عندما يُحذر وزير الدفاع الفريق أول عبد الفتاح السيسى من انهيار الدولة المصرية بسبب الصراعات السياسية الطاحنة التى نشهدهاً حالياً.. فإن الرجل يدرك دلالات ما يقول وخلفياته وآثاره، فهو يتحدث من موقع المسئولية كوزير للدفاع لديه أجهزة متعددة ومراكز دراسات ومعلومات واسعة ودقيقة.. ترصد وتتابع وتحلل.. كما أن السيسى يطلق هذا التصريح من منطلق المسئولية الوطنية الكبرى التى تتحملها قواتنا المسلحة عبر التاريخ. ورغم بروز دور الجيش مرة أخرى بعد الأحداث الأخيرة فإننا على ثقة بأن قياداته لا تسعى لذلك ولا تريد تكرار التجربة السابقة - بحلوها ومرها وأخطائها وحسناتها - لأن قواتنا عليها واجبات أهم وأخطر.. يجب أن تتفرغ لها تماماً.. فنحن نعيش فى عالم الوحوش التى تتربص بنا فى الداخل والخارج.. منها من تسلل فعلاً.. ومنها من يتحين الفرصة للانقضاض على أرض الكنانة.. وهذا لن يحدث بمشيئة الله. وإذا شاهدنا مصر عبر الأقمار الصناعية التى ترصدها ليل نهار فسوف نكتشف المشهد الحالى من زاوية أخرى.. زاوية لم نعتد عليها.. لأننا منغمسون فى المشهد المأساوى الحالى.. فنحن جزء أصيل ودقيق منه، وقد لا يستطيع الكثيرون التحليق بعيداً وعالياً لالتقاط هذا المشهد عن بُعد. فلو خرجت من نطاق وسط البلد وبالتحديد خارج نطاق الكورنيش وميدان التحرير فسوف تجد مصر أخرى.. مختلفة.. تسير فيها الحياة بشكل طبيعى ومعتاد.. عدا الارتباكات المرورية وآثارها العملية والنفسية على المصريين جميعاً. وحتى فى مدن القناة الغاضبة بسبب الأحداث الأخيرة وأخطاء المعالجة السياسية والأمنية للموقف هناك.. فإن هذه المدن بدأت تعود إلى طبيعتها الأصيلة.. وسوف تهدأ رويداً رويداً، وسوف تزول العاصفة.. بل الزوبعة بعد أن يعلو صوت الحكمة والعقل.. على صوت الغضب والانفعال. إننا لا نبالغ عندما نقول إن مدن القناة كانت ومازالت وستظل هى الحصن الحصين للجسد المصرى.. بل إنها خط الدفاع الأقوى ضد مؤامرات المتآمرين وغدر الخائنين.. لقد أكد ذلك أهالى السويس وبورسعيد والإسماعيلية على مدار التاريخ القريب والبعيد، فهؤلاء أهلنا.. وأحبابنا وكم لنا من أهل وأقرباء وأصدقاء نثق فى حكمتهم ونعتز بمواقفهم النبيلة. وعندما نتابع المشهد المصرى من خارج كوكبنا.. ننتقل إلى بعض بؤر التوتر فى الإسكندرية أو المحافظات ونلاحظ أنها هامشية وبسيطة وغير مؤثرة وقد أعجبتنى تجربة الإسكندرية عندما أعاد أهالى كوم الدكة تشكيل لجان شعبية للدفاع عن مقر المحافظة فى وجه البلطجية والخارجين عن القانون، أهل كوم الدكة تكاتفوا مع الشرطة وأجهزة الأمن فى مشهد رائع ونادر.. نرجو أن يعود ويسود. أما الصعيد.. قلب مصر الأصيل فهو يعبر عن قمة الحكمة والتعقل والأصالة.. لا يتخذ مواقف انفعالية رغم ما يعانيه من إهمال ومشاكل مزمنة، صعيدنا ليس ككل صعيد فى دول العالم، بل إنه صعيد متميز بالحضارة والانتماء والتضحيات عبر التاريخ. إذاً فإن السؤال الذى يطرح نفسه هو: لماذا يصور الإعلام هذه المشاهد المتوترة أو الغاضبة على أنها سمة عامة تمثل كل مصر؟! الإعلام المضلل المتآمر يضخم المشهد أضعافاً مضاعفة.. عندما يرصد مظاهرة من زاوية أفقية وفى مواجهة الجماهير ويركز على الألعاب النارية والشماريخ والصواريخ التى يطلقها الشباب الغاضب أو العاطل عن العمل أو الرصاص الذى يطلقه البلطجية المأجورون. الإعلام الزائف يصور هؤلاء على أنهم ثوار وابطال، بل إن جانباً منه تجاوز كل حدود الحرية والمبادئ الصحفية عندما استضاف اثنين من (ميليشيات البلاك بوك) الإرهابية.. وقد اعترف هذان الشخصان بجرائم على الهواء.. ونحن نتوقع أن تكشف الساعات والأيام القليلة القادمة عن مفاجآت مدوية حول من يمولون ويخططون ويتآمرون ضد مصلحة الوطن وضد أنفسهم أيضاً. *** لذا فإن التساؤل الأهم والأخطر هو: ماذا يحدث لو انهارت مصر.. لا قدّر الله؟ بداية حتى لا نُتَّهم بالسوداوية والتشاؤم وسوء النوايا.. فإننا نقول ونثق فى الله تمام الثقة بأن هذا لن يحدث بمشيئته وإرادته جل وعلا ولكننا نقدمه كطرح افتراضى. على المستوى الداخلى - لو سقطت مصر لا قدر الله - فلن يكون هناك نظام ولا حكومة ولا معارضة.. لن يكون هناك شىء نتصارع عليه.. لا كرسى.. ولا دكة.. ولا حتى خشبة نتعلق بها فى محيط متلاطم الأمواج.. لن يتحدث أحد عن الدستور أو إقالة الحكومة أو عن الإخوان، لن يفرض أحد شروطه.. لأنه لن يوجد ما يستحق التصارع عليه. حتى المعارضة الرافضة على طول الخط والمبرمجة على إطلاق اللاءات والجاهزة والمتحفزة ضد النظام والإخوان والإسلاميين بشكل عام.. حتى هذه المعارضة لن تجد ما تتصارع عليه.. وسوف تنهار شروطها وأهدافها ووجودها ذاته.. إذا انهار الوطن لا قدر الله، حينئذ فلن ينفعكم الفرار والصراع ولا حتى المناورات والمؤامرات التى تدبرها قوى إقليمية مع المعارضة الداخلية. فعلى المستوى العربى.. تحولت بعض الدول التى تدّعى أنها شقيقة أو صديقة إلى أدوات هدم لمصر الدولة والكيان والتاريخ العريق. هذه الدويلات الهامشية سوف تتجرع كؤوس الانهيار إذا انهارت الدولة المصرية لا قدّر الله، فإذا كان عداؤها للإخوان أو الإسلاميين يعميها عن رؤية الحق والحقيقة.. فإننا نقول لهؤلاء المتآمرين، إن خطر الانهيار لن يكون بعيداً عنكم إذا انهارت مصر لا قدّر الله. وهذه اللعبة الخطرة (معاداة شعب مصر وتدميره كرها للإخوان) سوف تنقلب عليكم شئتم أم أبيتم. صحيح أننا نريد الخير لكل الأمة العربية والإسلامية.. دون استثناء أو إقصاء.. ولكن بعض مسئوليها مطالبون بأن يدركوا خطورة المؤامرات التى يحيكونها ضد أرض الكنانة.. لأنهم فى نهاية المطاف - وربما قبل ذلك - سوف يدفعون الثمن غالياً إذا انهارت مصر لا قدّر الله. لن يجدوا النصير الأول فى كل الحروب والأزمات.. ولن يجدوا مثل هذه العقول المفكرة والسواعد الطاهرة التى بنت وشيَّدت العمران فى كل أنحاء العالم العربى. نحن لا نبالغ عندما نتصور المشهد المستقبلى إذا انهارت الدولة المصرية لا قدّر الله.. عندما نقول إن التمزق والتقسيم سوف يسودان المنطقة.. وإذا كنا قد شهدنا بوادره وبداياته فى السودان الشقيقة.. بكل المرارة والحسرة والألم.. فإن هذا المشهد يمكن أن يتكرر فى كثير من دول المنطقة.. حتى تتحول إلى فتات يسهل ابتلاعه. انهيار مصر لا قدّر الله.. يمكن أن يجر المنطقة إلى موجة عارمة من التطرف والإرهاب غير المسبوق.. حتى إننا قد نعتبر المعارضة الإسلامية الحالية نماذج مثالية كان يجب علينا الحفاظ عليها ودعمها.. فالانهيار سوف يؤدى إلى أن تسود شريعة الغاب وتنتشر. وبغض النظر عن المسميات (القاعدة أو غيرها) فإن موجة عارمة من الفكر المتطرف.. بل الجماعات المسلحة سوف تنتشر فى المنطقة.. حتى فى تلك الدول التى تعتبر نفسها محصنة بالغرب أو بالمال.. أو حتى تلك الغارقة فى الملذات والشهوات. لن يترك الانهيار أحداً.. إذا انهارت مصر لا قدّر الله.. ولا نبالغ إذا قلنا إن مصر المستقرة الآمنة هى صمام الأمان الأول والأهم - من أمريكا والغرب وإسرائيل - بالنسبة للأشقاء فى الخليج.. وحتى فى المحيط القريب (السودان وليبيا والمغرب العربى). ومثلما حملت مصر راية التحرر والتنوير إلى أنحاء العالم عبر العصور.. فإن الانهيار الذى لن يحدث بمشيئة الله.. سوف ينقلب على الجميع. الانهيار سوف تنتقل عدواه سريعاً إلى الأعداء.. حتى إسرائيل التى تعتبر مصر عدوها الاستراتيجى الأول.. ليس من مصلحتها انهيار مصر لأنها سوف تغرق فى محيط متلاطم الأمواج وحركات وجماعات جديدة سوف تبرز وتكون أشد عنفاً ومقاومة للاحتلال.. سوف تتحول إسرائيل إلى قارب صغير وسط هذا المحيط المتلاطم، وهذا القارب لن يصمد طويلاً ولن يعمّر كثيراً.. رغم كل الضمانات والترسانات.. وأجهزة المخابرات. نعم إسرائيل سوف تكون الخاسر الأول والأكبر إذا انهارت مصر، ولكن هل يعنى هذا أن إسرائيل حريصة على استقرارنا وأمننا؟! الحقيقة المؤكدة عكس ذلك تماماً، ولكنها لا تريد أن نستقر ثم ننطلق ولا تريدنا أن نغرق تماماً!! يريدون مصر محفوظة عند درجة معينة بين الحياة المتوترة المضطربة وعدم الانهيار التام، فلا نبلغ أهدافنا.. ولا نحطم خططهم، بل إنهم يريدون احتواء أى نظام عربى أو إسلامى وتطويعه بكل الطرق الخبيثة فى إطار استراتيجياتهم. ولا نبالغ عندما نقول إن مصر هى محور الأمن والاستقرار فى العالم بأسره.. هذه ليست مجاملة ولا مبالغة.. ولكنها حقيقة يدركها كافة الساسة والمحللين وأجهزة المخابرات.. كما يعلمها كل الأعداء والأصدقاء. انهيار مصر - لا قدّر الله - يعنى ضرب حركة التجارة العالمية فى مقتل.. خاصة محور قناة السويس الذى يُعد الشريان الحيوى لكل القوى التجارية والعسكرية أيضاً! انهيار مصر - لا قدّر الله - يعنى ضرب إمدادات النفط وقطع العلاقة الاستراتيجية بين دول وتكتلات عديدة.. بل إنه سيربك كل الحسابات الاقتصادية والتجارية والمصرفية لكل الأطراف.. وربما ينعكس على نمو الاقتصاد العالمى الذى يعانى من أزمات مزمنة وحادة.. وينتظر لحظة الانفجار. *** لسنا سوداويين كما بدأنا هذا المقال.. ولكننا نناقش كل الاحتمالات بما فيها الأسوأ، ونطلق جرس إنذار شديد اللهجة لجميع الأطراف بما فيها النظام والمعارضة والأشقاء والأصدقاء - وحتى الأعداء - بأن أمن العالم واستقراره وسلامته.. يبدأ وينتهى من أرض الكنانة المحفوظة بإرادة الله.. رغم كيد الكائدين ومؤامرات المتآمرين.