من المستفيد مما يحدث من إرهاب وترويع للآمنين وقتل الأبرياء المسالمين؟ من الذى يدفع الأمور إلى التصعيد الخطير وإلى هذا المستنقع الأسوأ فى تاريخنا؟ وما هى أهداف المتآمرين على أمن مصر ووحدتها ومستقبلها؟ وما هى الخسائر الناجمة عن كل هذه الأحداث الدموية.. خاصة بعد أن بدأت البلاد تلتقط أنفاسها وتعود الحيوية إلى البورصة والروح إلى السياحة ونسير نحو الاستقرار؟ أسئلة كثيرة يطرحها الحادث الإرهابى الذى وقع فى المنصورة.. وهو حادث مرفوض ومدان بكل المقاييس.. أياً كان هدفه ومصدره ومموله ومنفذه. وفى ذات الوقت فإننا نرفض وندين وبشده كل دعوات الاحتراب الداخلى وإشعال نيران فتنة طائفية لا تبقى ولا تذر. فقبل حادث المنصورة الإرهابى بساعات انطلقت دعوة إلى إشعال فتيل الحرب الأهلية لمواجهة العنف بالعنف والدم بالدم فى الشارع المصرى المشتعل أصلاً.. وكأنها محاولة لصب الزيت على النار والمساهمة فى هدم وتخريب الديار التى كانت آمنه مطمئنة.. كما ورد فى كتاب الله الكريم (ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين). إن هذه الدعوة الخبيثة لا تصب فى مصلحة مصر ولا تساهم فى تهدئة الأوضاع واستعادة الأمور الطبيعية فى البلاد.. بل تخدم أعداء الوطن وتدمر فرص الاستقرار والنمو الاقتصادى. ولا نبالغ عندما نقول: إن ما يحدث على أرض مصر يصب فى صالح إسرائيل وأعداء الأمة العربية والإسلامية.. فهم أسعد الناس بهذه المشاهد والتطورات الدموية الخطيرة المتصاعدة والمتلاحقة. وهم أصحاب مصلحة حقيقية فى تدمير الدول العربية والإسلامية من إندونيسيا (حيث تم فصل تيمور الشرقية) إلى أفغانستانوالعراق وسوريا والسودان (حيث جرى فصل الجنوب فى إطار استراتيجية تآمرية متكاملة) هدفها فى نهاية المطاف مصر.. الجائزة الكبرى. *** هؤلاء الأعداء هم الذين صنعوا القاعدة وتعاونوا معها وجعلوها أداة لمواجهة الغزو السوفييتى لأفغانستان.. وللأسف الشديد ساهمت دول عربية وإسلامية عديدة فى تلك الصناعة المبرمجة.. ثم انقلبت القاعدة عليهم.. وتحولت أفغانستان إلى مركز تفريخ دولى لجماعات العنف والإرهاب.. وانقلب السحر على الساحر.. ولم يستطع حواة الغرب والشرق السيطرة على ثعابين العنف المسلح التى انتشرت وانطلقت إلى كافة بقاع الأرض. ثم اتسعت الدائرة إلى العراق الذى غزاه الأمريكيون.. ليس لإسقاط صدام أو كشف أسلحة الدمار الوهمية.. ولكن لتدمير العراق (بوابة العرب الشرقية ورابع أقوى جيش فى العالم آنذاك) وغرس الغزاه بذور الانقسام والتقسيم المذهبى والعرقى والطائفى فى واحدة من أغنى بلاد العرب بالبشر والثروات الطبيعية. واستمرت آلة التخريب الغربية تدمر الدول العربية والإسلامية بلداً بلداً.. حتى جاء الدور على أرض الكنانة. نعم مصر هى الهدف الأساسى والاستراتيجى لكل هؤلاء المتآمرين.. فهم يمولون تلك الجماعات ولو بصورة غير مباشرة.. سواء عن طريق المخدرات أو السلاح أو تسهيل المرور أو حتى توفير المعلومات عن الأهداف المطلوب ضربها. وقد لا يكون هناك اتصال أو تنسيق مباشر بين جماعات الإرهاب وبين أعداء الأمة العربية والإسلامية ولكن هناك توافق فى الوصول إلى أهداف تكتيكية مرحلية لكلا الطرفين.. وكلاهما يلعب على عنصر الوقت.. وكسب المواقع على الأرض.. وليس بالكلام والإعلام الأجوف المضلل. ويمكن لبعض دول الجوار أن تغض النظر عن تهريب السلاح أو تسهيل مرور هؤلاء المسلحين عبر الحدود بهدف إضعاف مصر.. وإثارة حالة من الفوضى المدمرة المبرمجة. نعم إن هؤلاء الأعداء لا يريدون إسقاط مصر بصورة كاملة ونهائية لأن ذلك ليس فى مصلحتهم.. فمصر هى رمانة الميزان بالمنطقة.. ولكنهم يعملون بكل قوة على إضعافها كمرحلة أولى.. ثم تقسيمها كمرحلة ثانية.. هكذا يخططون ويتآمرون.. ويحلمون.. وسوف تتهاوى مؤامراتهم بمشيئة الله. هذا المخطط الشيطانى يركز فى أهم أهدافه على إضعاف الجيش المصرى.. باعتباره العماد والأساس المتين لبناء الدولة المصرية.. بل هو الركيزة الأساسية الوحيدة لضمان بقائها واستمرارها وسط هذا المحيط المضطرب الهائج المائج. شرقاً وغرباً وجنوباً.. وحتى شمالاً.. رغم الساحل الطويل الذى قد نراه آمناً تماماً.. ولكن قوى الشر تعبث به فى ظلمات الليل. المخطط يستهدف إنهاك الجيش والشرطة بإدخالهما فى دوامة من المواجهات الدموية التى تستنزف قواهما بما ينعكس سلبًا على استقرار البلاد والعباد. الهدف الثانى لصناع الشر هو تقسيم أرض الكنانة. وهو مخطط معلن شاركت فى صياغته أجهزة مخابرات عديدة ومراكز أبحاث غربية وشرقية بل وتحدثت فيه مؤسسات وهيئات دولية وإقليمية عدة عندما أنشأوا قوات التدخل السريع فى أوروبا والناتو.. كان الهدف منها التدخل فى أفريقيا.. وتحديدًا شمالها المضطرب.. بل وفى قلب القارة السمراء التى تشهد حالات كثيرة من تدخل جيوش الغرب فيها.. كل حسب تقسيمه الاستعمارى السابق.. مثل البلطجية الذين يوزعون على أنفسهم مناطق النفوذ وغنائم البؤساء! فهذا نوع من البلطجة الدولية الرسمية المقننة! ويدخل فى إطار هذا المخطط الشيطانى تنفيذ خارطة الشرق الأوسط الجديد. والمتابع المدقق لهذا المشروع يدرك أنه ليس قالباً جامداً.. بل هو سريع التغير والتحول.. فبعد أن كانت إيران خارج الإطار.. بدأت تدخل فيه بقوة.. ليعود الغزل الفارسى الغربى.. بل والشرقى أيضًا. كما بدأت تركيا تخرج من إطار هذا المشروع.. ليس كقوة إقليمية كبرى.. ولكن كحكومة وتيار ايديولوجى مرفوض.. الآن.. بمعنى أن تركيا ستظل لاعبًا استراتيجيًا فى المنطقة بحكم ثقلها ونفوذها وقدراتها.. ولكنها ستعود فى إطار المشروع الشرق أوسطى الجديد.. بعد تغيير التركيبة السياسية الحاكمة هناك. وهذا ما يجرى على قدم وساق.. بصورة لم يتصورها أردوغان ورفاقه! *** ويجب أن يدرك مجرمو الإرهاب ودعاة الفتنة الطائفية والاحتراب الأهلى أنهم يلعبون بالنار التى سوف تحرقهم عاجلاً وليس آجلاً. فلم تكد السياحة تصحو من غفوتها وتعود إليها بعض العافية.. وتضع أقدامها على بداية ثورة التصحيح.. حتى وقع حادث المنصورة المشين والخطير.. وقبله من أطلقوا دعوات المواجهة الدموية فى الشارع بين أطياف الشعب الواحد. إن دعاة الفتنة والاحتراب الأهلى لا يقلون خطراً عن منفذى العمليات الإرهابية ويجب أن يحاكموا جميعاً دون استثناء.. لأنهم يعملون ضد مصلحة مصر.. ناهيك عن مصالحهم الخاصة التى سوف تتضرر بشكل مباشر.. ولن يحققوا أهدافهم الاستثمارية و«الاستعمارية» معًا؟! كما أن الاستثمار الذى بدأت بشائره تصل من الشرق والغرب سوف يتردد كثيراً فى القدوم إلى أرض الكنانة وسط هذه المواجهات الدموية وذاك المحيط المضطرب. *** يبقى التساؤل الأهم: كيف نقضى على الإرهاب الأسود الذى يضرب بقوة وقسوة للأسف الشديد؟ بداية يجب أن تكون هناك استراتيجية متكاملة.. سياسية إعلامية ثقافية اجتماعية دينية.. «أمنية» شاملة.. وقد تعمدت وضع المحور (الأمنى) فى المؤخرة.. لأن هذه المشكلة أعمق وأخطر وأكثر تعقيداً من حلها أمنياً فقط. ولا يمكن للأمن فى أى مكان فى العالم أن يواجه مثل هذه الأوضاع الخطيرة وحده.. ودون تعاون سياسى حزبى ومجتمعى متكامل يشارك فيه الجميع دون استثناء.. عن قناعة ورغبة حقيقية.. والإيمان بأن أمن الوطن ينبع من أمن المواطن ذاته.. أقول هذا بصدق وإخلاص وخوف على مستقبل مصر التى أعشقها وأرجو أن تعود كما كانت.. فى خاطرى وعقلى وقلبى ووجدانى.. ندائى الأخير لجميع المصريين حافظوا على أرض الكنانة.. لا تحرقوا البيت الذى يؤويكم وليس لكم ملاذ سواه.. لا تهدموا هذا الكيان العظيم الذى نفخر به.. وسوف نظل نعتز به وندافع عنه بأرواحنا ودمائنا!