رغم أنني عروبي الفكر، وحدوي الهوي، إلا أن «مصريتي» تتغلب الآن علي ماعداها.. ودمعتي سريعة للغاية، أمام من يمس هذه المصرية، ومستعد أن أحمل السلاح من جديد، رغم أنني اقترب الآن من الثمانين، إذا مس أي إنسان «هذه المصرية» ولو برمش العين.. فمصر هي الأول.. وهي الأخير.. فيها المولد.. وإلي أرضها نعود.. من هنا فإنني أخشي أن تتغلب «عواطفنا العروبية» علي «واقعنا المصري» وتأخذنا النخوة العربية المتأصلة فينا إلي سياسات تساعد الدول التي تعيش مأزق التمزق والتشتت في العراقوسوريا وليبيا.. كما تم «سحبنا غدراً» إلي اليمن بدعوي دعم ثورتها.. فبدأت مساعدتنا لليمن بكتيبة حماية قيادة الثورة هناك إلي أن تجاوز عدد قوات الجيش المصري هناك رقم 50 ألف جندي وضابط وكانت «حرب اليمن» بداية هزيمتنا في يونية 67.. إذ لم نكن نعرف من نواجه هناك.. وهل نواجه قوات الإمام البدر.. أم القوات المساعدة لها- من خارج اليمن- أم نحارب قوات القبائل.. الطامعة في ذهب مصر وخيراتها.. وبالفعل: لا أحد يعرف من يقاتل من في سورياوالعراق وليبيا.. وهل هي قوات محلية داخلية.. أم هناك مخطط رهيب استعماري حديث تتولي تنفيذه قوي إقليمية في قطروتركياوإيران.. وبالطبع مع إسرائيل والراعية الكبري أمريكا.. وكما كان عدم معرفة من نحارب في اليمن سببا في كارثة جيش مصر هناك فإن عدم معرفة من يحارب من في العراق وسوري وليبيا يمكن أن يؤدي بنا- إذا تدخلنا في الحروب المشتعلة هناك- إلي تدمير «الوطن المصري نفسه».. وهذا هو الهدف الاسمي لهذا المخطط.. وكأن التاريخ يعيد نفسه.. إذ عندما وجدت أوروبا المسيحية أن مصر وقوة مصر هي التي تتصدي للمخطط الصليبي للسيطرة علي كل دول شرق البحر المتوسط: الشام ولبنان وفلسطين والعراق.. وكان جيش مصر هو الوحيد في المنطقة القادر علي التصدي لهم.. هنا اتفقت أوروبا المسيحية كلها علي ضرب مصر نفسها ليسهل لهم السيطرة علي الشرق الإسلامي كله.. فكان أن ركزت هذه الدول كل جهودها لضرب مصر وتدميرها بتوجيه الحملات الصليبية نفسها إلي مصر وتركزت في عدة حملات أبرزها حملة جان دي بريين عام 1219م ثم حملة لويس التاسع عام 1249م. هنا يجيء الآن الدور علي مصر لتحطيمها.. إذ بعد أن تم تدمير العراق وتمزيق جيشها عام 2003 لم ترفع العراق رأسها حتي الآن.. وها هي قوات داعش تزحف وتحتل كل شمال العراق وفيه ثاني أكبر مدنها وهي الموصل ثم تكريت وتخطط للزحف إلي بغداد نفسها لتنهي الدولة العراقية أو ما بقي من اسمها!! والمؤلم أن إيران «الشيعية» تستعد وتعلن استعدادها لمساعدة العراق، في التصدي لهذا الزحف من داعش وسبحان مغير الأحوال!! وبعد أن كان جيش العراق يحمي حدود بلاد العرب الشرقية من الخطر الشيعي الإيراني الفارسي.. ورغم أن جيش العراق كان يتحرك من منطلق أنه يحمي دول الخليج والسعودية من هذا الخطر الشيعي، ضد الخليج والسعودية وكلها- أو أغلبها سني المذهب- ها هي دول الخليج والسعودية تهددها الأحلام الشيعية الفارسية الإيرانية. فهل يتحرك جيش مصر ليساهم في إنقاذ العراق.. وشعب العراق.. تماماً مثل ما يجري في سوريا الحبيبة والشقيقة، رفيقة كل معارك التصدي لمطامع الغرب المسيحي، من أيام الأحلام الصليبية.. ثم أيام الصراع الصهيوني وحرب أكتوبر.. ها هي سوريا العزيزة تم تدميها وتمزيق جيشها.. وتتحارب علي أرضها قوي عديدة منها قوة قزمية ولكنها تتحرك بقوة أموالها هي دويلة قطر، التي أنفقت حتي الآن 3000 مليون دولار «يعني 3 مليارات» لتسليح إحدي القوي المتصارعة هناك.. وللأسف تتلمظ تركيا ربما لتلتهم مساحات أخري من الأرض السورية، بعد أن التهمت كل أراضي لواء الإسكندرونة عام 1938 وضمته إليها بمؤامرة فرنسية- إنجليزية- أمريكية ضد سوريا.. فهل يتحرك جيش مصر ليساهم في إنقاذ سوريا وشعب سوريا، وهي أحق من العراق؟! وهل تدخلنا لمساعدة سورياوالعراق «الآن» في مصلحة الشعبين.. رغم أن قيادة البلدين هم المجرمون الأساسيون فيما يجري هناك.. تماماً مثل ما يجري في ليبيا وهي جارنا الغربي، وتأتينا عبره الآن مخاطر رهيبة، بل قد يكون هناك من يعد العدة للانقضاض علي مصر من ليبيا.. وهي أيضا، مثل العراقوسوريا، مهددة بخطر التقسيم لتصبح مصر محاصرة من جميع الجبهات بمن يعمل علي إسقاط مصر.. أخشي أن يستغل البعض استراتيجية مصر في الأمن القومي العربي ويدفعوها دفعاً إلي إرسال قواتها إلي هذه الدول بدعوي أننا نفعل ذلك «لحماية مصر نفسها». فهذه كلمات حق يراد بها باطل.. وأرجو الا تندفع مصر الآن- دفاعاً عن هذه الشعوب العربية- في معارك عسكرية تستنفد ما بقي من القوة المصرية في أي حروب خارج مصر، في هذه الدول العربية الثلاث وغيرها.. انني أحذر من سقوط مصر في هذا المستنقع القذر الآن.. لأن الهدف هو تدمير مصر.. ليسهل سيطرة الحالمين علي باقي الوطن العربي.. وليس الآن.. وهذا ليس هروبا من قدر مصر التاريخي تجاه المنطقة كلها.