ابحثوا عن القدرات الخاصة لأطفالكم ونموا مواهبهم ولا تشركوهم فى المظاهرات ولو كان الأب مشغولا بالبحث عن لقمة العيش فعلى الأم يقع عبء الاهتمام بموهبة طفلها كما فعلت والدة الطفل دانيال بورنبويم وكانت تجيد العزف على البيانو. وأكمل الوالد مشوار تعليم ابنه حتى ظهرت قدراته التى تصل إلى درجة العبقرية فى قيادة الأوركسترا وهو لم يتجاوز سن الطفولة. وإن لم تجد الموهبة من يرعاها فإنها تعبر عن نفسها تماما كبئر البترول تنفجر تلقائيا إن لم تجد من يبحث عنها. فإذا فقد طفل والديه أحدهما أو كلاهما فيمكن لظروف كثيرة وأسباب عديدة أن تحافظ على ما وهبه الله من نعمة وجينات متميزة وعبقرية. فلما توفى والد الطفل شان شتراوس ولم يكن قد شب عن الطوق. كون فرقة موسيقية وأدمج فيها فرقة والده التى صاحبته فى تقديم أعماله ونبغ شتراوس الابن فى التأليف الموسيقى من قالب «الفالس» الشهير. وهذه موهبة فرضت نفسها على المتخصصين، ووجدت لصاحبها أبا فى الفن يعوض عدم وجود الأب الشرعى. إنه الطفل فرانزهايدن الذى استمع إلى صوته المشرف على كورال كاتدرائية سان إسطفان. فالتقطه وضمه إلى كورال الكاتدرائية لتكبر موهبته من خلالها وتنضج فى مجال التأليف الموسيقى ولم يبلغ من العمر أكثر من أحد عشر عاما. والطفل أبو الحسن على بن نافع وشهرته زرياب وهو اسم الطائر الأسود جميل الصوت. كان عبدا أسود اشتراه شماشرجى الخليفة العباسى محمد المهدى ولم يكن قد بلغ التاسعة من عمره. لكنه كان صاحب موهبة قوية فى الغناء والتحدث وفى فنون أخرى مما دفع الخليفة ليعتقه من العبودية ويطلب من موسيقار عصره إبراهيم الموصلى أن يتبناه ويهتم بتدريبه، ونضجت مواهبه وافتتح أول أكاديمية فى العالم من خلال الأندلس تعلم فيها الشباب والجوارى العزف وصناعة الآلات والتلحين وآداب المائدة واستخدام العطور وبروتوكلات الضيافة، وانضم إليها 700 طالب جاءوه من بلدان أوروبية وعادوا لبلادهم لينقلوا إليها ما تعلموه من أكاديمية زرياب. والطفل عمار الشريعى تمرد على إعاقته وعلم نفسه العزف وثقف نفسه جيدا فأصبح موسيقارا عظيما. وأحيانا تدافع الموهبة عن نفسها وتعطى صاحبها القوة من أجل العمل على حمايتها. ففى التاريخ الموسيقى أن والد الطفل جورج فريدريك هيندل عندما اكتشف موهبة ابنه كان حريصا على أن يبعده عن فكرة احترافها لكنه فشل فى ذلك ونجا الابن الصغير بموهبته الكبيرة من سطوة وغباء والده. نحن نظلم أطفالنا كثيرا. فمنا من يتركهم للشارع أو يدفع بهم إلى المظاهرات أو يتركهم فريسة للألعاب الإلكترونية أو المغالاة فى استخدام غير مفيد للشبكة العنكبوتية. ومنا من يتركهم عرضة لقنوات التليفزيون بدون رقابة وربما لا ندفع عندما نشترى لهم اللعب والملبس والمأكل ولا نتأكد من سلامة المأكولات ولا فحص وتحليل اللعب خاصة المستورد منها مثل البالونات والصلصال وكل ما يصل لفم أو أيدى الأطفال. ولم تعد حصة الموسيقى والفنون الأخرى من المواد الأساسية التى يدرسها الطفل المصرى. واختفت حصة الهوايات ونشيد الصباح. وحفلات المناسبات المختلفة مما يفقدنا الأمل فى ظهور عبقريات فى خامة موتسارت أو بتهوفن أو فيردى أو شوبان أو ليست أو برونبويم أو شنتراوس أو هايدن أو هيندل أو زرياب أو سيد درويش أو عبد الوهاب أو أم كلثوم والسنباطى والقصبجى وزكريا وغيرهم. إنها نماذج لأطفال ولدوا بمواهب عظيمة وكبروا فأسعدوا العالم كله بإبداعاتهم الموسيقية. وكانوا على رأى المثل ك «الديك الفصيح فى البيضة يصيح». إنهم عباقرة من يومهم.