رغم قناعتى اليقينية بكفاءة اللواء منصور عيسوى وزير الداخلية ورغبته الصادقة والمخلصة فى عودة الأمن سريعا الى الشارع المصرى، وإعادة الشرطة بكامل قوتها إلى الاضطلاع بدورها الوطنى فى الحفاظ على أمن الوطن وأمان المواطن، فإنه يبدو أن كل هذه القناعات لا تكفى لتحقيق ما نأمله كما يبدو أيضا أن أمن وطن كبير لدولة كبيرة كمصر لا يقوم مطلقا على حسن النوايا والأمانى الطيبة. إنما على الجهد الدءوب والعمل الجاد والمدروس بعناية فائقة وعلى أسس علمية يعلمها جيدا اللواء منصور عيسوى أكثر من أى أحد منا لا علاقه له بالمجالات الأمنية.. وفى ظنى أن السبب وراء هذه المعضلة الأمنية التى تمر بها البلاد قد تتجاوز ظاهرة الانفلات الأمنى أو التسيب الذى عادة ما يعقب الثورات إلى أن تستقر أوضاعها إلى سبب آخر قد يبدو خفيا على الجميع ويكمن فى الفجوه العميقة وزاد فى الاتساع الكبير بين قوات الأمن وما أحدثته من أحداث مؤسفة وحوادث مؤلمة فى حق المواطن المصرى على اختلاف مستوياته ثقافيا واقتصاديا واجتماعيا تلطخة نقاط سوداء مظلمة. حتى أصبح التاريخ الموثق لهذه القوات وهى التى من المفترض أن تكون مهمتها حماية الشعب لا أن تكون أداة بطش لقمعه وإذلاله. كما جعلت الجماهير المصرية تنسى أو تتناسى ما حققه رجال الأمن وخاصة الشرفاء منهم وهم كثر من الأعمال النبيلة التى حفظت الأمن والطمأنينة للمواطن فى مصر طوال عقود كثيرة قبل قرابة العقد ونصف العقد الذى تولى خلاله حبيب العادلى قيادة الشرطة كوزير للداخلية حيث بدت فلسفته التطبيقية فى سياساته بسمات «مكيافللية» مرفوضة تطالب بتحقيق الغاية مهما انحطت مبررات الوسيلة التى تحقق أمن النظام الفاسد دون النظر إلى مراعاة الجانب الانسانى الذى يحفظ للمواطن كرامته من خلال الحفاظ على أمنه فى وجود قاعدة من الثوابت القانونية وهى أن المتهم برئ حتى تثبت إدانته. ولكن يبدو أن العادلى الذى ليس له من لقبه نصيب قد انتهج نهجا غريبا ومغايرا لما هو ثابت فى الأعراف الأمنية المصرية ويقوم نهجه على المغالطة التى تنطلق من أن البرئ متهم حتى تثبت براءته وكل هذه الظلال السوداء التى سادت السياسة الأمنية فى مصر فى السنوات الأخيرة جعلت فجوة من الثقة المفقودة تتسع بين رجال الأمن والمواطنين.. وفى الشهور الأخيرة بدأت تتفاقم الأوضاع الأمنية بشكل ينذر بخطورة شديدة حيث شاهدنا ألوانا من الإجرام لم نعهده فى شوارعنا الآمنة بطبيعتها وطبيعة شعبنا الطيب وكنا نرى حوادث سرقة بالإكراه من لصوص تميزهم القناعة حيث يكتفى بمحفظة النقود وإن تجاوز يطمع فىالساعة التى لا يتجاوز ثمنها عشرة جنيهات بأسعار زمان ولم يكن الموبايل قد اخترع بعد.. أما الآن فقد حدث التطور المذهل والمرعب فى نفس الوقت حيث تظهر إنسانية اللص فى أن يترك المسروق إلى حال سبيله أما المسروقات فينعم بها اللص وهى محفظة النقود والموبايل واللاب توب والساعة مضافا إلى كل ذلك السيارة. بينما صاحب كل هذه الأشياء يبقى مكان الجريمة باكيا ملتاعا وغالبا ما تكون طرقا صحراوية جرداء لا زرع فيها ولكن ممتلئة باللصوص وقطاع الطرق.. وبالمصادفة فأن مثل هذه الحوادث قد جرت مؤخراً لبعض نجوم المجتمع على سبيل المثال ما حدث لأستاذ العلوم والسياسية د. عمرو حمزاوى وبرفقته الفنانة والإعلامية المتألقة بسمة وحادث آخر للدكتور محمد البلتاجى القيادى بالإخوان المسلمين.. والبقية تأتى حتما إن لم نصل إلى حل رادع وعلاج ناجع لهذه الظاهرة المروعة التى سوف تترك آثارا وخيمة على المجتمع المصرى وتحوله إلى شيكاغو جديدة على أرض المحروسة. وتشهد بذلك صفحات الحوادث التى إزدحمت بجرائم مماثلة حتى أن الصفحة الواحدة تتضمن أكثر من حادثة وكلها تتم وفق مخطط إجرامى متشابه ومنها ماحدث لزميلنا محمدمنير الصحفى بالأهرام الذى تتبعته العصابة حتى وصل إلى منزله بالمريوطية بحى الهرم وتحت تهديد السلاح الآلى استولى اللصوص على كل ممتلكات الصحفى الذى كان عائدا من الإمارات ومعه أسرته وفى نفس اليوم «الأحد الماضى» حدثت جريمة استيلاء اللصوص على سيارة أحد المواطنين بينما تركوه وحيدا على الطريق الدائرى بالقرب من كارفور المعادى.. وخلاصة القول إنه لم يعد يمر يوم كامل دون تكرار مثل هذه الجرائم فهل يمكن أن يستمر هذا الرعب سائدا فى الشارع المصرى أم أن اللواء وزير الداخلية لديه الحل؟ والذى يجب أن يكون سريعا لأنه حين تنهار طمأنينة وطن تسقط كل نظريات السياسية حتى فى وجود ثورة مصرية ناجحة بكل المقاييس.