دعانى أبنائى من اتحاد شباب الثورة لحضور مؤتمر شاركت فيه أغلب الأحزاب والحركات والقوى السياسية والائتلافات.. وجمع ممثلى ميدانى التحرير والعباسية. وكم كانت سعادتى غامره بمشهد توحد المصريين.. فى كل الميادين.. فما يجمعنا أكثر كثيرًا مما يفرقنا.. وما يفرقنا هُم الأعداء والخبثاء (من الداخل والخارج) الذين حاولوا إفشال المبادرة الحميدة التى نحن أحوج إليها الآن. ومن مشاهد وحدة المصريين.. ما حدث فى ميدان التحرير ليلة رأس السنة من احتفال المصريين جميعا والإخوه الأقباط لأول مرة فى تاريخهم. وهناك مشهد آخر غير مسبوق.. لم يركز عليه الإعلام المحلى والدولى الذى لا يهتم سوى بالفضائح والمصائب. حدث أيضًا ليلة رأس السنة عندما كان المسلمون البسطاء والعاديون يشاركون فى حماية كنائس مصر كافة.. ليقدموا للعالم كله نموذجًا رائعًا فى التعايش والوئام والسلام. هذه المشاهد الثلاثة تعكس روح مصر وهويتها المتفردة والأصيلة معًا.. هذه الروح وتلك الهوية التى تم تغيبها عمدًا على مدى عقود طويلة بدءًا من حملة نابليون قبل نحو قرنين من الزمان. هذه الحملة كانت نقطة تحول فى تاريخنا الحديث. فلم يكن هدفها احتلال الأرض فقط.. بل غزو العقول والقلوب ومحاولة انتزاع أرض الكنانة من تاريخها ومحيطها وحضارتها. فكان نابليون رأس حربه الغزو الثقافة الغربى التى انطلقت ضد بلاد إسلامية عديدة.. خاصة فى المغرب العربى والشام.. وتركت آثارها المقيتة والخبيثة حتى الآن.. للأسف الشديد. حتى أننا نرى كثيرًا من أخواننا فى المغرب العربى يتحدثون الفرنسية بطلاقة ويكاد بعضهم ينسى العربية. ضياع الهوية المصرية استمر مع غزوات المستعمرين.. خاصة الإنجليز الذين ركزوا على إحياء مشروعهم الثقافى فى مواجهة حضارة عربية إسلامية راسخة ومتجذره. واستمر الصراع بين الحضارتين.. (يعلو ويخبو) (يحتد ويتراجع). وحتى نعيد الأمور إلى أصولها.. يجب أن نشير إلى أن هذا الصراع بدأ منذ البعثة المحمدية.. وسوف يستمر إلى يوم الدين.. هذا قدر محتوم: ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?چ صدق الله العظيم وما الحروب الصليبية إلا حلقات فى هذا المسلسل الطويل من الصراع بين الحضارات.. وهنا نقول إن نظرية صدام الحضارات ل «صامويل هنتنجتون» ما هى إلا تكريس لواقع قديم.. متجدد. ورغم قسوتها.. إلا أنها مشهودة على أرض الواقع.. بل لا نبالغ إذا قلنا إننا على أبواب مواجهة غربية إسلامية أشمل.. تبدو بوادرها فى إيران وأفغانستان وسوريا وتركيا وفلسطين. وما نحن عنها بغائبين؟! هذه المواجهات السابقة والحالية واللاحقة.. تأتى ضمن مخطط استراتيجى غربى للسيطرة على ثروات وخيرات العالمين العربى والإسلامى.. والأديان منها براء.. وأنبياء الله أبعد ما يكونون عنها.. ولكننا نتعامل معها سياسيًا واقتصاديًا وعسكرياً كأمر واقع.. مفروض.. ومرفوض أيضًا. وللأسف الشديد شهدنا حكومات وقيادات عميلة - عديدة - على مستوى العالم الإسلامى.. تمالىء الغرب وتتودد إليه.. بل تنفذ مخططاته ومؤامراته بأياد تدعى الوطنية وتتغنى كذبا وزورا وبهتانا بالانتماء والولاء لحضارتنا وعقيدتنا. هذه الحكومات العميلة كان لها دور خطير فى تسليم أغلب هذه البلاد للغرب. وكانت هناك «دول مفروشة» تسليم مفتاح «فى وقت لا يجد فيه شبابنا الثائر غرفة» بلا باب من أجل الزواج! نعم سلّمت هذه الحكومات والتيارات العميلة أوطاننا على أطباق من الألماس - وليس الذهب - لقوى الغرب الاستعمارية.. وتولت عنها وكالة الاستعمار الغربى.. فراحت تدمر ثقافتها وحضارتها وتاريخها. لذا أغدق عليها الغرب بالمساعدات والهبات المحسوبة بدقة.. حتى نحيا ولا نموت.. نعيش فى درجة معينة يسيطرون خلالها علينا ويستنزفون مواردنا ويدمرون أغلى ثرواتنا (أبنائنا). لذا شاهدنا حملات التبشير ونشر الأفكار والأيديولوجيات والفلسفات الفاسدة المنحرفة التى استهدفت تخريب العقول وإفساد القلوب وانتزاع الروح العربية الإسلامية الأصيلة. شاهدنا جامعات وبعثات من كل حدب وصوب. الكل يجتهد.. وكأنه فى حالة حرب!! الكل يسعى لاقتناص الكعكة والهدف هو تخريب مصر.. وتفتيت هويتها وحضارتها، وأصبحنا نشهد طوائف وشرائح من المجتمع لا تتكلم إلا باللغات الأجنبية وتعتبر ذلك دليلا على التحضر والتفوق..بل وسيلة للرقى فى الوظائف واقتناص المناصب الرفيعة التى أصبحت حكرا لأبناء الطبقة الحاكمة ومن تحالف معها.. حتى أن البؤساء من هذا الشعب لا يجدون الفتات. أناس يحصدون الملايين.. وآخرون لايجدون الملاليم! قمة الظلم والاستبداد. عملية انتزاع مصر من هويتها وحضارتها شملت التعليم الذى تم تحريفه واجتزاؤه بل وحذف نصوص قرآنية وأحاديث نبوية من المناهج حتى تتواءم مع عصر العولمة. وفق تعليمات الحكومة «الخفية» التى كانت تحكم مصر. نعم حكومة خفية لأن الحكومة الحقيقية لم تكن تظهر على مسرح الأحداث.. وما كنا نراهم .. كانوا مجرد كومبارس يؤدون أدوارا محددة.. مقابل إطلاق أياديهم فى الفساد والنهب والسلب.. دون حسيب أو رقيب! وأشعل هؤلاء العملاء المتغربون والمتأمركون نيران فتن كثيرةخلال عام الثورة الأول.. فتنة الأقباط والمسلمين.. وفتنة الإسلاميين والليبراليين.. وفتنة فى سيناء.. وأخرى فى النوبة. هذه التقسيمات المبرمجة والمتعمدة.. هدفها طمس هوية مصر وتغييب روحها الأصيلة.. قبل تمزيق أرض الكنانة.. جغرافيا. وهذا هو الأخطر. فضمان بقاء الكيان المصرى واستمراره وحيويته تكمن فى مشروعه الحضارى.. فى هذا النسيج المتناغم والمتماسك الذى سوف تتحطم عليه كل محاولات الطمس والغزو والاحتلال الثقافى الحضارى. نعم لقد نجح دعاة التغريب والتغييب الحضارى فى إفساد روح فئة قليلة من مجتمعنا.. فئة ضلت وأضلت.. وتعاونت مع هؤلاء عمدا أو جهلا. ولكن كل العملاء لم ولن ينجحوا فى التأثير على الأغلبية الساحقة من الشعب المصرى الذى ظل محتفظاً بروحه الأصيلة وحضارته العريقة.. رغم كل موجات الغزو والاحتلال. لذا فإن أولى خطوات استعادة الهوية المصرية تتمثل فى العودة إلى أصولنا الحضارية والثقافية والعقائدية.. وهذا ليس عيبا.. ففى الغرب والشرق مازالو متمسكين وحريصين على أصولهم وهوياتهم الحضارية والثقافية.. وهذا حقهم بل إنهم يفرضون على الأقليات والجاليات المقيمة لديهم الاندماج فى هذا الوعاء الحضارى والثقافى والقانونى..ويجعلون هذا الاندماج القسرى شرطاً من شروط البقاء فى هذه البلاد. قمة الديكتاتورية فى بلاد تدعى الديمقراطية !! ولعلنا نستذكر بعض التصريحات الأمريكية التى تلوح بورقة المساعدات كوسيلة للضغط وتهدد بقطعها.ثم يتطاول أحدهم فيشترط اعتراف أى نظام قادم بإتفاقية كامب ديفيد كشرط لاستمرار المساعدات هكذا يفكرون ويخططون ويحاربون مصر. نعم هى حرب مفتوحة.يجب أن نستعد لها بكل الامكانات.. إذا فرضت علينا.. ولكننا لا نسعى اليها. وأضافة إلى استعادة جذورنا الحضارية والثقافية يجب أن تستعيد سمات الشخصية المصرية.. الوسطية السمحة الودودة.. المحبة للسلام والتعايش بين البشر.. هذا هو مشروعنا الحضارى الذى تجلى فى ميدان التحرير.. وفى كل أنحاء مصر وتجاهلة رعاة البقر الذين يدعون حماية حقوق الإنسان!