إضراب المحامين في أسيوط اعتراضا على زيادة الرسوم القضائية (صور)    عضو مجلس المحامين بجنوب الجيزة يثبت الإضراب أمام محكمة أكتوبر (صور)    رئيس جامعة العريش يكرم الطلاب المشاركين في الكشافة البحرية    محافظ مطروح يتفقد تصميمات الرامبات لتيسير التعامل مع طلبات ذوي الهمم    دمياط تحيي ذكرى انتصارها التاريخي بوضع الزهور على نصب الجندي المجهول    وزير التموين: ندرس فتح مرحلة جديدة من مشروع «جمعيتي»    حزب حماة الوطن يطالب بإعادة النظر في مقترح الحكومة بشأن تعديل قانون الإيجار القديم    مطار مرسى مطروح الدولي يستقبل أولى رحلات الشارتر من التشيك    رئيس الوزراء يتفقد مركز سيطرة الشبكة الوطنية للطوارئ والسلامة العامة بالغربية    معهد بحوث البترول وجامعة قاصدى مرباح الجزائرية يوقعان اتفاقية تعاون مشترك    الموالح المصرية الأولى عالميًا بفضل الجهود الحكومية    باسل رحمي: جهاز تنمية المشروعات يعمل على تنفيذ خطة تسويقية للحرف التراثية    وزير الصناعة: نتطلع إلى زيادة حجم التعاون المشترك مع فرنسا    أكسيوس: أمريكا وإسرائيل تحاولان إقناع الأمم المتحدة بالتعاون مع مؤسسة غزة الخيرية الجديدة    دخان وردى.. ناشطات فى الفاتيكان يطالبن بمشاركة نسائية فى اختيار البابا.. فيديو    الهلال السعودي يرصد 160 مليون يورو لضم ثنائي ليفربول    الكرملين: الحوار بين روسيا والولايات المتحدة مستمر    بريطانيا تعتقل إيرانيين استهدفوا السفارة الإسرائيلية فى لندن.. وطهران ترد    شوقي غريب يحضر حفل تنصيب السفير المصري الجديد بموريتانيا    احنا في مركب واحد، ميدو يوجه رسالة قوية لمجلس إدارة الزمالك بعد إساءته إليه    بينهم 4 للإيقاف.. غياب 5 لاعبين عن اتحاد جدة أمام الفيحاء    كيف يفكر الزمالك في تدعيم الدفاع.. مصدر يوضح    فوز ناشئى اليد على التشيك وديا للمرة الثانية    ضبط شخص يروع العاملين بمستشفى بأسوان    فيديو يثير الجدل، ضبط بائعة اعترضت سائحا وطلبت مالًا للسماح بمروره في القاهرة    حبس رئيس مدينة بالمنوفية 3 سنوات بتهمة تزوير محرر رسمي    القبض على المتهم بخطف ابنه بعد ظهوره فى فيديو كاميرات المراقبة بالوراق    هشّم رأس شقيقه دفاعًا عن والده.. حبس المتهم في جريمة السمطا بقنا    انخفاض عمليات البحث على "جوجل" عبر متصفح سفارى لأول مرة لهذا السبب    الإعدام لمتهمين بقتل شاب بغرض سرقته فى قنا    مي عمر تعتذر عن "طه الغريب" وتستعد لفيلمين جديدين    محافظ الفيوم: أنشطة ثقافية مكثفة في أبريل لتعزيز الوعي والفن    مبدعون ومنتجون يقدمون مقترحاتهم لتطوير دراما رمضان 2026.. تذليل العقبات الإنتاجية وتسهيل إجراءات التصوير فى الأماكن العامة.. التأكيد على عدم الاستغلال الخاطئ للحرية.. وقواعد وقوانين واضحة للعاملين فى الصناعة    3 أبراج تحب بكل قلبها.. لكنها تجد أقل مما تستحق    ترى حفرة محاطة بالأشجار أم عين؟.. لغز يكشف مخاوفك من الحياة    رئيس الوزراء يتفقد مستشفى حميات طنطا (صور)    نائب وزير الصحة يتفقد عدد من المنشآت الطبية بمحافظة أسوان    مستشار رئيس الجمهورية للشئون الصحية: تخصيص مليار جنيه للجينيوم المصرى    أطعمة فائقة التصنيع مرتبطة بزيادة الإصابة بباركنسون    الصفا الثانوية بنات يتفوق على كل أفلام علي ربيع في السينما (بالأرقام)    القومي للترجمة وكلية اللغات بجامعة مصر يوقعان اتفاق لتعزيز التبادل الثقافي    خالد بيبو: كولر ظلم لاعبين في الأهلي وكان يحلم بالمونديال    أسقف المنيا للخارجية الأمريكية: الرئيس السيسي يرعى حرية العبادة (صور)    وزير الصحة يستقبل نقيب التمريض لبحث تطوير التدريب المهني وتعميم الأدلة الاسترشادية    ميدو يفجّرها: شخص داخل الزمالك يحارب لجنة الخطيط.. وإمام عاشور الأهم وصفقة زيزو للأهلي لم تكن مفاجأة    وزير الري: كاميرات لقياس التصرف على ترعة الإسماعيلية    الإسماعيلي ضد إنبي.. الدراويش على حافة الهاوية بعد السقوط في مراكز الهبوط    بوتين: التبادل التجارى مع الصين بلغ أكثر من 244 مليار دولار    أمين الفتوى يكشف عن 3 حالات لا يجوز فيها الزواج: ظلم وحرام شرعًا    موعد إجازة المولد النبوي الشريف لعام 2025 في مصر    الحماية المدنية تسيطر على حريق نشب بهيش داخل أرض فضاء بالصف.. صور    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 8-5-2025 في محافظة قنا    الكرملين: محادثات بوتين وشي جين بينج في موسكو ستكون مطولة ومتعددة الصيغ    سعر جرام الذهب اليوم فى مصر الخميس 8 مايو 2025.. تراجع عيار 21    الجيش الباكستاني يعلن إسقاط 12 طائرة تجسس هندية    بروشتة نبوية.. كيف نتخلص من العصبية؟.. أمين الفتوى يوضح    سبب إلزام النساء بارتداء الحجاب دون الرجال.. أمين الفتوى يوضح    اليوم.. «محامين المنيا» تعلن الإضراب عن محاكم الاستئناف رفضًا لرسوم التقاضي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



طه حسين فى مرحلة التكوين [3-3]
نشر في أكتوبر يوم 15 - 06 - 2014

ثلاث محطات رئيسية فى حياة طه حسين كان لها الفضل فى تكوين عقليته وثقافته وشخصيته الأدبية بالإضافة إلى ما كان يتمتع به من قوة التحمل لأشد الصعاب.
المحطة الأولى هى الأزهر، والثانية هى الجامعة المصرية التى تفتح فيها عقله على مناهج جديدة بفضل كبار الأساتذة المستشرقين والمصريين، والمحطة الثالثة هى فرنسا عاصمة النور والحرية بثقافتها وحضارتها والكوليج دى فرانس وجامعة السوربون والمكتبات الزاخرة والأوبرا والمتاحف الكبرى.. إلخ وفيها تمكن طه حسين من أن يجمع بين ثقافة الشرق وثقافة الغرب ويصير بعد ذلك مفكرًا وأديبًا عالميًا بحق.
وتملؤنى الدهشة كلما تأملت المعانأة التى تحملها من أجل أن يتعلم وأتمنى أن يتأملها الشباب ليدرك أن الصعود إلى القمة لايتحقق الا لأصحاب العزيمة وقوة الإرادة الذين لايعرفون اليأس مهما اشتدت المصاعب.لقد سافر مع شقيقه ليساعده فى الغربة فتخلى عنه وانصرف إلى اللهو فى باريس وتركه وهو كفيف يتخبط فى طرقات العاصمة الفرنسية فاقتطع من طعامه أجر سيدة تذهب به إلى الجامعة وتعيده إلى مسكنه، ولأنه اضطر إلى أن يقتطع من طعامه مرة ثانية أجر سيدة تقرأ له إلى أن أهدى الله إليه الفتاة التى تزوجها فكانت هى الانقاذ. ووجد صعوبة فى متابعة الدروس باللغة الفرنسية فأخذ يدرس مقررات التلاميذ الفرنسيين من البداية حتى نهاية المرحلة الثانوية وبذلك استطاع أن يتابع ويفهم مايسمعه وما يقرأه مثل زملائه الفرنسيين.
***
التحق طه حسين بالكوليج دى فرانس فدرس على يد أكبر مستشرق فرنسى (بول كازانوفا) صاحب المؤلفات الكبرى عن الحضارة العربية، وعن تاريخ الفاطميين فى مصر، وعن تاريخ قلعة القاهرة، وعن عقائد وآلهة العرب فى الجاهلية، وقد خصص كازانوفا عامًا كاملاً عن ابن خلدون وكتب أنه صاحب الفضل فى إنشاء منهج البحث العلمى فى التاريخ، وفى نشأة علم الاجتماع واعتباره المؤسس الحقيقى لهذا العلم وهو الذى أطلق عليه هذا الاسم، وكان ابن خلدون يطلق عليه اسم (علم العمران).
ودفع الطموح طه حسين إلى أن يدرس للحصول على درجة الليسانس فى الأداب والدراسة والامتحانات فيها صعبة ولا يدرسها إلا الفرنسيون، وحصل على الليسانس كأول مصرى يتمكن من ذلك.. وفى نفس الوقت كان يدرس فى السوربون الحضارة والتاريخ والأدب والفلسفة فى العصور القديمة والحديثة، ويدرس علم الاجتماع على يد إميل دور كايم مؤسس هذا العلم مع أستاذه أوجست كونت. وفى نظرية أوجست كونت أن الظواهر الاجتماعية تخضع لقوانين ولا تحدث عشوائيا، وأن الفكر هو المحرك الأساسى لتطور المجتمع، وأن المجتمع كائن حى يمر بمراحل النشأة ثم النضج ثم الشيخوخة والاضمحلال، وهذه الأفكار الثلاث الأساسية سبق إليها ابن خلدون وأوجست كونت ودوركايم وتلاميذهما كانوا يدرسون ابن خلدون باعتباره المؤسس الحقيقى لعلم الاجتماع وللمنهج العلمى فى دراسة التاريخ.
***
أما دوركايم فكان تأثيره على طه حسين كبيرًا وكان هوالمشرف على رسالته للدكتوراه عن الفلسفة الاجتماعية عند ابن خلدون وقد توفى دور كايم قبل مناقشة الرسالة وأشرف عليها أحد تلاميذه،وكانت نظريته قائمة على أن العدالة الاجتماعية والتضامن الاجتماعى كفيلان بالقضاء على الصراع الاجتماعى وتحقيق الاستقرار فى المجتمع، وأن تطور أى مجتمع يتوقف على مدى اتصاله وتفاعله مع المجتمعات الأخرى، وأن المجتمع القوى ليس المجتمع الذى يكون أفراده كلهم نسخًا مكررة لهم فكر واحد وقيم ومعتقدات موحدة، ولكن المجتمع القوى هو الذى تتعدد فيه الأفكار والقيم والمعتقدات ويؤدى الاختلاف والتعدد إلى تكامل اعضاء المجتمع كما هو الحال فى الكائن الحى، فأعضاؤه ليست متشابهة.. المخ مختلف عن القلب وكلاهما مختلف عن الكبد والرئتين وبقية الأعضاء، ولكن هذه الأعضاء المختلفة كلها ضرورية لايستغنى الجسم عنها وتتكامل هذه الأعضاء فتحقق القوة للكائن الحى. وكان أوجست كونت يختلف مع الاشتراكيين الذين يطالبون بإلغاء الملكية الخاصة ويرى أنها من مكونات المجتمع السليم، ويرفض تفسيرهم للصراعات فى المجتمع بأن سببها اقتصادى ويرى أن الصراعات سببها أخلاقى. والاصلاح الاجتماعى عنده لن يتحقق إلا بالتربية وبوجود سلطة قوية ووجود «فكر» يوجه الحياة الاجتماعية، و «قيم» تترسخ فى الضمير الجمعى، ويرى أن المجتمع الضعيف هو الذى تزداد فيه القوانين القمعية والمجتمع المتماسك تسود فيه القوانين الاصلاحية.. ولا شك أن طه حسين تأثر بهذه الأفكار وبغيرها مما درسه فى فرنسا فى الجامعات أو فى المكتبات أو فى مخالطة كبار المثقفين الفرنسيين.
***
وقد تعمق طه حسين فى دراسة التاريخ فى السوربون بما فى ذلك تاريخ العصور القديمة وخاصة تاريخ اليونان والرومان بالتفصيل، وتاريخ العصور الوسطى، والتاريخ الحديث، وكذلك دراسة الجغرافيا والفلسفة وعلم النفس.
وكان عليه أن يدرس الفلسفة اليونانية والفلسفة الحديثة. فى الفلسفة اليونانية درس فلسفة سقراط التى تبدأ بالبحث عن حقيقة الإنسان ومعنى حياته مستلهمة الحكمة التى كانت مكتوبة على معبد «دلفى» وتقول: «أعرف نفسك بنفسك» ورأى سقراط أن الاخلاق ثابتة فى كل زمان وكل مكان وليست نسبية والعقل الإنسانى واحد والفارق هو ما يحيط بالعقل من الحرية والعلم، والإنسان لايفعل الخير وهو لايعرفه، ولذلك يجب تعليم الفضيلة للإنسان منذ نشأته، وكان سقراط يعلم الشباب الحوار وحرية التفكير.. وقد تأثر طه حسين بفلسفة أفلاطون التى تضع العقل فى أعلى مكان، ومنهجه تحليل الأفكار وتحديد المعانى..معنى الخير.. والعدل.. والفضيلة.. والحق.. والقانون.. وهل القانون العادل هو الذى يحقق مصالح الأقوياء أو أن القانون العادل له قوة فى ذاته ويتقبله ويطبقه الجميع عن طواعية؟
كان طه حسين أشد تأثرا بفكر ثلاثة من الفلاسفة هم أرسطو فى العصر اليونانى وديكارت وكانط فى العصر الحديث مع أن دراسته فى السوربون شملت فلاسفة العصور القديمة والحديثة. وكان أرسطو كما هو معروف واسع المعرفة وتنوعت كتبه فى علم المنطق وعلم الحيوان والأخلاق وما وراء الطبيعة (الميتا فيزيقا) والسياسة والفن والفلك.
والفكر فى رأيه له قوانين تؤدى إلى الحقيقة بانتقال الفكر من المقدمات الصحيحة إلى النتائج الصحيحة،ومهمة المفكر هى البحث عن العلة والسبب لكل ظاهرة من ظواهر،الفكر والمجتمع والحياة وعدم الاكتفاء بماهو ظاهر وهذا ماتلاحظه فى طه حسين من ميله إلى التحليل والبحث عن العوامل والأسباب وراء كل ظاهرة من الظواهر السياسية أو الأدبية أو الاجتماعية، وقد ترجم طه حسين كتاب أرسطو نظام الأثينيين عن اللغة اليونانية القديمة وكان يدرسه للطلبة عندما عين أستاذا فى الجامعة المصرية، كما كان يكتب كثيرًا عن نظرية أرسطو فى الفن ورأيه بأن الشعر التمثيلىهو أرقى أنواع الفن لأنه يؤدى إلى تطهير النفس من الانفعالات والاشاعر والأفكار السلبية.
***
أما فلسفة ديكارت فقد تأثر بها طه حسين بمنهجه فى عدم التسليم بالأفكار الشائعة فليس كل فكرة معروفة ومتداولة هى فكرة صحيحة، وإذا كان فى العقل فكرة واحدة فاسدة فإنها يمكن أن تفسد كل الأفكار، كما أن تفاحته واحدة فاسدة يمكن أن تفسد كل التفاح فى ذات الصندوق. ولهذا يبدأ ديكارت بالشك فى كل شىء وفى كل فكرة لديه والشك حتى فى أنه موجود وأن وجوده يحتاج إلى إثبات، وهذا الشك ليس التردد ولكنه البحث عن اليقين، فعندما وجد ديكارت أنه يفكر انتهى من الشك فى أنه موجود وقال (أنا أفكر إذن أنا موجود) وبعد ذلك انتهى من الشك إلى أن العالم موجود والله موجود وأسس فلسفته على اليقين بأن الله قادر بإرادته على الخلق. فالشك عند ديكارت هو الضمان لعدم الوقوع فى الأخطاء والأوهام الشائعة، الشك هو طريق الوصول إلى الحقيقة، والعاقل لايصدق كل مايقال إلا بعد أن يفحص ويدقق ويبدأ بالشك ويبحث عن الدليل على صحة مايقال.. كذلك فإن طه حسين تأثر بمنهج الناقد الفرنسى الشهير جوستاف لانسون وهو يجمع بين الشك النظر إلى النص الأدبى على أنه أثر من آثار البيئة التى نشأ فيها المؤلف.
وقد حاول طه حسين بعد عودته من فرنسا أن يطبق هذا المنهج فى كتابه (الشعر الجاهلى) وبدأ بالشك لكى يصل إلى اليقين ثار عليه خصومه السياسيون واتهموه بالكفر وطاردوه فى المحاكم والنيابات ونجحوا فى طرده من الجامعة فكان أول أستاذ جامعى يفصل بسبب آرائه.
ومن يتتبع بالتفصيل كيف استطاع طه حسين تكوين عقله وثقافته فسوف يجد أنه عاش حياته كلها يقرأ ويبحث ويتعلم وكأنه يطبق قول سقراط «أنا لا أعلم وأريد أن أتعلم» ولا نه بتكوين شخصية لايعرف الاستسلام لراحة ويؤمن بأن التفوق لايحقق إلابالمجهود الشاق ولذلك كان يقول لنفسه ولطلابه ما قاله الشاعر القديم:
وإذا كانت النفوس كبارا تعبت فى مرادها الأجسام


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.