قديما قالت العرب عن الأعرابى الطماع: «عاد بخفى حنين».. وهذا القول المأثور القديم فى الأثر العربى ربما تسجله الأدبيات الأمريكية المعاصرة فى أعقاب واقعة حذاء الوداع فى بغداد ديسمبر 2008 بأن بوش الكذاب «عاد بخفى منتظر الزيدى»!.. وليضرب بعد ذلك مثال معبراً عن مدى الإهانة التى استحقها بكل جدارة واستحقاق رئيس يوصف بأنه أتفه وأسوأ وأكذب رجل تولى قيادة البيت الأبيض طوال تاريخ الولاياتالمتحدةالأمريكية. ربما قد تكون هناك حالة إجماع شعبى عربى بأن حذاء مراسل قناة البغدادية العراقية الزميل منتظر الزيدى ابن ال29 عاما قد منحنا شرفا غاب عنا زمناً طويلاً، وكان فى فعله أمضى كثيراً من المواقف السياسية لمجمل الزعماء العرب حتى فى لحظات تنديدهم واستنكارهم للسياسات الأمريكية وما أندرها، وقال بحذائه ما لم يجرؤ يوما ما أن يتفوه به –خطأ أو زللا - لسان زعيم أو مسؤول عربى واحد فى حضرة بوش أو غيره من الرؤساء الأمريكان فى زيارات البيت الأبيض المألوفة والمتكررة لتقديم قرابين الطاعة والولاء ونيل صكوك الشرعية والاعتراف. لكن لماذا هذا الإجماع وهذا الفرح والاحتفاء والترحيب العربى الحار والصاخب جدا بحذاء الزيدى الطائر؟ وهل أصبحنا فى عرض مقاس حذاء أو جزمة لترد لنا شرفنا المسلوب وكرامتنا المهدرة؟ وهل يمكن اعتبار الحذاء العراقى رمزا للمقاومة العربية ورمزا للكرامة العربية ونخصص لها يوما مثل يوم المعلم العربى ويوم المعاق العربى ونطلق عليه يوم الحذاء العربى؟ وهل من الأجدى الآن اتباع سياسة جديدة تتسلح بالأحذية العسكرية بدلاً من الأسلحة المكدسة التى لا طائل منها ولا فائدة فى تحرير أرض أو إعادة شرف وكرامة لإنسان عربى مقهور؟.. ثم أن هناك سؤال يعنينا كمهتمين بمهنة الاعلام وطرحه بعض المتشدقين بالكلام الأجوف عن مهنة الصحافة والإعلام وهو هل تجاوز «منتظر» تقاليد وآداب مهنته الإعلامية برمى الأحذية بدلا من طرح الاسئلة فى مؤتمر صحفى وهل جاء رميه فى غير موضعه؟ هى أسئلة للتفكير والبحث فى المشهد برمته ودلالته الرمزية، لأنه أصبح أهم حدث سياسى فى العام 2008 وأهم مشهد لن ينساه الرئيس بوش الابن طيلة حياته وسيظل يطارده فى يقظته وأحلامه، وهو الذى جاء إلى العراق فى رحلة وداع ظن أنه سيخرج منها متوجا بأكاليل الانتصار ولكنه عاد إلى البيت الأبيض بخفى العار والفضيحة التاريخية. وأظنه لن يفهم دلالة الثنائية الزيدية «الكلب» و«الحذاء»، لأنه لم يعتد التفكير فى كيفية التعامل مع شعوب حية وحرة لديها تاريخ وحضارة ومسكونة بالثورة والغضب ضد البطش والظلم سواء جاء هذا الغضب من فرد أو جموع، أو جاء برصاصة وحجر أو فردة حذاء تشرف بها التاريخ وهو يفتح لها أوسع أبوابه. كان الزيدى فى كامل قواه العقلية والذهنية والبدنية لحظة رمى الحذاء فى وجه بوش، وهو الصحفى المستقل خريج كلية الإعلام فى بغداد واللامنتمى لحزب أو تيار سياسيى اللهم إلا الانتماء لوطنه ولعروبته وهو ابن قبيلة بنى زيد العربية القحطانية الأصيلة وفى المؤتمر الصحفى قرر أن يصنع الخبر والحدث وهى إحدى أدوات الصحفى فى أداء مهمته الإعلامية ولا يتناقض مع تقاليد المهنة ومهمات الإعلام الأساسية بعد أن ظل جالسا مستمعا فى صبر لمسلسل الأكاذيب المستمر للرئيس المهان عن غزو العراق وضروراته ونتائجه الباهرة للأمن الأمريكى والديمقراطية العراقية حتى فى لحظات وداعه الأخيرة. وعلى وقع مسلسل الأكاذيب استيقظ الإنسان العادى داخل الإعلامى وغلب عليه واستعاد المآسى والكوارث والجرائم التى ارتكبها المحتل الأمريكى فى بلاده، فالمشهد كله تجاوز تقاليد المهنة وأعرافها حتى جاءت لحظة الانفجار. لم يتجاوز منتظر فقد كانت لديه أسئلة ووجهات نظر كثيرة تراءى له أنه لن يستطيع توصيلها بصوته وسوف تذهب فى الفراغ هباء منثورا، فقرر أن يقولها بحذائه ليكون أكثر تعبيرا وبلاغة وتأثيرا، وقد أفلح وصدق فى التعبير عن رسالته الإعلامية، التى تمنى الكثير والكثير جدا من زملائه لو كانت لديهم قدرته وشجاعته على فعلها، بغض النظر عن تحفظات بعض محترفى الفضائيات وأصحاب المكلمات عن فعل الحذاء وتوظيفه السياسى. وربما منح حذاء الزيدى الفرصة لباقى الأحذية العربية أن تطير وتعبر عن وجهة نظرها سواء فى المؤتمرات الصحفية أو فى المواكب أو فى الشوارع، ويكون من المباهاة أن نسير حفاة طالما أصبح للحذاء فى حياتنا دور وطنى وقيمة تاريخية، فقد نجحت تجربة إطلاق أول حذاء عربى من طراز «بى 2 مقاس 44» وقد أصاب الهدف وأهانه إهانة تاريخية. منتظر الزيدى ليس وحده الذى رمى بحذائه فى وجه المتغطرس الكذاب، وإنما هناك ملايين من العرب غيره «منتظرون» لرمى أحذيتهم فى وجه من أذلوهم وأهانوهم من زعمائهم، رغم أن الأحذية ستحتج كثيرا على إهانتها..! * * * قالوا فى الحذاء: وقد يرجى لجرح السيف برء ولا برء لما جرح الحذاء جراحات السيوف لها التئام ولا يلتام ما جرح الحذاء