على الحكومات ألا تتجاهل الفئات الخاصة داخل مجتمعاتها أو تهمشها أو تتغافل عن الاحتياجات الخاصة بها خاصة الذين أجبرتهم الظروف والأقدار ألا يعيشوا على درجة واحدة من الصحة والمساواة مع أقرانهم من سائر البشر ونعنى هنا بالذات فئة الأفراد المعاقين الذين تسببت إعاقتهم فى عدم تمتعهم بالصحة والسلامة الجسدية كغيرهم، ذلك أنه إذا كان لكل مواطن حقه فى حياة كريمة تتضمن الرعاية الصحية والمسكن وفرص العمل المناسبة فإن ذوى الاحتياجات الخاصة من المعاقين يجب أن ينالوا قسطين من الحقوق الأول لكونهم مواطنين، والثانى باعتبارهم عجزوا عن الاعتماد على أنفسهم فى مزاولة الحياة أو العمل نتيجة ظروف خارجة عن إرادتهم. وهنا تأتى نقطة فى غاية الأهمية وهى أن المجتمع أو الدولة نفسها مسئولة عن جانب كبير فى ذلك وهذا فى ظل مجتمع ولحظة يتسم فيها النسق الاجتماعى بالعشوائية والفوضى فى اللحظة التى تمر بها عملية تطور مجتمعنا ويحتاج فيها إلى الحماية من المخاطر التى تهدده نتيجة العشوائية السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وعلينا أن نعلم جميعا أن الأفراد المعاقين هم أكثر فئات المجتمع التى تحتاج إلى الحماية والرعاية وتحقيق المساواة الشاملة فى إطار أن قضية الإعاقة هى قضية حق وواجب وليست قضية عمل خيرى . ولقد أكدت المواثيق الدولية لحقوق الإنسان على حق المعاق فى توفير الأمن الاقتصادى والاجتماعى وفى مستوى معيشى معقول وأن تراعى حاجته فى جميع مراحل التخطيط الاقتصادى والاجتماعى. وعليه فلامانع من فتح ملف المعاقين مرات ومرات حتى نستطيع تأهيل المجتمع للتعامل مع اصحاب الحقوق المهدرة. ولقد بدأ الدكتور أحمد يحيى دكتور علم الاجتماع بجامعة القاهرة بتعريف مفهوم ذوى الاحتياجات الخاصة وهو يشمل فئات اجتماعية كثيرة غير ذوى الحاجات الخاصة (الجسمية أو الذهنية )؛ فهناك الإعاقة ( العقلية – السياسية – القانونية – الاقتصادية)، واشار إلى أن ذوى الاحتياجات الخاصة فيهم معاقون لأسباب بعضها وراثى، وبعضها بيئى نتيجة حادث سيارة أو إصابة عمل ، كذلك يضم إليهم المعاق ثقافيا وسياسيا. وتعريف الإعاقة هى فقدان أو تهميش أو محدودية المشاركة فى فعاليات وأنشطة وخبرات الحياة الاجتماعية عند مستوى مماثل للعاديين؛ وذلك نتيجة العقبات، والموانع الاجتماعية والبيئية.وأضاف أن هناك تدنيًا فى وضعية ذوى الاحتياجات الخاصة كما أنهم يعانون الكثير من المشكلات الاجتماعية والنفسية الناتجة عن نظرة المجتمع إليهم، وليست المترتبة على الإعاقة فى حد ذاتها؛ حيث لوحظ عدم حصول المعاقين على الكثير من الحقوق والخدمات مقارنة بأقرانهم العاديين ومثال على ذلك عدم توافر فرص العمل الكافية لذوى الاحتياجات الخاصة، حتى فى إطار نسبة ال 5% من فرص العمل، حسب ما ورد فى القانون. وفى حال عمل هؤلاء الأفراد يلاحظ أنهم يعملون فى أعمال أو وظائف لا تتناسب مع ما يرد فى شهادة التأهيل الاجتماعى التى تعطى لهم من مكاتب العمل والشئون الاجتماعية. وأشار إلى أن العجز المادى وفقر الرعاية الصحية يزيد من معاناة ذوى الاحتياجات الخاصة وأسرهم، وينعكس ذلك على تدنى مشاركتهم فى الأنشطة المجتمعية المختلفة، وميلهم للعزلة. نظره متطرفة ولقد أكدت الدكتورة عزة كريم أن المشكلة الكبرى تكمن فى المجتمع الذى ينظر نظرة متطرفة إلى المعاقين سواء نظرة إهمال أو شفقة أو عنف بحيث تجعلهم يشعرون بأنهم أناس غير طبيعيين ويفقدهم الثقة فى الذات وهذا نتيجة عدم اعطاء المجتمع أو الأسرة قدر من التوعية من خلال وسائل الإعلام أو حتى المناهج التعليمية أو من خلال الأعمال الدرامية عن كيفية التعامل مع المعاق وانة إنسان طبيعى، وأشارت إلى أن الأعمال الدرامية خاصة تنظر إلى المعاق على أنه إنسان غير طبيعى ويتم معاملته معاملة غير جيدة مما أثر على نظرة المجتمع إليهم، وأكدت على ضرورة توعية الأطفال داخل المناهج الدراسية بأن الإعاقة مرض عادى ويجب التعامل مع المعاقين معاملة طبيعية بل ويجب مساعدته بشكل جيد ولا نتحامل عليه بأى شكل من الأشكال. وأشارت د. عزة إلى ضرورة وجود كوادر كافية ومدربين على كفء وكفاية وعلم لكى يدربوا المعاق على إعاقته وعلى كيفية التعامل مع المجتمع والتعامل مع الآخرين وأبسط شىء أن يخدم نفسه .وأوضحت أن المجتمع لا يوفر شوارع مهيئة للمعوقات، وليس هناك مثلا إشارات المرور الصوتية للكفيفين على الرغم من أهمية وضرورة ذلك وهذا يعنى أننا ينقصنا الجانب العلمى الكافى لكيفية وضع مناهج وتدريبات ووضع برامج خدمية فى المجتمع نفسه، وأشارت إلى أن هذا النقص سبب فى شعور المعاقين بأنهم غير طبيعيين داخل المجتمع. وقدمت الدكتورة عزة كريم بعض الحلول لامكانية تغيير ثقافة المجتمع وتأهيلة للتعامل مع المعاقين وذوى الاحتياجات الخاصة حيث قالت إنه من أجل إدماج ذوى الاحتياجات الخاصة داخل المجتمع لابد من تغيير الثقافة السائدة عن الإعاقة، وتحديد الأدوار التى يمكن أن يسهم بها أفراد المجتمع ومؤسساته لتحقيق التطبيع الاجتماعى مع هذه الفئة وقبولهم وذلك من اجل الوصول إلى وضع سياسات وآليات تعمل على إدماجهم فى كافة قضايا التنمية. وأضافت أنه يجب إكساب ذوى الاحتياجات الخاصة مختلف المعارف والاتجاهات والقيم والمهارات التى تؤهلهم للمشاركة الإيجابية الفعالة فى مختلف أنشطة وفعاليات الحياة الإنسانية إلى أقصى حد تؤهله لهم إمكانياتهم وقدراتهم . ثقافة التمكين وأكد الدكتور محمد البسيونى أستاذ بكلية التربية جامعة عين شمس أن المجتمع هو الذى يزيد الإعاقة لدى ذوى الاحتياجات الخاصة فهو لايساعدهم على أن يعيشوا حياتهم العادية بتوفير ما يحتاجونه للتغلب على الإعاقة وممارسة حياتهم بشكل أفضل، وأضاف أنه يجب تغيير ثقافة المجتمع نحو المعاقين والإعاقة من ثقافة التهميش إلى ثقافة التمكين، وذلك من خلال إنشاء نواد اجتماعية ورياضية متخصصة توفر سياقا لممارسة ذوى الاحتياجات الخاصة وأسرهم كافة الأنشطة الرياضية والترفيهية، وكذلك إنشاء مراكز التدريب والتأهيل المهنى؛ لإكساب ذوى الاحتياجات الخاصة المهارات التى تمكنهم من العمل المهنى بمختلف صيغه . أما عن مدارس التربية الفكرية الخاصة برعاية المعاقين فأشار إلى أنها تحتاج إلى نوع معين من التوعية والرعاية، وإعادة تأهيل العاملين فيها، لأنها مازالت تفتقد الكثير من تأهيل المعاقين من الناحية التربوية والصحية، ولا ترقى إلى المستوى العلمى المطلوب ، ومن ثم لا تقدم الخدمة المرجوة منها . أصحاب مهارات مختلفة ويقول محمود الوكيل مؤسس جمعية الأمل لمتحدى الإعاقة إنه لابد من توعية المجتمع بأهمية دور المعاقين فى الحياة، فالمواطن المعاق هو مواطن من الدرجة الأولى، والمعاقون فى حاجة إلى تأهيلهم وتدريبهم من خلال برامج تهيئة مهنية محددة للاستفادة من قدراتهم . وأشار الوكيل إلى ضرورة إلغاء مصطلح معاق واستبداله بكلمة أصحاب المهارات المختلفة، وأن يحصل الشخص ذو الإعاقة على جميع حقوقه وأن يكفل له القانون كل حقوقه وواجباته وأوضح أن أصحاب الشركات والمؤسسات لا تفعل نسبة ال 5 % ولا تلتزم بتشغيل المعاقين لديهم ولهذا هناك تفكير من الجهات المعنية بذلك لإعداد مشروع قانون لمضاعفة العقوبة على أصحاب الشركات والمؤسسات التى يزيد عدد العاملين بها على 50 عاملا، ولا يلتزمون بنسبة ال 5?. التجاهل متعمد وأكدت ريهام المصرى رئيس جمعية 8 ملايين معاق أنه لا تتوافر إحصائيات محددة لنسبة المعاقين فى مصر، ولكن وفق تقارير منظمة الصحة العالمية فإن نسبة المعاقين تتراوح بين 13? و18? ، وأرجعت ذلك إلى تهميشهم وتجاهلهم المتعمد .وأشارت إلى أن هناك نوعا من عدم الاهتمام الكافى من جانب الحكومة لهذه الفئة من المواطنين، فالأتوبيسات العامة غير مجهزة لحمل ذوى الإعاقة الحركية وعجلاتهم كما أن الأرصفة ليست مجهزة لمرور عجلات ذوى الإعاقة الحركية لعبور الطرق . والمدارس ليس بها فصول فى الطابق الأول لهذه الفئة من المعاقين أو اسانسيرات وكذلك دورات المياه غير مجهزة لذوى الإعاقات مع أن كل تلك التجهيزات لاتكلف أموالا كثيرة. وأيضا مدارس التربية الفكرية والصم والبكم تعانى من نقص الإمكانيات وأيضا العلاج والسكن المناسب. وأوضحت ريهام أن هناك مئات الآلاف من متحدى الإعاقة يمثلون كفاءات علمية ومهنية ينبغى على الدولة توفير فرص العمل أمامهم ليكونوا إضافة للمجتمع .وأضافت المصرى أنها كانت تتمنى أن تلبى ثورة 25 يناير مطالب المعاقين ولكن لم يحدث هذا وتتمثل تلك المطالب فى حصول المعاق على السكن الملائم والتعليم وتفعيل النص القانونى الذى يلزم الشركات والمؤسسات بتشغيل ذوى الاحتياجات الخاصة فى حدود 5% من قوة العمل لديهم. وتوفير الأجهزة التعويضية من السماعات لمعاقى السمع ودروس لغة الإشارة للبكم والرعاية الصحية والتعليمية للمعاقين ذهنيا، وأشارت إلى أنه على الرغم من ذلك فإن الثورة كان لها بعض الإيجابيات بالنسبة للمعاقين متمثلة فى تشجيعهم على المشاركة السياسية وأصبحوا أكثر حرصا عليها وأصبحت هناك لجان فى الانتخابات مخصصة للمعاقين بالإضافة إلى السماح بتأسيس جمعيات أهلية يقوم على إدارتها ذوو إعاقة. ويقول اللواء نبيل الخميسى مدير المحاربين القدامى إنه يتمنى أن يستصدر المجلس القومى لشئون الإعاقة، قانونا يراعى فئة المعوقين بإنشاء طرق مخصصة لهم وغيرها من التسهيلات لكى نواكب الدول المتقدمة فى هذا المجال موضحاً أنه فى جمعية الوفاء والأمل تم تخصيص طرق تسمى (الرامب) للمعاقين بدون أن يلجأ لأى مساعدة، وأوضح أن فى مصر لا توجد تلك الثقافة. أبرار مصر وفى تجربة عملية لاثبات قدرات المعاقين قامت مؤسسة أبرار مصر بالسعى إلى تقديم حلول عملية لمشكلات الأطفال والشباب ذوى الاحتياجات الخاصة منذ عام 2001 وذلك من خلال أنشطة متعددة أهمها التأهيل وتنمية المهارات من خلال الرياضة وقدرات التخاطب، وتعليم القراءة والكتابة، وتحفيظ القرآن الكريم، والمشاركة فى جميع الأنشطة الرياضية ومسابقات الأوليمبياد الخاص، والاحتفالات الفنية وعقد الندوات الدينية والثقافية. واستطاعت مؤسسة أبرار مصر أن تحقق تميزاً كبيراً واجتذبت أعداداً كبيرة من هؤلاء الذين كانوا فى حاجة إلى من يكتشف قدراتهم بعقول مستنيرة وقلوب رحيمة وأيضا عيون خبيرة ويعيدهم إلى المجتمع باعتبارهم أسوياء وليسوا فاقدى الأهلية، وقامت المؤسسة بتنظيم أول مسابقة فى حفظ القرآن الكريم للمعاقين ذهنيا فى مصر وأصبحت هى الأولى فى تحفيظ القرآن الكريم وتشجيع الأطفال والشباب وتحفيزهم بالمشاركة فى مسابقات حفظة القرآن الكريم . وأكد رئيس المؤسسة إسماعيل طنطاوى أن المسابقة تتم كل عام ، وأشار إلى أن العدد الذى يتقدم إلى المسابقة فى تزايد سنويا وأضاف أن المسابقة تقدم صورة مشرفة تدل على إعجاز الخالق فى خلقه حيث لا يستطيع الطفل النطق بغير القرآن الكريم، وفى القرآن الكريم لا يتلعثم ولو فى حرف واحد ومنهم من يحفظ القرآن كاملاً ومنهم من يحفظ جزءًا من القرآن، ومنهم من يجيد حسن الصوت أيضا ومنهم من يقلد كبار القراء. وأكد طنطاوى أنه قام بتلك المحاولة الجدية لتأهيل المعاقين نفسيا واجتماعيا كمحاولة منه لإدماجهم داخل المجتمع.