وسط احتجاجات مؤيدة لغزة.. شرطة نيويورك تحلق بالمروحيات فوق جامعة كولومبيا    عيد العمال وشم النسيم 2024.. موعد وعدد أيام الإجازة للقطاع الخاص    خاص | بعد توصيات الرئيس السيسي بشأن تخصصات المستقبل.. صدى البلد ينشر إستراتيجية التعليم العالي للتطبيق    حملة مقاطعة الأسماك في بورسعيد: أسعار النهاردة حاجة تفرح    ممنوع البناطيل المقطعة والسلاسل.. كلية بجامعة الأزهر تحذر طلابها في الامتحانات    منتخب فلسطين ليلا كورة: خاطبنا الأهلي لاستدعاء وسام أبو علي لمعسكر يونيو    "تفوق بافاري".. تاريخ مواجهات بايرن ميونخ وريال مدريد قبل مواجهة نصف نهائي دوري الأبطال    أمن الإسكندرية يشن حملات مكبرة بالمنتزه    جدول امتحانات الثانوية الأزهرية 2024.. للشعبتين العلمية والأدبية    العثور على جثة طفلة غارقة داخل ترعة بقنا    غدا.. محاكمة المتهم بدهس فتاة بمنطقة التجمع الخامس    سميرة سعيد تروج لأغنيتها الجديدة كداب.. شاهد    عقب طرحه.. "وش في وش" يتصدر مشاهدات نتفليكس    متتهورش.. تامر حسني يعلق على فيديو لتقليد مشهد من فيلم عمر وسلمى    هل الاحتفال بيوم شم النسيم له أصول أو عقائد مخالفة للإسلام؟.. الإفتاء توضح    بالفيديو| أمينة الفتوى تنصح المتزوجين حديثاً: يجوز تأجيل الإنجاب في هذه الحالات    بعد الدعاوى ضد أسترازينيكا.. المصل واللقاح: لقاحات كورونا آمنة.. ندعو الناس لعدم القلق    السجن 7 سنوات لسايس لإدانته بقتل شاب في الجيزة    انطلاق دورات التنمية السياسية للشباب بالدقهلية    برعاية وزارة الإسكان ، ملتقي عقاري مصري سعودي 13 مايو المقبل    «قناع بلون السماء» كسر قيود الأسر بالقلم    وزير العمل ل «البوابة نيوز»: الحد الأدنى لأجور القطاع الخاص 6000 جنيه اعتبارًا من مايو    بتوجيهات شيخ الأزهر.. انطلاق القافلة «السَّابعة» لبيت الزكاة والصدقات لإغاثة غزة    آليات وضوابط تحويل الإجازات المرضية إلى سنوية في قانون العمل (تفاصيل)    صندوق تحيا مصر يطلق القافلة الإغاثية الخامسة لدعم الأشقاء الفلسطينيين في قطاع غزة بالتعاون مع بيت الزكاة والصدقات    معهد البحوث الطبية والدراسات الإكلينيكية، 50 عامًا من العطاء العلمي والبحث والإبداع    منافس محتمل لمصر.. أوزبكستان إلى أوليمبياد باريس    فانتازي يلا كورة.. بالمر على رأس أفضل الترشيحات ل"double week"    خالد الجندي: هذه أكبر نعمة يقابلها العبد من رحمة الله -(فيديو)    حدث في 8 ساعات|مدبولي: استضافة اللاجئين تكلفنا 10 مليارات دولار.. وبدء موسم العمرة الجديد في هذا الموعد    مصراوي يوضح.. هل يحصل الأهلي على 3 مليارات جنيه من فيفا؟    "محظوظ بوجودي معكم".. محمد رمضان يرد على تصريحات المخرج خالد دياب    بخطوات بسيطة.. طريقة تحضير بسكويت القهوة سريعة الذوبان    جامعة مساتشوستس ترفض إنهاء علاقاتها بالاحتلال وتدعو الطلاب لفض اعتصامهم فورا    المحرصاوي يوجه الشكر لمؤسسة أبو العينين الخيرية لرعايتها مسابقة القرآن الكريم    تعرف على أفضل الأدعية والأعمال المستحبة خلال شهر شوال    غزة تحت الأنقاض.. الأمم المتحدة: عدوان إسرائيل على القطاع خلف أكثر من 37 مليون طن من الركام ودمر الطريق الساحلى.. ومسئول أممي: إزالة الأنقاض تستغرق 14 عاما ب750 ألف يوم عمل ونحذر من أسلحة غير منفجرة بين الحطام    برج الحوت.. حظك اليوم الإثنين 29 أبريل: ارتقِ بصحتك    أوروبا تكافح التضخم بطرق مختلفة.. نصف سكان إسبانيا يخفضون الإنفاق على الغذاء والطاقة بسبب ارتفاع الأسعار.. فرنسا تلجأ لتقليل كميات المنتجات بنفس السعر وتقر قانونا جديدا للمتاجر.. وألمانيا تسرح العاملين    مواعيد قطارات السكة الحديد من القاهرة لأسوان والعكس    العرض العالمي الأول ل فيلم 1420 في مسابقة مهرجان أفلام السعودية    الهند.. مخاوف من انهيار جليدي جراء هطول أمطار غزيرة    إصابة شخص في تصادم سيارتين بطريق الفيوم    لتطوير المترو.. «الوزير» يبحث إنشاء مصنعين في برج العرب    تردد قنوات الاطفال 2024.. "توم وجيري وكراميش وطيور الجنة وميكي"    وزير التجارة : خطة لزيادة صادرات قطاع الرخام والجرانيت إلى مليار دولار سنوياً    وزير المالية: نتطلع لقيام بنك ستاندرد تشارترد بجذب المزيد من الاستثمارات إلى مصر    الصين فى طريقها لاستضافة السوبر السعودى    رئيس الوزراء الإسباني يعلن الاستمرار في منصبه    أمير الكويت يزور مصر غدًا.. والغانم: العلاقات بين البلدين نموذج يحتذي به    وزيرة التضامن تستعرض تقريرًا عن أنشطة «ال30 وحدة» بالجامعات الحكومية والخاصة (تفاصيل)    شروط التقديم في رياض الأطفال بالمدارس المصرية اليابانية والأوراق المطلوبة (السن شرط أساسي)    بشرى سارة لمرضى سرطان الكبد.. «الصحة» تعلن توافر علاجات جديدة الفترة المقبلة    رئيس جهاز حدائق العاصمة يتفقد وحدات "سكن لكل المصريين" ومشروعات المرافق    ولع في الشقة .. رجل ينتقم من زوجته لسبب مثير بالمقطم    مصطفى مدبولي: مصر قدمت أكثر من 85% من المساعدات لقطاع غزة    تراجع أسعار الذهب عالميا وسط تبدد أمال خفض الفائدة    أيمن عبد العزيز: نجاح الزمالك أمام دريمز الغاني جاء بسبب الشخصية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الفكر الاجتماعي في العصر الحديث (14) : مدرسة الفلسفة المادية
نشر في شباب مصر يوم 27 - 04 - 2013


يجذور المادية الجدلية ( الديالكتيك )
تعود شجرة نسب المادية الجدلية ( الديالكتيك ) التي تقوم عليها الفلسفة الماركسية إلى الفلسفة الألمانية التي تصور العالم من خلال الذهن الفلسفي ، والفلسفة الإغريقية وخاصة فلسفة الفلاسفة الطبيعيين ( المدرسة الطبيعية - الكوسمولوجية ) وهي المدرسة التي تدرس الكون ( علم الكون ) بمجمله وبكل ما فيه من مادة وطاقة كمكان يعيش فيه الإنسان ويتفاعل معه ، وقد ظهرت هذه الفلسفة أول ما ظهرت مع الفلاسفة الطبيعيين الذين كانوا يبحثون عن العلة الحقيقية للوجود والذين كانوا قد أرجعوه الى أصل مادي ، وقد كان ذلك في القرنين السادس والسابع فبل الميلاد ، وكانت فلسفتهم خارجية كونية أساسها مادي انطولوخي تهتم بفهم الكون وتفسيره تفسيرا طبيعيا وكوسمولوجيا باحثين عن أصل الوجود بما هو موجود ، ومن ابرز فلاسفة هذه المدرسة طاليس المليسي وانكسيمانس وانكسماندرس وهيراقليطس وبارامندس ، طاليس المليسي ( 634 ق م – 543 ق م ) وهو احد فلاسفة ما قبل سقراط ، وواحد من الحكماء السبعة في بلاد الإغريق ، والفيلسوف الأول في الثقافة اليونانية ، والذي كان له السبق الأول قي نقل الفلسفة من الميتوس إلى اللوغوس ، من الالسطورة القائمة على التسليم والإيمان والتقديس ( آلهة الاولمب ) ، وتفسير الحوادث والظواهر الطبيعية على أساس هذه الأسطورة إلى تفسير الإحداث والظواهر الطبيعية على أساس طبيعة المواد وبطريقة عقلانية ، لأن طاليس كان يعتقد أن هذه الظواهر تحدث من تلقاء نفسها ، وذلك بالإضافة إلى أن طاليس المليسي كان أول من افترض تطور المواد والأجسام والكائنات الحية ، وان الأرض كانت تعوم فوق الماء ، وان الاهتزازات الأرضية تحدث بفعل حركة الأمواج تحت الأرض ، وليس بسبب فعل الإلهة ، وهنا لا بد من الإشارة إلى ملحمة الخلق البابلية ( ملحمة التكوين البابلية ) ( الاينو ايليش ) وتعني عندما في الأعالي التي ترجع إلى القرن الثامن عشر قبل الميلاد أي قبل طاليس بحوالي اثنا عشر ألف سنة ، وهذا يؤكد القول بأن طاليس هو من أصل كنعاني ، وقد كانت ملحمة الخلق التي سبقت طاليس الكنعاني تقول آن الماء هو المبدأ الأول للكون ، وانكسيمانس ( 524 ق م – 558 ق م ) وقد كان يتفق مع الفلاسفة السابقين الذين كانوا يقولون أن المادة هي المبدأ الأول للكون ، والمادة هي الواقع الموضوعي الذي يوجد مستقلا عن الوعي ، ولكنه كان يختلف معهم في المبدأ الأول للكون ، لأنه كان يرى أن المبدأ الأول للكون هو الهواء وليس الماء ، وتقوم فلسفة الهواء عند انكسيمانس على فكرة آن الهواء في حالة حركية دائمة ، وان هذه الحركة هي التي تتسبب في تطور الكون ، وان تطور الكون يتحدد من خلال عمليتين متعاكستين وهما عملية التخلخل وعملية التكثيف ، والهواء المتخلخل في عملية تخلخل الهواء يتحول إلى نار ، والنار المتولدة عن هذا الهواء تتحول إلى نجوم ، وفي العملية المتعاكسة الثانية وهي عملية التكثيف يتحول الهواء أولا إلى سحب وبدرجة اكبر يتحول إلى ماء وتراب وصخور ، ولذلك كان يقول أن العالم يدور في مجرى الزمن من جديد ويتحول إلى هواء أولي، وان العوالم عوالم لا متناهية وهي متعاقبة في نفس الوقت ، وان الهواء ليس مادة كونية أولى فحسب ولكنه مصدر الحياة والظواهر النفسية ، والنفس ليس إلا تنفسا أي استنشاقا للهواء ، وقد شبه نفس الحياة الذي يحفظ أجسام الحيوانات والإنسان بالهواء الذي يحمل النجوم السماوية ويملأ الكون كله ، والكون في تغير مستمر ، والأشياء تستطيع آن تكتسب أشكالا متنوعة وتتحدد وتتفرق بطرق مختلفة ، بفضل العملية الكونية الشاملة عملية التخلخل والتكثيف ، وانكسمندرس ( 610 ق م – 546 ق م ) وقد رفض هذا الفيلسوف نظرية طاليس في آن يكون الماء هو أصل كل شيء كما كان يرى طاليس الذي كان يقول آن غذاء كل شيء رطب ، وأنه قد يكون هو رطب ، وان كل ما هو حار يعتمد على الرطوبة ، وأن البذور نفسها رطبة بطبيعتها ، وان الماء هو المبدأ الطبيعي للرطوبة ، ولكن اكسمندرس رفض آن يكون الماء هو أصل العالم وقال انه مهما بلغ الماء من الرطوبة فإنه يبقى ذو صفات معروفة ، والأصل هو آن ترجع الأشياء إلى شيء محدد لا شكل له ولا نهاية له وهو الابيرون والابيرون كلمة يونانية تعني اللامحدود واللانهائي ، وهيراقليطس ( 576 ق م – 480 ق م ) الفيلسوف الذي كان يلقب باسم الفيلسوف المظلم المتعالي ، لأنه كان يستخدم المفارقات والأقوال الشاذة واللغة المجازية الرمزية في التعبير ، ولذلك وصفه تيمون الفليوسي أحد فلاسفة ما قبل سقراط بالفيلسوف صاحب الألغاز ، وقال عنه أفلاطون انه كان يتكلم بالشبهات ولا يوضح ما يريد أن يقوله ، وكان يعرف أيضا باسم الفيلسوف الباكي لأنه كان قد شاع في ذلك العصر أن الفيلسوف ديمقريطس كان يضحك من حماقة الإنسان وان الفيلسوف هيراقليطس كان يبكي من حماقة الإنسان ، ولذلك لقب ديمقريطس بالفيلسوف الضاحك ، ولقب هيراقليطس بالفيلسوف الباكي ، وتقوم فلسفة هيراقليطس الكاهن الارستقراطي الزاهد الذي ترك الحياة الناعمة وذهب إلى الجبال يأكل الحشائش ، والذي كان يكره البشر والمجتمع على مقولة آن الأشياء في تغير متصل ، والتغيير يعني صراع الأضداد ، وصراع الأضداد يعني آن تحل الأضداد محل بعضها ، المرض والصحة والعمل والراحة ، ولولا المرض ما طلب الإنسان الصحة ، ولولا العمل ما كان يمكن للإنسان آن يتمتع بالراحة ، ولولا المرأة ما كان يمكن للإنسان أن يتمتع بالسعادة ، وهكذا يكون هيراقليطس فيلسوف التغيير وهو الذي يقول لا تستطيع آن تستحم في النهر مرتين ، وان كل ما هو نقيض يتجمع ، ومن المختلف يولد أجمل انسجام ، وأن الوجود يحمل الأضداد ، وأن الأشياء تنتقل من ضد إلى أخر ، الإنسان يلد طفلا ثم يصير شابا ورجلا وشيخا وكهلا ، الحياة تنقلب إلى موت ، الماء السائل يتحول إلى بخار وثلج وجليد ، النهار يعقبه ليل ، الشتاء يعقبه ربيع والربيع يعقبه صيف والصيف يعقبه خريف ، والساخن يصبح بارد والبارد يصبح ساخن ، والحرب هي آب جميع الأشياء ، وهي علة الحركة الطبيعية الموجودة في العالم ، وبدونها تظل الأشياء ثابتة على حالها وساكنة ، واللوغوس هو القانون الكلي ، وعقل الطبيعة الذي يدير العالم ، وهو المبدأ العاقل ، وهو قانون التغيير والبرهان القائم على الحجة ، وقد استخدم مصطلح اللوغوس في فلسفة اكزينوفانيس وفيثاغورس وديمقريطس وانكسوغوراس وزينون الرواقي وابيقور وسقراط وأفلاطون وأرسطو والديانة اليهودية والديانة المسيحية ، اكزينوفانيس ( 570 ق م – 460 ق م ) مؤسس المدرسة الايلية التي ترى آن أصل الوجود هو الوجود نفسه ، وليس في الكون حقيقة إلا حقيقة الوجود ، وإذا أردنا وصف الوجود فلا نستطيع وصفه إلا بأنه وجود ، وعن هذا الوجود تنشأ وجودات الأشياء الذي يتميز بعضها عن البعض بمقدار ما في هذه الأشياء من الوجود ، وفيثاغورس ( 580 ق م – 500 ق م ) الذي قال أن المبدأ الأول للأشياء هو العدد ، وهو الخامة التي يصنع منها العالم وان العدد هو أساس العالم ، وانه لا يمكن إدراك الأشياء بصفاتها لأن صفات الأشياء ليست كلية في مداها ، لأن بعض الأشياء لها صفات وبعضها الأخر له صفات أخرى ، فالأشجار مثلا أوراقها خضراء ولكن ليست كل الأشياء خضراء ، وبعضها ليس له لون على الإطلاق ، ونفس الأمر ينطبق على الأذواق والروائح ، فبعض الأشياء حلوة وبعض الأشياء مرة ، ولكن هناك صفة واحدة للأشياء تكون كلية وشاملة في مداها وتنطبق على كل شيء في الكون المادي وغير المادي وهو أن كل شيء يمكن عده ويمكن حسابه ، وديمقريطس ( 460 ق م – 370 ق م ) الذي يرجع أصل العالم إلى الذرة ويفسر الكون والوجود والفساد والعدم في هذا العالم على هذا الأساس ، ويقول آن الأشياء تتكون من تجمع عدد من الذرات ، وان الفساد في هذه الاستياء يرجع إلى افتراق هذه المجموعة من الذرات ، وان كل ما يجري في الكون من تغيرات يرجع إلى حركة هذه الذرات ، ولكن الفيلسوف السفسطائي انكسوغوراس رفض مذهب ديمقريطس من إرجاع أصل الكون إلى الذرة وقال أن مبدأ الموجودات هو جسم أول متشابه الأجزاء التي لا يدركها الحس والعقل ، وزينون الرواقي مؤسس المدرسة الرواقية ( 243 ق م – 262 ق م ) والذي يقول أن الطبيعة نفسها هي الإله ، وابيقور مؤسس المدرسة الايبيقورية ( 341 ق م – 270 ق م ) والذي يقول آن السعادة والألم مقياس الخير والشر ، وان الموت نهاية الجسد والروح ، ولذلك لا يجب آن يخافه الإنسان ، وان الآلهة لا تكافئ أو تعاقب البشر ، وان الكون لا نهائي وابدي ، وان أحداث الكون تعتمد في الأساس على حركات وتفاعلات الذرات في الفراغ ، وسقراط ( 469 ق م – 399 ق م ) وهو أول رجل اعدم في التاريخ بسبب مبادئه ، وأول فيلسوف انزل الفلسفة من السماء إلى الأرض وحصرها في أمور الأرض وقضايا الإنسان والأخلاق والسياسة ، وهاجم السفسطائيين الذين كانوا ينشرون الشك ودافع عن الفلسفة باعتبارها الطريق الصحيح للوصول إلى الحقيقة بالاعتماد على العقل والجدل والبرهان المنطقي ، وكان دائما يقول يجب آن ننظر إلى الحقيقة في ذات الإنسان وليس في العالم الخارجي ، ولذلك كان يقول أيها الإنسان اعرف نفسك بنفسك ، وهكذا كان سقراط يغلب اللوغوس على الميتوس ، وأفلاطون 427 ق م – 347 ق م ) وقد كان يستخدم كلمة اللوغوس ليس بمعنى الكلمة المنطوقة ولكن بمعنى الكلمة غير المنطوقة ، ( الكلمة التي كانت ما زالت في العقل ) ولذلك كان يقول يجب علينا آن نساير العقل إلى حيث يذهب بنا ، والعقل يذهب بنا إلى وجود الإله المتعالي الذي ليس كمثله شيء ، الإله الصانع ، الإله الخالق ، الإله الذي سوف يحل مشكلة العلاقة بين الله والعالم ، مشكلة تعدد الآلهة ، ولذلك نرى أفلاطون يقول في مجاورة بارمنيدس ( ألان إذا كان الواحد غير موجود ، فإنه لا يمكن أن نتصور أي شيء من الأشياء الأخرى لا بوصفه واحدا ولا بوصفه كثيرا إذ انه بدون الواحد يستحيل آن نتصور الكثرة ، وأرسطو ( 384 ق - 322 ق م ) تلميذ أفلاطون ومعلم لاسكندر ومؤسس علم المنطق وعلم الأخلاق وعلم البيولوجيا ( الأحياء ) وقد كان يعتبر آن اللغة مظهر اللوغوس واللوغوس هو القدرة العقلية المميزة التي تجعل من الإنسان حيوان عاقل ، وفلسفة فيلون الاسكندري فيلسوف الديانة اليهودية ( 20 ق م – 50 م ) وهو أول من قال في البدء كان العقل وليس الكلمة وأول من قال آن اللوغوس هو الله في محاولة للتوفيق بين الدين والفلسفة اليونانية ، والذي كان يؤمن بوجود سبع وساطات تختلف في درجة أهميتها بين الله والعالم المادي وهي اللوغوس أو الكلمة وهي كلمة الله ، وابن الله ، والحكمة الإلهية ، ورجل الله وهو ادم ، والملائكة وهم نفس الله ، والقوات من الملائكة والجن ، ولكن وبعد عملية التوفيق التي قام بها فيلون بين الوحي الإلهي في اليهودية والفلسفة الميتافيزيقية تغير مصطلح كلمة الله إلى العقل الإلهي الذي يعني مصدر الشرائع والنبوءات والعقل المدبر للكون ، وذلك في محاولة لتخليص الديانة اليهودية من القصص والأساطير التي كانت موجودة في الديانات الوثنية البابلية والسومرية والفرعونية واليونانية ، ولذلك نراه يأخذ من فلسفة هيراقليدس اللوغوس الذي يفسر الانسجام بين الأضداد ، ومن الفلسفة الافلاطونية الصورة اللامادية للوغوس التي تمكنه من القيام بمهمته كقوة عاقلة ، ومن الفلسفة الفيثاغورسية فكرة الوسطاء السبعة ولكنه استبدل الوسيط الأخير وهو النور باللوغوس ، ومن الفلسفة الرواقية فكرة وجود نوعين من اللوغوس ، لوغوس العقل الموجود في عقل الرجل الحكيم ، ولوغوس الكلمة الموجود في العالم المادي ، وقد أعطى فيلون للوغوس أسماء متعددة وهي الإنسان الإلهي وادم السماوي وسفير الله ، وهكذا نرى أن فيلون كان يرى أن اللوغوس هي المبدأ الأول للعالم ، ومدبر العالم ، ولكنه ليس خالق العالم ، وهو اقل مرتبة من الله ، وفي سفر الحكمة لسليمان الذي يأتي في المرتبة الثانية بعد سفر نشيد الإنشاد، وقد ورد ضمن أسفار التوراة في النسخة السبعينية المترجمة إلى اللغة اليونانية يصف سليمان الحكمة بأنها موجودة بالقرب من الله أو عند الله ، تشاركه عرشه الإلهي ، وهي صادرة عن مجده ، وتساعده في عملية الخلق ، وتسري في كل شيء ، وتحقق وحدة العالم ، والحكمة هي اللوغوس ، واللوغوس هي الكلمة التي جعلت اله إسرائيل رب الحكمة ، ورب كل الأشياء ، ويقول سليمان في
الإصحاح التاسع من سفر الحكمة عن المسيح كلمة الله ، الاقنوم الثاني في الديانة المسيحية ، موجها كلامه إلى الله ( إلى الإله الأب ، يا اله الآباء ، يا رب الحكمة ، يا صانع الجميع بكلمتك ( يقصد الابن الكلمة ) وفاطر السماء بحكمتك لكي يسود على الخلائق التي كونتها ، هب لي الحكمة الجالسة على عرشك ( يقصد المسيح الجالس على يمين الله ) إن معك الحكمة العلمية بإعمالك والتي كانت حاضرة إذ صنعت العالم ( يقصد المسيح الكلمة الأزلي الموجود منذ البدء ) وهنا نرى التناقض في فكر فيلون حول هوية اللوغوس فتارة يعتبره كائنا متميزا بذاته مستقلا عن الله ومرة أخرى يجعله وسيط وقوة من قوى الله ، وهناك تناقض أخر في فكر فيلون وخاصة في موضوع الإنسان الإلهي ، وقد ميز فيلون بين الإنسان الإلهي وبين الإنسان المخلوق من الطين ، الإنسان الإلهي عقل الهي في داخل الإنسان يقود النفس في الإنسان وكأنه اله في داخل الإنسان ، وهو فكرة وليس جسم ولذلك لا يفسد ، والإنسان المخلوق من الطين وهو إنسان مركب من جسم وروح ولذلك يفسد ، وانجيل يوحنا الإنجيلي الرائي ابن زبدي وسالومي ، كاتب الرسائل الثلاثة وسفر الرؤيا ، وهو أحد تلاميذ المسيح ألاثني عشر ، والذي يقول في الإصحاح الأول من سفره
في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله ( المسيح )
هذا كان في البدء عند الله
كل شيء به كان وبغيره لم يكن شيء مما كان
فيه كانت الحياة والحياة كانت نور الناس
والنور يضيء في الظلمة والظلمة لم تدركه
كان إنسان مرسل من الله اسمه يوحنا
هذا جاء للشهادة ليشهد للنور لكي يؤمن الكل بواسطته
لم يكن هو النور بل ليشهد للنور
كان النور الحقيقي الذي ينير كل إنسان أتيا إلى العالم
كان في العالم وكون العالم به ولم يعرفه العالم
إلى خاصته جاء وخاصته لم تقبله
وأما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطانا آن يصيروا أولاد الله أي المؤمنون باسمه
الذين ولدوا ليس من دم ولا من مشيئة رجل بل من الله
الكلمة صار جسدا وحل بيننا ورأينا مجده كما لوحيد من الأب مملوءا نعمة وحقا
يوحنا شهد له ونادى قائلا هذا هو الذي قلت عنه إن الذي يأتي بعدي صار قدامي لأنه كان قبلي
من ملئه نحن جميعا أخذنا ونعمة فوق نعمة
لان الناموس بموسى أعطى أما النعمة والحق فبيسوع المسيح صارا
الله لم يره احد قط لان الوحيد الذي هو في حضن الأب هو خير . ( يوحنا : 1 - 1- 18 )
وقد حاول الأب اوريجانس 254 – 185 ) أن يفرق في الدرجة بين الأب وبين اللوغوس ، وقال أننا نستطيع وصف اللوغوس بأنه وجود الموجودات وجوهر الجواهر وصورة الصور ، ولكننا لا نستطيع وصف الإله الأب بمثل هذه الصفات ، لأن الإله الأب يتجاوز هذه الصفات جميعا ، وقال انه صحيح آن اللوغوس أزلي مع أزلية الإله الأب ، ولكن ليس بنفس المعنى ، لأن الإله الأب هو الحياة والابن ( المسيح ) يستمد الحياة من الإله الأب ، ولكن الكنيسة في مجمع نيقية المسكوني في عام 325 رفضت ما قاله اوريجانس وقالت انه هرطقة ، وبقيت على الرأي الأول وهو القول بالتساوي بين الإله الأب والمسيج الابن كلمة الإله وعقل الإله ( اللوغوس ) ومنذ ذلك التاريخ صار اللوغوس يشكل معني ديني أكثر منه معنى فلسفي ) ولم تتنصر روما ولكن المسيحية هي التي ترومت ، وهكذا دخلت الوثنية في الكنيسة المسيحية ، ولكن هذه القضية قضية خلاف ، لأن البعض يذهب إلى آن هيراقليطس كان مسيحيا قبل المسيحية ، والبعض يرى آن لوغوس هيراقليطس هو شكل من أشكال التأثير الوثني في الديانة المسيحية ، والبعض يرى انه لا علاقة بين لوغوس هيراقليطس ولوغوس يوحنا الذي يقول فيه في البدء كانت الكلمة ، والبعض يقول انه حينما نتحدث عن طبيعة الإله الأب يجب أن لا نتكلم عن طبيعة مجردة حتى لا نقع تحت طائلة الفلسفة وقانونها ، وندخل في هرطقات الهراطقة الذين وقعوا في نفس ذات المشكلة حينما حاولوا أن يظهروا عمل الإله بالفلسفة والفكر ، والإله ليس فكرة وليس موضوع فلسفي ولكنه شخص حي وحضور محيي ، وكلمة الله ليست عقل ولا حتى مجرد كلمة مجردة تخرج من عقل ، كما يعتبر هيراقليطس أيضا هو مكتشف الديالكتيك الذي سوف يظهر مع هيغل ويمشي على قدميه مع ماركس ، وبارمنيدس وهو من أهم فلاسفة ما قبل سقراط ، وأول فيلسوف يبحث عن ( ما وراء الظاهر ) ( الحقيقة الثابتة ) ( والوجود الثابت ) باعتبار أن الوجود الثابت والحقيقة الثابتة متطابقين ، ولذلك كان يقول أن الموجود يكون وغير الموجود لا يكون ، وآن ادراكات البشر اليومية للواقع في العالم الفيزيائي ادراكات خاطئة ، لأن الظاهرة والظاهر متغير والمتغير لا يمكن أن يكون أساسا للعلم والمعرفة ، لأن وجوده وجود زائف ، وان الوجود الحقيقي هو الوجود الموجود وراء الظاهرة والظاهر ، وهو ما يجب آن يكون أساس العلم والمعرفة ، ولذلك كان يقول آن العالم كينونة واحدة غير متغيرة ، وغير متوالدة ، وغير قابلة للانهيار ، ولذلك يمكن اعتبار بارمنيدس هو الأب الحقيقي للميتافيزيقيا الذي ارسي دعائمها من بعده أفلاطون وأرسطو .
المادية الجدلية ( الديالكتيك ) في العصور الوسطى
في البداية يجب آن نفرق بين المادية الجدلية ( الديالكتيك ) والمادية التاريخية ، لأن المادية الجدلية هي الفلسفة التي تصور العالم من خلال الذهن الفلسفي ، وهي فلسفة مادية تعود شجرة نسبها إلى الفلسفة الألمانية ، والمادية التاريخية هي الفلسفة التي تصور العالم كما هو موجود من خلال إعطاء كتابة التاريخ أساسا ماديا ، وهي فلسفة مادية تعود شجرة نسبها إلى الفلسفة البريطانية ، وكلمة دياكتيك كما وصفها زينون الرواقي ( 234 ق م – 262 ق م ) كلمة يونانية تعني الكلام عبر المجال الفاصل بين المتحاورين ، وهو قبرصي من أصل كنعاني ( فينيقي ) ، وتقوم فلسفته على تأكيد شديد على الخير والسلام الفكري الناتج عن حياة الفضيلة بالانسجام مع الطبيعة ، ولكن هذه الكلمة كانت قد استكملت شكلها في فلسفة أفلاطون الذي قال أن هذه الكلمة تعني التقسيم المنطقي الذي يؤدي عبر المقارنة إلى اكتشاف المعاني الأساسية المجردة ( المثل ) والجدلية عند أفلاطون جدليتان ، جدلية صاعدة تنطلق من الواقع اليومي الملموس لتصل الى مفهوم الخير المجرد ، وجدلية هابطة تنطلق من مفهوم الخير المجرد لتعود الى الواقع اليومي الملموس ، ولكن أرسطو الذي كان يعارض أستاذه أفلاطون قال آن جدلية أفلاطون التحليلية التي تسعى الى التوصل الى البرهان الحقيقي هي مجرد استدلالات مبنية على وجهات نظر محتملة ، وبناء على موقف أرسطو هذا قال كانط ( 1724 – 1804 ) في كتابه نقد العقل الخالص آن الجدلية الصورية هي عبارة عن دراسة تصور تعتقد النفس البشرية انه يمكن من خلاله تجاوز حدود التجربة من اجل التوصل إلى تحديد مسبق مفترض لمفاهيم ذات علاقة بالروح والعلم والإله ، وقد استمر هذا المفهوم سائدا بشكل عام في العصور الوسطى حيث كانت الجدلية تعني المنطق الشكلي المستوحى من تحليلات أرسطو ، ولم يكن يعترف بها كفرع من فروع الفلسفة ، ولكنها كانت تسجل في خانة سجلات النحو والصرف والبلاغة ، لا بل وحتى أن بعض الفلاسفة كالقديس توما الاكويني ( 1722 – 1225 ) وهو قديس كاثوليكي وراهب ايطالي من الرهبان الدومينيكان وفيلسوف لاهوتي ، كان يصفها بأوصاف سلبية مازالت انعكاساتها موجودة حتى اليوم ، حيث مازالت كلمة الجدل تستعمل في وصف التحليل والخطاب المعقد وغير المجدي ، ولكن الجدلية عادت إلى بيت أبيها في الفلسفية على يد هيغل ( 1770 – 1931 ) في القرن التاسع عشر ، لأن هيغل أعطى للجدلية معنى فلسفي جديد حيث جعل منها القانون الذي يحدد مسيرة الفكر والواقع ، والمحرك الأول للتاريخ والطبيعة والفلسفة ، ولكن كارل ماركس ( 1818 – 1883 ) وفردريك انغلز ( 1820 – 1895 ) والماركسيون الذين اشتقوا فلسفتهم ونظمهم وتفسيرهم للكون والحياة والإنسان من المنهج الفكري والقانون الديالكتيكي وعلاقة التضاد بين الأفكار والأشياء من فلسفة هيغل ، وجعلوا من كل ذلك الجسر الذي عبرته الفلسفة الماركسية إلى الإلحاد ، ولكن بعد أن رفضت المطلق وهو محور فلسفة هيغل ، والمطلق عند هيغل والفلاسفة اليونانيون وعلماء الكلام المسلمون هو الوجود الواجب الوجود ، وهو تصور منحرف عن الله في فلسفة هيغل ، لأن الله في فلسفة هيغل هو المطلق الذي يتجلى في نظام المجتمع وفي ما يبدعه الدين والفن والفلسفة ، وهذه هي نقطة الافتراق بين فلسفة هيغل وعلماء الكلام المسلمون ، ولكن هذا لا يعني أن هيغل ينكر وجود الله ، لأن الله عند هيغل هو المطلق الذي تعلل به كل التبدلات في عالم الأشياء وعالم الأفكار ، وهو ما هو موجود في نظام المجتمع وفي ما يبدعه الدين والفن والفلسفة ، وهي فلسفة وان كانت لا تخدم فكرة الإيمان بالله إلا أنها لا تنفي وجود الله ، وهكذا نرى أن ماركس وانغلز والماركسيون قد قبلوا جدلية هيغل ولكن بعد أن قلبوها رأسا على عقب وانزلوها من السماء إلى الأرض ، وطبقوها على دراسة الظواهر التاريخية والاجتماعية وخاصة الاقتصادية ، لأن الروح والفكرة من وجهة نظرهم ليست هي التي تحدد الواقع ، ولكن الواقع هو الذي يحدد الروح والفكرة ، وهذا هو المفهوم الذي طوره لينين وماو تسي تونغ والماركسيون اللاحقون الذين جعلوا من الفلسفة المادية الجدلية منظومة فكرية شبه متكاملة ، وكما تأثر ماركس بفلسفة هيغل تأثر أيضا بفلسفة لودفيغ فيورباخ ( 1804 – 1872 ) الذي يقوم محور فلسفته في اللاهوت على تحرير الإنسان من الوعي الديني ، ولذلك نراه في كتابه أصل الدين يعطي حلا ماديا للمسألة السياسية في الفلسفة يرتكز على اعتبار الطبيعة أو الوجود أو المادة هي الواقع الوحيد الذي ليس له بداية وليس له نهاية ، وهي في وجودها سابقة على وجود الإنسان الذي بدوره اوجد فكرة الإله في محاولة منه لإيجاد وسيلة لفهم أسرار الطبيعة والسيطرة عليها ، والإنسان هو نفسه من نتاج الطبيعة ، والطبيعة مطلقة وكل شيء فيها في تفاعل ونسبي ومتعدد الجوانب ومترابط مع غيره ، وقد تناول فيوبارخ أصل الدين في الاقانيم الثلاثة ، ثالوث الله والإنسان والطبيعة ، مشيرا إلى أن العلاقة بين الاقانيم الثلاثة هي محل جدل فلسفي ولاهوتي ، ولكن فيورباخ أعطى للطبيعة القيمة الأولى ، وذلك عكس اللاهوت الذي نفى دور الطبيعة لصالح الإله المتخيل ، وقال أن شعور الإنسان يالتبعية هو أصل الدين ، ولأن تبعية الإنسان هي تبعية للطبيعة ، ولذلك كان الارتباط بالطبيعة هو أصل جميع الأديان ، لأن الإنسان كان يدرك انه لا يمكن أن يعيش بمفرده ، ولكن وجوده لا بد أن يعتمد على كائن آخر أي كائن آخر مختلف عنه ، وقد برهن فيورباخ أرائه هذه من خلال اعتماد الإنسان بشكل مطلق على الطبيعة ، وقال وكما أن النور ضروري للعين ، والهواء ضروري للرئتين ، والطعام ضروري للمعدة ، والإنسان كائن لا يمكن أن يكون له وجود بدون نور وبدون هواء وبدون طعام وبدون ماء وبدون ارض ، وهذا يعني أن الإنسان كائن يعتمد في وجوده على الطبيعة ، وهذا الاعتماد يشترك فيه الإنسان والحيوان ، وعندما يرفع الإنسان هذا الاعتماد إلى وعيه وتفكيره وتخيله يتحول هذا الاعتماد إلى دين ، ولذلك كان الفرس البدائيون يرون في الكلب كائن مقدس ، ولذلك عبدوه لأنهم كانوا في حاجة إلى الحيوانات ، وكان المكسيكيون البدائيون يرون في الملح كائن مقدس ، ولذلك عبدوه لأنهم كانوا في حاجة إلى الملح الصخري نظرا لفائدته طبيا واقتصاديا وجمال شكله وبريقه وتركيبته البلورية المتناسقة ، وهنا يسأل فيورباخ ويقول أين هو اله الملح الذي يحتوي الملح على سلطته ووجوده وصفاته ونتائجه ، ويجيب على نفسه قائلا أن اله الملح ليس سوى الملح ذاته الذي يبدو للإنسان بسبب صفاته الطبية والاقتصادية وجما شكله وبريقه وتركيبته البلورية وتناسقه ونتائجه كشيء مقدس ، وفي نقده للفكر اللاهوتي عموما واللاهوت المسيحي على وجه الخصوص حاول فيورباخ تقديم صورة عملية أكثر للدين تعلي من شأن الإنسان الذي اعتبر دوره دورا ثانويا بسبب تعظيم اللاهوت لدور الإله على حساب دور لإنسان ، وأضاف فيورياخ أن البشرية عرفت نوعين من الأديان ، الأديان الطبيعية التي كانت تعتني بأسرار الطبيعة وتحاول السيطرة عليها ، والأديان الوضعية ( السماوية ) التي صورت الإله على شكل الإنسان ، ولكن الإنسان الخارق صاحب الصفات الكاملة ، ولذلك كان فيورباخ يرى أن الإصلاح الديني يجب أن يأتي قبل الإصلاح السياسي ، وأن الأولية في الإصلاح يجب أن تكون حول تحديد دور الدين في المجتمع وبشكل يضع الدين في خدمة الإنسان وليس الإنسان في خدمة الدين ، لأن عدم قدرة الإنسان على تفسير بعض الظواهر الطبيعية لا يعني نسبتها إلى الإله ، والإنسان كان دائما في صراع حول مركزه في الكون بين الطبيعة والإله ، وحول معرفة أسباب الظواهر الطبيعية وتفسيرها ، وحيث أن الملح ليس إلا انطباع أو تعبير عن قدسية الملح ، فالأمر نفس الأمر بالنسبة للطبيعة وهو أيضا انطباع وتعبير عن قدسيه الطبيعة ، وهكذا يكون تصور الالوهيون أن الله كائن خارق للطبيعة ، وكائن مختلف عن الطبيعة ، وكائن موجود بشكل مطلق خارج عقل الإنسان ، دون أن يؤثر في هذه المسألة وجود الإنسان من عدم وجوده ، ويرغب في وجود الله أو لم يرغب في وجود الله ، هذا التصور لا يعكس سوى شعور الإنسان تجاه الطبيعة التي لا يعتمد وجودها على وجود الإنسان ، فالله لا يحده معبد ، وهي نفس فكرة الفرس والألمان القدماء الذين عبدوا الطبيعة ولم يبنوا لها معابد ، ولكنهم كانوا يتعبدون الله تحت قبة السماء التي لا حد لها ، والله لا يحده معبد ، والله لا يتغير، والله لا يتردد ، والله لا يوجد عنده محاباة ، وقوانين الله ثابتة ،
والطبيعة قوانينها الفيزيائية واضحة ، والطبيعة لا تتردد ، والطبيعة لا يوجد عندها محاباة ، ونحن لو أغمضنا أعيننا عن الطبيعة وتناسينا شكلها ووجودها ( جوهرها المادي ) وفكرنا في صفاتها وتخيلنا كل عناصرها ، سوف ينتج لنا كائن بمجموعة من الصفات مثل اللامحدودية والقوة والوحدة والضرورة والخلود ، وتلك هي صفات الله ، وهذا الكائن ليس إلا الجوهر المجرد للطبيعة أو الطبيعة المجردة في الفكر ( الجوهر التخيلي ) ولذلك يكون اشتقاق الطبيعة من الله ليس إلا اشتقاق الجوهر المادي للطبيعة من جوهرها التخيلي الموجود في تفكير الإنسان ، وهكذا نستطيع أن نقول بدون الخوف من الخطأ أو الانحراف الإيديولوجي أن الماركسية في الأصل والنهاية وفي المنطلق والانطلاق هي عبارة عن خليط من الفلسفة الإغريقية وخاصة فلسفة هيراقليطس وابيقور وأفلاطون ، والديالكتيك الألماني وخاصة دياكتيك هيغل ، ومادية القرن السابع عشر وخاصة مادية ديكارت ( 1596 – 1650 ) الذي كان يرى آن الوجود الفكري حيث انه لم يستطع إثبات وجود أي شيء بمنطق مادي ، ولذلك خلص إلى فكرته الشهيرة في الكوجيتو أنا أفكر إذن أنا موجود ومعنى ذلك أن ديكارت لا يعترف بأي شيء خارج فكر الإنسان ، ومادية سبينوزا ( 1632 – 1677 ) الفيلسوف اليهودي الذي نبذته الجالية اليهودية في أمستردام بسبب ادعائه أن الله يكمن في الطبيعة والكون ، وان النصوص الدينية هي عبارة عن إشعارات ومجازات هدفها أن نعترف بطبيعة الله ، وكان سبينوزا قد اختط لنفسه نهجا فلسفيا يعتبر فيه أن الخير الاسمي يتمثل في فرح المعرفة أي في اتحاد الروح في الطبيعة الكاملة ، ولذلك كان يرى أن المعلومات التاريخية الواردة في التوراة معلومات كاذبة ، وان الأسس التي تقوم على المعرفة في التوراة هي أسس غير كافية من حيث الكم ومعيبة من حيث الكيف ، كما انه كان يرى أن الظواهر والمعجزات التوراتية ليست خروجا على الطبيعة ، ولكنها خليط من حوادث الطبيعة وخيال رواة التوراة ، وهي في الأساس ظواهر طبيعية ويجب تفسيرها بحيث لا تبدو حوادث جديدة أو حوادث تتناقض مع الطبيعة ، ولذلك قال أن معجزة شق البحر بعصا موسى ، ووعد الله لليهود في فلسطين وفقا لحقوق ارض الميعاد وهي مسألة غير منطقية وغير معقولة لأن الله لا يعمل وكيل عقارات عند اليهود ، والمسألة كلها كما يقول سبينوزا ليست سوى نتاج تحريض قام به الحاخامات اليهود على مدى ألاف السنين ، والضربات العشر ، ضربة الماء دما وضربة الضفادع وضربة البعوض وضربة الذباب وضربة المواشي وضربة الثبور وضربة البرد والنار وضربة الجراد وضربة الظلام وضربة الابكار ، وفي مقدمة هذه الضربات يقول الله لموسى في سفر الخروج إنا جعلناك إلها لفرعون ، وتوقيف الشمس في كبد السماء بناء على طلب يشوع من الله ليكمل عملية ذبح الفلسطينيين في جبعون وفي وادي ايلون ، هي حوادث طبيعية وليست معجزات ، وان عملية شق البحر حصلت على يد الاسكندر الأكبر فهل يمكن اعتبار الاسكندر الأكبر نبيا ، وهكذا يحاول سبينوزا أن يجرد التوراة من القداسة لإثبات نبوة موسى ، ومادية نيوتن ( 1643 – 1677 ) الذي كان يرى أن الله هو الخالق الأعلى الذي لا يمكن إدانة وجوده نظرا لعظمة الخلق ، ولكنه كان يرى أن هذا الإله اله منعزل عما يجري في العالم ، لأن تدخله يعني وجود نقص في العالم ، ومادية هيوم ( 1711 – 1776 ) الذي كان محور فلسفته يقوم على فكرة أن الوجود المادي هو انعكاس لفكرنا ، ورفض فكرة أن تكون العقول البشرية صورة مصغرة عن العقل الإلهي ، ولذلك قال عنه كانط لقد أنقذني هيوم من السبات الدوغماتي ، وجزئيات مادية القرن التاسع عشر وخاصة فلسفة فيورباخ ، ومادية انغلز القريبة من المادية الطبيعية ، وهكذا أيضا يمكن القول وبدون الخوف من الوقوع في الخطأ أو الانحراف الإيديولوجي انه لا توجد كتابة تبدأ من لا شيء وان الكتابة هي كتابة على الكتابة ، ولذلك كانت كتابة ماركس في الفلسفة المادية كتابة على كتابة هيراقليطس وابيقور وأفلاطون وهيغل وديكارت وسبينوزا ونيوتن وهيوم وغيرهم من الفلاسفة ، وهكذا أيضا يمكن القول وبدون الخوف من الوقوع في الخطأ أو الانحراف الإيديولوجي أن ماركس لم يكن الأب الشرعي للمادية ولكنه كان القابلة التي ولدت على يديها الفلسفة المادية الحديثة التي تمثل ارقي درجات التقدم في الفلسفة المادية .
المادية الماركسية
المادية الماركسية مصطلح يدخل في علم الفلسفة وعلم الاجتماع وعلم الاقتصاد السياسي ، وقد سميت هذه الفلسفة باسم الماركسية نسبة إلى الفيلسوف الاشتراكي الألماني كارل ماركس وهو عالم في الاقتصاد وصحفي ثوري ، وقد أسس كارل ماركس مع رفيق دربه الكاتب والمنظر السياسي والفيلسوف الاشتراكي ورجل الصناعة الألماني فردريك انغلز النظرية الشيوعية العلمية ، ولكن ومع وجود أحزاب اشتراكية عديدة في ارويا ، إلا أن ماركس وانغلز انفردا وحدهما بالتوصل إلى الاشتراكية العلمية الماركسية الشيوعية العالمية كتطور حتمي للتاريخ البشري وفق المنهج الجدلي الديالكتيكي وبأدوات ثورية ، وذلك بعد متابعة وتطوير التيارات الفكرية الرئيسية الثلاثة في الدول الثلاثة الأكثر تقدما في أوروبا والعالم في القرن التاسع عشر وهي الفلسفة الكلاسيكية الألمانية ، والاقتصاد السياسي الكلاسيكي الانجليزي ، والاشتراكية الفرنسية المرتبطة بالتعاليم الثورية الفرنسية ، وكان مصطلح الاشتراكية قد صاغه لأول مرة في التاريخ الفيلسوف هنري دي سان سيمون ( 1760 – 1825 ) وهو فيلسوف فرنسي كان يدعو إلى تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية ، والى تشكيل البرلمان من ثلاث مجالس ، مجلس الاختراع ومجلس الفحص ومجلس التنفيذ ، وتكافؤ الفرص وليس التجانس الكامل بين الأفراد ، وإلغاء الميراث ونقل الملكية إلى الدولة بعد الوفاة ، ويعتبر سيمون مؤسس الاشتراكية الطوباوية ( الخيالية ) غير العلمية ( اليوتوبيا تعني الصورة ) وكان أول من استخدم كلمة يوتوبيا هو الفيلسوف والقائد والسياسي والكاتب والعالم والقديس البريطاني توماس مور ( 1478 – 1535 ) في كتابه يوتوبيا ( المدينة الفاضلة ) وتعني ليس في مكان ما ، وكان هذا العالم القديس والقائد السياسي البريطاني قد عزله الملك هنري الثامن عن رئاسة الكنيسة الكاثوليكية في بريطانيا وحبسه وفصل رأسه عن جسده في برج لندن في عام 1535 وهو في العام الخامس والتسعين من عمره ، لأنه عارض طلاق هنري الثامن للملكة كأثرين الارغونية ، ولأنه كان قد رفض قانون السيادة في عام 1534 ، ولذلك كان توماس مور فعلا يستحق لقب رجل لكل العصور ، لأنه أعطى المثل في الموت من اجل المبدأ ، ولأنه كان قد كرس نفسه للمبادئ التي كان قد نادى بها ارازمس ( 1469 – 1536 ) الفيلسوف الهولندي الإنساني الذي كان يدعو إلى إنسانية واحدة لا تفصلها بحار ولا جبال ، ولأنه كان يعتقد مثل ارازمس أن المهم هو تحكيم العقل ، والتنديد بالجهل والجهلاء ، وإلغاء المفاسد ، وعدم المساواة التي كانت تبدو وكأنها أشياء عادية في عصره ، ولذلك كان يدعو في كتابه اليوتوبيا إلى مجتمع يسود فيه الاهتمام بصحة كل إنسان في مكان مجتمع يسود فيه الانقسام بين فقراء وأغنياء وأقوياء وضعفاء . وكانت اشتراكية سان سيمون تدعو إلى مجتمع إنساني يقوم على الملكية الجماعية والعمل الإلزامي . والاشتراكية مذهب يتناقض مع مذهب الليبرالية الفردية التحررية التي كانت قد فشلت في الاهتمام بمشاكل الفقر والقهر الاجتماعي واللامساواة في الثروة ، وفي نفس الوقت كان الاشتراكيون ينظرون إلى المجمعات الفردية اللبرالية على أنها مجتمعات غير منتجة ، ومجتمعات تدعم الأنانية ، ومجتمعات تنافسية تضر بالحياة الاجتماعية ، ولذلك قدموا الاشتراكية كمذهب يعتمد على التعاون بين الأفراد بديلا عن المذهب الليبرالي الفردي التحرري التنافسي الأناني الذي يضر بحياة الفرد وحياة المجتمع ، ولذلك كان سان سيموت يدعو إلى تسليم السلطة للصناعيين ، لأن المجتمع ككل مبني على الصناعة ، والصناعة هي الضامن الوحيد لوجود المجتمع ، وهي المصدر الأساسي لكل ثروة ، وفي الورشة الصناعية تزول فروق المولد والنسب وتبقى الاختلافات في القدرات ، ولكن أتباع سان سيمون ( السان سيمونيون ) اختلفوا في تفسير أفكاره ما بين اشتراكيين وخبراء فنيين مغامرين وممولين وصناعيين ، ففي حين ذهب المفكر ارمان بازار ( 1790 – 1832 ) إلى نقد النظام الاجتماعي القائم والنظام الصناعي الاستغلالي في نفس الوقت ، ودعا إلى الثورة وإلغاء نظام الملكية الخاصة ، ذهب اوغست كونت ( 1798 – 1857 ) إلى انه لا يمكن فصل السياسة عن نظريته العامة في الإنسان والمجتمع ، والظروف التي أحاطت بظهورها وخاصة حروب نابليون وحرب القرم والصراع بين الجمهوريين والملكيين والليبراليين والمحافظين والعمال وأصحاب العمل ، وقد قاد ذلك كله كونت إلى التفكير في وضع علم الاجتماع ( دين الإنسانية الجديد ) وهو علم يدعو إلى إعادة تنظيم المجتمع ، وكان كونت يرى أن التفكير الإنساني مر خلال تطوره التاريخي في ثلاث مراحل وهي المرحلة اللاهوتية التي كانت تعلل الأشياء والظواهر الطبيعية بالكائنات والقوى الغيبية ، والمرحلة الميتافيزيقية التي كانت تعلل الأشياء والظواهر بالاعتماد على الإدراك المجرد ، والمرحلة الوضعية التي تعلل الأشياء والظواهر من خلال اكتشاف قوانين علاقات الأشياء والظواهر عن طريق الملاحظة والتجربة الحسية ، ولذلك رفع كونت شعار النظام والتقدم وقال أن ما نحتاجه لاستكمال المجتمع الجديد ليس الثورة ولكنه التطبيق السلمي للعلم الذي يتفق مع المرحلة الوضعية ، ويساعد على فهم الإنسان ، ويستوعب جميع العلوم ، ولكن هذا الفيلسوف وبدافع من أنانيته ونرجسيته أنكر دور ابن خلدون في تأسيس علم الاجتماع ونسب هذا العلم إلى نفسه ، وقد ذهب بيير لورو ( 1797 – 1871 ) في كتابه دحض الانتقائية إلى أن الطريقة التي نختارها في التعليم هي التي تمكننا من تكوين رعايا طائعين أو مواطنين أحرار ومسؤولين ، ولذلك طور المضمون الاجتماعي في فكر سيمون إلى مضمون اشتراكي اجتماعي لا يلغي الملكية الخاصة ولكنه يعطيها طابع اجتماعي ويكون المجتمع كله مسؤولا عنها ، أما الهيئة التي تمثل الاقتصاد العام فهي نظام مصرفي مركزي ينظم الصناعة والإنتاج وفق الاحتياج العام للمجتمع ، ولكن بعض الفلاسفة ذهبوا إلى العمل بالصناعة وأصبحوا من كبار الرأسماليين حيث كان الأخوين اسحق وإميل بيرير من اكبر العاملين في مجال مد خطوط السكك الحديدية في القارة الأوربية ، وقام سيموني آخر وهو تلابو في العمل في مجال البوارج والنقل البحري ، وهكذا بدأت مرحلة جديدة للسان سيمونيين وتكاثر عدد أنصار السان سيمونية من خريجي مدرسة الهندسة العسكرية ورجال الأعمال ، وزاد على ذلك انضمام صحيفة العالم الليبرالية ، وتأسيس أربعة مراكز في باريس ، وست كنائس في فرنسا ، وكنيسة في بروكسل ، وكنيسة في ليبزيغ ، ولكن بارتلمي بروسيبر انفانتان ( 1796 – 1864 ) الذي انضم للجماعة السان سيمونية بعد يوم واحد من وفاة سان سيمون وجرى اختياره مرشدا للجماعة في عام 1831 وأضاف إلى أفكار سان سيمون أفكارا جديدة وخاصة في موضوع ود الاعتبار للجسد بواسطة شيوع النساء ، والاتجاه نحو الكهنوتية ، وتأسيس صومعة في حي منليمونتان وهو احد أحياء باريس النائية ، وخلع صفة الكاريكا الثورية على أتباعه ، وذلك بالإضافة إلى تقديم المحاضرات المذهبية والدروس العقائدية والأناشيد والعروض المسرحية ، والتدريب على الزراعة ، والاستغناء عن الخدم ، ولذلك أطلق عليه أتباعه اسم الأب أو مسيح الجمهورية الجديدة ، وقد عرفت الرأسمالية كيف تستغل مذهب سان سيمون وخاصة في مجال الاستعمار والتعاون الدولي وشق الطرق والقنوات واستخدام القوة ضد العمال لفرض النظام الاجتماعي الجديد ، أو إجبارهم على حبه حبا اخويا ، وتنظيف باريس ومد خطوط السكك الحديدية وتصدير الحضارة الأوروبية إلى أفريقيا ، ولكن وبسبب اقكارهم هذه غضبت عليهم الحكومة الفرنسية وسخطت عليهم الكنيسة الكاثوليكية وخاصة في موضوع رد الاعتبار للجسد الذي كانت تحتقره الكنيسة الكاثوليكية ، وسجن انفانتان وأربعة من رفاقه في سجن سان بلاجي في عام 1832 بتهمة تهييج الرأي العام والقيام بأعمال تخل بالأخلاق والقيم وتهدد النظام ، وذلك بالإضافة إلى حل الجماعة ومصادرة مقرها ومطبوعاتها ، ولذلك برزت لديهم فكرة الهجرة وخاصة بعد أن اقترح الكسيس بيتي على انفانتان الرحيل الى الولايات المتحدة الأمريكية ، ولكن إصلاحات محمد علي ( المتبربر العبقري ) كما وصفه انفانتان شجعت انفانتان على اتخاذ مصر مركزا للجماعة وخاصة بعد سيطرت محمد علي على الشام والسودان والساحل الشرقي والغربي للبحر الأحمر ، ووجود عدد من الأوروبيين والفرنسيين على رأس العديد من المؤسسات العلمية والصناعية والعسكرية ، وبعض المصريين الذين تلقوا تعليمهم في فرنسا ، ووجود جيش وأسطول مصري قوي يحمي مشروعاتهم وخاصة مشروع قناة السويس والقناطر الخيرية ، وذلك بالإضافة إلى أن هناك ضرورات ملحة فرضتها السماء ، وهي استعمار الغرب للشرق ، لأن الرب يدعوا روسيا إلى الأناضول ، وفرنسا إلى مصر ، وبريطانيا إلى الفرات ، من اجل نشر الحضارة الأوروبية في هذه البلدان المتخلفة ، وقد ساعدت الحكومة الفرنسية السان سيمونيون في التوجه إلى الشام والعراق وخاصة إلى مصر ، وبعد احتلال الجزائر توجه انفانتان إلى الجزائر وتجدد حلمه في البحث عن شرق جيد واندفع يكتب عن الجزائر كمادة للدمج والاستغلال وفضاء للافتنان وموضوع للتصوف والصحراء والشمس والفحولة والنكهة الأفريقية وارض للاستعمار الاستيطاني بذريعة أن ما يضفي الشرعية على وجود الشعب في أي ارض يتمثل في قدرة هذا الشعب على استثمار هذه الأرض ، ومن الاشتراكيون المثاليون أيضا المصلح الاجتماعي البريطاني روبرت اوين ( 1771 – 1858 ) وهو احد واضعي أسس الاشتراكية المثالية والحركة التعاونية ، وقد كانت فلسفته تقوم على ثلاث محاور ، المحور الأول ويقول فيه اوين انه لا احد قادر على التحكم في أمنياته وأفعاله لأن شخصية الإنسان تكونت بعيدا تماما عن نفسه ، وهذا يعني أن الإنسان هو نتاج موروثه وبيئته ، والمحور الثاني وهو أن كل الأديان تعتمد على نفس التصورات السخيفة والتي تجعل من الإنسان ضعيفا أو حيوانا أبله أو متعصبا غاضبا أو منافقا بائسا ، والمحور الثالث دعم الصناعات الصغيرة على حساب الصناعات الكبيرة ، ولكنه وللحقيقة وقع في تناقضين ، الأول بأن جعل للتعليم والإصلاحات العمالية السبق الأول في استثمار الطاقات البشرية ، والثاني وهو احتضانه للحركات الروحية في سنواته الأخيرة ، وذلك بالإضافة إلى الاشتراكية الفابية نسبة إلى فابيوس كونكتاتورد ( 275 ق م – 203 ق م ) وهي جمعية بريطانية تأسست في عام 1884 على يد مجموعة من المفكرين ومن أبرزهم الكاتب المسرحي برنارد شو( 1856 – 1950 ) وهو كاتب ايرلندي كانت تشغله نظرية التطور والوصول إلى السوبرمان ، ولكنه من الناحية الفكرية كان من الملحدين المتسامحين مع الأديان ، وسيدني ويب وزوجته بياتريس وهما عالمان في الفكر الاشتراكي والإنساني ، وجراهام والاس ، وهي حركة تسعى إلى نشر المبادئ الاشتراكية بالوسائل السلمية ، وشرح مبادئها بأسلوب بسيط من خلال الاجتماعات والندوات التي تؤدي إلى تسريب الفكرة واختراقها للأشخاص والهيئات واكتساب إيمانها الطوعي ، وذلك بالإضافة إلى الاناركية ( اللاسلطوية ) التي تقول انه لا يمكن للدولة أن تقيم اقتصاد اشتراكي ، وتقترح بديل سياسي يعتمد على مجتمعات اتحادية لا مركزية مستقلة تشمل أنصار اللاسلطوية الفردية ( اللاسلطوية الاشتراكية ) ، ويدافع التبادليون المناصرون ( اللاسلطويون اللاعنفيون ) لنظرية التبادل الاقتصادية واللاسلطويون الجمعيون عن اشتراكية السوق الحر والتعاونيات العمالية وربط الأجور بمقدار الوقت المساهم في الإنتاج ، ويدافع الشيوعيون اللاسلطويون ( اللاسلطويون العنفيون ) عن الانتقال المباشر من الرأسمالية إلى الشيوعية التحررية والتحرك المباشر للعمال النقابيين اللاسلطويين والإضراب العام ، والاناركية ( اللاسلطوية ) كلمة يونانية تعني ( الفوضويون الجدد ( الفوضى الخلاقة ) التي لا تعترف لا بحكومة ولا بقانون ولا بجيش ، واللاسلطوية تنقسم إلى ثلاث مدارس وهي السلطوية الفردية ويمثلها الفيلسوف البريطاني وليم غودوين الذي كان يقول أن السلطة هي نتاج رذائل البشر ، والمفكر الألماني شترينر ، وهي تقوم على الحرية المطلقة للفرد إزاء أي سلطة أو جماعة ، واللاسلطوية الجماعية ( الشيوعية ) ويمثلها الثوريان الروسيان باكونين وكروبوتكين والمفكر الفرنسي برودون ، وهي تدعو إلى مجتمع الحرية الفردية الذي تنتفي فيه
السلطة القمعية في إطار جماعي ومنظم تعاونيا باعتبار الإنسان حيوان اجتماعي ، واللاسلطوية المسيحية ويمثلها الروائي الروسي تولوستوي الذي استلهم من المسيحية رؤى تحررية لا سلطوية ، والاشتراكية الديمقراطية الحديثة ، وهي حركة سياسية تدعو إلى تطبيق المبادئ الاشتراكية من خلال نظام ديمقراطي يدعو إلى الإصلاح التدريجي للنظام الرأسمالي حتى يصبح أكثر إنسانية ، والاشتراكية التحررية وهي حركة تدعو إلى إقامة مجتمع غير هرمي ، وغير بيروقراطي ، وبدون دولة ، وبدون ملكية خاصة لوسائل وأدوات الإنتاج ، ويعارضون كل أشكال المنظمات الاشتراكية القسرية والعلاقات الاجتماعية الرأسمالية ، وهياكل القيادة الهرمية كأحزاب الطليعة ، واستخدام الدولة في إقامة الاشتراكية ، ويدعون إلى تشكيل مؤسسة حرة تحل محل الحكومة ، وتشمل تيارات الاشتراكية التحررية بعض الميول الماركسية كاليسار الشيوعي ، ومجلس الشيوعية ، والاستقلالية الذاتية ، والحركات غير الماركسية كاليسار اللاسلطوي ( الاناركية ) والكميونالية ( الطائفية ) والبارتسيبية ، والديمقراطية الشاملة ، والاشتراكية النقابية وهي حركة تعمل من خلال الاتحادات التجارية والصناعية ، وترفض اشتراكية الدولة أو استخدام الدولة في إقامة الاشتراكية ، وتدافع عن مجتمع اشتراكي يعتمد على النقابات الاتحادية أو النقابات العمالية التي تمتلك وتدير وسائل وأدوات الإنتاج ، ولكن الماركسية ( الاشتراكية العلمية ) كان لها موقف من الاشتراكية المثالية وخاصة في مجال دعوة الاشتراكية المثالية إلى المساواة والعدالة والتساوي في توزيع الإنتاج والعمل الإلزامي لكل أعضاء المجتمع ، وهذا يتناقض مع طبيعة البشر لأن البشر غير متساوي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.