هناك تباين واضح فى مواقف المجتمع الدولى تجاه الأحداث فى سوريا. وقد يظهر هذا التباين بصفة خاصة فى الموقفين الروسى والصينى إزاء أى قرارات أو عقوبات يتم طرحها ضد النظام السورى، مما أعاق الكثير من الجهود الدولية والعربية الساعية لحقن دماء الشعب السورى وإيقاف المجازر البشعة التى نشاهدها يومياً على القنوات الفضائية. وقد يقول قائل إن الروس يغلبون مصلحتهم وأن هناك صفقة أسلحة بأكثر من ثلاثة مليارات دولار مع النظام السورى، ويقول آخر إن هناك قاعدة روسية فى ميناء طرطوس السورى، ويقول ثالث إن روسيا فى موقفها هذا تُغلّب مصلحتها مع إيران التى تدعم الأسد بكل قوة، لكن بنظرة متأنية لما يحدث سوف نجد أن روسيا بموقفها هذا حريصة على حقن الدماء السورية ربما أكثر من أى طرف آخر، فقد حذر الرئيس الروسى فلاديمير بوتين أكثر من مرة من أنه فى حال سقوط النظام السورى فسوف يتلو ذلك نشوب حرب أهلية لا أحد يعرف كيف تنتهى، ودعا الأطراف المتنازعة للتوصل إلى حل وسط وقال بالنص: إن السلطات السورية الحالية مع ما يسمى بالمعارضة المسلحة عليهم أن يجدوا فى أنفسهم القوة والشجاعة للحديث مع بعضهم البعض والتوصل إلى حل وسط من أجل مستقبل سوريا. وحدد بوتين الخطوات التى يجب أن يتبعها الطرفان: وقف العنف، ثم إدارة المفاوضات والبحث عن حل، ثم وضع قواعد وأسس دستورية لأجل مستقبل سوريا، ثم الإقدام على إجراء تغييرات فى البنية السياسية، وليس العكس. وكانت كلمات بوتين هذه قد لاقت صدى عند وزير خارجيته «سيرجى لافروف» ودبلوماسيين روس آخرين، وقد ظهر ذلك جليا فى إصرار روسيا فى المحافل الدولية على أن يلعب الطرفان المتنازعان فى سوريا دوراً فى التسوية، وانتقادها بشدة للدول التى تلقى باللوم فقط على الرئيس الأسد وحكومته، وتصديها لأى قرارات أممية تهدد النظام السورى بفرض العقوبات، بما يعنى إدخاله تحت الفصل السابع الذى يسمح باستخدام القوة المسلحة مثلما حدث فى ليبيا. خلاصة الأمر مثلما جاء فى تقرير كتبه أحد الباحثين الروس ويدعى «قسطنطين فون إيجرت» أن روسيا تريد أن تضرب عصفورين بحجر واحد، فهى من ناحية تريد أن تضع حداً للتدخل الأمريكى والأوروبى بدواع إنسانية فى حق دول ذات سيادة، ومن ناحية أخرى تريد أن تقول للنظام الدولى والعالم إننى هنا وسأقف بكل قوة لمنع أى قرار دولى ضد النظام السورى. ولا أظن أن منطلقات الصين تختلف كثيرا عن منطلقات الروس، فهى أيضاً توجه رسالة للنظام العالمى الجديد بأننا قادرون على كبح جماح النظام الغربى الذى تمثله أمريكا وأوروبا باستغلال الدول والشعوب لخدمة مصالحهما الخاصة.