علي الرغم من مرور أسابيع قليلة علي العرض التجاري لفيلم "جنينة الأسماك" نجحت جمعية نقاد السينما المصريين في تنظيم عرض خاص للفيلم أعقبته ندوة مع مخرجه المبدع يسري نصر الله أدارها الناقد المصري المقيم في لندن أمير العمري وكانت فرصة لمشاهدة الفيلم علي نار هادئة والقاءالضوء علي المناطق التي استغلقت علي الجمهور، وأيضاً النقاد، واستهل يسري نصر الله الندوة بالاعتذار لأن النسخة D.V.D وشابها بعض العيوب علي رأسها الصوت الذي يسبق الصورة ! "جنينة الاسماك" قصة وسيناريو وحوار ناصر عبد الرحمن وبطولة هند صبري وباسم السمرة وعمرو واكد ودُرة مع ضيوف الشرف جميل راتب ود.هناء عبد الفتاج وأحمد الفيشاوي وآسر ياسين. وعن ظروف التجربة وبداية التفكير فيها تحدث "يسري" قائلاً: سبق لي أن تعاونت مع المؤلف ناصر عبد الرحمن في فيلم"المدينة"وبعده قدمت "باب الشمس" ثم جاءني "ناصر_ بفكرة سيناريو عن طبيب تخدير ناجح أدمن المورفين لكنها لم ترق لي، وفي يوم كنت مدعواً لحفل عيد ميلاد وأثناء تطلعي من الدور الحادي عشر حيث مكان الحفل وقعت عيناي علي "جنينة الأسماك" وكانت كل صخرة فيها تشع بالسحر والرونق قبل أن يتدخل رجل مهم في البلد ويأمر باطفاء أنوارها بحجة أنها تؤرق منامه (!) ورغماً عن أنفي وجدتني أعود بذاكرتي إلي الوراء عندما كنت أزور الجنينة وأنا مراهق، ولا أعرف لماذا تخيلت وأنا أنظر إليها من هذا الارتفاع الشاهق أن صخورها تحولت إلي مايشبه المخ الكبير أو المتاهة، ولحظتها رسمت رؤية الفيلم ووجدت أن برنامج اعترافات ليلية سيثري هذه الرؤية فاتصلت بمذيعته بثينة كامل وسألتها إن كانت لديها تسجيلات واعترافات المستمعين فاعتذرت لكنها أكدت لي أنها سجلتها جميعاً في كتاب ومن دون تردد استعرته، وسألتها تفسيراً لرغبة الناس في البوح بهمومهم وكيف كانت تتعامل معهم، ومن هنا جاءت شخصية "ليلي" في برنامج"أسرار الليل" لكنني اؤكد هنا علي انتفاء الشبه بينها وبين بثينة كامل، وبعدها رسمت تفاصيل حياة الطبيب التي كانت أقرب إلي أحواض السمك المغلقة، بل هي في رأيي أشبه بالكمبيوترات والمولات والسيارات والابتكارات التي سيطرت علي حياتنا. وعندما التقيت ناصر عبد الرحمن أكدت له انني لا اريد دراما عادية مملة أو الفعل ورد الفعل المعتاد أو تسلسل الأحداث بشكل تقليدي، ووظفت شخصية الطبيب مدمن المورفين الذي يسكن حارة شعبية لكنه يبدو وكأنه يتبرأ منها بدليل تفضيله للاقامة في سيارته أو عيادته أو بصحبة أبيه المريض في المستشفي، وبالطبع احتفظت بشخصية المذيعة"ليلي" التي تتعرف علي أسرار الناس، وطوال ثلاثة أيام هي مدة أحداث الفيلم نلتقي أحداث تافهة وصغيرة لكنها تكشف إلي أي حد تغلغل الخوف في نفوسنا. يسري نصر الله أبدي اعتراضه علي كلمة الممثلين الثانويين لأنها تقلل من قدر صاحبها بينما يحرص من جانبه علي أن يعلي من قدر الفنان حتي لو قال كلمة واحدة، ولذا تعمد أن يجعل الممثلين يتحدثون إلي المذيعة أو الطبيب وكأنهم يفضون بهمومهم للجمهور مباشرة ليكتشف بدوره نقائص وسلبيات الأبطال، وطوال الوقت كنت أبحث عن "ناس مخنوقة نفسها تفضفض وتبوح بمخاوفها" ورأيت الفرصة مواتية من خلال الهلوسة بعد التخدير بالبنج الطبي، مثل شخصية المريض "عمر" التي جسدها أحمد الفيشاوي ووصف فيها الطبيب بأنه مصاص دماء، والفتاة التي أجرت عملية اجهاض، وبدا كأن حبيبها قتلها، وشخصية مسجل الصوت التي جسدها باسم سمرة الذي يحب المذيعة علي الرغم من كونه يعلم بحقيقة علاقتها ورجل كبير، وسماح أنور أو المرأة الأجنبية التي تؤجر الشقة للمذيعة وتتحدث عن نفسها كأم وأرملة، وأيضاَ الحوار بين المذيعة ويوسف أثناء تسجيل حلقة "أسرار الليل" والتي يبدو فيها وكأنه يغازلها بينما هو في الحقيقة يحاصرها، وعندما تشعر بهذا تنهي المكالمة، وأخيراً ألفت صديقة المذيعة التي تتصور أنها تعرف عنها كل شيء، وتفاجأ بها وهي تحكي لمسجل الصوت عن علاقتها العاطفية بالرجل الكهل.. ففي كل لحظة كان هدفي أن أثير خيال المتفرج وأشحذ طاقاته ليتجاوب ويفكر من دون الركون للشكل التقليدي الذي يجعل الدراما تنوب عنه في كل شيء. وتحدث الباحث والمخرج والناقد د.صبحي شفيق فأكد أن هناك نوعين من السينما ؛أولهما سينما المشاهد فيها تشرح نفسها بنفسها وسينما تلعب فيها الكاميرا دورا وكأن الصورة هي التي تتكلم.وفيلم "جنينة الأسماك" يتسم بهارمونية شديدة بينما قال آخر أن حالة الانفصال وعدم التواصل التي رصدها الفيلم تجسيد للواقع الراهن بشكل كبير وقالت أخري أن طريقة السرد في الفيلم صعبة وكانت تتمني أن يتوصل إلي طريقة سرد شعبية لتبسيط فكرة العزلة التي طرحها الفيلم من خلال ثلاثة أصوات هي :"العزلة الحياتية" و"العزلة الإجتماعية" و"العزلة اللاوجودية".. وكان يكفيه اثنان منها فقط ؛خصوصاً أننا نشاهد أصداءها وليس معطياتها. وعابت علي المخرج تقديمه مشهدين لحركة "كفاية" في بداية الفيلم ونهايته، وكان يكفي واحد فقط، وأكد المخرج أنه لو لم يقتنع بالمشهدين معاً لما قدمهما بعكس مثلاً تصويره لمشهد انفلونزا الطيور الذي رأي أنه زائد عن حاجة الفيلم مؤكداً أنه اقتنع في أكثر من مناسبة أننا مجتمع مشغول دائما بانتاج الخوف لدرجة ان"جسدنا نحس" وترسخت لدينا الشعور باللامبالاة والعزلة، وبالتالي جاء مشهد "كفاية" ضرورياً ولم أستعن به هباءً لهذا تشبثت به في المونتاج ورفضت حذفه لأنني تواجدت ذات مرة أثناء مظاهرة ضد الإعتداءات الإسرائيلية علي لبنان في ميدان التحرير وتولد لدي شعور أن "رجال الأمن مرعوبون أكتر من الناس التي تتظاهر".. وعلق أحد الحضور بأن شخصيات يسري نصر الله محبطة دائماًوتعاني وساوس نفسية وقلقا وليس من بينها شخصية سوية كما اتهم ايقاع الفيلم بالملل والبطء، وبدبلوماسية شديدة أكد يسري نصر الله أن الإيقاع البطيء كان متعمداً أملاً في أن يدفع المتفرج للزهق من حياة الأبطال..وتدخل مدير الندوة ليؤكد أنه لم يشعر بهذا الملل لكن "يسري" عاد وطالبه بأن يترك للمشاهد الفرصة في التعبير عن رأيه.. وأكد علي ايمانه بالبوح للصديق ورفضه للاعتراف رضوخاً لسلطة قس أو ضابط مباحث!