كان اليوم من أيام بدايات شهر فبراير 2010 نحدد التاريخ لأن ذلك الحر لم يحدث من قبل فى شهر فبراير على الأقل مع المجموعة التى سنتحدث عنها.. فى حديقة النادى الرياضى تفتحت بعض الزهور مبكرا خدعتها حرارة الجو لأيام كثيرة فظهرت متباهية بألوانها، والبلبل الذى كان يتدرب بالأمس القريب على نغمة جديدة للربيع غرد بكل الأنغام القديمة التى يعرفها، وكانت رفيقته تتمايل بالفرح.. وخرجت طوابير النمل من بياتها الشتوى تحت الأرض.. جاءها الحر بالفرج.. واجتمعت مجموعة غربان فى دائرة فوق نجيلة مروية حديثا تنعق.. كأنها تتساءل عن حالة الجو؟! صياحها زاد من توتر الجو الحار فى غير موعده، ثم انصرفت وهى مازالت تصيح.. ولم تعرف السبب.. ليس غريبا على الأمثال الشعبية المصرية العبقرية عندما قالوا فى المثل عن الاجتماع الذى لا يثمر عن شىء.. «واجتمعوا مثل جمع الغربان.. أوّله كاك.. وآخره كاك». ألاعيب الطبيعة اجتمعت مجموعة من كبار السن المثقفين حول منضدة فى الحديقة.. تخففوا من ملابسهم الثقيلة. سأل أحدهم النادل أن يحضر لهم زجاجة ماء بارد.. سألت واحدة منهم: «معقولة هذا الحر فى فبراير؟!.. لم يحدث من قبل على الأقل فى حياتنا».. قال واحد منهم: «هذه نتيجة اللعب فى مناخ العالم وما نتج عما يسمونه بالاحتباس الحرارى».. قال آخر إنه قرأ أخيرا دراسة جديدة تشكك فى أنه السبب الوحيد فى ارتفاع حرارة جو العالم والأبحاث العلمية تقول أن حرارة الجو فى العالم لن ترتفع أكثر مما وصلت إليه فى الأعوام الأخيرة وأن محطات الأرصاد الجوية تتأثر بسبب عوامل أخرى مثل التوسع العمرانى.. يعنى الزحف العمرانى على الأرض خصوصا الزراعية.. واختناق الأرض بالمبانى. تبادلوا التعليقات على الزحف العمرانى العشوائى على الأراضى الزراعية وغير الزراعية ولم يعد هناك تنفس طبيعى للبشر فى بلادنا.. ربما حقيقة بلادنا أصبحت مختنقة بالمبانى وربما حقيقة يكون هذا سببا فى هذا الحر! تحدث أحدهم عن كلام «آل جور» الذى تخصص فى دراسة التغيرات المناخية التى تهدد العالم بعد أن «طلّق» السياسة بعد فشله أمام «بوش الابن» فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية فى أول هذا القرن الواحد والعشرين.. وقد صور «آل جور» فيلما وثائقيا أذيع فى العالم عن تأثر المناخ وذوبان الجليد الذى سيغرق مناطق كثيرة من العالم.. وقد علق «آل جور» على الدراسة الحديثة بالرفض لها وإن ما صوره وبحثه حقيقة لاشك فيها. فك أحد الرجال أزرار قميصه وهو يخبط على المنضدة.. «حر فى فبراير»؟!.. وعلقت واحدة منهم أنها مصابة بحالة نوم وكسل وهذه الحالة تأتى لبعض الناس مع بداية الصيف.. فهل حقيقة سندخل فصل الصيف فى فبراير؟!.. مثل النصف الجنوبى من قارات العالم؟!.. قال آخر: «يا جماعة العالم كله يشكو من تغيرات طبيعية غير مسبوقة». قالت أخرى: «حقيقة هذا الحر الذى لم نصادفه من قبل فى فبراير من ألاعيب الطبيعة الجديدة لترد على ملاعيب البشر الذين يجعلون كل شىء فى حياتنا مقلوبا.. فلا يصح أن ننخدع بهذا الحر». وقد كان.. بعد عدة أيام هب الهواء البارد ممتطيا حصان السحاب وكان ما كان من برد ورعد ومطر.. لنترك حصان السحاب لنرى حصاناً آخر. حصان العلم الجامح اكتشافات واختبارات علمية حديثة كشفت عن أسرار عديدة للناس فى العالم وهى تحليل الحامض النووى للإنسان.. حيا.. أو ميتا.. المعروفة علميا باسم D.N.A وهى المادة الوراثية التى تخزن المعلومات الوراثية للإنسان.. من هذه المادة أعلن أخيرا فى مصر عن سر الفرعون الصغير.. توت عنخ آمون.. الذى مات فى سن صغيرة.. أنه لم يمت مسموما كما عرف من آلاف السنين.. أى لم يكن السم هو سبب وفاته فى تلك السن.. بل إنه كان يعانى من مرض الملاريا مع مضاعفات التهابات أصيب بها فى سن صغيرة.. اكتشفوا من هذه المادة الوراثية أن والده هو الفرعون الملك.. أخناتون وليس «أمنحتب الثالث».. وكان التحليل الذى قام به علماء مصريون مع بعض الأجانب من شعر الرأس الذى لا يتغير بمرور السنين وعظام الجسم التالفة. لقد فهمت بعض الشىء عن علم الهندسة الوراثية وكل هذه الأشياء من الدكتور العالم الراحل «أحمد مستجير» من مقالاته الرائعة «فى بحور العلم» التى صدرت عن دار المعارف فى كتب صغيرة قيمة.. حدثنا العالم أحمد مستجير عن أن تحليل الشعر يعطى دلالات مهمة عن حياة صاحبه.. وقد أثبت التحليل الكيماوى لشعر «نابليون» أنه لم يمت كما قيل من التسمم البطىء بالزرنيخ.. فقد حُللت خصلة من شعر نابليون بونابرت أخذت من متحف «كيب تاون» كان نابليون قد أهداها لقسيس من جزيرة سانت هلانة، حيث كان منفيا. والقسيس بدوره أهداها للمتحف الذى قام فيما بعد بتحليلها لمعرفة حقيقة سبب موته. وكانت الحكاية المعروفة أن أحد معاونى نابليون كان يدس له السم فى طعامه بناء على أوامر من الملكيين الفرنسيين الذين كانوا يخشون من عودته ليقود ثورة جديدة. .. وخصلة من شعر بتهوفن وهو الموسيقار الألمانى.. قد علمه والده العزف على الكمان والبيانو وهو طفل.. وفى شبابه ذهب إلى النمسا ليتعلم فن الموسيقى على يد الموسيقيين الكبار.. وعاش فيها طوال حياته وألف كل موسيقاه الكلاسيكية الرائعة التى تعيش للآن.. حدثنا عنه العالم «أحمد مستجير» وعن خصلة من شعره بينت بعد موته بحوالى قرنين من الزمان أسباب مرضه وموته. فقد كان من عادة أصدقاء المتوفين زمان أن يأخذوا كذكرى خصلة من شعر الفقيد.. وهكذا أخذ موسيقار شاب خصلة من شعر بتهوفن عندما ألقى نظرة على جثمانه.. حكاية طويلة مرت بتلك الخصلة من شعر العبقرى الموسيقى، حيث كانت هدية ثمينة أهديت من شخص لآخر إلى أن وصلت إلى من باعها فى مزاد فى لندن عام 1994 اتراها أعضاء من جمعية محبى الموسيقار العظيم الأمريكية.. وقامت الجمعية بتحليل بعض الشعر من خصلة بتهوفن لمعرفة الكثير من الأسرار فى حياة الموسيقار وربما أيضا لمعرفة شىء عن «جينوم» فنان عبقرى. ولإجراء الاختبارات الكيماوية والوراثية على خصلة شعر بتهوفن كان من الضرورى التأكد من أنها من شعره.. وكانت مباحثات مع النمسا لأخذ عينات من عظام جثته.. وبطريقة علمية تأكدوا أنها من شعره.. وقد أعلنت النتائج فى مؤتمر صحفى عام 2000. وأظهرت أن الشعيرات كانت تحمل مستوى عاليا من الرصاص يبلغ ضعف التركيز المعروف فى شعر الأفراد الطبيعيين.. وربما كان التسمم بالرصاص هو السبب فى كل الأعراض المرضية التى كان يقاسى منها بتهوفن فى حياته وأثرت فى شخصيته وسلوكه!! ويكتب العالم أحمد مستجير «حُلل شعر بتهوفن.. نعم.. وفحصت بدقة فى خلاياه بقايا مادته الوراثية المهمشة. لكننا أبدا لن نتمكن من السر الوراثى لعبقريته.. هذا أمر محال حتى لو عرفنا التشريح الجزيئى لجينومه كاملا فكيف لنا أن نعرف الجينات الخاصة بالعبقرية التى تشكل توليفته المتفردة.. وكيف نعرف العوامل البيئية التى تفاعلت معها؟!.. العبقرية سر أكبر منا». يعنى أننا مهما جمح بنا حصان العلم ومهما لعب بنا حصان المناخ يبقى دائما سر أكبر منا.. سر مختفٍ عن إدراكنا.؟ حصان السحاب كان اليوم من أيام بدايات شهر فبراير 2010 نحدد التاريخ لأن ذلك الحر لم يحدث من قبل فى شهر فبراير على الأقل مع المجموعة التى سنتحدث عنها.. فى حديقة النادى الرياضى تفتحت بعض الزهور مبكرا خدعتها حرارة الجو لأيام كثيرة فظهرت متباهية بألوانها، والبلبل الذى كان يتدرب بالأمس القريب على نغمة جديدة للربيع غرد بكل الأنغام القديمة التى يعرفها، وكانت رفيقته تتمايل بالفرح.. وخرجت طوابير النمل من بياتها الشتوى تحت الأرض.. جاءها الحر بالفرج.. واجتمعت مجموعة غربان فى دائرة فوق نجيلة مروية حديثا تنعق.. كأنها تتساءل عن حالة الجو؟!