في خضم حالة الجدل والشد والجذب بين كافة القوي والتيارات السياسية تبرز علي السطح قضية تفتيت العالم الاسلامي - وفي القلب منه الوطن العربي - وهذا ما جعل المفكر الاسلامي فهمي هويدي يطلق تحذيراته مؤخرا من مخطط صهيوني لتقسيم سوريا والعراق. وهذه التحذيرات ليست الوحيدة فقد سبق وطالب الدكتور أحمد الطيب. شيخ الجامع الأزهر. بالحذر من محاولات تفتيت دول العالم الاسلامي والعبث بكياناتها ووحدتها السياسية لصالح استراتيجيات القوي الكبري. كما أكد رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوجان وجود مخططات لتقسيم الأمة الإسلامية الي دويلات قزمية متناحرة. لا شك أن الذي يؤكد وجود هذه المخططات ليس فقط ما تنشره مراكز أبحاث استراتيجية وصحافة غربية مهمة ولكن أيضا الوقائع التي تحدث علي أرض الواقع وربما يصب في هذا الاتجاه ما كشفه الدكتور محمد عمارة عن وجود مخطط غربي لتفتيت العالم الإسلامي الذي قسم إلي 56 دولة. والعبث بحدوده ودوله المركزية لإضافة 32 دولة أخري. من خلال تقسيم مصر إلي ثلاث دويلات والعراق إلي خمس دول وسوريا وغيرها من الدول الإسلامية حتي تصبح دويلات صغيرة. وأوضح أن الاستعمار بدأ تفتيت العالم الإسلامي باتفاقية سايكس بيكو 1916م. التي كان تنفيذها المقدمة لإسقاط الخلافة الإسلامية 1924م. وإزالة رمز الوحدة الذي ظل قائما منذ ظهور الإسلام وحتي ذلك التاريخ. مؤكدا أن سقوط الخلافة الإسلامية أدي الي تبعثر العالم الإسلامي إلي كيانات قطرية هزيلة. يقترب عددها من الستين. وقال: إن قيام الكيان الصهيوني في قلب العالم العربي 1948م. فتح الباب لمرحة أكبر وأخطر. في تفتيت عالم الإسلام. مبينا أن المستشرق الصهيوني برنارد لويس. دعا منذ قيام إسرائيل إلي إعادة تفتيت بلاد المسلمين. علي أسس دينية وعرقية ومذهبية. وذلك بإضافة أكثر من ثلاثين كيانا سياسيا جديدا. حتي يقترب عالم الإسلام إلي تسعين كيانا وذلك لضمان أمن إسرائيل. واعتبر الدكتور عمارة أنه منذ خمسينيات القرن العشرين بدأ التنفيذ الفعلي لهذا المخطط. مشيرا الي أن موشيه شاريت. رئيس وزراء إسرائيل. كتب عنه في مذكراته 1954م. يقول:¢ إن تقوية الميول الانعزالية للاقليات في العالم العربي. وإذكاء النار في مشاعرها. وتوجيهها للمطالبة بالاستقلال والتحرر من الاضطهاد الإسلامي. هو عمل إيجابي. يدمر الاستقرار في تلك المجتمعات¢. وأضاف عمارة: في ثمانينيات القرن العشرين نشرت المنظمة الصهيونية العالمية ¢استراتيجية إسرائيل في الثمانينيات¢. وفيها تفصيل لمخطط هذا التفتيت. ولقد جاء في هذه الاستراتيجية عن العراق: ¢إن العراق أقوي من سوريا. وخطره العاجل علي إسرائيل أكبر ولذلك فإن تفتيت العراق أكثر أهمية من تفتيت سوريا¢¢. ويستطرد الدكتور عمارة : عقدت ندوة متخصصة في إسرائيل في 1992م حول الأقليات في العالم العربي. وجاء في توصياتها ضرورة اعتبار الأقليات شريكة إسرائيل في المصير. لأنها حليف لإسرائيل في مراجعة الإسلام والقومية العربية. موضحا أنهم طالبوا بتفتيت مصر لانها إذا تفتتت تفتت الباقون. وهذا هو الضمان الحقيقي لبقاء إسرائيل. وطوال العقود الستة الماضية نشأت مؤسسات لإحياء لغات ميتة كي تحل محل اللغة القومية كما صنع اليهود. وتحركت مؤسسات كهنوتية لتتحول إلي مشاريع دول وكيانات سياسية كما صنعت الحركة الصهيونية. كاشفا عن انخراط ¢لوبيات¢ طائفية وعرقية في نشاط محموم. وتحالف استراتيجي مع دوائر الاستعمار الغربي والأمريكي كما سبق وصنعت الصهيونية وذلك لتغيير خريطة وطن العروبة. وعالم الإسلام. وشدد عمارة علي أن المخطط مكتوب ومنشور بكل اللغات. وتنفيذه قائم علي قدم وساق أمام أسماعنا وأبصارنا. مؤكدا أن عملاء الغرب من الصهاينة العرب والمتأمركين يتهمون كل من يقترب من ملف التقسيم والتفتيت بأنهم ضحايا نظرية المؤامرة ولهذا لابد من الإسراع بتحقيق الوحدة الإسلامية لمواجهة التكتل الغربي ضد الإسلام خاصة وأن العالم الإسلامي لديه من الموارد الطبيعية والبشرية والمناخية وغيرها من المقومات التي يمكن أن تعيد الإمبراطورية الإسلامية التي تحترم التنوع وتجمع بين المذاهب والأديان بعيدًا عن الطائفية والمذهبية. مراحل التقسيم أشار اللواء صلاح الدين سليم. الخبير الاستراتيجي. الي أن مخطط التقسيم والتفتيت يتم عبر مراحل مختلفة ممتدة زمنيا. مبينا أن المرحلة الأولي تضم خمس دول هي الصومال والعراق ولبنان وسوريا والسودان. حيث تم مخطط تقسيم الصومال بالفعل وكان بداية باسقاط نظام سياد بري وتقسيم الصومال إلي جمهوريتين وسيطرة الميليشيات بمصالحها المختلفة ونزاعاتها القبلية علي الأمور وانهيار اقتصاد الدولة وفشل الدول العربية طوال السنوات الماضية في تجميع الميليشيات لفترة انتقالية لإعادة بناء البلاد. وذكر اللواء صلاح أن الدولة الثانية التي تم استهدافها هي العراق مؤكدا أن مثلث القوة العربية الرئيسي يضم مصر وسوريا والعراق ويضاف لهم السعودية. مشيرا الي وجود تكريس لانفصال كردستان العراقية ومحاولة لإشعال الطائفية الخطيرة بين السنة والشيعة بهدف تمزيق العراق الي ثلاث دول. ويضيف: إن الاصابع الصهيونية كانت وراء الحرب الاهلية التي اشتعلت في لبنان واستمرت أكثر من 15 عاما. موضحا أنه عقب الحرب الأهلية عقد المؤتمر الصهيوني وانتهي الي النتائج التي أفرزتها هذه الحرب سوف ترسم مستقبل المنطقة ولذلك يسعون إلي شن حرب أهلية جديدة بين الأطراف اللبنانية للانهاء سلاح حزب الله. وحذر من مخطط غربي لتحريك النواحي الطائفية في سوريا علي غرار العراق ولبنان بمحاولة الترويج أن الحكم العلوي الشيعي يضطهد السنة ويضطهد أيضا الأكراد. لافتنا الي أن السودان تم تقسيمه بموجب إتفاق مشاكوس الذي اعطي للجنوب فرصة للانفصال والتخطيط يجري علي قدم وساق لجر مناطق دارفور والشرق إلي نفس المصير ليتفسخ السودان إلي 4 مناطق مستقلة عن بعضها. ويوضح أن المرحلة الثانية لتفتيت الدول العربية إلي دويلات والمقرر أن تنتهي عام 2030 تشمل كلا من السعودية ومصر. مؤكدا أن هناك أيدي تعبث في المنطقة الشرقية بالسعودية الغنية بالبترول التي يوجد بها عدد من الشيعة من خلال عمليات التفجيرات المتتابعة والتي تهدف لإثارة القلاقل في إتجاه هذا المخطط. وانتهي الي ان الجائزة الكبري هي مصر من خلال للعب علي وتر الطائفية. بالعبث بتلاحم الامة ووحدتها التاريخية وبث الفرقة بين ابناء الوطن الواحد. تأجيج الخلافات يري الدكتور زكريا حسين - أستاذ الدراسات الاستراتيجية ومدير أكاديمية ناصر العسكرية سابقا. أن القوي الكبري نجحت في تأجيج الخلافات والتجاذبات وتزايد حدتها داخل النظام العربي. مشددا علي انه ثبت أن هذه الخلافات والتجاذبات ذات طبيعة ضاغطة علي أمن العالم العربي بل وناسفة له خاصة تفجر المحاولات الانفصالية تحت دعوي تقرير المصير. وقال الدكتور زكريا : إن الفكر السياسي العربي تنبه منذ فترة طويلة لمخططات التقسيم ولكنه للاسف لم ينته بعد إلي صياغة محددة لمفهوم الأمن القومي العربي يواكب تحولات المناخ الإقليمي والدولي وتوازناته وانعكاساتها علي تصور وأبعاد هذا الأمن والعمل علي تفويت الفرصة أمام مساعي جر العالم العربي لمنطقة التناحر الداخلي والحروب الاهلية لتفتيته وتقزيمه. وأضاف :إن الامة في أمس الحاجة لإعادة رسم جديد لطبيعة الأخطار والتحديات الاستراتيجية التي تواجهها وتحديد أولوياتها بما سيتتبعه ذلك من تصفية الأجواء العربية والاسلامية وتوحيد الصف وإنهاء الخلافات وإعادة رسم هيكل الدفاع والتسلح للدول العربية والقضاء علي الاختلال الهيكلي علي مستوي نظم التسلح الذي تعاني منه في مواجهة العدو الصهيوني وخاصة في مجال القدرة الصاروخية والتعاون لتوسيع قاعدة البحوث التقنية ومجالات الحرب الالكترونية وتوطين متقدم للتكنولوجيا العسكرية وتحقيق مبدأ الاعتماد علي الذات. وطالب الدكتور زكريا بمراجعة المفاهيم السائدة لقضايا التوازن الإستراتيجي في المنطقة وتبني خيارات الردع وإعادة بناء معرفي متكامل لمعادلة الأمن العربي تكون قادرة علي الاستجابة للتغيرات والتحديات الشرسة التي تهدد الأمن القومي العربي علي المدي القريب والبعيد. العبث بالحاضر والمستقبل يحذر الدكتور محمد أبو ليلة - أستاذ الدراسات الإسلامية باللغة الانجليزية بجامعة الأزهر من عبث القوي الكبري بحاضر ومستقبل الامة وسعيها لتفتيتها لكيانات صغيرة متناحرة لم ينشأ بسبب فقر الإمكانات المادية أو ضعف في القوة البشرية أو بسبب الافتقار إلي مقومات الحضارة والتمدن. ولكن يرجع ذلك إلي أن الأمة تخلت عن أسباب التمكين في الأرض فضعفت قوتها وخارت عزائمها مما هيأ الفرصة لأعدائها كي ينقضوا عليهم ويمزقوا دولها وشعوبها وينهبوا مقدراتها وثرواتها ويتحكموا في مستقبلها. ويؤكد الدكتور ابوليلة أن التغلب علي هذا التحدي الخطير يحتاج لعمل وجهد متواصل وترتيب البيت العربي والاسلامي من الداخل وإعلاء المصالح الجماعية والتخلص من الأنانية والرؤية الشخصية المحدودة وتحقيق معاني التضامن التي أمرنا بها الإسلام. مشددا علي ضرور الانشغال بالقضايا الحيوية التي تمس وجود الأمة في صميمها وخاصة الدفاع عن صورة الإسلام ونشر قيمه التي تؤكد علي الوسطية والتوازن والعدل والرحمة والمساواة لكل البشر وتعريف الآخر بحضارته ودوره في التقدم الإنساني. وقال الدكتور ابو ليلة: إن التحديات تفرض أن تبتعد الدول العربية عن الدخول في الصراعات البينية والانسياق وراء مقولات يستفيد منها العدو ولا تنفع الأمة بل تزيدها ضعفا وهوانا فليس من مصلحة أحد الطعن في مصر أو غيرها من الدول العربية والتشكيك في قدرتها علي الدفاع عن قضايا الأمة لان التاريخ والواقع يؤكد أنها قادرة وقديرة وأنها تتحمل الكثير من التضحيات رغم الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها. وأشار الي أن تفويت الفرصة علي الاعداء وإفشال مخططات التقسيم يفرض تنمية وعي الشعوب من خلال سياسات حقيقية في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. مضيفا أن المشاعر القوية العملية التي تؤكد الوحدة بين شعوب الامة التي هي بمثابة فريضة خاصة في الوقت الحاضر. فهذا التشرذم والتمزق أصبح ليس فقط مستهجنا وممقوتا ولكن محل تساؤل حول أسبابه الحقيقية خاصة أن شعوب أمتنا تطمح بصدق للوحدة والتكتل بما يليق بمكانتها ودورها ودينها وحتي تدافع عن نفسها وترد العدوان وتقضي علي أطماع الأعداء. ولن نستطيع القضاء علي القاعدة الظالمة التي تقول أن القوة تخلق الحق وتحميه وتضع حدا لكل نزاع وعلينا أن نعمل لتحقيق الاعتصام واتخاذ أسباب القوة التي تمكنا من الدفاع عن وجودنا.