افتتاح مدرسة نشيل الابتدائية الجديدة ضمن مبادرة «حياة كريمة» بالغربية    حزب العدل ينظم تدريبًا موسعًا لمسئولي العمل الميداني والجماهيري استعدادً لانتخابات النواب    البابا تواضروس الثاني يلتقي رهبان دير القديس الأنبا هرمينا بالبداري    مناقشة واستعراض آليات دعم الصناعات الموجودة داخل قرى الدقهلية    إعلام إسرائيلى: تفجير عبوة ناسفة فى قوة تابعة للجيش بغزة    رئيس الحكومة المغربية: مستعدون للتجاوب مع المطالب الاجتماعية والحوار    انضمام ثلاثي بيراميدز إلى منتخبات بلادهم لخوض تصفيات كأس العالم 2026    مصر في المجموعة الأولى ببطولة العالم لكرة اليد تحت 17 عامًا    سقوط أمطار على هذه المناطق.. الأرصاد تحذر من طقس الجمعة    توضيح مهم من وزارة التربية والتعليم بشأن امتحان اللغة الإنجليزية للثانوية العامة    ضبط طن مخللات غير صالحة للاستخدام الآدمي بالقناطر الخيرية    «أرفض بشكل قاطع».. حنان مطاوع تبدي استيائها بسبب فيديو لوالدها الراحل    هل البلاء موكّل بالمنطق؟.. خالد الجندي يوضّح ويكشف المفهوم الصحيح    رئيس الوزراء يوافق على رعاية النسخة التاسعة من مسابقة بورسعيد الدولية لحفظ القرآن الكريم والابتهال الديني    صرف أدوية مرضى السكري لشهرين كاملين بمنظومة الرعاية الصحية بالأقصر    تركيا.. زلزال بقوة 5 درجات يضرب بحر مرمرة    البلدوزر بخير.. أرقام عمرو زكى بعد شائعة تدهور حالته الصحية    النائب ياسر الهضيبي يتقدم باستقالته من مجلس الشيوخ    وزير الإسكان يتابع موقف تنفيذ وحدات "ديارنا" بمدينة أكتوبر الجديدة    إعلام فلسطيني: غارات إسرائيلية مكثفة على مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة    إخلاء سبيل سيدتين بالشرقية في واقعة تهديد بأعمال دجل    الكرملين: الاتصالات بين الإدارتين الروسية والأمريكية تتم عبر "قنوات عمل"    نجل غادة عادل يكشف كواليس علاقة والدته بوالده    وزير الخارجية يتوجه إلى باريس لدعم حملة ترشح خالد العنانى فى اليونيسكو    مخاوف أمريكية من استغلال ترامب "الغلق" فى خفض القوى العاملة الفيدرالية    لأول مرة.. الرقابة المالية تصدر ضوابط إنشاء المنصات الرقمية للاستثمار في وثائق صناديق الملكية الخاصة    مواقيت الصلاة اليوم الخميس 2أكتوبر 2025.. موعد أذان العصر وجميع الفروض    المجلس القومي للمرأة يستكمل حملته الإعلامية "صوتك أمانة"    طرق الوقاية من فيروس HFMD    «أطفال بنها» تنجح في استخراج مسمار دباسة اخترق جدار بطن طفل    شيخ الأزهر يستقبل «محاربة السرطان والإعاقة» الطالبة آية مهني الأولى على الإعدادية مكفوفين بسوهاج ويكرمها    لهجومه على مصر بمجلس الأمن، خبير مياه يلقن وزير خارجية إثيوبيا درسًا قاسيًا ويكشف كذبه    برناردو سيلفا: من المحبط أن نخرج من ملعب موناكو بنقطة واحدة فقط    المصري يختتم استعداداته لمواجهة البنك الأهلي والكوكي يقود من المدرجات    «غرقان في أحلامه» احذر هذه الصفات قبل الزواج من برج الحوت    بتكريم رواد الفن.. مهرجان القاهرة للعرائس يفتتح دورته الجديدة (صور)    بين شوارع المدن المغربية وهاشتاجات التواصل.. جيل زد يرفع صوته: الصحة والتعليم قبل المونديال    وست هام يثير جدلا عنصريا بعد تغريدة عن سانتو!    رئيس منطقة الإسماعيلية الأزهرية يتابع فعاليات مسابقة السنة النبوية (صور)    قطر تستنكر فشل مجلس الأمن فى اعتماد قرار بشأن المعاناة الإنسانية فى غزة    بقيمة 500 مليار دولار.. ثروة إيلون ماسك تضاعفت مرتين ونصف خلال خمس سنوات    السيولة المحلية بالقطاع المصرفي ترتفع إلى 13.4 تريليون جنيه بنهاية أغسطس    14 مخالفة مرورية لا يجوز التصالح فيها.. عقوبات رادعة لحماية الأرواح وضبط الشارع المصري    وزير الري يكشف تداعيات واستعدادات مواجهة فيضان النيل    الكشف على 103 حالة من كبار السن وصرف العلاج بالمجان ضمن مبادرة "لمسة وفاء"    حمادة عبد البارى يعود لمنصب رئاسة الجهاز الإدارى لفريق يد الزمالك    جاء من الهند إلى المدينة.. معلومات لا تعرفها عن شيخ القراء بالمسجد النبوى    تفاصيل انطلاق الدورة ال7 من معرض "تراثنا" بمشاركة أكثر من 1000 عارض    السفير التشيكي يزور دير المحرق بالقوصية ضمن جولته بمحافظة أسيوط    ياسين منصور وعبدالحفيظ ونجل العامري وجوه جديدة.. الخطيب يكشف عن قائمته في انتخابات الأهلي    تحذيرات مهمة من هيئة الدواء: 10 أدوية ومستلزمات مغشوشة (تعرف عليها)    القائم بأعمال وزير البيئة في جولة مفاجئة لمنظومة جمع قش الأرز بالدقهلية والقليوبية    وزير الخارجية يلتقي وزير الخارجية والتعاون الدولي السوداني    جامعة بنها تطلق قافلة طبية لرعاية كبار السن بشبرا الخيمة    انهيار سلم منزل وإصابة سيدتين فى أخميم سوهاج    «الداخلية»: القبض على مدرس بتهمة التعدي بالضرب على أحد الطلبة خلال العام الماضي    حماية العقل بين التكريم الإلهي والتقوى الحقيقية    «التضامن الاجتماعي» بالوادي الجديد: توزيع مستلزمات مدرسية على طلاب قرى الأربعين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ملخص جدل الانسان عند عصمت سيف الدولة
نشر في محيط يوم 19 - 01 - 2013


: مركز الدلراسات السياسية والإستراتيجية
كتب الناصر خشيني نابل*

ولد "عصمت سيف الدولة" في (20 من أغسطس من عام 1923م) في جو من الهدوء والفقر، في قرية "الهمامية" وهي قرية صغيرة بمركز "البداري" بمحافظة أسيوط في مصر.وكانت تلك البيئة يترافق معها ضيق الرزق والمكان، ورغم ذلك فإنها اتسعت لجميع الناس بالحب والرحابة والتعاون، وشكلت له تلك البيئة مجموعة من القناعات في مقدمتها أن الناس سواسية، وهو ما ولد عنده منطق رفض الظلم مهما كان مصدره.ومن والده الشيخ "عباس سيف الدولة" تعلم أن يصبح رجلاً صلبًا مقاتلاً متعلمًا، فوالده كثيرًا ما خاض المعارك في قريته "الهمامية" من أجل تعديل الخريطة الاجتماعية، وحاول الابن أن يكمل هذه المعارك وعلى نطاق أوسع ثم أوسع، فيسعى لذلك أولاً على مستوى بلده مصر ثم على مستوى الوطن العربي كله.

وبعد أن أكمل "عصمت" تعليمه الأساسي انتقل إلى القاهرة، تلك المدينة الصاخبة ذات الطبقات الاجتماعية المتفاوتة تفاوتا صارخا؛ فأعلن الحرب على ما يخالف مبادئه وما تربى عليه من قيم التعاون والإخاء.

وقد حصل على ليسانس الحقوق عام (1946م) من جامعة القاهرة، ثم على دبلوم الدراسات العليا في الاقتصاد السياسي عام (1951م) ودبلوم الدراسات العليا في القانون العام عام (1952م) من جامعة القاهرة، ودبلوم الدراسات العليا في القانون عام (1955م) من جامعة باريس، ثم الدكتوراة في القانون (1957م) من جامعة باريس.

وبالرغم من تفوقه الفكري على الساحة العالمية وتجاوزه لأطروحات هيجل وماركس لكن الكثير من الشباب العربي و المسلم لا يعرف هذا المفكر العبقري والفذ والذي كان صاحب فكرة جدل الانسان فما هي خلاصة أفكاره في هذا المجال ؟

هل الواقع كظاهرة قابل للتّغيير ؟

إنّ الواقع قابل للتّغيير لأنّه منضبط في حركته من الماضي الى المستقبل بقوانين أو نواميس حتميّة معروفة أو تمكن معرفتها وبقدر ما نعرف وما نحترم حتميّة هذه القوانين أو هذه النّواميس نستطيع أن نغيّره . ولا يمكن
أن نغيّره فعلا الى ما نريد الاّ إذا عملنا على تغيير شروط فعاليّة حتميّة هذه القوانين على الوجه الذّي نريد أي ان ارادة الانسان لها تأثير كبير في نطاق احترام القوانين الحتمية في الكون فما هي هذه الحتمية ؟

- الحتميّة :

إنّ حتميّة القوانين أو النّواميس التّي تضبط حركة الأشياء والظّواهر المكوّنة للواقع ليست أكثر من أنّه " إذا حدث كذا ... حدث كذا " أو "إذا لم يحدث كذا ... لا يحدث كذا " . فإذا جفّت الأرض مثلا مات الزّرع ، وإذا مات الزّرع لا يحصد الفلاّح شيئا وإذا لم يحصد شيئا جاع ... الخ . هذه الحتميّة لازمة ليتصوّر النّاس المستقبل الذي ينتظرهم " إذا " لم يتدخّلوا في تغييره ، وليغيّروا شروط فعاليّتها ليحقّقوا المستقبل الذي يريدون . أمّا أن يقع هذا المستقبل فعلا أو لا يقع فذلك متوقّف على عملهم واحترامهم حتميّة تلك القوانين ... وهكذا فالمنهج هو تعبير عن المقولة التّي تحدّد قوانين أو نواميس تغيير الواقع أو "منطق" هذا التّغيير.

-ج- الجدل أو قانون التطوّر :
يمكن أن نعتمد المفهوم الهيجلي لكلمة الجدل الذّي آعتمده أيضا ماركس وذلك بسبب آرتباطه بمفهوم النموّ أو التطوّر وكان الجدل قبل هيجل يستعمل للذّلالة على مسار الاستدلال (نتذكّرحوارات سقراط مع تلاميذه و بخاصّة حواره الشّهير مع عبده مينون) وعلى هذا الوجه آستعمله العرب ... ومفهوم التطوّر آكتسب منذ ظهور نظريّة داروين في أواخر القرن الثّامن عشر دلالة خاصّة بالحركة تفيد التغيّر النّوعي الى ما هو أرقى . وعلى هذا فالجدل هو الصّراع بين المتناقضات الكامنة في "الشيء" ذاته والذّي ينتهي بأن يخرج الى الوجود -طفرة- شيء جديد مختلف عن النّقيضين وإن كان هو ذاته يحتوي على بذور تناقض جديد لا يلبث أن يصبح صراعا ينتهي طفرة الى خلق جديد .. وهكذا في سلسلة من النموّ الدّائم الى ما هو أرقى .

مدى علمية الهيجلية و الماركسية

كان اليسار الماركسي بتفريعاته و تنظيماته الفكرية و الإيديولوجية محطة هامة يتوقف عندها الشباب الطالبي و المثقف خصوصا في فترة السبعينات و الثمانينات نظرا للإغراء الماركسي من حيث هي نظرية مصاغة بحكمة بالغة و تقل فيها الثغرات لغير العالمين ببواطن الأمور فاستقطبت العديد من الناس في تلك الفترات و لكن منذ التسعينات و بعد انهيار الاتحاد السوفياتي والمنظومة الاشتراكية أخذ بريقها ينطفئ شيئا فشيئا لأن القوة التي كانت تدعمها انهارت و لم يعد أحد يدافع عنها كما كان الأمر سابقا ولكن ما الذي سرع بانهيارها كفكر إيديولوجي استقطب في القرن الماضي ملايين من البشر ودافع عنه آلاف من الكتاب و الشعراء و المثقفين عبر العالم ودعمته عشرات من الدول لمدة ثمانية عقود ثم فجأة يصبح هذا الفكر جامدا و في مزبلة التاريخ بعد أن كان متوقعا له النجاح ومنتظرا للرأسمالية العالمية الانهيار السريع خاصة و أنها السبب في الاستعمار و الحروب و نهب ثروات الشعوب و تسببها في أزمات اقتصادية واجتماعية و بيئية للعالم ومع ذلك لم تسقط كما سقطت الماركسية إن السبب في ذلك يعود أساسا إلى أساسها الفكري الذي استندت إليه وهو "المادية الجدلية" كمنهج فكري "علمي" بحيث ‘إنها أخذت عن الهيجلية "المنهج الجدلي" وطورته إذ اعتمد هيجل "المثالية الجدلية" كمنهج فكري علمي متميز عن المناهج الميتافيزيقية التي سبقته و عندما اعتمد المنهج الجدلي اعتبر منهجه علميا بالمقارنة مع ما كان سائدا من مناهج غيبية ميتا فيزيقية إذ اعتمد هيجل على جدلية الفكر .

أولا حيث تتبعه المادة إلى ما هو ماض إليه و الفكر ليس فكر الإنسان بل فكرا غيبيا بعيدا عن واقع الإنسان فكانت بذلك الفلسفة في عهده قائمة على رأسها فجاء ماركس و أوقفها على رجليها كما يقال بأن اعتبر أن المادة أّولا وهي الجدلية أساسا فدور ماركس أنه عكس هيجل أستاذه في المنهج الجدلي بحيث إن كلا منهما قد قال بالبيضة أولا و الآخر قد قال الدجاجة أولا فكلاهما ابتعد عن الكائن الجدلي الوحيد في هذا الكون و هو الإنسلن واعتبر غيره إما "فكرا" أو "مادة" كائنا جدليا بديلا عنه و بذلك جعل الإنسان في جبرية و لا ينفك عنها و أعدمت بذلك حريته سواء من قبل" المثالية الجدلية" الأساس الفكري للرأسمالية حيث أفرزت الاستعمار و الاستقلال و الديمقراطية الزائفة و الشكلية و الحروب و نهب ثروات الشعوب و قد دشنت الولايات المتحدة الأمريكية منذ أحداث 11-9-2001 موجة جديدة من الاستعمار المباشر و بأقبح شكل له في أفغانستان و العراق و عمدت هذا التوجه بمئات الآلاف من الضحايا الأبرياء , و كذلك " المادية الجدلية " أفرزت الديكتاتورية و الانحطاط الأخلاقي وانهيار القيم و السخرية من الدين الأمر الذي عجل بانهيار منظومتها الفكرية و العسكرية و الدولية في أقل من قرن .
إذا فالمنهج العلمي الذي تدعيه الماركسية هي مسألة مقارنة بين ما كان سائدا قبل هيجل و ما أصبح عليه الوضع بعده ليس إلا – فهي و المنهج الهيجلي تكرس بعدا حقيقيا عن واقع الانسان و تكريسا لإنهاء حريته والقضاء عليها وإبقائه حبيس أفكار لا تغني و لا تسمن من جوع – ولكن من الأسباب التي عجلت بانهيار هذا الفكر أيضا أن العناصر التي بشرت بها لم تكن هي الفاعلة في حركة التاريخ إذ لم ينتظر الشيوعيون أي البشرسواء في الصين والاتحاد السوفياتي سابقا " الظروف الموضوعية " أو"المادية " حتى تنضج لتغير واقعهم إذ تصدوا مباشرة كبشر جدليين هم الذين يغيرون الواقع و إلا كيف تفسر أن يغير الفلاحون في الصين الواقع و يحققون الثورة في حين تبشر النظرية بأن الذين سيغيرون هم العمال , و آلاف الأمثلة الأخرى تشير إلى أن الانسان هو الفاعل و المؤثر في حركة التاريخ المنهج الجدلي :
يتكوّن المنهج الجدلي من أربعة قوانين تضبط حركة الأشياء والظّواهروهي(1) قانون التّأثير والتأثّر .(2) قانون الحركة (3) قانون التّغيير(4) قانون الجدل. والجدلي هو من يؤمن بهذه القوانين ضوابط لحركة الأشياء والظّواهر ، فإذا كان مثاليّا أي يعتقد أن الفكر قد وجد قبل المادّة وأوجدها أصبح مثاليّا جدليّا ينظر الى الظّواهر والأشياء في علاقاتها معا . وبالتّالي يعرف القوانين الفكريّة التّي تحكم تطوّرها (جدل الأفكار أو منهج الجدليّة المثاليّة). وإذا كان ماديّا أي يعتقد أنّ المادّة قد وجدت قبل الفكر وأوجدته أصبح ماديّا جدليّا ينظر الى الظّواهر والأشياء في علاقاتها معا .

وبالتّالي يعرف القوانين الماديّة التّي تحكم تطوّرها (جدل الطّبيعة أو منهج الجدليّة الماديّة) . وإذا كان هيجل أو ماركس يرى أنّ التطوّر الجدلي يحدث نتيجة فعاليّة القوانين الأربعة في الفكر بالنّسبة للأوّل وفي المادّة بالنّسبة للثّاني فانّا نرى أنّ هذه القوانين لا تفسّر ظاهرة التطوّر كما نراها في المجتمعات الانسانيّة من خلق وإضافة .

- الانسان :

الانسان هو وحدة نوعيّة من المادّة والذّكاء وهو القائد الوحيد لعمليّة التطوّر و أنّه ليس وحدة أو تجميعا بين المادّة والذّكاء لأنّ من شأن ذلك أن يكون مدخلا محتملا لأحد المذهبين : الماديّة أوالمثاليّة بل هو وحدة نوعيّة منهما

أ- ما هو جدل الانسان ؟

جدل الانسان" منهج لتغيير الواقع . فلا هو مقولة فلسفيّة فيما وراء الواقع ولا هو "نظريّة" تحدّد منطلق تغيير الواقع وغايته وأسلوبه . انّما هو مجموعة من القواعد والقوانين الموجودة في الواقع الموضوعي . إذ نعرفها فنلتزمها نستطيع أن نغيّر الواقع . وليس "جدل الانسان" إبداعا غير مسبوق بل هو المنهج الجدلي بعد أن صحّحته التّجربة. ولكنّه ليس تكرارا لما سبقه لأنّه يختلف عنه فيما صحّحه . وعلى هذا فانّ منهج "جدل الانسان" يتضمّن أصلا مسبوقا واضافة من عنده تصحّح قانون الجدل وتنتهي الى صيغة جديدة للمنهج الجدلي وفكرة جدل الإنسان مبسطة تقوم على حكم استخلصه مفكرنا الراحل من التضاد القائم بين فلسفتين كانا لهما حظ كبير من الذيوع والتأثر الفكري في القرنين التاسع عشر والعشرين هما الفلسفة " الجدلية المثالية " التي أبدعها الفيلسوف الألماني "هيجل" والأخرى هي الفلسفة " الجدلية المادية "التي أبدعها " كارل ماركس " . الأولى تقصر التطور أو "ا لجدل" على مسار الفكر الخالص وحده . والثانية تقصر التطور على مسار المادة وحدها .
وعلى هذا فان الدكتور عصمت سيف الدولة يعتبر أن كلا من الفلسفة المثالية والفلسفة المادية قد بدأتا من فرضيتين ميتافيزيقيتين مختلفتين . وان كانت موحدتي النتائج ، فالفلسفة المثالية تأخذ بأسبقية الفكر على المادة .
والفلسفة المادية تأخذ بأسبقية المادة على الفكر. أما عصمت سيف الدولة فيشارك الوضعيين اعتقادهم أن حسم تلك القضية لا يخضع للإثبات العلمي والتجربة العلمية . ومن ثم فتقدير أسبقية أحدهما على الآخر في الوجود هو نوع من الغيبية " الميتافيزيقية " التي لا تستند على وسائل العلم وطرقه في البحث . بل أن هذا التقدير لا يعدو أن يكون مجرد استنتاجات عقلية مهما ادعت استنادها على العلم.

ويقرر عصمت سيف الدولة أن الطبيعة بدون الإنسان ليست " متطورة " بل هي " متحولة " من شكل إلي آخر . إذ أنه يفرق في هذا الصدد بين معنيين :

التطور" و" التحول " . فالتطور هو حركة ذات إضافة كيفية . أما التحول فهو حركة بدون إضافة جديدة وعلى هذا الأساس لا يمكننا فهم تطور الطبيعة بدون وجود الإنسان . عدا أنه الكائن الوحيد الذي يتدخل في الطبيعة ليعيد تشكيلها وفق إرادته. ولو لم يجد الإنسان ووعيه لبقيت الطبيعة " متحولة " وفق قوانينها النوعية وبعد أن يثبت " عصمت سيف الدولة " أن المادة غير جدلية وبعد أن يرفض الجدل المثالي يمضى لبناء منهجه الفكري الذي يقوم على أن الجدل يقوم في الإنسان . فالإنسان مدفوع دائما إلي إشباع حاجته المادية والمعنوية . وأن هذا هو الباعث على حركة الإنسان وتطوره. إذ أن إشباع حاجات معينة سواء كانت مادية أو معنوية يعنى انبثاق حاجات جديدة وهكذا إلي مالا نهاية.


ب- الاضافة المصحّحة :
كان قانون الجدل (القانون الرّابع) عند ماركس أو هيجل و أتباعهما قانونا كليّا يضبط حركة الأشياء والظّواهر .وهذا ما لم يثبت البحث العلمي صحّته فلا المادّة جدليّة (الذرّة خالية من التّناقض) ولا الفكرة المطلقة قابلة للملاحظة العلميّة وفيه يختلف "جدل الانسان" فيفترق عن المناهج التي تجمعه بها أصول واحدة ليقرّر أنّه : في نطاق القوانين الكليّة الثّلاثة الأولى "يتحوّل" كلّ شىء طبقا لقانونه النّوعي وينفرد الانسان بالجدل قانونا نوعيّا " لتطوّره " .

ج- التحوّل والتطوّر :
التحوّل : هو ما يصيب كلّ الأشياء والظّواهر من تغيّرات تلقائيّة بفعل التّأثير المتبادل فيما بينها خلال حركتها التي لا تتوقّف . التطوّر : هو إضافة الى الاشياء والظّواهر ما كان لها أن تتحقّق تلقائيّا بفعل التأثير المتبادل بين الأشياء والظّواهر خلال حركتها التّي لا تتوقّف الاّ بتدخّل "واع" بفعاليّة القوانين التّي تضبط حركة الاشياء والظّواهر"قادرا" على استخدامها لتغيير الأشياء والظّواهر الى ما "يريد" .

د- القانون :
في الانسان نفسه يتناقض الماضي والمستقبل (مشكل) ويتولّى الانسان نفسه حلّ التناقض (حل) بالعمل اضافة فيها من الماضي والمستقبل ولكن تتجاوزهما الى خلق جديد " (عمل)...

ه- الصّيغة الجديدة للمنهج الجدلي بعد التّصحيح :

(1) في الكلّ الشّامل للطّبيعة والانسان :
(2) كلّ شيء مؤثّر في غيره
متأثر به
(3) كلّ شيء في حركة دائمة
(4) كلّ شيء في تغيّر مستمرّ
(5) في إطار هذه القوانين الكليّة الثّلاثة يتحوّل كلّ شيء طبقا لقانونه النّوعي
(6) وينفرد الانسان بالجدل قانونا نوعيا لتطوّره ،
(7) في الانسان نفسه يتناقض الماضي والمستقبل. (مشكل)
(8) ويتولّى الانسان نفسه حلّ التّناقض(حل) بالعمل
(9) إضافة فيها من الماضي ومن المستقبل
(10) ولكن تتجاوزهما الى خلق جديد (عمل) .

المنهج الاسلامي

انّ كلّ الأشياء والظّواهر منضبطة حركتها بقوانين أو نواميس حتميّة (السّنن)... (ولا تجد لسنتنا تبديلا) الإسراء آية 77 ../ (ان هذه تذكرة لمن شاء اتّخذ الى ربّه سبيلا وما تشاؤون الاّ أن يشاء اللّه) الانسان آية 29 . (مشيئة الله متجسدة في حتمية سننه) ...

2- في نطاق هذه الحتميّة يكون الانسان حرّا في تغيير واقعه ...(وقل الحقّ من ربّكم،فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) الكهف آية 29 ...(ولا تجزون الاّ ما كنتم تعملون) يس آية 54 ...
3- الانسان وحده هو القادر على التّغيير على الأرض التّي آستخلف فيها وهوالمسؤول عنه . ويستعمل القرآن هنا تعبير السّخرة للدّلالة على قيادة الانسان للتطوّر (وسخّر لكم ما في السّماوات وما في الأرض جميعا) الجاثية آية 13 (انّ اللّه لا يغيّر ما بقوم حتّى يغيّروا ما بأنفسهم) الرّعد آية 11 ...

على هدي هذا المنهج : استطاعت قلّة من المسلمين أن تبدأ واحدة من أعمق الثّورات أثرا في تاريخ البشريّة ، وآستطاعت شعوب بكاملها أن تنتقل من بداوة الجاهليّة الأولى الى بناء حياة حضاريّة كانت في ظروفها التاريخيّة تفوّقا فذّا ... وخلال قرون طويلة من الممارسة ، استقرّ المنهج في وعي النّاس فأصبح "قيمة" تضبط مواقفهم دون حاجة الى اسناد ديني ... هذا هو تراثنا الذي بعدنا عنه فقط يوم أن فقدنا حرّيتنا ... ومنهج "جدل الانسان" ليس أكثر من آستخدام "العلم" أو البحث العلمي في تطوير وبلورة المنهج الاسلامي ..وبناء عليه فليس منهج جدل الانسان سوى تطبيق عملي صحيح وعلمي للدين الاسلامي ذلك الدين الالاهي الخالد حيث سبق هذا الدين بمنهجه الفذ كل الاجتهادات البشرية و تفوق عليها و سيظل كذلك الى أن يرث الله الأرض وما عليها .
.
من مؤلفات الدكتور / عصمت سيف الدولة
أسس الاشتراكية العربية 1965
أسس الوحدة العربية 1965
الطريق إلى الوحدة العربية 1966
الطريق إلى الاشتراكية العربية 1967
وحدة القوى العربية التقدمية 1968
ما العمل ؟ حول هزيمة 1967 صدر عام 1969
الطريق إلى الديموقراطية 1971
الوحدة ومعركة تحرير فلسطين 1971
نظرية الثورة العربية 1972
النظام النيابي ومشكلة الديموقراطية 1975
الحركة الطلابية 1975
الأحزاب ومشكلة الديموقراطية في مصر 1976
هل كان عبد الناصر ديكتاتورا ؟ 1977
التقدم على الطريق المسدود 1977
إعدام السجان 1978
حوار مع الشباب العربي 1978
رأسماليون وطنيون ورأسمالية خائنة 1979
هذه المعاهدة 1980
دفاع عن الشعب 1980
الاستبداد الديموقراطي 1980
دفاع عن الوطن 1980
هذه الدعوة للاعتراف المستحيل 1983
عن العروبة والإسلام 1986
دفاع عن ثورة مصر العربية 1990
الشباب العربي و مشكلة الانتماء 1991
مذكرات قرية الجزء الأول 1994
مذكرات قرية الجزء الثاني 1995

**باحث من تونس


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.