صوتك أمانة.. انزل وشارك فى انتخابات مجلس النواب تحت إشراف قضائى كامل    مفاجأة ينتظرها صلاح، أول المرشحين لخلافة سلوت في ليفربول بعد الخسارة السادسة بالبريميرليج    السيطرة على حريق مصبغة المنطقة C1 الصناعية في الشرقية    طقس اليوم الاثنين.. تحذيرات من الأمطار والشبورة المائية مع استمرار ارتفاع الحرارة    مصرع شخص إثر انقلاب سيارة نصف نقل في مياه أحد المصارف بالبحيرة    بيان مبادرة "أطفالنا خط أحمر" بشأن واقعة الاعتداء على تلاميذ مدرسة "سيدز الدولية"    منها "إقصاء مادورو"، ترامب يجهز خطة "عمليات سرية" ضد فنزويلا    عمرو أديب: عايزين نتعلم من درس عمدة نيويورك زهران ممداني    صفحة الداخلية منصة عالمية.. كيف حققت ثاني أعلى أداء حكومي بعد البيت الأبيض؟    مانيج إنجن: الذكاء الاصطناعي يعيد تشكيل أمن المعلومات في مصر    استشهاد 24 فلسطينيًا في قطاع غزة منذ فجر السبت    ترامب: اقتراحي لإنهاء الحرب في أوكرانيا ليس عرضًا نهائيًا    ماكرون يرفض مقترح عودة صيغة "مجموعة الثماني" بمشاركة روسيا    الداخلية تكشف ملابسات اعتداء قائد سيارة نقل ذكي على سيدة بالقليوبية    : ميريام "2"    توروب: أعرف قيمة دوري الأبطال بالنسبة ل الأهلي.. وكنت أنتظر إمام عاشور    حمزة عبد الكريم: سعيد بالمشاركة مع الأهلي في بطولة إفريقيا    جامعة القناة تتألق في بارالمبياد الجامعات المصرية وتحصد 9 ميداليات متنوعة    فليك: فخور بأداء برشلونة أمام أتلتيك بيلباو وسيطرتنا كانت كاملة    نابولي يتربع على صدارة الدوري الإيطالي بثلاثية في شباك أتالانتا    محافظ كفر الشيخ يعلن الاستعدادات النهائية لانتخابات النواب 2025    ب16 سفينة وتصدير منتجات ل11 دولة أوروبية.. ميناء دمياط يعزز مكانته اللوجيستية العالمية    باريس سان جيرمان يكتسح لوهافر بثلاثية في الدوري الفرنسي.. فيديو    روسيا: لم نتلقَّ أى رد من واشنطن حول تصريحات ترامب عن التجارب النووية    أهم الأخبار العالمية والعربية حتى منتصف الليل.. الإخوان الإرهابية تواجه تهديدا وجوديا فى قارة أوروبا.. ترامب: خطة السلام بشأن أوكرانيا ليست نهائية.. تعليق الملاحة فى مطار آيندهوفن الهولندى بعد رصد مسيّرات    عاجل- الداخلية المصرية تحصد المركز الثاني عالميًا في أداء الحسابات الحكومية على فيسبوك بأكثر من 24 مليون تفاعل    حبس 10 متهمين في أحداث مشاجرة بعد مقتل شاب وإصابة 4 آخرين بكفر الشيخ    الوكيل الدائم للتضامن: أسعار حج الجمعيات هذا العام أقل 12 ألف جنيه.. وأكثر من 36 ألف طلب للتقديم    السعودية.. أمير الشرقية يدشن عددا من مشاريع الطرق الحيوية بالمنطقة    د.حماد عبدالله يكتب: مشكلة "كتاب الرأى" !!    دولة التلاوة.. هنا في مصر يُقرأ القرآن الكريم    محافظة الجيزة تكشف تفاصيل إحلال المركبة الجديدة بديل التوك توك.. فيديو    الحلم النووي صار حقيقة    الري تفتح مفيض توشكى لاستيعاب تدفقات مفاجئة من السد الإثيوبي    البابا تواضروس الثاني يطيّب رفات القديس أثناسيوس بمناسبة مرور 17 قرنًا على مجمع نيقية    مصطفى حسنى للمتسابق عطية الله رمضان: ربنا ينوّلنا صحبتك فى الدنيا والآخرة    مخرجة فيلم دخل الربيع يضحك: رميت السيناريو بعد التدريب.. وخليت الممثلين يعيشوا القصة من خيالهم    حكاية أثر| "تماثيل الخدم في مصر القديمة".. دلالاتها ووظيفتها داخل مقابر النخبة    رمضان 2026 - أحمد أمين ودنيا سامي في كواليس "النص 2"    المتحدث باسم الصحة: الإنفلونزا A الأكثر انتشارا.. وشدة الأعراض بسبب غياب المناعة منذ كورونا    طريقة مبتكرة وشهية لإعداد البطاطا بالحليب والقرفة لتعزيز صحة الجسم    "الوطنية للانتخابات" تدعو المصريين بالداخل للمشاركة في المرحلة الثانية لانتخابات مجلس النواب    جدول زمني للانتهاء من مشروعات الصرف الصحي المتعثرة بالقليوبية    أهالى القفايطة بنصر النوبة يشكرون الرئيس السيسى بعد تحقيق حلم تركيب الكهرباء والمياه    الزراعة: زيادة إنتاج مصر من اللحوم الحمراء ل600 ألف طن بنهاية 2025    مفتي الجمهورية: خدمة الحاج عبادة وتنافسا في الخير    الرعاية الصحية: أعظم الطرق لحماية الصحة ليس الدواء لكن طريقة استخدامه    معهد بحوث الإلكترونيات يستضيف ورشة دولية حول الهوائيات والميكروويف نحو مستقبل مستدام    بث مباشر الآن.. مباراة ليفربول ونوتنغهام فورست في الجولة 12 من الدوري الإنجليزي 2026    شاهد الآن.. بث مباشر لمباراة الهلال والفتح في الدوري السعودي روشن 2025-2026    الزراعة تطلق حملات توعوية مكثفة لتعزيز الأمن الحيوي في قطاع الدواجن المصري    الوطنية للانتخابات: بدء فرز الأصوات بنيوزيلندا.. والكويت الأعلى تصويتا حتى الآن    دولة التلاوة.. أصوات من الجنة    الآن.. سعر الجنيه الذهب اليوم السبت 22-11-2025 في محافظة قنا    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 22-11-2025 في محافظة الأقصر    وزارة الصحة توجه رسالة هامة عن تلقى التطعيمات.. تفاصيل    خلاف حاد على الهواء بين ضيوف "خط أحمر" بسبب مشاركة المرأة في مصروف البيت    عضو "الشؤون الإسلامية" يوضح حكم التعامل مع الدجالين والمشعوذين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



علي جعفر العلاق في نداء البدايات: توتر في النص وأحساس بالنغم
نشر في نقطة ضوء يوم 06 - 07 - 2013

يواصل علي جعفر العلاق في نداء البدايات ( المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 2013) ما كان قد ابتدأه في ديوانه " ذاهب لاصطياد الندى 2011 " بناءه القصيدة بناءً لا يخلو من توتر يتركها مشدودة في اتجاهين، كل منهما عكس الآخر. وهذا يظهر من تقديمه المكثف للديوان ، وهو قصيدة قصيرة أكبر من (الهايكو) وأقل حجما من القصيدة. ويتجلى توتر النص في تركيزه على الطائر الذي يحلق على أساس أن التحليق يعبر عن حرية هذا الطائر، وانطلاقه في فضاءات بلا حدود، غير أن الذكرى، هي التي تجعل من هذا التحليق تحليقا في قفص. فإذا بالانفتاح يتخذ صفة الانغلاق، مؤكدا أن الطائر المحلق طائر حبيس في لحظة اليتم، ولحظة اليأس، ولحظة الماضي، وإذا بالتحليق لا يعدو أن يكون حضورا في الغياب:
حلق الطائئرُ حتى آخر الذكرى
وحتى آخر اليأس
وأرخى
لشذا اليتم جناحيه
القديمين
وغاب(ص5)
يحتاج التحليق لجناحين منتصبين، قويين، منفردين لا إلى جناحين مرتخيين، متهدلين، ويحتاج لطائرٍ يتمتع بالقوة والحيوية لا باليأس، ولا بالإحباط، ولا باليتم، ويحتاج لطائر يتمتع في تحليقه بالحضور، لا بالغياب. من خلل هذه الثنائيات يتضح أن القصيدة عند العلاق، وإن كانت قصيرة جدا مكثفة تمتلئ باتنافر الذي يشيع فيها أجواءَ التوتر، وهذا التوتر يطرد في قصائد أخرى، منها قصيدته ‘ الشاعر ‘ (ص7) التي ينطلق فيها من مفارقة تتكئ على عنصرين متنافرين، أحدهما عكس الآخر. فالشاعر الذي يرث أسلافه يرث ضوءهم لا السلاسل، فالضوء خلافا للسلاسل يغريه بتأمل الفراشات: قافية، رعدٌ حميم، غبطة تشبه الطيش، وطيش يشبه الحكمة، وراقصون يؤدون رقصاتهم بأقدام حافية مقيدة بسلاسل من ذهب، والذهب غائم. وأقدام الراقصين المغلولة بالذهب الغائم كأنها لغة حافية، وهذا جله ينم على أن التوتر لا يتجلى عند العلاق على مستوى المعنى حسب، بل على مستوى التشكيل اللغوي، والنسق المجازي، إذ هو لا يكتفي بما يكتفي به غيره من ترف مجازي، وتعسف استعاري، وإنما يمعن في تكسير الأعراف المتبعة في تفعيل اللغة المجازية، وها هي ذي الفراشاتُ التي استعيرت سابقا للدلالة على حشد من الصور الشعرية- تتحول إلى حصىً، والشعراء إلى أودية تتلمس مجراها بين ذلك الحصى :
شعراءُ
يضيئون من فرط وحشتهم
ويسيلون
بين حصى القافية (ص8)
وهذا التوتر- على مستوى اللغة- يتجلى أيضًا في قصيدة له أخرى بعنوان ‘ يقظة ‘ إذ يظهر فيها النوم خارجًا من نومه، صافيا، ليس كدرًا. والحجارة التي على كثب من المنزل تبدو ثملة، منتشية، بالضوء، والطريق يتلفت للسبب ذاته مثلما تتلفت الجدران:
والفراشاتُ
ضاءتْ على مدْخل البيْت
كمْ حجرٍ
حكّهُ الضوءُ حتى بدا ثملا
كمْ طريقٍ
تلفتُّ منتشيًا
كمْ جدارٍ (ص10)
وقد يكون التوتر في قصيدة العلاق ناجمًا عن اختياره نموذجا يرسم لنا صورته في تهكم يقرّبُ القصيدة من المفارقة الدرامية. فهو في قصيدة عنوانها ‘ طاغية ‘(ص27) يرسم لنا هذه الصورة التي يظنها القارئ كغيرها من صور الطغاة، غير أن طاغيته يختلف عن غيره من الطغاة، فهو لا يكره الغيم حسب، ولا صوت الناي الحزين حسب، ولا يجهش بالبكاء متأثرًا بالغناء الشجي، ولا يشرب كغيه خمرة مصفاةً، أو ماء عذبا نميرًا. وإنما يحتسي دم الماضي، فهو الشرابُ الذي يقيم على تعاطيه منذ كان. وهو لا يقيم في موضع، ولا في ظلمة أو في نهار ، إنما يعْبُر على الدوام من مكانٍ لآخر تاركا خلفه المآسي التي لا يرفّ لها جفنه، ولا يقشعرُّ لهوْلها بدنه:
ما بكى يوما
على قبر غزال
ما انحنى يوما
على حلم أحد
بعضه يكفي
لتهديم
بلدْ (ص28)
فما بين الصورة المعتادة للطغاة، وهذه الصورة، تنبض القصيدة ببعض التوتر الذي يشحنها بطاقة انفعالية كبيرة تتجلى في ذلك الاستقطاب الذي يجمع بين نموذجين، أحدهما مترسب، متراكم، في وعي المتلقي، والثاني يكسر به الشاعر القالب النمطي للطاغية، مخالفاً بذلك جل ما لدى المتلقي من توقع.
ولعلي جعفر العلاق في شعره ولعٌ بالموسيقى، وشغف بالإيقاع، وإحساس دقيق بالنغم، وهذا شيء يجده القارئ في قصائده بما فيها تلك القصائد التي تصنف في قصيدة النثر التي كتبها الماغوط وأنسي الحاج وأدونيس، وأمجد ناصر وأحمد الشهاوي وآخرون. بيد أن العلاق الذي سبق لنا أن تناولنا قصيدته ‘ عاشقان ‘ في كتابنا ‘ الصوت المنفرد ‘(2011)، وما فيها من الإحساس المفعم بالجرْس، يفجأنا في نداء البدايات بقصيدة لافتة للنظر بما فيها من تشكيل إيقاعي مبتكر يقوم على تجاوز الوحدة التقليدية في الشعر وهي البيت أو الشطر أو(المصراع) والقصيدة التي أعنيها- ها هنا- هي : العودة إلى بابل(ص41).
فعدا عن أنها قصيدة تمثل تجربة شعرية جديدة على مستوى الرؤيا المعبرة عن وضع خاص مر به العراق ويمر به منذ اجتياح ‘الثعابين ‘ و'الغربان ‘ لبابل ، سواء أكان هذا الاجتياح على مستوى الأرض، أم على مستوى الجو، وعدا عن أن فيها صورا وتراكيب تلفت القارئ لما في لغة الشاعر من انزياحات أسلوبية تضفي على شعره طابعا لفظيا خاصا به يميزه من غيره ، عدا عن هذا كله، فإن فيها ظاهرة جديدة مبتكرة وهي المزج بين تفعيلتين من تفعيلات الشعر الحر، هما تفعيلة الرجز: مستفعلن، والمتدارك: فاعلن. وقد انتظمت التفعيلتان في القصيدة انتظامًا أدى للانفلات من وحدة البيت،والشطر، والمصراع، مثلما ذكر. فالتفعيلتان تتكرران في نسق يجعل من الصدر مفتوحا على العجز، ومن العجز مفتوحا على صدر البيت التالي:
مضت قرونٌ
ويمضي غيرها
سفنٌ تحطمتْ، وحمامٌ
تاهَ
كم سنةٍ
ضعنا وضاع مغنينا
الغرابُ مضى
لا عندليبَ
على التيار
لا مَطرٌ
على الأغاني.. (ص41)
فهذه الأسطر، والتراكيب جميعًا، إذا نُظر إليها من منظور عروضي وُجد أنها تتساوق على نحوٍ تتكرر فيه مستفعلن وفاعلن وصورهما بانتظام دقيق، وهاتان التفعيلتان مثلما هو معروف- هما الوحدتان الوزنيتان اللتان يقوم عليهما بحر من بحور الشعر المركبة، وهو البحر البسيط الذي أبت نازك الملائكة، ونفت، قابليته للاستعمال في الشعر الحر، كونه ليس من البحور الصافية التي تعتمد تكرار تفعيلة واحدة ، وشايعها في هذا كثيرون جدا منهم عبدالله الغذامي.
وهذا النسق سبق أن لجأ إليه السياب ، ولجأ إليه محمود درويش، في ديوانه ‘ هي أغنية… هي أغنية ‘ 1986. ولكن التجارب التي من هذا القبيل لم تحقق نجاحًا يذكر. بيد أن العلاق بكسره الحاجز التقليدي الذي يفصل البيت عن الذي يليه والمصراع عن الذي يقابله، جعل من القصيدة بيتا واحدا، فإذا قرأنا الجزء الآتي منها:
ضعنا
وعدنا
وضعنا
مثل أغنيةٍ
تسيل من وترٍ
أعمى كأغنيةٍ
في ذروة اليأس
هل للبحر ذاكرةٌ، تكفي
لحشرجةِ
الغرقى،
وهلْ عُجنتْ ناياتنا
بعظام الميتينَ.. (ص43-44)
فالأسطر المذكورة، من الوجهة العروضية، تتكرر فيها مستفعلن فاعلن دون أي تغيير، أو تعثر، وعندما نبلغ كلمة(الميّتين) نتوقف عند الصوت الأخير، وهو النون المتحركة بالفتحة، ومنهما يتألف مقطع عروضي قصير وهو الذي يسميه علماء الصوتيات مقطعا مفتوحا لأنه ينتهي بحركة، وقصيرا لأن الحركة فيه قصيرة. وهذا المقطع يجعلُ البيت، إذا تسامحنا في المصطلح، مفتوحًا على بداية البيت الذي يليه، وكأن الفراغ الذي يفصل بين الكلمة(الميتين) وكلمة(لقد) في بداية الجزء التالي فراغ وهمي، ووجوده بصريٌّ لا أكثر ، والقصيدة لا يتحقق وجودها على المستوى البصري حسب، بل تتحقق أيضا على مستوى الملفوظ، والمسموع، الذي يتردد صداه ويعذبُ لدى السامع رهيف الحس، دقيق الشعور، ولهذا فإنَّ الأسطر التالية :
لقد / عدنا
قساةً نغني
ليس في دمنا .. إلا المشانقُ (ص44)
فإذا اسْتُقبِلَتْ دون كلمة الميتين، وما بينهما من تواصل لفظي، وتفاعل صوتي، ينتج عنه اتساقٌ وزني، كان الاستقبال مختلا، والتلقي قاصرًا. فالتفعيلة فعلن تتألف من الصوت الأخير في كلمة (الميتين) وكلمة ( لقد) ومن يقرأ هذه القصيدة ويوازن بينها وبين قصيدة محمود درويش التي حاول فيها تطويع البحر البسيط لكتابة قصيدة من شعر التفعيلة يجد الفرق كبيرا، ففي قصيدة درويش ثقل واضح، كمن يقتلع الألفاظ من جوفه اقتلاعا، فلا يكون وقعُها على الأسماع إلا ثقيلا ناشزًا لغياب الانسجام الصوتي، والتناغُم الرشيق:
لو عدت يومًا إلى ما كانَ هل أجدُ
الشيء الذي كان، والشيء الذي سيكون
والعزف منفردُ
والعزف منفردُ(ص23)
وتبعا لما في هذه القصيدة من تعثر، وتغييب، للانسجام الصوتي، لم يكرر درويش هذه التجربة التي لم يكتب لها التوفيق، مثلما عزف السياب عن تكرار محاولاته لتطويع البحر الطويل لقصيدة تعتمد التفعيلة الواحدة. وخلافا للشاعرين الكبيرين اتكأ العلاق على التدوير في أداء يختلف عن التدوير الذي اعتدناه في قصائد تقوم على تكرار تفعيلة واحدة لا اثنتين، على نحو ما نجد في هذا المثال الذي تتكرر فيه فاعلاتن:
مدن تأتي وتمضي
هذه زنزانتي
بين حوار الضوء
والظل
جدارٌ وجدارْ
وهذا النوع من التدوير شائعٌ في الشعر الحديث، ويكاد لا يخلو من أمثلته ديوانٌ. أما العلاق فقد جاءنا بقصيدة جديدة، أخضع فيها البحر البسيط لمثال لا يقوم على مصراع أو مصراعين، ولا على شطر أو شطرين، مما يجعل الدلالات والإحساسات التي يعبر عنها، أو تعبر عنها الصور، والتراكيب، تتدفق في سلاسة تامة، وتجري في أجزاء القصيدة جريان الماء في النهر العميق، وإن بدت الفراغاتُ- من حين لآخر – علاماتٍ تدلُّ على انتهاء وحدة من القصيدة، وبدء وحدة أخرى. وبذلك يكون العلاق قد نجح في رأينا بترويض البحر البسيط، وتطويعه، لأساسيات الشعر الحر، ترويضًا ينسجم مع غايات الإبداع الحقيقي في الأدب، والفن، وهي الوصول لحلول جديدة لمشكلات الكتابة الإبداعية إن كانت ثمة مشكلات، وترويض المستعصي منها ترويضَ السائِس للنّمِرَة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.