تمامًا وحسبما قال الرئيس عبد الفتاح السيسى فى كلمته إلى الأمة فى ذكرى انتصار العاشر من رمضان فإن المنطقة العربية يجرى تدميرها الآن، وذلك هو الخطر المروع الذى يداهم دولها، وهو خطر لا تقل ضراوته عن الأخطار التى تعرضت لها المنطقة قبل عدة قرون بالحملات الصليبية والاجتياح التتارى. غير أن الخطر المحدق هذه الأيام بدا مؤكدًا أنه ليس فقط بفعل مؤامرة خارجية بل تنفذها أيضًا أطراف إقليمية آثمة وأطراف داخلية مأجورة. ولا يخفى أن تدمير المنطقة الذى قصده وحذر منه الرئيس إنما يعنى فى واقع الأمر تفتيت دولها إلى دويلات متصارعة تحت نيران حروب أهلية طائفية مذهبية لا تبقى ولا تذر من مقدراتها ومؤسساتها شيئًا والأهم هو تدمير جيوشها حتى تبقى بلا درع يحميها ويحمى وحدة أراضيها لتصير إسرائيل القوة العسكرية الوحيدة التى تتسيد الشرق الأوسط. *** والحقيقة أن المؤامرة على العالم العربى بدأت منذ اللحظة التى سقطت فيها بغداد مع اجتياح القوات الأمريكية والبريطانية للعراق وإسقاط صدام حسين قبل عدة سنوات.. تحقيقا للمخطط الصهيونى الأمريكى الذى استهدف تدمير الجيش العراقى وتفتيت العراق إلى ثلاث دويلات وإخراج القوة العسكرية العراقية من المعادلة العربية ومن ثم إحداث خلل فى ميزان القوى الاستراتيجى فى المنطقة لصالح إسرائيل. غير أنه تبقى ضرورة الإشارة إلى أن غيبة الرؤية الاستراتيجية لصدام حسين الذى أهدر موارد العراق وقدراته فى حرب طالت لثمانية أعوام مع إيران ثم إقدامه بعد ذلك بغباء سياسى وقومى على غزو الكويت عام 1990 وعلى النحو الذى أصاب الأمن القومى العربى فى مقتل.. تبقى الإشارة إلى أن ذلك كان من تداعياته ليس ما يواجهه العراق الآن من خطر الانشطار إلى ثلاث دويلات فحسب بل أيضًا ما تواجهه المنطقة العربية كلها الآن من خطر التدمير الذى صار العرب بسببه مهددين بالخروج من التاريخ الحديث ولعقود مقبلة. *** ولذا ورغم كل مايمكن ان يُقال عن نبل وصدق ما سميت بثورات الربيع العربى والتى انطلقت شرارتها الأولى من تونس ثم مصر ثم امتدت إلى ليبيا وسوريا واليمن؛ فإنها ليست مصادفة أن تندلع فى وقت واحد. ثم إنها ليست مصادفة أيضًا أن تفشل تلك الثورات فى تحقيق أهدافها حتى الآن، بل على العكس تمامًا فقد أسفرت عن فوضى سياسية وانفلات أمنى واحتراب أهلى يهدد بتقسيم دول تلك الثورات وهو تقسيم بدت بوادره فعليًا على الأرض. وكانت مصر وثورتها هى الاستثناء إذ نجت مما أصاب غيرها لأن لديها جيشًا وطنيًا قويًا متماسكًا هو الأقوى فى المنطقة.حافظ على سلامة الشعب وأمن الوطن ووحدة أراضيه وبقاء مؤسسات الدولة، وبه احتفظت مصر بميزة نسبية من غير الممكن إغفالها.. مقارنة ببقية دول الربيع العربى. ولعله لم يعد خافيًا أيضًا أن اندلاع ثورات الربيع العربى فى توقيت واحد لم يكن بمعزل عن أصابع وأطراف خارجية دولية وإقليمية.. أسهمت فى إشعالها.. مستغلة فى ذلك غضبه الشعوب ضد أنظمة حكم طال بقاؤها فى السلطة لعقود، ولم يكن الهدف صالح الشعوب ولا الديمقراطية وإنما إشاعة الفوضى والتشرذم على أسنة الاحتراب الأهلى الطائفى وهو السيناريو الذى يجرى تنفيذه حرفيًا حسبما يتّبدَّى فى المشهد العربى حاليًا. *** وإذا كان مما يثير الأسى أن يجرى استخدام ما يسمى بالإسلام السياسى فى هذه المؤامرة وأن يكون آلية تدمير المنطقة، فإنه ووفقًا لما هو معلوم بالضرورة من الثقافة العربية الإسلامية كان وسيظل العزف على وتر الدين واشعال الصراع الطائفى والمذهبى والعرقى هو المدخل الوحيد لاختراق الشعوب العربية وأوطانها، وذلك هو مكمن الخطر وتلك هى الخسة بعينها فى هذا المخطط الخبيث. وإذا كان ما حدث فى العراق مع الظهور المفاجئ لذلك التنظيم الإرهابى المسلح المسمى دولة الإسلام فى العراق والشام «داعش» والذى تمكن أمام انسحاب مريب وغير مبرر للجيش العراقى من الاستيلاء على أجزاء كبيرة.. شمالًا وغربًا وفصلها عن الدولة الأم بعد أن ارتكب ومازال مذابح بربرية لا تقل فى بشاعتها عن مذابح التتار، ثم اجتراء زعيمه أبو بكر البغدادى على إعلان دولة الخلافة وتنصيب نفسه خليفة للمسلمين.. إذا كان ما حدث قد بدا للبعض ذروة «التراجيديا» فى المؤامرة، فإن الحقيقة أنه البداية المؤلمة لمخطط لم ينته تحقيقه بعد. حقيقة الأمر أن القضية ليست «داعش» فى العراق والشام فحسب، إذ أن «داعش» جزء لا يتجزأ من مخطط استخدام ما يسمى بتيار الإسلام السياسى بكافة فصائله وجماعاته الإرهابية فى المنطقة على امتدادها،إذ ليس سرًا أن ما يجمعها فكر واحد وهدف واحد تسعى لتحقيقه.. مستخدمة فى سبيله الإرهاب والقتل بل أيضًا التآمر والتخابر والتعاون مع أعداء الأمة العربية.. للوصول إلى السلطة.. سندها فى ذلك أن الغاية تبرر الوسيلة.. بئس الغاية وبئس الوسيلة. *** إن «داعش» وما ترتكبه من جرائم فى العراق وما يجرى فى سوريا وليبيا بل فى اليمن أيضًا لم يكن بمعزل عما جرى فى مصر بل كان رد فعل عنيفًا وسريعًا لإقصاء جماعة الإخوان الإرهابية عن السلطة وتقليم أظافرها وضرب تنظيماتها فى الصميم وتقديم قادتها ومعهم الرئيس المعزول محمد مرسى للمحاكمة. ولقد كان افشال مخطط جماعة الإخوان الإرهابية لإقامة الإمارة الإسلامية المصرية لتكون ضمن ولايات الخلافة المزعومة.. كان ضربة موجعة وقاضية لمخططات جماعات الإرهاب فى المنطقة والتى خرجت كلها من عباءة الإخوان وهو الأمر الذى دفع التنظيم الدولى دفعًا إلى تسريع وتنشيط تحركاته.. انتقامًا لما تعرض له فى مصر وتعويضًا لضرب المخطط. لكن إفشال المخطط الإخوانى فى مصر لا يعنى بالضرورة أنها باتت فى مأمن مما يجرى حولها فى المنطقة، إذ أنها لا تزال تواجه بالفعل وكما حذر الرئيس حربًا فى الخارج والداخل. الأمر الآخر هو أن بقية الدول العربية ليست بمنأى عن الخطر الذى تواجهه فى لبنان حاليًا ويقترب من الأردن، وقبل ذلك السودان الذى انفصل جنوبه عن شماله ومازال مهددًا بمزيد من التقسيم؛ وقبل ذلك كان الصومال الذى تفتت وانهارت دولته، ولن تكون دول الخليج العربية بمنأى أيضًا عن الخطر حتى وإن بدا بعيدًا نسبيًا، ولا يخرج عن هذا السياق ما يجرى فى فلسطين من حرب إسرائيلية إرهابية على قطاع غزة. *** إن الخريطة العربية تتمزق.. والأوطان تتجزأ والحدود الجديدة يجرى ترسيمها والمؤامرة يجرى تنفيذها على قدم وساق بأيادى جماعات الإرهاب تحت لافتة الإسلام وبدعم دولى.. صهيونيًا وأمريكيًا وإقليميًا بدعم من تركيا أردوغان و عربيًا بتمويل من حكام قطر سعيًا لدور اقليمى مزعوم لن يكون أكثر من مهمة سوف تنتهى بسقوط هؤلاء الحكام. *** إن هواجس التدمير والتقسيم باتت تخيم على الأقطار العربية بديلًا عن أحلام شعوبها فى وحدة لم تتحقق.