عمال الشيوخ: خروج مصر من قائمة ملاحظات العمل الدولية للعام الرابع "مؤشر ممتاز"    تنسيق الجامعات 2025، قائمة الجامعات المعتمدة في مصر    مديرية الزراعة بالإسماعيلية تواصل إزالة التعديات على الأراضي (صور)    وفاء بحق المضحين.. "الأوقاف" تواصل ذبح صكوك الأضاحي لليوم الثالث    «الحج دون تصريح».. ترحيل ومنع «المخالفين» من دخول السعودية لمدة 10 سنوات    كارثة تنتظر مستشفيات غزة خلال 48 ساعة    محافظ شمال سيناء يقدم التهنئة بالعيد للجرحي الفلسطينيين في مستشفي نخل المركزي    "الوطني الفلسطيني" يدعو المجتمع الدولي إلى ترجمة مواقفه لإجراءات لوقف الحرب على غزة    بث مباشر، مشاهدة مباراة ألمانيا وفرنسا في نصف نهائي دوري الأمم الأوروبية 2025    ريال مدريد يخطط لمكافأة كورتوا.. عقد جديد    الدفع ب14 سيارة إطفاء للسيطرة على حريق شونة كتان بالغربية -صور    بالأسماء، إصابة 3 أشخاص بطلق ناري في مشاجرة بين عائلتين بالفيوم    مصر تودع بطل محطة الوقود.. خالد شوقي ضحى بنفسه لإنقاذ مدينة كاملة    عقرهما كلب شرس.. تفاصيل إصابة طالبين داخل "سايبر" بالعجوزة    فرحة العيد جوه النيل.. إقبال على الرحلات النيلية بكفر الشيخ ثالث أيام العيد    لماذا تتجدد الشكاوى من أسئلة امتحانات الثانوية العامة كل عام؟.. خبير يُجيب    حمارتك العرجا وسباق اللئيم    بإيرادات 531 ألف جنيه أمس، فيلم سيكو سيكو يواصل تراجعه في شباك التذاكر    الدفاع المدني فى غزة: الاحتلال يمنع إنقاذ الأحياء فى القطاع    إيرادات السينما السبت 7 يونيو: "المشروع X" يكتسح شباك التذاكر و"ريستارت" يلاحقه    المتحف المصري بالقاهرة يحتفي بزوار عيد الأضحى المبارك |صور    درة تخطف الأنظار بإطلالة كاجوال احتفالا بالعيد والجمهور يعلق (صور)    5 أيام يحرم صومها تعرف عليها من دار الإفتاء    انتشار مكثف لفرق الرعاية الصحية خلال عيد الأضحى بمحافظة الإسماعيلية (صور)    عيادة طبية متنقلة بميدان الساعة في دمياط لتقديم خدمات الكشف المجاني    محافظ الدقهلية: عمل عيادات التأمين الصحي خلال العيد يهدف لمنع الازدحام    استئصال طحال وإصلاح الأمعاء والبنكرياس.. جراحة تنقذ حياة شاب بمستشفى العجمي    خلال احتفالات العيد.. 3 جرائم قتل في مغاغة وملوي بالمنيا    الداخلية تواصل تطوير شرطة النجدة لتحقيق الإنتقال الفورى وسرعة الإستجابة لبلاغات المواطنين وفحصها    تجهيز 100 وحدة رعاية أساسية في الدقهلية للاعتماد ضمن مؤشرات البنك الدولي    196 ناديًا ومركز شباب تستقبل 454 ألف متردد خلال احتفالات عيد الأضحى بالمنيا    اللواء الإسرائيلي المتقاعد إسحاق بريك الملقب ب"نبي الغضب" يحذر من وصول إسرائيل إلى نقطة اللاعودة وخسارة حروب المستقبل!.. كيف ولماذا؟    وزير الخارجية يبحث مع نظيره التركى تطورات الأوضاع فى غزة وليبيا    لا يُعاني من إصابة عضلية.. أحمد حسن يكشف سبب غياب ياسر إبراهيم عن مران الأهلي    زيزو: "تمنيت اللعب مع أبو تريكة وأتذكر هدفه في كلوب أمريكا"    لم تحسم.. حقيقة تعاقد الزمالك مع المدافع الجزائري زين الدين بلعيد (خاص)    هل يجوز الاشتراك في الأضحية بعد ذبحها؟.. واقعة نادرة يكشف حكمها عالم أزهري    ضبط عاطلين بحوزتهما حشيش ب 400 ألف جنيه    وزارة العمل تعلن عن فرص عمل بمرتبات تصل إلى 15 ألف جنيه .. اعرف التفاصيل    وزارة العمل تعلن عن فرص عمل بمرتبات تصل إلى 15 ألف جنيه    أوكرانيا: ارتفاع عدد قتلى وجرحى الجيش الروسي إلى 996 ألفا و150 فردا    بين الحياة والموت.. الوضع الصحي لسيناتور كولومبي بعد تعرضه لإطلاق نار    الكنيسة القبطية تحتفل ب"صلاة السجدة" في ختام الخماسين    منافذ أمان بالداخلية توفر لحوم عيد الأضحى بأسعار مخفضة.. صور    أمين «الأعلى للآثار» يتفقد أعمال الحفائر الأثرية بعدد من المواقع الأثرية بالأقصر    مجلة الأبحاث التطبيقية لجامعة القاهرة تتقدم إلى المركز السادس عالميا    محافظ أسيوط: لا تهاون مع مخالفات البناء خلال إجازة عيد الأضحى    كامل الوزير يتابع حركة نقل ركاب القطارات ثالث أيام العيد، وهذا متوسط التأخيرات    حكم وجود الممرضة مع الطبيب فى عيادة واحدة دون محْرم فى المدينة والقرى    النسوية الإسلامية «خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى» السيدة هاجر.. ومناسك الحج "128"    أسعار الدولار اليوم الأحد 8 يونيو 2025    استشهاد 11 شخصا وإصابة العشرات في قصف إسرائيلي قرب مركز توزيع مساعدات بغزة    المواجهة الأولي بين رونالدو ويامال .. تعرف علي موعد مباراة البرتغال وإسبانيا بنهائي الأمم الأوروبية    من قلب الحرم.. الحجاج يعايدون أحبتهم برسائل من أطهر بقاع الأرض    أحمد حسن: زيزو أخطأ مرتين في ملف انتقاله إلى الأهلي    نشرة أخبار ال«توك شو» من المصري اليوم..استشاري تغذية يحذر من شوي اللحوم في عيد الأضحى.. أحمد موسى: فيديو تقديم زيزو حقق أرباحًا خيالية للأهلى خلال أقل من 24 ساعة    البابا تواضروس يناقش أزمة دير سانت كاترين مع بابا الڤاتيكان    الوقت غير مناسب للاستعجال.. حظ برج الدلو اليوم 8 يونيو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"تعويذة العيفة".. الكاتب الهارب من قدره
نشر في نقطة ضوء يوم 27 - 01 - 2016

تتوزع رواية "تعويذة العيفة" على تسعة فصول تحكي عن معاناة مثقف في بلاد تكون فيها الكتابة لعنة والقلم رصاصا يمكن أن يصيب صاحبه في مقتل قبل أن ينطلق في اتجاه الحق.
هذه هي قصة "العيفة" بطل الرواية البكر للأستاذ الجامعي الدكتور توفيق العلوي أستاذ اللّغة بالجامعة التونسية. سمّاه أبوه "العيفة" لتعافه الموت وامتهن الكتابة فكانت تعويذته الكتابة ذات الطلاسم التي تريد أن تطرد شياطين الإنس وتطهر الحياة من دنسهم.
نحن نجد أنفسنا منذ العنوان في جوّ ثقافي بامتياز. ثقافة تجعل الأسماء حيلة للتنصّل من الموت وتجعل من الكتابة حلية للتخلص من الشرور لكنّ الاسم وإن كان ينجي صاحبه من الموت فإنّه يلقي به على أعتاب حياة كالموت أو أشدّ عسرا؛ وإذا كانت التعويذة تفريجا عن الكرب بالكتابة فإنّ للكتابة مقايِضا هو الحرية.
إنّنا ندخل الرواية - الصادرة عن دار زينب للنشر بتونس من بوّابة الأسماء، والأسماء- بهذا المنظار الثقافي الذي كان بوابتنا إلى الرواية - لا تعيّن أصحابها بل هي عنوان للنجاة من الموت المتربص بالبدو البسطاء: يعتقدون أنّ الموت يخطفهم تقصُّدا فيتخفون وراء أسماء بشعة حتّى الموت يعافها. لكنّها لعنة تظل تصاحب من تسمّى بها طيلة الحياة لأنّها ستكون عبئا يحمله المتسمّى بها في ثقافة تكون الأسماء فيها حكما أوّلا وقد يكون باتّا على المرجع المُسمّى.
لم تطرح التسمية في سياق الاستخفاف العادي بالأسماء أو في سياق الطابع الثقافي لها فحسب؛ بل كانت تتستّر وراءها مسألة فلسفية تطارحها الفلاسفة الإغريق منذ سقراط وخصوصا في محاورة فلسفية تضمنها كتاب "كراتيل" المذكور صراحة في الرواية وهو كتاب نقل فيه إفلاطون المحاورة التي دارت بين كراتيل وهرموجين بحضور سقراط حول إحكام الأسماء ودقتها بردّها إلى الأصل الطبيعي أو العقلي.
بساطة المأساة ليست في دقة الأسماء، بل في أنّها لا تناسب أصحابها فالعيفة عاش طريدا لعدم دقة اسمه في علاقته بذاته مسمّى متساميا على الواقع.
ما يشدّك في الرواية ذات ال 244 صفحة، أشياء ثلاثة على الأقلّ أوّلها لغتها المتقنة، وثانيها طبقات القص التي فيها، وثالثها النزعة إلى تغليف القص بمعطيات سيرذاتية.
اللغة التي كتبت بها رواية "تعويذة العيفة" لغة راقية فيها ماءُ الأدب وانسيابية الكلام، وهذا ما يقلل من الكلفة ويجعل الأدبي كالجزء من اليومي. وهذا مكسب كبير يوفق بين لغة الإبداع والفكرة المبدعة فلا تقدّم الأفكار في أثواب لغوية مترهلة.
كان النسيج اللغوي متينا من دون أن يظهر أنّ الروائيّ لغويّ مدقّق. كانت الجملة خفيفة كلما احتاج الموقف خفتها وكانت عقليّة تجنح إلى التجريد كلما تطلب الموقف الروائي ذلك؛ ولكنّها كانت شعرية استعارية حين كان الموقف يتطلب ذلك. لقد خلقت اللغة في النص شعريّة البساطة والاحتفال بالدقائق والجزئيّات لأنّ الشيطان يكمن في التفاصيل، ولكن تكمن فيها أيضا الملائكة.
ومن جهة أخرى فإنّ في الرواية طبقتين: رواية تحت أخرى، أو رواية أصلية، تفتح ذراعيها لرواية فرعية واحدة كتبها البطل، والثانية كُتبت عن البطل الروائيّ: فضاء روائيّ أمّ يتكفّل به الروائيّ وفضاء روائي بنت يتكفّل به البطل.
ولقد حاول الروائي أن يجعل أسلوبي الكتابة مختلفين، فالرواية التي يكتبها البطل يغلب عليها التجريب والتجريد، وقد تتنفّس بالتفاصيل الرمزية وهي تقدّم معطيات سردية تكمّل الرواية الأصلية أو الأمّ.
يمكن القول إنّ هذا الشكل من التضمين قد خلق كسرا للرتابة في مستوى المشاهد وأتاح فرصة لتعليق دوّار القصّ لتشغيل دوّار قصّ آخر. وما دفع إلى هذا الازدواج أو التضمين ليس فقط تنويع الرؤى بل أيضا إثبات أنّ الروائيّ قصّاص ذو خبرة بالكتابة، سطع نجم كتابته لكنّه كان عرضة لأن تستلب ملكيته الفكرية وحين عادت إليه استلبت حريّته بالكامل. لكن ما يلفت الانتباه أنّ الرواية تنفتح بالنص المضمّن أو الرواية البنت وبها تنتهي وما بينهما نجد الرواية الأمّ لكنّ الروايتين تلتحمان في النهاية: نهايتان في نهاية وصوتان ممتزجان ملتحمان لأنّ صوتيهما متحدان في الهوية والمشاغل. لقد اتحد النصان في النهاية اتحادا هو من نوع حلول نصّ في نصّ وشخصيّة في ذاتها وهو ضرب من التواشج والتصالح بين البطل راويا والبطل روائيّا.
ولكنّ هذا التشابك بين الروايتين كان في عمقه ضربا من الإيحاء بأنّ النص الروائي يمكن أن يكون منفتحا على التجربة السيرذاتية في الكتابة: سيرة ذاتية هي ذاتها في طبقتين: سيرة ذاتية فنيّة هي سيرة البطل العيفة وسيرة ذاتية خفية هي سيرة المؤلف، فلقد نُفثت في النصّ كثير من أصدائه المحيلة عليه.
إنّ السيرة الذاتية التي تتداخل بالرواية ليست سرا في النص بل هي حقيقة مكشوفة إذ يقول الراوي عن البطل: "همّ العيفة أن يقول إنّه سيكتب لا محالة سيرته الذاتية في رواية". (ص 159)
لكن هل يمكن القول إنّ ما كتبه العلوي هو رواية سيرذاتية؟ أعتقد أنّ ذلك لم يكن محقّقا إن نحن فهمنا من السيرة الذاتية ترجمة روائية لشخص مؤلفها. فما نجده في الروائية سيرة ذاتية لجيل من طلبة الثمانينيات الآفاقيين القادمين إلى المدينة بكل عطر الريف والساعين إلى تكسير حواجز الفقر بالتعليم، ولقد كان ذلك ممكنا فمن مزايا ديمقراطية التعليم بتونس أن جعلت المتعلمين يفتكون الوظائف ويطلقون الانتماء إلى الطبقة الفقيرة ويتدرجون شيئا فشيئا إلى الطبقة الوسطى، وكان ذلك ممكنا بفضل مجانية التعليم وديمقراطيته.
لكنّ المعضلة أنّ المثقف الذي ارتقى إلى طبقة وسطى لم ينس معاناة طبقته الكادحة وسعى بالوسائل الثقافية السلمية إلى أن يكشف فساد الطبقة السياسية والمآل معروف هو السجن والتضييق والعذاب. لكنّه أمر يشبه عَدْوَ التناوب إذ لا يتوقف المتسابق ضدّ التيار إلا ليحمل المضمار عنه ذووه وقد كانت بنت البطل، وعلى الرغم من أنّها لم تعش ظروفا موضوعية من الحرمان كالتي عاشها أبوها، فإنّها تبنّت قضيته والتزمت بالدفاع عن الحقّ والعدل والكرامة. وفي كل هذا قول إنّ النضال ليس حقّا وإنّما هو واجب وأنّه المطالبة بقيم الحق والعدل ليس حكرا على الطبقة الفقيرة بل هو دور الإنسان المثقف مطلقا.
أجمل ما في التداخل بين الروائي والسيرذاتي ليس في البحث عن خفايا حياة المؤلف في ثنايا الرواية فذلك مألوف لكنّه تمثل في شكل آخر أرفع حين تحدث الروائي على لسان الراوي عن مخاض الكتابة الروائية فقال عن شخوص الرواية:
"شخوص روايته آه من شخوص روايته، لقد أتعبته أيّما تعب، جاهد طويلا لينصفها ويوفيها حقّها". (ص 132)
ويقول عن هاجس الكتابة: "ما استطاع التخلص من هاجس الكتابة، تهاجمه الأفكار الروائية من كل صوب وحدب، تحمله في أحضانها، تمسح شعره وتربّت على كتفه، تضعه على كرسي مكتبه" ( ص176)
بذلك استطاع الروائي ومن خلال صوت الشخصيّة أن ينفّس عن نفسه الأمّارة بالكتابة وأن يشكو من ازدحام المسارات التي يمكن أن تسير فيها الأحداث.
ليست الكتابة الروائية كالكتابة العلمية فكرة تناطحها أخرى وتدخلها المخبر لتخرج منه وهي على برد من اليقين حتى وإن كان وقتيّا. الكتابة الإبداعية والروائية بالأساس قلق يظلّ يتكاثر ويتوالد وعيش مع شخصيّات يخلقها الروائي ولا يتخلّص منها يراها في كل اتجاه وفي كلّ مكان يريد أن يقتلها كتابة لكنّها تقتله ألما و تحييه أملا.
..........
د. توفيق قريرة كاتب من تونس


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.