الفرصة الأخيرة    محافظ الغربية يهنئ الرئيس السيسي بمناسبة العام الميلادي الجديد    «القومي للإعاقة» و«شباب القادة» يبحثان إطلاق برنامج قومي للتدريب على البرمجة    «حافظ على نفسك»    هل يوم الخميس عطلة رسمية بمناسبة السنة الميلادية؟    وزير التعليم العالي: إنشاء قاعدة بيانات متكاملة للعلماء المصريين بالخارج    وزارة الزراعة تطلق حملة قومية لمكافحة "الزمير" لحماية إنتاجية القمح    تراجع سعر الدولار مقابل الجنيه بمنتصف تعاملات اليوم الأربعاء    شعبة المواد الغذائية: البندق يتصدر أسعار ياميش رمضان متجاوزًا الكاجو والفستق    عام الأمل والأمانى    معرض مجانى لتوزيع الأثاث المنزلى والأجهزة الكهربائية بقرى مركز الحسينية    الاستثمارات الخاصة في العام المالي 2024/2025 تسجل أعلى مستوى في 5 سنوات    «التموين»: معارض أهلًا رمضان 2026 بتخفيضات تصل إلى 30%    نموذج للتعاون الاقتصادى    كييف تعلن إسقاط 101 طائرة مسيرة روسية خلال الليل    الاحتلال يقتحم قرية المغير وبلدة الرام ويطلق قنابل الغاز والرصاص المطاطى    4 مصابين جراء اعتداءات قوات الاحتلال الإسرائيلي على بلدة جبع شمال الضفة    الزمالك يقبل اعتذار أحمد عبد الرؤوف ويكلف دونجا بقيادة الأبيض    أمم إفريقيا - كاف يقرر تغريم قائد بوركينا فاسو بسبب تصريحاته ضد الحكام    عضو اتحاد الكرة: هاني أبوريدة أخرج أفضل نسخة من حسام حسن في أمم إفريقيا بالمغرب    بتروجت يواجه البنك الأهلي في صدام قوي بكأس عاصمة مصر    تفاصيل فشل انتقال حامد حمدان لصفوف النادي الأهلى    «عزومة» صلاح تبهج بعثة منتخب مصر في المغرب    قتل بلا شفقة.. النيابة تروى لحظات النهاية المروعة لأطفال فيصل    «الأرصاد» تناشد بارتداء الملابس الشتوية في احتفالات رأس السنة    «التعليم»: افتتاح 10 مدارس يابانية جديدة العام الدراسي المقبل    إصابة 10 أشخاص فى حادث انقلاب أتوبيس بمحور الأوتوستراد    الداخلية تضبط عصابات سرقة السيارات والمواقع تحت الإنشاء بالقاهرة    محافظ المنوفية يشدد برفع درجة الاستعدادات بكافة القطاعات والمرافق الحيوية    المركز القومي للمسرح يطلق مبادرة 2026.. عام الفنانين المعاصرين    برلمانى: قرار المتحدة للإعلام خطوة شجاعة تضع حدا لفوضى التريند    نور النبوى ضيف برنامج فضفضت أوى مع معتز التونى على Watch it اليوم    إوعى تقول: مابصدقش الأبراج؟!    الإثنين.. مؤتمر صحفي للكشف عن تفاصيل مهرجان المسرح العربي    خالد الصاوي: 2025 سنة التحول في حياتي    أم كلثوم.. محطات الرحلة بين سيرة الحب وسيرة الست    مواقيت الصلاه اليوم الأربعاء 31ديسمبر 2025 فى المنيا    القاصد: مستشفيات جامعة المنوفية تقدم خدماتها ل2.48 مليون مستفيد    صحة بني سويف ترفع درجة الاستعداد القصوى بالمستشفيات خلال الاحتفالات رأس السنة وعيد الميلاد    "هتعمل إيه في رأس السنة"؟.. هادعي ربنا يجيب العواقب سليمة ويرضي كل انسان بمعيشته    الليلة... نجوم الطرب في الوطن العربي يشعلون حفلات رأس السنة    أمم أفريقيا 2025| التشكيل المتوقع للجزائر وغينيا الاستوائية في لقاء اليوم    طبيبة تحسم الجدل| هل تناول الكبدة والقوانص مضر ويعرضك للسموم؟    «ماء الموز» موضة غذائية جديدة بين الترطيب الحقيقي والتسويق الذكي    الإمارات تستجيب لطلب السعودية وتنهي وجودها العسكري باليمن    محمد جمال وكيلاً لوزارة الصحة ومحمد زين مستشارا للمحافظ للشؤون الصحية    اليوم.. نظر ثاني جلسات محاكمة المتهم بقتل أسرة اللبيني    تجديد حبس عاطلين قتلا مالك كافيه رفض معاكستهما لفتاة في عين شمس    دميترييف يسخر من تمويل أوروبا المتحضرة للمنظمات غير الحكومية لغسل أدمغة الناس    نتنياهو: عواقب إعادة إيران بناء قدراتها وخيمة    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخيرًا بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الأربعاء 31 ديسمبر    «مسار سلام» يجمع شباب المحافظات لنشر ثقافة السلام المجتمعي    توتر متصاعد في البحر الأسود بعد هجوم مسيّرات على ميناء توابسه    "25يناير."كابوس السيسي الذي لا ينتهي .. طروحات عن معادلة للتغيير و إعلان مبادئ "الثوري المصري" يستبق ذكرى الثورة    "البوابة نيوز" ينضم لمبادرة الشركة المتحدة لوقف تغطية مناسبات من يطلق عليهم مشاهير السوشيال ميديا والتيك توكرز    هل تبطل الصلاة بسبب خطأ فى تشكيل القرآن؟ الشيخ عويضة عثمان يجيب    خالد الجندى: القبر محطة من محطات ما بعد الحياة الدنيا    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 30-12-2025 في محافظة الأقصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في ذكرى طه حسين .. سيرة الشك والصدام والأمل
نشر في محيط يوم 30 - 10 - 2007


سيرة الشك والصدام والأمل

"إنني لا أسلك الطرق المطروقة ولا أشرب من الحوض المباح وأعاف ما تبتذله الدهماء" .. في ذكري رحيل عميد الأدب العربي .
في حوار أجرته معه مجلة "قافلة الزيت" قال طه حسين إن أهم التحولات في حياته "ثلاث نقاط: الأولى: هي السفر لأوربا؛ لأنه حوّلني من التقليد إلى التجديد. والثانية: هي الزواج؛ لأنه أخرجني من وحدتي وأسعدني بنعمة الحب، والثالثة: هي إنجاب الأبناء؛ لأنه جعلني أشعر بالحنان وقسوة الحياة وتبعتها".

محيط - شيرين صبحي

في الرابع عشر من نوفمبر سنة 1889 ولد طه حسين في عزبة (الكيلو) بمحافظة المنيا، لأب يعمل موظفًا صغيرًا في شركة السكر, ويعول ثلاثة عشر ولدًا, سابعهم طه حسين
.
في الثالثة من عمره أصابه رمد وعالجه الحلاق منه فذهب ببصره وأصبح مكفوفا في هذه السن الصغيرة.
حفظ القرآن الكريم في كتاب القرية وعمره سبع سنوات، وكان ينضم إلى رفاق أبيه في ندوة العصر بفناء البيت يستمع إلى قصص الأنبياء والغزوات والفتوح.
واصيب حسين بصدمة عنيفة عندما سمع كلمات صديق والده بأنه لا يصلح إلاّ ان يكون مقرئا للقرآن عند المقابر ويتصدق عليه الناس.
في الرابعة عشرة من عمره غادر القرية ليدرس في الأزهر ولكنه تمرد عليه بعد فترة واقتصر في حضوره علي بعض الدروس فقط ، وكون مع صاحبيه أحمد حسن الزيات ومحمود الزناتي جماعة ذاع نقدها للأزهر وفضّلوا الكتب القديمة على الكتب الأزهرية ويقرأون دواوين الشعر وتتلمذ حينها على يد الإمام محمد عبده الذي علمه التمرد على طرائق الاتباعيين من مشايخ الأزهر. وأخيرا تم طرده من الأزهر بسبب كثرة انتقاداته ولم يعد إليها إلاّ بواسطة من أحد كبار الشيوخ.
وقد بدأ مرحلة جديدة بفتح الجامعة المصرية أبوابها ، فترك الأزهر والتحق بها . وفى الخامس عشر من مايو 1914 حصل طه حسين على أول درجة دكتوراه تمنحها الجامعة المصرية عن رسالته التي أعدها عن أبي العلاء المعري والتى احدثت عند طبعها فى كتاب ضجة هائلة ومواقف متعارضة وصلت إلى حد مطالبة أحد النواب فى البرلمان بحرمان طه حسين من درجته الجامعية وقالوا أن ما فيه كان "الإلحاد والكفر".
وتدخل سعد زغلول رئيس الجمعية التشريعية بالبرلمان آنذاك لاقناع هذا النائب بالعدول عن مطالبه ، ورد حسين على خصومه في أن كل ما كتبوه عنه لم يجد فيه شيئا يستحق الرد عليه.
فى عام 1914 التحق بجامعة مونبليليه بفرنسا وهناك درس اللغة الفرنسية وعلم النفس والادب والتاريخ ولأسباب مالية أعادت الجامعة المصرية مبعوثيها في العام التالي 1915م .
وفي نهاية العام عاد حسين الى بعثته ولكن الى باريس والتحق بكلية الآداب وتلقى دروسه في التاريخ ثم في الاجتماع حيث أعد رسالة اخرى على يد عالم الاجتماع الشهير "اميل دوركايم" وحصل على دكتوراه فى الإجتماع عام 1919م , ثم حصل على فى نفس العام على دبلوم الدراسات العليا فى اللغة اللاتينية.
عاد حسين عام 1919 إلى مصر وعين استاذاً للتاريخ اليوناني والروماني واستمر حتى عام 1925 حيث تحولت الجامعة المصرية في ذلك العام الى جامعة حكومية وعين طه حسين استاذا لتاريخ الأدب العربى بكلية الآداب .

معاركه الأدبية والفكرية

في عام 1926م تفجرت أولي معارك حسين عندما اصدر كتابه "في الشعر الجاهلي" الذي احدث ضجة هائلة حيث رفعت دعوى قضائية ضد طه حسين فأمرت النيابة بسحب الكتاب من منافذ البيع واوقفت توزيعه، ونشبت معارك حامية على صفحات الجرائد بين مؤيد ومعارض للكتاب.

وبعد عامين تفجرت المعركة الثانية بتعيينه عميداً لكلية الآداب الأمر الذي اثار أزمة سياسية انتهت بالاتفاق مع طه حسين على الاستقالة فاشترط أن يعين اولاً وبالفعل عين ليوم واحد ثم قدم استقالته في المساء وأعيد "ميشو" الفرنسي عميداً لكلية الآداب، ولكن مع انتهاء عمادة ميشو عام 1930 اختارت الكلية طه حسين عميداً لها ووافق على ذلك وزير المعارف الذي لم يستمر في منصبه سوى يومين بعد هذه الموافقة وطلب منه الإستقالة.

وفي عام 1932 أرادت الحكومة في منح الدكتوراه الفخرية من كلية الآداب لبعض السياسيين ورفض حسين حفاظاً على مكانة الدرجة العلمية، مما اضطر الحكومة الى اللجوء لكلية الحقوق ورداً على ذلك قرر وزير المعارف نقله إلى ديوان الوزارة فرفض العمل وتابع حملته في الصحف والجامعة كما رفض تسوية الأزمة إلا بعد إعادته إلى عمله وتدخل رئيس الوزراء فأحاله الى التقاعد في 29 مارس 1932 فلزم بيته ومارس الكتابة في بعض الصحف.
وعن تلك الفترة تقول زوجته: "لم يكتفوا هذه المرة بطرده من الكلية التي كان عنوانا لعزتها وكرامتها وقوة نابضة فيها، وانما أرادوا أيضا إحراق كتبه، فأخذوا منه بيته الذي يسكن فيه واغرقوه بالشتائم وحاولوا أن يحرموه من كل وسيلة للعيش بمنعهم مثلا بيع الصحيفة التي كان يصدرها وبانذارهم البعثات الاجنبية في مصر بالكف عن ان تقدم له عروضا للعمل".
وكانت المقاطعة تامة من جانب اغلب المؤسسات الجامعية والصحافية. وحدها الجامعة الاميركية تجرأت ودعت طه حسين لالقاء بعض المحاضرات. ثم عاد للجامعة في نهاية عام 1934م.
وتذكر زوجته الأصدقاء الذين عبروا عن تعاطفهم معه في هذه المحنة وهم النحاس باشا والسيدة هدى شعراوي ومصطفى وعلي عبد الرازق وخليل مطران.
وبعدها بعامين عاد عميداً لكلية الآداب واستمر حتى عام 1939 عندما انتدب مراقباً للثقافة في وزارة المعارف حتى عام 1942م.
فى عام 1942 ، اصبح مستشاراً لوزير المعارف ثم مديرا لجامعة الاسكندرية حتى أحيل للتقاعد فى 16 أكتوبر 1944م و استمر كذلك حتى 13 يناير 1950 عندما عين لأول مرة وزيراً للمعارف .

ما بين التأييد والمعارضة
ثار حول طه حسين وأفكاره جدال شديد بين مؤيد ومعارض فحين يري الكثيرون أن أعماله تعتبر من أهم الروافد التى يتسلح بها المفكرون العرب سعيا نحو مزيد من النهضة و التقدم ، وأن ما خلفه من عطاء يعد أهم مصادر الأستناره فى الحياة النقدية فى العالم العربي، ويحظى حسين بمكانة مرموقة في الفكر العربي باعتباره نموذجا للمفكر الموسوعي الذي يؤمن بأن له دورا اجتماعيا يتجاوز حدود المنهج الدراسي وأسوار الجامعة فهو الذي أطلق صيحة "التعليم كالماء والهواء".. وعلي النقيض نجد من يتهمه بأنه سعى إلى زرع الأساطير والشبهات فى قلب السيرة النبوية ، واتهمه المحافظون بالزندقة وتشويه الإسلام .
فقال عنه الدكتور محمد حسين هيكل: " لقد تحول طه الرجل الذى لايخضع لغير محكمة النقض والعقل، إلى رجل كلف بالأساطير، يعمل على إحيائها وإن هذا ليثير كثيراً من التساؤل، إذ أن طه حسين وقد فشل فى تثبيت أغراضه عن طريق العقل والبحث العلمى لجأ إلى الأساطير، ينمقها ويقدمها للشعب إظهاراً لما فيها من أوهام " .
وجاء في كتاب "الشيخان" لمحمد عمر توفيق: " إن طه حسين تجافى منهج أهل الحديث، فى اعتماده على أحاديث مشكوك فيها، لإثارة الشبهات، عامداً" وفي موضع أخر: "إن أسلوبه الخلاب خطير، لأنه يخفى وجه الحق فلا يتنبه قراء كتابه فيضلون" .
وفي حوار للناقد د. عبد الحميد إبراهيم يقول ان له تحفظان عن طه حسين: الأول: إيمانه المطلق بالغرب، وحماسته الشديدة لكل ما جاء به، دون تنقية أو ربط الأمور بمصادرها وظروفها الخاصة.
الثاني: لا يصدر عن نظرية شاملة، فهو يلم بكل شيء، ويبشر بكل المذاهب، ويتحمس لكل الأسماء. دون أن تكون له رؤية خاصة، ودون أن يعتنق فلسفة ينطلق منها، فيتقبل ما يوافقها، ويرفض ما يخالفها.
ويضيف: إن أهمية طه حسين تعود إلى أنه كان يمثل لحظة معينة، تفتحت فيها الثقافة العربية للثقافة الغربية وكانت متعطشة إلى معرفة ما عند الآخر، فانطلق طه حسين يشبع هذه اللحظة، ويرضي هذا التعطش.
علي جانب أخر نري زكي نجيب محمود يقول عنه في كتابه في فلسفة النقد "سوف يتوقف التاريخ الثقافي والأدبي عند الخمسين عاماً التي توسطت هذا القرن قائلاً: "لقد كان هذا عصر طه حسين".
يري الدكتور جابر عصفور ان هناك خمسة مبادئ آمن بها طه حسين وهي أولاً العقلانية وتعني عنده الاحتكام الى العقل
جابر عصفور
ووضع كل شيء موضع المساءلة ورفض الخرافة والتفسيرات التي تعتمد على المصادفة
.
أما المبدأ الثاني فكان الانسانية، فلم يكن هناك تناقض بين كونه مصرياً ومسلماً وانساناً يعتز بثقافات غيره من البشر في أي مكان في العالم، وهذا الوعي بالانسانية ومعناها جعله ينتسب الى ثقافة العالم كله، وهو سر اعجاب غير العرب والمسلمين بانتاجه الفكري والثقافي.
المبدأ الثالث هو الايمان بالتقدم، فقد كان يعتقد ان التاريخ لا يمكن ان يتراجع، وانه لابد ان يكون المستقبل أفضل من الحاضر ومن الماضي، حيث يضيف كل خلف الى ما تركه سلفه من ثمرات الابداع.
يتجلي المبدأ الرابع في العدل وايمانه به حيث رأى انه لا تقدم بدون عدل، وقد تجاوز به العدل الاجتماعي الى عدالة توزيع الثقافة والمعرفة.
أما المبدأ الخامس فكان الحرية وقد رآها مبدأ عاماً في حياة الجميع من أبناء المجتمع سواء في معناها السياسي أو الاجتماعي أو الفكري، وقد أصل العميد حياة الجامعة بهذا المبدأ، إذ كان يرأى انه لا جامعة بدون حرية، وانها تفقد وظيفتها اذا لم يجد استاذ الجامعة حريته في البحث والتفكير.
التشكيك في الثابت

أحدث هذا الكتاب عند صدوره ضجة هائلة ومازال حتي الآن يواجه المعارضين له وقد أوضح طه حسين من البداية
غلاف الكتاب
منهجه الذي سلكه في هذا الكتاب قائلا: "سأسلك في هذا النحو من البحث مسلك المحدثين من أصحاب العلم والفلسفة فيما يتناولون من العلم والفلسفة. أريد أن أصطنع في الأدب هذا المنهج الفلسفي الذي استحدثه ديكارت للبحث عن حقائق الأشياء في أول هذا العصر الحديث. والناس يعلمون أن القاعدة الأساسية لهذا المنهج هي أن يتجرد الباحث من كل شيء كان يعلمه من قبل، وأن يستقبل موضوع بحثه خالي الذهن مما قيل فيه خلوا تاما. والناس جميعا يعلمون أن هذا المنهج الذي سخط عليه أنصار القديم في الدين والفلسفة، يوم ظهر، قد كان من أخصب المناهج وأقواها وأحسنها أثرا، وأنه قد جدد العلم والفلسفة تجديدا، وأنه قد غير مذاهب الأدباء في آدابهم والفنانين في فنونهم، وأنه هو الطابع الذي يمتاز به هذا العصر الحديث".

وقد أدي به هذا المنهج الي الشك في وجود الشعر الجاهلي اصلا موضحا ذلك بقوله: " أنني شككت في قيمة الأدب الجاهلي وألححت في الشك، أو قل ألح علي الشك، فأخذت أبحث وأفكر، وأقرأ وأتدبر، حتى انتهى بي هذا كله إلى شيء إلا يكن يقينا فهو قريب من اليقين. ذلك أن الكثرة المطلقة مما نسميه أدبا جاهليا ليست من الجاهلية في شيء وإنما هي منحولة بعد ظهور الإسلام، فهي إسلامية تمثل حياة المسلمين وميولهم وأهواءهم أكثر مما تمثل حياة الجاهليين، ولا أكاد أشك في أن ما بقي من الأدب الجاهلي الصحيح قليل جدا لا يمثل شيئا ولا يدل على شيء ولا ينبغي الاعتماد عليه في استخراج الصورة الأدبية الصحيحة لهذا العصر الجاهلي.

ويوضح الدكتور جابر العصفور الأسباب العقلية التي أدت بطه حسين إلى الشك في الشعر الجاهلي وهي: أولها أن الأدب الجاهلي الذي وصلنا لا يمثل الحياة الدينية والعقلية والسياسية والاقتصادية للعرب الجاهليين، وثانيها أن هذا الأدب بعيد كل البعد عن أن يمثل اللغة العربية في ذلك العصر، بلهجاتها المختلفة، وبانقسامها إلى لغة العرب العاربة والعرب المستعربة، أو لغة حمير الجنوبية ولغة عدنان الشمالية.

ويمضي طه حسين بمنهج الشك هذا إلي ابعد من ذلك حيث يخضع القصص القرآني له كذلك فيقول عن هجرة إبراهيم و إسماعيل: "للتوراة أن تحدثنا عن إبراهيم وإسماعيل وللقرآن أن يحدثنا عنهما أيضا، ولكن ورود هذين الاسمين في التوراة والقرآن لا يكفي لإثبات وجودهما التاريخي" !! .

ووصل الأمر برفض الكتاب إلى قيام مظاهرات توجهت للبرلمان، وخرج سعد زغلول ليقول "إن مسألة كهذه لا يمكن أن تؤثر في هذه الأمة المتمسكة بدينها. هبوا أن رجلا مجنوناً يهزي في الطريق فهل يضير العقلاء شيء من ذلك؟ إن هذا الدين متين، وليس الذي شك فيه زعيما ولا إماما حتى نخشى من شكه على العامة فليشك ما شاء، ماذا علينا إذا لم يفهم البقر".

هو وذات الصوت الحنون

"ذات يوم بينما طه حسين فى مقعده فى قاعة المحاضرات فى جامعة السوربون سمع صوتا جميلا يرن فى اذنيه صوت صبيه حنون تقول له بعذوبة : إنى أستطيع أن أساعدك فى استذكار الدروس، وكانت صاحبة الصوت ما هي إلا ( سوزان ) الطالبة الفرنسية المنحدرة من عائلة كاثوليكية وقد ظلت مترددة فترة طويلة قبل ان توافق على الزواج من طه حسين الرجل المسلم، وذلك بعد ان استطاع أحد أعمامها أن يقنعها وكان ذلك العم قسيسا وقد قال لها : مع هذا الرجل يمكن ان تثقى بانه سيظل معك إلى الأبد وسوف تسعدى ابدا فتزوجته فى التاسع من اغسطس1917م".
هكذا يوضح الكاتب الفرنسى روبيرت لاندرى قصة تعارف حسين بزوجته التي كانت تقرأ مقطعا من شعر "رايسين" فأحب نغمات صوتها وطريقة إلقائها وتعلق قلبه بها.
وقال حسين عن يوم لقائه بسوزان " كأنه تلك الشمس التى اقبلت فى ذلك اليوم من ايام الربيع فجلت عن المدينة ما كان قد اطبق عليها من ذلك السحاب الذى كان بعضه يركب بعضا والذى كان يعصف ويقصف حتى ملأ المدينة أو كاد يملؤها اشفاقا وروعا واذ المدينة تصبح كلها اشراقا ونوراً" .
ومما قاله فيها أنه "منذ أن سمع صوتها لم يعرف قلبه الألم"، وانجب منها اثنان من الأبناء هما أمينة ومؤنس.
وذات مرة سأله أحد الشيوخ: "لماذا تزوجت فرنسية؟ لو كنت حرا لشرعت قانونا يحظر على كل مصري ان يتزوج من اجنبية". واستأنف قائلا: لكني بعد كل شيء يا دكتور طه.. اود ان افهم الأسباب الحقيقة التي حملتك على الزواج من أجنبية فأنت مصري طيب ووطني طيب عظيم الذكاء، فكيف اقدمت على مثل هذا العمل؟".
فرد حسين قائلا: "قابلت فتاة واحببتها فتزوجتها ولو لم افعل ذلك لبقيت أعزب أو لتزوجت نفاقا بما انني أحب إمرأة أخرى إمرأة مصرية، وكنت سأجعل منها إمرأة تعسة".
وذات مرة كتب لها يقول: "بدونك أشعر أني أعمى حقا. أما وأنا معك، فإني اتوصل إلى الشعور بكل شيء، واني امتزج بكل الأشياء التي تحيط بي."
مؤلفات وجوائز
ألف طه حسين العديد من الأعمال منها : على هامش السيرة ، الأيام ، حديث الأربعاء ، مستقبل الثقافة فى مصر ،
عميد الادب العربى الراحل طه حسين
الوعد الحق ، فى الشعر الجاهلى ، المعذبون فى الأرض ، صوت أبى العلاء ، من بعيد ، دعاء الكروان ، فلسفة ابن خلدون الإجتماعية ، الديمقراطية فى الإسلام ، طه حسين والمغرب العربى .
وقد قام بجمع المخطوطات المصرية من مختلف نواحي العالم وفي إدارة خاصة في الجامعة ونشر عدد من هذه المخطوطات نشراً علمياً كما مهّد لقيام المنظّمة العربية للتربية والعلوم والثقافة ، وعند قيام هذه المنظّمة أنهى عمله بالجامعة العربية.
حصل على أول جائزة تقديرية في الأدب ومنح جائزة الدولة عن كتابه "على هامش السيرة"، وجائزة الآداب، وأول من منح جائزة الدولة التقديرية في الآداب، كما منح وسام "ليجيون دونير" من فرنسا ومنح من هيئة الأمم المتحدة جائزة حقوق الإنسان وتلقاها قبل وفاته بيوم واحد.
كما نال الدكتوراه الفخرية في كثير من البلاد الأجنبية منها فرنسا وإسبانيا وإيطاليا وأوسمة من لبنان وتونس والمغرب. ومن مصر منح قلادة النيل التي لا تمنح إلاّ لرؤساء الدول.

الرحيل
في صباح الأحد 28 أكتوبر عام 1973م رحل عميد الأدب طه حسين ، وعن تلك اللحظة تقول زوجته: "جلست قربه، مرهقة متبلدة الذهن وان كنت هادئة هدوءا غريبا ما اكثر ما اكنت اتخيل هذه اللحظة الصعبة، كنا معا وحيدين، متقاربين بشكل يفوق الوصف. ولم أكن ابكي فقد جاءت الدموع بعد ذلك ولم يكن أحد يعرف بعد بالذي حدث. كان الواحد منا مثل الاخر مجهولا ومتوحدا، كما كنا في بداية طريقنا ".
"ذراعي لن تمسك بذراعك ابدا، ويداي تبدوان لي بلا فائدة بشكل محزن، فأغرق في اليأس، أريد عبر عيني المخضبتين بالدموع، حيث يقاس مدى الحب، وأمام الهاوية المظلمة، حيث يتأرجح كل شيء، أريد أن أرى تحت جفنيك اللذين بقيا محلقين، ابتسامتك المتحفظة، ابتسامتك المبهمة، الباسلة، أريد أن أرى من جديد ابتسامتك الرائعة".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.