"رحمة".. تنتظر رحمة الله الواسعة.. هى الابنة الوسطى بين ثلاث بنات هن كل حصاد السنين لهذه الأسرة الحزينة التى عاشت حياة الكفاح على مدار خمسة وعشروين عاما.. تنظر إلى عينيها تجد الدموع قد تحجرت فى مقلتيها.. ترى نظرة حزينة فى عين أمها المسكينة التى لم يكن يخطر على بالها ما حدث لابنتها ذات الخمسة عشر ربيعا.. فقد تداعت الأحداث سريعا وبشكل متلاحق.. الأم تتذكر ما حدث للابنة وتبكى وتقول: ابنتى كانت تملأ الدنيا ضحكا ومرحا.. كانت بسمتها تعلو شفتيها وشفاة الأهل دائماً.. هى بالنسبة لى الأخت والصديقة والحبيبة.. هى الأقرب إلى القلب سبحان الله بالرغم من أن لدى ابنتين غيرها.. إلا فإن قلبى يرفرف من الحب عندما تفرح.. اشعر بالحزن والأسى لحزنها.. أغضب عندما أجد ما ينغص عليها فرحتها.. كان الجميع يحبها.. كنت أطير من الفرح عندما أراها حاملة حقيبة المدرسة فى الصباح.. أمسك بيدها.. أذهب معها واعتبر هذا المشوار اليومى بمثابة فسحة لى مع صغيرتى.. كبرت أمام يوماً بيوم وشهراً بشهر.. كنت أحلم لها دائما بعريس مناسب تعيش معه فى سعادة.. كنت أطلب منها أن تكتفى بالحصول على الإعدادية.. ولكن ابنتى كانت تنظر لى نظرة عتاب وتؤكد لى أنها تريد أن تستكمل دراستها ومع كل ذلك كنت أنا وهى ننتظر خراط البنات.. ولكن عندما هّم لزيارتها كان هناك زائر آخر قد وصل.. كان زائرا مروعا فظيعا.. جاء ليسكن داخلها يرتوى من مائها ودمائها ليجف عودها وتذبل أوراقها.. لتسقط زهرة شبابها.. كانت الفتاة الجميلة الرقيقة تلعب وتجرى مثل صديقاتها، ولكن الأم لاحظت أنها تضع يدها دائما على الجانب الأيمن من بطنها.. تتألم من حين إلى آخر.. تشكو على فترات متباعدة.. الأم تضحك لأن العلاج بسيط مجرد مسكن مع كوب من الشاى وراحة وسوف تشعر بتحسن هكذا هم البنات دائما.. ولكن هذا التحسن كان لمجرد ساعات أولا، ثم تعود للشكوى مرة أخرى.. ولكن قلب الأم بدأ يخفق بشدة من كثرة القلق على الابنة التى زادت شكواها لدرجة البكاء من آلام البطن.. رأها أبوها ودموعها على خدها.. وسألها وكانت الإجابة قاسية عليه، فهى لم تتكلم ولكن آهاتها ودموع عينيها كانت أبلغ إجابة على أنها تعانى الكثير ولا تستطيع أن تشكو لأنها تعلم جيدا أن العلاج والذهاب إلى الطبيب أو إلى المستشفى سيكلفه الكثير وهو على باب الله.. ولكن الأب فهم ما يدور فى فكر ابنته المسكينة.. أكد لها أنه سوف يحل أية مشكلة أو عقبة تقف فى طريق تخفيف الآلام عنها.. استدان من الأهل وعاد إليها ليصطحبها إلى الطبيب.. وكانت هذه بداية الرحلة الطويلة التى مشاها الأب والأم مع الابنة المسكينة.. اصطحبها إلى الطبيب الذى فحصها وطلب بعض التحاليل، ثم أشعة رنين مغناطيسى على البطن والحوض وأكد على السرعة وعدم التهاون بعدما عرف أن الابنة مصابة بنزيف رحمى.. شعرت الأم أن هناك شيئاً ما تحمله لهم الأيام، تم إجراء جميع ما طلب الطبيب وعادوا له فى اليوم الثانى وبمجرد أن نظر الطبيب إلى النتائج طلب منهم التوجه إلى المستشفى وبدأت رحلة التشخيص التى أسفرت عن أن الابنة مصابة بورم سرطانى بالمبيض الأيمن وأنها تحتاج إلى علاج لمدة طويلة وبصورة سريعة وكانت رحلة شقاء تركت الابنة المدرسة لأن العلاج الكيماوى والإشعاعى مدمر نفسيا وجسديا ويحتاج إلى سنوات طويلة.. حياتها كلها تعيشها على سرير إما بالمنزل وإما بالمستشفى لتلقى العلاج.. تبكى من الألم المرضى والنفسى، خاصة عندما ترى صديقاتها وبنات العائلة يذهبن للمدرسة ويعشن حياتهن وهى لا تستطيع، وقد ضاع الأمل من بين يديها بسبب الغول المفترس الذى نهش جسدها ومازال، وجعلها تنام على سريرها غير قادرة على الحركة واللعب.. الابنة تنظر إلى أبيها وأمها وتبكى، فالأب عامل أرزقى دخله لا يكفى قوت اليوم، فما بالنا بتكاليف المرض وانتقالات الابنة وأمها من بلدتها إلى المستشفى والعكس، الأم ترسل خطاباً تطلب فيه المساعدة فى تحمل نفقات علاج واحتياجات الابنة المريضة، فمن يرغب فى المساعدة الاتصال بصفحة مواقف إنسانية.