في يقيني أن ضرب بوش بحذاء الصحفي العراقي منتظر الزيدي يأتي في قمة الأحداث الهامة في عام 2008، مهما اختلفت ردود الفعل حوله لأن هذا الحدث في رأيي لا يتوقف معناه أو مدلوله عند حدود الثأر لكرامة شعب سلبت حريته وانتهك شرف ابنائه بإهانة "بوش" بما يمثله من صلف أمريكي، وإنما لكونه رمزا ومعبرا عن غضب الشعوب وكراهيتها للطغاة والحكام المتجبرين والنظم الديكتاتورية حتي وإن تغنت بالديمقراطية والحرية. يظل حذاء "منتظر الزيدي" الطائر في وجه "بوش" هو الحدث الأبرز ليس علي مستوي الحكومات فقط ولكن علي مستوي الإرادة الشعبية فهو درس من الشعوب المقهورة المغلوبة علي أمرها إلي كل طاغية وكل حاكم ينسي أن الشعوب مهما طال صبرها لا تسكت أبدا علي هوان أو ظلم مهما بدت ساكنة أو خانعة. مشهد حذاء "منتظر الزيدي" وهو يطلقه في وجه "بوش" سيظل رمزا لقدرة العربي علي رفض الظلم ومحاربة الديكتاتورية حتي لو كان السلاح "فردة حذاء" ولابد أن يفكر كل الحكام في كل انحاء العالم ومنهم حكامنا العرب في مدلول "حذاء الزيدي" فهو رمز لأحذية الشعوب في وجه الطغاة فالزيدي عربي نعم هو عراقي ذاق مرارة الاحتلال وهوان الكرامة واستباحة الأعراض وسرقة الأوطان ونهب الثروات تحت شعار "الحرية والديمقراطية" التي جاء بها "الكاوبوي الأمريكي" وهو ينهب ثروات بلاد الرافدين وبعد أن وصل إلي حد اليأس والمرارة لما يحدث في وطنه من تقطيع الأوصال ونيران الفتنة رأي في "الحذاء" خير دواء للقضاء علي كبرياء بوش الذي جاء مختالا يحتفل باتفاقيته الأمنية المشبوهة مع صنيعته "المالكي" فأراد "الزيدي" أن يعلنها "حذاءه" عالية مدوية "لا لك يا بوش ولاتفاقيتك الأمنية فلا أمن ولا أمان مع من سرق الأوطان وأذل الأبدان". ومثل "الزيدي" اعتقد أن هناك "زيديون" في كل وطن عربي صبروا طويلا علي ظلم حكامهم وعلي سرقة مستقبلهم وتزييف ارادتهم وتغييب هويتهم والحط من كرامتهم عندما ركعوا للجالس في البيت الأبيض، هناك ملايين الشباب الذين يمكن أن يكونوا مثل "منتظر الزيدي" ويتمنون أن يصفعوا حكامهم "بالبرطوشة" وليس الحذاء لأنهم اسقطوهم من حساباتهم وتركوهم في الشوارع وعلي الأرصفة وتاجروا بأحلامهم وحرموهم من أبسط حقوقهم في أن تكون لهم حياة وأسرة وبيت وان لم يتدارك حكامنا أمورهم ويعودوا إلي رشدهم يمكن أن تكون "جزمة" الزيدي بداية انتفاضة "الحذاء العربي" ليس ضد المحتلين فقط مثل انتفاضة الحجارة في فلسطين التي أجهضها تجار السياسة هناك ولكن ضد كل حاكم عربي مستبد لا يراعي أبدا مصلحة شعبه ويحكم بقبضة من حديد وبديكتاتورية ولا يؤمن بالديمقراطية وحق الشعوب في الحرية وتداول السلطات. تصرف "الزيدي" الذي اعتبر حدث 2008 بامتياز قوبل بفرحة وسعادة غير مسبوقة في العالم العربي حيث اعتبر بمثابة تشف من هذا الرئيس الأمريكي الذي خاض حربين ضد أفغانستان والعراق أودت بحياة نحو مليوني شخص وتسببتا بتشريد ملايين آخرين بالاضافة إلي انتهاكاته الواسعة لحقوق الانسان في جوانتانامو وسجن أبو غريب اضافة إلي كون "الزيدي" مبتدعاً سلاحا شعبيا جديدا يمكن أن يحسب له حسابه. منذ بداية غزو العراق روج بوش انه بداية العراق المزدهر الخالي من نظام الطاغية صدام وبات اسمه يتردد في وسائل الاعلام الغربية علي انه محرر بلاد الرافدين إلا أن الأيام اثبتت زيف كل ما سبق وتأكد أن الاحتلال لم يأت لتخليص العراقيين من شرور صدام بل انه جاء بهدف نهب ثرواته وخاصة النفطية منها بجانب القضاء علي القوة العراقية لتأمين إسرائيل. إن الحالة النفسية التي يعيشها الشعب العراقي ومعاناته القاسية وسقوط مئات الآلاف من الضحايا بين قتلي وجرحي كانت الدافع الأول وراء ما بدر من الزيدي الذي عاني وزملاؤه الصحفيين الكثير من عسف قوات الاحتلال الأمريكي والقوي الأخري المتصارعة مما أدي إلي استشهاد أكثر من 200 صحفي عراقي إلي جانب الاستمرار في الضغط والحد من حرية الرأي والتعبير وحرية الصحافة. عبر "منتظر الزيدي" بطريقة صاخبة وبليغة عن مشاعر كل مواطن عربي بل كل إنسان حر وصاحب ضمير في هذا العالم تجاه الجريمة الرهيبة التي ارتكبها الرئيس الأمريكي جورج بوش وإداراته بحق العراق شعبا ووطنا تلك الجريمة التي لم تتوقف عند حدود تخريب وتفكيك مؤسسات الدولة والمجتمع العراقيين وتدمير وسرقة تراث حضارة شعب الرافدين العريقة، وتمكين قطعان اللصوص والمرتزقة وقطاع الطرق من نهب ثرواته وخيراته فضلا عن إذلاله وتعذيبه وبث بذور الفتنة والعنف بين صفوف ابنائه وإنما زاد الحلف الصهيوني الأمريكي الذي قاده بوش علي ذلك كله بارتكاب جرائم إبادة جماعية تنافس فظائع النازيين راح ضحيتها أكثر من مليون إنسان عراقي. إن مشهد حذاء "منتظر الزيدي" وهو يطير في الهواء مستهدفا وجه جورج بوش بدا وكأنه يختصر كل ما يمكن أن يقال في تشييع "بوش" وعصابته إلي مكتب نفايات التاريخ بعد 8 سنوات عجاف حاولوا خلال واعتقد أن الأمريكيين من الآن فصاعدا سيعتبرون "الجزمة" سلاح دمار شامل اثبت انه من أحدث اسلحة العصر الحديث فتكا وتأثيرا في "العنجهية" الأمريكية لأن "الزيدي" عندما القاه وقذفه في وجه بوش حقق ضربة لن تمحي بفعل الزمن وهي أكبر من جميع الأسلحة التي استخدمها "بوش" وجنوده ضد الأخضر واليابس من أرض العراق وضد مواطنيه. ويعتبر تصرف "الزيدي" بمثابة رسالة من ابناء العراق بأنهم لن يغفروا لبوش جريمته الكبري عندما قام بغزو بلادهم كما انها تدحض كل المزاعم التي رددها الرئيس الأمريكي قبل الغزو حول انه سيستقبل بالورود في العراق ويبقي الأمر الأهم ألا وهو أن العراقيين لن يقبلوا بأي حال من الأحوال تداعيات الاحتلال فالاهانة كانت ايضا رسالة لبوش بأن الاتفاقية الأمنية التي وقعها مع حكومة المالكي لن تصبح أمرا واقعا ولن يهنأ الاحتلال بالبقاء في العراق تحت مسميات جديدة. فالصحفي العراقي رمي "بوش" بالحذاء الذي يعتبر أقصي احتقار وإهانة واستهزاء في الثقافة العربية علي بوش نفسه وليس تمثاله مثلما حدث مع صدام الأمر الذي اعتبره معظم المحللين وصمة عار ستلاحق التاريخ الأمريكي كله وليس بوش فقط فهيبة أمريكا في العالم سقطت ب"جزمة" وليس بهزيمة عسكرية حيث لم يخرج "بوش" من السلطة وهو اسوأ رئيس في تاريخ امريكا فقط بل انه جلب ايضا العار والاهانة للقوة العظمي في العالم لأن ضربه بالجزمة يعني ضرب أمريكا كلها ولذا اظهرت بعض استطلاعات الرأي أن الامريكيين كانوا يتمنون أن يقوم الزيدي بقتل بوش بالرصاص أفضل من ضربه بالجزمة لأن الهزيمة العسكرية يمكن محوها أما الاهانة فتبقي ملازمة لصاحبها ما دام علي قيد الحياة. ايضا فإن الاهانة وجهت له وهو يحتفل بتوديع البيت الأبيض وخلال احتفالات أعياد الميلاد وكأن التاريخ يعيد نفسه فهو مثلما استهتر بمشاعر المسلمين قبل عامين كانت أمريكا هي الأخري مع اسوأ يوم في تاريخها وفي مكان الحدث الأصلي ألا وهو بلاد الرافدين بالاضافة إلي أن انحناء بوش وهو يحاول الهروب من الحذاء شكل صدمة ما بعدها صدمة للأمريكيين حيث ظهر رئيسهم بشكل الجبان الذي يخشي أي شئ حتي ولو كان "جزمة" فيما واجه صدام الاعدام والموت وهو رافع الرأس. وتبقي هناك حقيقة لن تنساها ابدا ذاكرة الأمريكيين ويجب أن يعيها ايضا كل حكام الدنيا وهي أن طغاة العالم علي مر التاريخ اما قتلوا أو اعدموا أو سجنوا أما بوش فإنه يبقي الرئيس الوحيد الذي كانت نهايته الضرب ب"الجزمة".وإذا كان حذاء الصحفي العراقي البطل "منتظر الزيدي" قد اخطأ هدفه "أي وجه بوش" لكن الرسالة قد وصلت وبأبلغ صورها إلي الرئيس "الراحل بحذائي الزيدي" وإلي الرئيس القادم "أوباما" عله يقوم بتصحيح ما افسده سلفه في المنطقة وإلي العالم اجمع بأن هذا الشعب العربي العريق لا يسكت علي الضيم!واتمني أن يري الجبارون من أولي الأمر في امتنا العربية والاسلامية هذه النهاية المهينة التي لابد أن يصابوا بها إذا ما تمادوا في غيهم مثلما فعل بوش. فلا الطائرات ولا الدبابات ولا الصواريخ ولا القنابل الذرية المخصبة التي جاء بها بوش ليقتل بها العراقيين تستطيع أن تمحو الاهانة والاذلال الذي تعرض له حين قذفه البطل العراقي "منتظر الزيدي" بحذائه علي مرأي ومسمع الشعب الأمريكي وجميع شعوب العالم وهكذا تصبح الجزمة نهاية كل جبار اثيم فهل يتعظون؟ د. إسماعيل ابراهيم