمد عبد الفتاح «تاحا».
■ من أكثر شخص دعمك خلال رحلة عملك؟
- محمد بركات، المدير الفنى الحالى لنادى مسار، عملت معه أثناء فترة وجوده كمدرب مساعد فى الجهاز الفنى لوادى دجلة، بقيادة إيجور توليتش، وكان دائمًا حريصًا على دعمى وتشجيعى، علّمنى الكثير بالشرح والفيديوهات، وكان يتابع عملى ويعطينى الملاحظات باستمرار، العمل معه منحنى خبرة كبيرة وساعدنى على تطوير نفسى.
■ هل واجهت اعتراضات وانتقادات على عملك كمحللة أداء؟
- كثيرًا ما تعرضت للانتقادات والاعتراضات عند بداية عملى كمحللة أداء، حيث كان البعض يتساءل: «هى فتاة، ماذا ستفهم فى كرة القدم؟»، وكان آخرون يعتقدون أننى أضيع وقتى وأصرف أموالى بلا فائدة، بل طالبنى البعض بالتوقف عن هذا المجال، لكن كل ذلك كان حافزًا لى لمواصلة مشوارى وتحقيق هدفى.
■ ما أصعب المواقف التى تعرضت لها؟ وما كان رد فعلك؟
- عندما رحل محلل أداء وادى دجلة، طالب المدير الفنى بتصعيدى لتولى المهمة بعد أن كنت مساعدة، لكن أحد مسؤولى النادى رفض الأمر، بكيت كثيرًا عند سماعى الخبر، وكانت صدمة كبيرة لى، لكننى أصررت على مواصلة مشوارى وتحقيق النجاح، وهو ما تحقق بالفعل.
■ ما هو رد فعل الجهاز الفنى واللاعبين عند تعيينك محللة أداء؟
- استقبل الجهاز الفنى واللاعبون خبر تعيينى بالسخرية والدهشة، لكن سرعان ما تقبلوا الأمر، لأنهم أكثر من يلمس عملى ويشاهده عن قرب، وبعد فترة شعروا بقيمة ما أقوم به، فاعترفوا بجهدى وزاد احترامهم لى.
■ ما طبيعة عمل محلل الأداء؟
- محلل الأداء هو عين المدير الفنى، قديمًا كان المدير الفنى وحده مسؤولًا عن تكوين فريق جيد، وتحديد أسلوب اللعب وخططه وتحركات اللاعبين، ومعرفة نقاط القوة والضعف، ومتابعة ما يتم تنفيذه فى التدريبات والمباريات على المستوى الجماعى والفردى. ثم جاء دور محلل الأداء ليتولى هذه المهام، وأصبح عنصرًا أساسيًا فى الجهاز الفنى، وتنوعت مهامه بين المحلل الخططى، ومحلل الإحصائيات، ومحلل التنظيمات الدفاعية والهجومية، ومهمته الأساسية هى تقديم رؤى قابلة للتنفيذ تساعد الجهاز الفنى على اتخاذ القرارات التكتيكية المناسبة وتحسين أداء الفريق، مع تقديم تقارير مفصلة بعد كل مباراة.
■ كيف يبدأ يومك كمحللة أداء؟
- يبدأ يومى قبل التدريب بأربع ساعات، حيث أقدم تقاريرى للمدير الفنى قبل اجتماعه باللاعبين، وأناقشه فيما حدث خلال التدريبات أو المباريات، وقد يطلب منى تكليفات إضافية، بعدها يجتمع الجهاز الفنى، حيث نعرض الفيديوهات والملاحظات ونناقش المشكلات والحلول، ثم يبدأ التدريب وأقوم بتصويره لمتابعة ما تحقق من أهداف التمرين، فلكل تمرين هدف محدد، بعد ذلك أبدأ التحضير لليوم التالى فى حال عدم وجود مباريات.
■ وكيف يكون يومك أثناء المباريات؟
- يكون اليوم مختلفًا وهادئًا مقارنة بأيام التدريبات، حيث أكون قد قدمت تقريرى المسبق عن المباراة، أحضر المحاضرة قبل المباراة، وأثناءها أتابع ما يجرى فى الملعب وأسجل ملاحظاتى للجهاز الفنى، وبعد نهايتها يبدأ عملى من جديد، بتسليم تسجيل المباراة للجهاز الفنى.
■ ما الأدوات والبرامج التى تستخدمينها فى عملك؟
- أستخدم برنامجًا اسمه «once»، وهو مهم جدًا فى عمل محلل الأداء، وقام النادى بشرائه، كما أستخدم كاميرات خاصة للتصوير الآلى بدون مصور بشرى، مثل «Speidio وVeo»، بالإضافة إلى الكاميرا التى أستخدمها شخصيًا.
■ هل تشاهدين مباريات الفرق المنافسة؟
- بالطبع، ولكن حسب المتاح، فكثير من المباريات لا تذاع، الموسم الماضى كنا نشارك فى مجموعة الصعيد، وكان من الصعب مشاهدة المباريات لبعد المسافة أو لتزامنها مع مبارياتنا، لكننى أحاول دائمًا الحصول على مباراتين على الأقل للفريق المنافس، وأحيانًا أكثر، وأقوم بدراسة نقاط القوة والضعف وإعداد فيديو خاص لعرضه على الجهاز الفنى.
■ هل شعرتِ بأن ملاحظاتك أحدثت تحولًا فى نتيجة مباراة؟
- نحن نعمل كفريق واحد، ولا يمكننى أن أنسب الفضل لنفسى وحدى، صحيح أننى أدون الملاحظات، لكن الجهاز الفنى كله يعمل بروح جماعية، ولا توجد أفضلية لشخص بعينه.
■ هل تحليل الأداء مجرد أرقام وإحصائيات أم يحتاج للحس الكروى والخبرة؟
- المحلل يتعلم الكثير فى الدورات التدريبية، وهذا مهم جدًا، لكن الاحتكاك العملى فى المباريات أمر لا غنى عنه. لابد أن يعمل المحلل كثيرًا، حتى لو على سبيل التدريب أو بدون مقابل، ليكتسب الخبرة المطلوبة، فالعمل على أرض الواقع يختلف كثيرًا عن الجانب النظرى.
■ هل يختلف المحلل مع المدير الفنى أحيانًا؟
- نعم، يحدث كثيرًا، لأن كرة القدم مليئة بالآراء، لكن المهم أن يكون هناك نقاش وحوار للوصول إلى أفضل الحلول، تعلمت من الكابتن محمد بركات أننا فريق جماعى، لنا لغة واحدة ومصطلحات موحدة، وفى النهاية نصل إلى اتفاق حول طريقة العمل وإدارة المباريات.
■ هل هناك فارق بين محلل الأداء المصرى والأوروبى؟
- لا يوجد فرق جوهرى، فقد تعاملت مع نيكولاس، محلل الأداء فى جهاز وادى دجلة، بقيادة بابا فاسيليو، وكان متميزًا ومنضبطًا، وكان يحلل ثلاث أو أربع مباريات يوميًا. لكن هذا لا يمنع وجود محللين مصريين متميزين.
■ هل تفكرين فى اقتحام مجال التدريب؟
- فى الحقيقة أنا حاصلة على رخصة تدريب، لكن تركيزى الكامل حاليًا على عملى كمحللة أداء، فأنا ما زلت فى بداية مشوارى، ومع ذلك لدى شغف بالتدريب يومًا ما، لأننى أحب التواجد فى الملعب، لكنه يظل مسؤولية كبيرة.
■ ما طموحاتك فى الفترة المقبلة؟
- أولًا الاستمرار، فمجرد الاستمرارية نجاح فى حد ذاته، كلما تقدمت زادت خبرتى، والخبرة تعنى نجاحًا أكبر، كما أتمنى العمل كمحللة فنية فى قناة عربية، والعمل خارج مصر، وأن أتمكن يومًا ما من تقديم دورات تدريبية للراغبين فى دخول هذا المجال.
■ كرمز للفتاة فى مجال كرة القدم، كيف ترين فرص البنات فى التدريب والتحليل بمصر؟
- فى مصر المجال ما زال «مقفولا أمام البنات»، فالفتيات لا يجدن فرصًا حقيقية ويواجهن عقبات كثيرة. لكن الوضع مختلف فى نادى مسار، حيث توجد سيدات يشغلن مناصب إدارية وفنية وحققن نجاحات كبيرة.
■ ما رسالتك للبنات الراغبات فى دخول عالم كرة القدم لكن يخشين من ذلك؟
- أقول لكل فتاة: «لا تخافى، حددى هدفك وضعى خطة واضحة ومدروسة لتحقيقه، واجتهدى وامتلكى الشغف والدافع، وستصلين إلى النجاح».
■ ما أسعد لحظة عشتها فى عملك؟
- مباراة أسمنت أسيوط الموسم الماضى فى دورى القسم الثانى «ب»، كانت مباراة حياة أو موت بالنسبة لنا للاقتراب من التأهل لدورى المحترفين. استقبلنا هدفين فى الشوط الأول، وكاد حلم الصعود يضيع من بين أيدينا، لكننا نجحنا فى العودة والفوز بهدف «حمبوزو» فى الدقيقة 94، وكانت أجمل لحظة فرح فى حياتى.
■ ما أصعب موقف خلال رحلتك؟
- واجهت كثيرًا من الأشخاص الذين حاولوا عرقلتى وتعطيل مسيرتى، وسمعت عبارات محبطة مثل: «مش هتوصلى» أو «مش هنخليكى تشتغلى محللة أداء»، وصلت لمرحلة الانهيار رغم أننى قوية عادة، وقلت لنفسى: «هل ضاع كل تعبى وجهدى؟»، وتماسكت فى النهاية.
■ كيف ترين مستقبل مهنة محلل الأداء؟
- المهنة بدأت تتطور وتنتشر بقوة، أصبحنا نرى محللى أداء حتى فى دورى القسمين الثالث والرابع، فى البداية لم تكن هناك ثقة كبيرة بهم، وكانت رواتبهم ضعيفة جدًا، لكن الأمر تغير وأصبح لهم مكانة ثابتة ودور أساسى فى الأجهزة الفنية.
■ ما تقييمك لتجربة نادى مسار فى دورى المحترفين؟
- الموسم الأول فى دورى المحترفين صعب جدًا، ما زلنا فى مرحلة استكشاف، هدفنا الأساسى هو الاستمرار والتخطيط والتطوير، وبعدها نفكر فى الصعود، وهو حلم نسعى جميعًا لتحقيقه فى ظل الدعم الكبير من مجلس الإدارة.