ليس من المعقول أن نقحم أطفالنا فى المظاهرات السياسية الدائرة حالياً فهم عالم آخر، يولد كثير من الأطفال وتولد معهم جينات الموهبة فى العلم أو الفن، فالموهوب فى أحيان كثيرة موهوب من يومه. فإذا صادفته ظروف مهيأة نمت موهبته ونضجت وغرد بموهبته وكتب لنفسه النجاح والخلود. ففى مجال العزف على الآلات الموسيقية يمكن لطفل فى الثالثة من عمره أن يتعلم الأداء والتحكم فى أصعب الآلات مثل الفيولينه. وقديما قالوا «العلم فى الصغر كالنقش على الحجر»، فما بالنا إذا كان هذا الصغير قد ولد موهوبا. وقد قام فنان يابانى هو مستر سوذوكى بتجربة فنية فى أواخر القرن العشرين، وكان مديرا لبرامج الأطفال الموهوبين فى بلده، فوضع منهاجا تربويا متكاملا لتعليم الطفل فى الثالثة من عمره العزف على الفيولينه. كان يؤمن بنتائج التعليم المبكر فى الوصول بالطفل إلى أقصى درجات الثقة بالنفس وإلى أعلى مستويات الاتقان والوصول إلى حد الكمال فى العزف والأداء الموسيقى إيمانا منه بأن الطفل فى هذه السن يكون ممهدا لدرجة عالية من القدرة على الاستيعاب لكل ما يقدم له. وقد أثبت التاريخ صدق ما كان يؤمن به مستر سوذوكى. فقد كان الطفل فولفا جانج ليوبولد موتسارت يحيى حفلات بمفرده بالعزف على البيانو قبل أن يصل إلى سن السابعة من العمر ومعنى ذلك أنه كان قد بدأ تعلم العزف فى سن الثالثة تقريبا. ويرى علماء التربية ضرورة أن نكرس الجهد لدعم القيم الجمالية والأخلاقية فى حياة أطفالنا منذ نعومة أظافرهم، وعلى المعلم فى المدرسة أن يفكر بعمق ويخطط بمهارة وأن يكون عالما بالصورة التى يأمل أن يرى تلميذه الصغير عليها عندما يكبر ويصبح بالغا. والأمة المتحضرة هى القادرة على أن تجعل الموسيقى جزءا من التربية العامة وذلك من خلال الأسرة والمدرسة ووسائل الإعلام. بحيث يكون كل مواطن على قدر من الثقافة الموسيقية تمكنه من التعبير الموسيقى عما يشغله نفسيا، ويحدث ذلك عن طريق تنمية القدرات على حُسن الاستماع والعزف والقراءة والتأليف والأداء الموسيقى، وقد يؤدى ذلك إلى حماية موهبة وتفجير عبقرية تملأ الدنيا شجنا وطربا مثلما حدث مع بعض عباقرة العزف والتأليف الموسيقى والغناء فى بلادنا العربية وبلاد الدنيا كلها ويؤكد ذلك قول الشاعر: وينشأ ناشئ الفتيان منا على ما كان علمه أبوه ولنأخذ الطفل العبقرى فولفا جانج ليوبولد موتسارت مثلا على احتضان الأب لموهبة طفله، فقد علم الأب ولده العزف على آلة البيانو فى سن صغيرة واصطحبه فى رحلته الفنية وكان عازفا على آلة الفيولينه ليعزف أمام ملوك أوروبا وقياصرتها. وكان والد الطفل العبقرى لودفيج فان بتهوفن يحلم بأن يكون ابنه فى عبقرية موتسارت فكان يجبره على الوقوف على كرسى ليتمكن من الوصول إلى أصابع البيانو ويجيد العزف، ولم يرق قلبه أو تلين عزيمته أمام دموع الطفل الصغير. والطفل جيوسيبى فيردى، اشترى له أبوه آلة اسمها «شيبينب» ليتعلم العزف عليها، قبل أن يرسله صديق والده إلى ميلانو ليدرس الموسيقى، ولم يكن قد زاد عمره على تسع سنوات، والطفل فريدريك فرانسوا شوبان لم يكن والده موسيقيا إنما هو أستاذ جامعى، لكنه كان حريصا على أن يتعلم كل أولاده العزف على البيانو فى مدينة وارسو مقر عمله، فنضجت موهبة فريدريك حتى كان النقاد يقارنونها بموهبة موتسارت. وكان والد الطفل فرانسوا ليست كاتب حسابات فى إقطاعية أحد الأمراء فى المجر ومع ذلك كان يجيد العزف على أكثر من آلة موسيقية فعلم ابنه الدروس الأولى فى العزف وعلم الموسيقى ليكمل الطفل تعليم نفسه وتنمية موهبته. والأمثلة كثيرة لنماذج من الأطفال ولدوا مزودين بجينات العبقرية، فلماذا لا نحافظ عليهم؟ ولماذا تقحمهم القوى والأحزاب السياسية فى الأحداث الجارية؟