منذ عزل الرئيس محمد مرسي عن الحكم إبان ثورة 30 يونيو التي ساندتها القوات المسلحة، شعر المصريون أن هناك مؤامرة دولية تحاك ضدهم، رغم أن مثل هذا الشعور ليس جديداً على العرب بشكل عام الذين يعتقدون دائماً أن المؤامرات تتجه صوب منطقتهم العربية، لكن المصريين وكثير من العرب شعروا بالصدمة في وسائل الإعلام الغربية التي ساندت جماعة إخوان مصر بشدة التي طالما ظن الجميع أنها محايدة وغير منفذة للنفوذ الحكومات.. أصبح السؤال الآن: لماذا اتخذت وسائل الإعلام الغربية هذا الموقف البائس واليائس لدعم جماعة الإخوان المسلمين ضد الشعب والنظام السياسي المؤقت المصري، إلى حد قلب الحقائق وأخذ الأمور من سياقها الطبيعي, حتى إنهم قد كذبوا بشأن الصور، وبث بعض وسائل الإعلام الغربية لقطات من المظاهرات المناهضة لمرسي أمام القصر الرئاسي وادعت أنها كانت مظاهرات مؤيدة للرئيس الإسلامي في ميدان رابعة العدوية؟ فولكهارد فيندفور رئيس جمعية المراسلين الأجانب بالقاهره يرى، أن الإعلام الغربي كان منحازاً للإخوان ضد الدولة المصرية منذ الإطاحة بالرئيس مرسي من الحكم، حتى مع قيام الأجهزة الأمنية بفض اعتصام ميدان رابعة العدوية كان عدوانياً وهناك خيبة أمل بعد نقل وجهة نظر أحادية للنزاع بين الطرفين، حيث أظهر المراسلون الأجانب تعنتاً واضحاً في سرد الأحداث بطريقة موضوعية لمؤسساتهم في الغرب واكتفوا بتصوير قوات الشرطة وكأنها تحرق الجثث وتقتل النساء وترتكب مذابح بحق متظاهرين سلميين، مطالباً الإعلام المصري عدم الاهتمام كثيراً بالبحث عن كيفية تحسين صورة مصر أمام الرأي العام في العالم، لكن يجب طمأنة الشعب أولاً بأن النظام السياسي المؤقت يسعى إلى تطبيق خارطة الطريق بكل جدية، ووقتها سوف تتغير وجهة النظر الغربية تجاه مصر، حيث ستجبر الإدارات والحكومات الخارجية على التعامل مع الواقع المصري حفاظاً على مصالحهم في المنطقة مع أهم وأقوى دولة عربية في منطقة الشرق الأوسط، مستنكراً مطالبة بعض القوى السياسية لأجهزة الشرطة بممارسة ضبط النفس، فكيف يحدث ذلك وهم يشاهدون صوراً مأساوية لزملائهم قتلوا من أيدي بعض المتشددين وتم التمثيل بجثثهم، لكن المطلوب إقناع الشرطة بتوخي الحذر مع التقليل من الخسائر البشرية والأضرار الجانبية قدر الإمكان وليس ضبط النفس، مؤكداً بأن الوقت حان أمام الإعلام المصري لإنهاء شيطنة الإخوان والبدء في الحديث عن إمكانية التحول الديمقراطي في البلاد، وتركيز جميع المنافذ الإعلامية على الجهود المبذولة في تحقيق العدالة الانتقالية وتحسين العدالة الاجتماعية، وستكون هناك صورة مختلفة عن مصر أمام العالم الخارجي. صنفت وسائل الإعلام الغربية ما حدث في 30 يوليو من قبل الفريق أول عبد الفتاح السيسي وبعض القوى السياسية والدينية في مصر بأنه انقلاب على الشرعية والديمقراطية الناشئة في البلاد، رغم أن نفس الإعلام والدول الغربية احتضنت ثورة يناير رغم أنها جاءت من الجيش أيضاً ولم يكن هناك خارطة طريق محددة لتسليم السلطة، بل على العكس ذهبت القيادة لما بعد مرسي إلى رئيس مدني مؤقت وهو المستشار عدلي منصور رئيس المحكمة الدستورية العليا بجانب وجود خارطة طريق تتضمن الانتقال السلمي للسلطة، أما بعد مبارك فإنها ذهبت إلى المجلس العسكري برئاسة المشير حسين طنطاوي وقتها، والثورتان لديهما نفس الخيارات والشعارات والأهداف حول إسقاط نظام مبارك والإخوان، لكن الغرب اعتمد على نظرياته ورؤيته فقط في تحليل الأحداث وقام بتوجيه إعلامه وفق رؤيته. د.حسن عماد عميد كلية الإعلام بجامعة القاهرة قال: إن الإعلام المصري فشل في نقل صورة حقيقية وواقعية عما يدور في البلاد بعد عزل الرئيس مرسي، نظراً لأنه إعلام محلي والجميع يتحدث مع نفسه في الفضائيات ويكون التأثير على المواطن المصري والعربي فقط، عكس المؤسسات الغربية التي تنقل الصورة لقطاع عريض من المجتمع الخارجي، رغم أنها مؤسسات مستقلة ومملوكة للقطاع الخاص ولايوجد سلطة للحكومات على سياسياتها وتوجهاتها، إلا أنها جزء من البنية الاقتصادية والسياسية والفكرية للدولة التي تعمل فيها، كما أن الإعلام الغربي تأثر كثيراً بالموقف الحكومي لبلاده تجاه ما يحدث في مصر، حتى تاهت الحقيقة أمام المواطن الغربي والأوروبي، وترسخ في ذهنه أن ماحدث في مصر انقلاب عسكري ويوجد مذابح لجماعة الإخوان بعد إقصائهم من السلطة، موضحاً أن المؤسسات الإعلامية الغربية لديها مصالح وأرباح تريد تحقيقها، وهذه المنافذ تتقلب وفقاً لمصالح الدولة والإدارة الحاكمة، ومن هنا فإن أهمية القرب من صناع القرار باعتبارها مصادر الأخبار الهامة كانت كفيلة بالسير على خطى الموقف الحكومي المعادي لما حدث في القاهرة. ومن جانبه أكد د. عبد الصبور فاضل عميد كلية الإعلام جامعة الأزهر، أنه بصرف النظر عن نظرية المؤامرة، فإنه من المهم أن نفهم لماذا مصر والثوار فشلوا في كسب تعاطف الرأي العام العالمي خلال موجة ثورة 30 يونيو؟، الإجابة ببساطة لأن السلطة كان على رأسها رئيس منتخب بإرداة شعبية وديمقراطية وهناك نظام دستوري قائم دون الخوض في مدى شرعية الانتخابات الرئاسية، والعالم الغربي لا يحب أن تتدخل الجيوش في اللعبة السياسية, ولذلك فإنه مهما كانت الحشود المناهضة للرئيس السابق محمد مرسي فإن كاميرات الإعلام الخارجي لن تتأثر بهذه المشاهد؛ لأن الحكومات الغربية ترى أن النظام صعد بطريقة شرعية ويجب مساندته، موضحاً أن الإدارة الأمريكية وبعض وسائل الإعلام الغربية لديها وقت طويل لتقبل فكرة عزل الرئيس مرسي وإنهاء حكم الإخوان المسلمين من خلال المظاهرات الشعبية التي خرجت ضد الحكم الإخواني، وعلى الرغم أن تظاهرات30 يونيو كانت الأكبر في تاريخ مصر مقارنة بتظاهرات 25 يناير التي أطاحت بالرئيس الأسبق حسني مبارك، إلا أن التغطية الإعلامية لهذه المظاهرات كانت محدودة من قبل بعض الصحفيين والمراسلين الأجانب، لوجود رؤية حكومية أوروبية بأهمية مساندة الإخوان لتحقيق مشروع الشرق الأوسط الجديد. وفي رأي د. عبد الرحيم علي رئيس المركز العربي للدراسات والبحوث، أن استراتيجية الإخوان اعتمدت على مخاطبة الإعلام الغربي فقط لأنه الطريق الوحيد لكسب التعاطف الدولي لصالحهم، وابتعدوا تماماً عن الإعلام المصري لأنه ضيق الأفق ومحدود التأثير خارجياً، كما أن الإخوان تاجروا بدماء مؤيديهم عن طريق تعظيم الإصابات والوفيات على أيدي الجيش والقوات الأمنية باعتباره أفضل وسيلة لكسب تعاطف الغرب وكسر الدعم الشعبي للحكومة المؤقتة، لافتاً إلى أن أكثر ما أغضب الولاياتالمتحدة هو الأموال التي ذهبت هباءاً على إخوان مصر، وجعلت الكونجرس يقدم استجواباً لأوباما حول هذه الأموال التي تم دفعها بهدف التنسيق بين الطرفين لتقديم ضمانات لتحقيق شرق أوسط جديد وإعادة ترتيب المنطقة وفق أولويات جديدة، بالإضافة إلى إمكانية الإخوان التنازل عن جزء من سيناء لحل الأزمة الفلسطينية، حتى جاءت ثورة 30 يونيو لإجهاض هذه المخططات. في حين أشار د.جمال زهران أستاذ العلوم السياسية بجامعة قناة السويس، إلى أن الإدارة الأمريكية كانت تحيك مؤامرة لتقويض مصر وجعلها تابعة لقرار واشنطن تحت الحكم الإخواني، حيث كان أوباما يريد إقامة تحالفات مع الحركات الراديكالية في العالم العربي والإسلامي لتقليص نفوذها ومخاطرها على الغرب، وكان يرى أن الإخوان المسلمين قادرة على كبح جماح المنظامات الإسلامية في العالم في حال صعودها إلى حكم مصر، خاصةً وأن أمريكا فقدت الكثير من الأموال والجنود في حربها على الإرهاب دون نتيجة، ولذلك سعت إلى إمكانية صعود هذه الجماعات إلى السلطة ودعمها بعد ثورات الربيع العربي وإسقاط الأنظمة القديمة، موضحاً أن إدارة أوباما تعاملت مع الحركات الإسلامية بمنطق "إذا لم تتمكن من التغلب عليهم حاول الانضمام إليهم لتجنب شرهم"، وببساطة فإن الطريقة التي غطت بها وسائل الإعلام والمنظمات الغربية الأحداث في مصر كانت منحازة للإخوان وغير موضوعية في نقل الأحداث، وهذا إطار طبيعي وفقاً لرؤية الإدارة السياسية الغربية، الأمر الذي كان من المفترض أن يكون الإعلام المصري على قدر المنافسة لتوضيح الصورة، لكن فشل في اختراق الحدود المصرية لإيصال الحقيقة لباقي دول المنطقة. وفي السياق ذاته, أكد د.كمال الهلباوي المتحدث السابق باسم الإخوان المسلمين في الغرب، أن التنظيم الدولي للإخوان يمتلك قدراً هائلاً من النفوذ المالي على بعض المؤسسات الإعلامية الغربية المتوسطة، لكنهم يدفعون مبالغ طائلة مقدمة من تركيا وقطر لنشر إعلاناتهم في كبريات الصحف الخارجية، ومؤخراً بعد فض اعتصام رابعة العدوية لجأت الجماعة إلى نشر إعلانات على صفحات "واشنطن بوست" وغيرها للتحدث عن الانقلاب العسكري في مصر، وإظهار صور قاسية قديمة بزاوية معينة توضح مجازر وحشية للقوات الأمنية والعسكرية في حق المصريين المطالبين بالشرعية ومن يؤيدون مرسي، وهذه الإعلانات ترسخ في ذهن المواطن الغربي صورة سلبية لما يحدث في البلاد، موضحاً أن هناك بعض الأمور التي أسهمت بشكل غير مرغوب فيه ترسيخ صورة الغرب السيئة عما يحدث في مصر، فمثلاً أعطى خبر إطلاق سراح مبارك مادة خصبة لوسائل الإعلام الغربية لإثبات أن ما حدث يوم 30 يونيو ليست سوى ثورة مضادة لإحياء النظام القديم، وعرف الإخوان كيف يستغلون هذا الحدث بطريقتهم الخاصة، وفي الوقت نفسه كان هناك فشل للخارجية والإعلام المصري باستغلال الحادث لو تم التركيز على أن براءة مبارك في جميع الاتهامات الموجهة ضده تمت في عهد مرسي، وأنه فشل في تقديم أدلة جديدة تدين قيادات النظام السابق في قتل المتظاهرين كما وعد أثناء حملته الرئاسية، بالإضافة إلى أن الإعلام المحلي فشل في التركيز على إعادة هيكلة المجلس القومي لحقوق الإنسان وأنه جاء خليط من كافة التيارات السياسية المتباينة في أيدلوجيتها الفكرية، الأمر الذي يؤكد بأن النظام المؤقت لايسعى لإقصاء أحد من المشاركة السياسية، في النهاية يجب أن يكون هناك توازن بين جهود مصر لتحسين صورتها العامة أمام العالم، والجهود الدؤوبة لتحقيق النجاح في كبح جماح الإرهاب ووضع حد للعنف وإراقة الدماء، مع ضرورة التركيز على مسار التقدم في خارطة الطريق التي ستؤدي إلى انتخابات حرة ونزيهة وترسخ التحول الديمقراطي.