تعليم العاصمة تحتفل باليوم العالمي لمحاربة الفساد وتطلق مبادرات توعوية    أحمد عباس يكتب : رسائل واعدة من تقرير «فيتش»    برلماني يكشف أسباب زيادة الاحتياطي النقدي الأجنبي إلى 50.2 مليار دولار    أحدث تصوير جوي لمشروع إنشاء محطة تحيا مصر 2 بميناء الدخيلة    وزير الخارجية ونظيره الأمريكي يبحثان دعم الشراكة الاستراتيجية بين البلدين    زيلينسكي: سنرسل لواشنطن نسخة معدلة لخطة ترامب    عقوبات أمريكية ضد أذرع كولومبية تساعد الدعم السريع فى السودان.. ما الذى حدث؟    مجلس الزمالك يتابع سير الجمعية العمومية العادية للنادي    تشكيل مباراة بايرن ميونخ وسبورتنج لشبونة في دوري أبطال أوروبا    خبر في الجول - بيراميدز يحدد موعد سفره إلى قطر لخوض إنتركونتينينتال    كرة طائرة - الزمالك يستهل مشواره بالخسارة أمام برايا البرازيلي في كأس العالم للأندية للسيدات    ضبط 1742 مخالفة مرورية متنوعة في كفر الشيخ    النيابة: في أقل من 10 أيام.. إحالة المتهم بالتعدي على أطفال بإحدى المدارس الدولية للمفتي    إطلاق نار وتخويف وتخريب... تفاصيل حادثة انتهت بالسجن 5 سنوات    وفاة منى صادق أستاذة الإلقاء والتمثيل في المعهد العالي للفنون المسرحية    رئيس الوزراء: تطوير جميع المناطق المحيطة بالأهرامات والمتحف المصري    هل يجوز غلق العين في الصلاة من أجل الخشوع؟.. أمين الفتوى يجيب    صحة الإسماعيلية تجرى الكشف علي 830 مواطنًا خلال يومي القافلة الطبية بقرية الدوايدة بالتل الكبير    مستشار وزير الصحة: ننقل خبراتنا الطبية إلى جامبيا    بروتوكول تعاون بين الصحة وبنك مصر لدعم وتطوير عدد من المستشفيات    تصاعد حدة القتال بين تايلاند وكمبوديا على طول الحدود المتنازع عليها    تنسيقية الأحزاب: غلق باب التصويت في انتخابات النواب بالخارج باليوم الثاني    وتريات الإسكندرية تستعيد ذكريات موسيقى البيتلز بسيد درويش    توقف عضلة القلب.. وزارة الشباب والرياضة توضح تفاصيل إصابة لاعب بمباراة الدرجة الرابعة    فرق البحث تنهى تمشيط مصرف الزوامل للبحث عن التمساح لليوم الخامس    رئيس جامعة العاصمة: لا زيادة في المصروفات وتغيير المسمى لا يمس امتيازات الطلاب (خاص)    «فيتش» تمنح الاقتصاد المصري ثقة دولية.. من هي هذه المؤسسة العالمية؟    "مصر للصوت والضوء" تضيء واجهة معبد الكرنك احتفالًا بالعيد القومي لمحافظة الأقصر    كوارث يومية فى زمن الانقلاب… ارتباك حركة القطارات وزحام بالمحطات وشلل مرورى بطريق الصف وحادث مروع على كوبري الدقي    استمرار فعاليات التصفيات النهائية للمسابقة العالمية للقرآن الكريم لليوم الرابع في العصامة الجديدة    القومي للمرأة ينظم ندوة توعوية بحي شبرا لمناهضة العنف ضد المرأة    الاحصاء:92.9% من مدارس التعليم قبل الجامعي متصلة بالإنترنت للعام الدراسي 2024/2025    تركيا تدين اقتحام إسرائيل لمقر أونروا في القدس الشرقية    بدء تفعيل رحلات الأتوبيس الطائر بتعليم قنا    اليابان: تقييم حجم الأضرار الناجمة عن زلزال بقوة 5ر7 أدى لإصابة 34 شخصا    نيللي كريم: مبقتش أعمل بطولات وخلاص عشان أثبت إني ممثلة كبيرة    شتيجن يعود لقائمة برشلونة ضد فرانكفورت في دوري أبطال أوروبا    لا كرامة لأحد فى زمن الانقلاب.. الاعتداءات على المعلمين تفضح انهيار المنظومة التعليمية    متحدث «الأوقاف»: مصر قرأت القرآن بميزة «التمصير والحب» لهذا صارت دولة التلاوة    وفاة شخص صدمته سيارة بصحراوي سمالوط في المنيا    غدًا.. فصل الكهرباء عن قريتي كوم الحجنة وحلمي حسين وتوابعهما ببيلا في كفر الشيخ    شباب الشيوخ توسع نطاق اختصاصات نقابة المهن الرياضية    محافظ الدقهلية يتفقد معرض السلع الغذائية بالمنصورة ويوجه بتوفير مزيد من التخفيضات للمواطنين    ليوناردو دي كابريو يهاجم تقنيات الذكاء الاصطناعي: تفتقد للإنسانية وكثيرون سيخسرون وظائفهم    جامعة قناة السويس تقدّم خدمات علاجية وتوعوية ل711 مواطنًا خلال قافلة طبية بحي الأربعين    قرار عاجل لمواجهة أزمة الكلاب الضالة في القاهرة    البابا تواضروس الثاني يؤكد وحدة الكنيسة خلال لقائه طلاب مدرسة مارمرقس بسيدني    حزب الاتحاد: لقاء الرئيس السيسي مع حفتر يؤكد حرص مصر على استقرار ليبيا    مدبولي يتفقد مشروع رفع كفاءة مركز تكنولوجيا دباغة الجلود بمدينة الروبيكي    رياضة النواب تهنئ وزير الشباب بفوزه برئاسة لجنة التربية البدنية باليونسكو    صلاح وسلوت.. مدرب ليفربول: أنا مش ضعيف وقلتله أنت مش هتسافر معانا.. فيديو    وزارة الاستثمار تبحث فرض إجراءات وقائية على واردات البيليت    فحص 7.4 مليون تلميذ ضمن مبادرة الكشف المبكر عن «الأنيميا والسمنة والتقزم»    رئيس اللجنة القضائية: تسجيل عمومية الزمالك يتم بتنظيم كامل    غدا.. بدء عرض فيلم الست بسينما الشعب في 9 محافظات بأسعار مخفضة    وزير الثقافة يلتقي نظيره الأذربيجاني لبحث التعاون بين البلدين    دعاء الفجر| اللهم ارزقنا نجاحًا في كل أمر    هل يجوز إعطاء المتطوعين لدى الجمعيات الخيرية وجبات غذائية من أموال الصدقات أوالزكاة؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رحلة العمر بين «كواليس» الجمعيات و«كوابيس» المهرجانات!

لدي مرضان قديمان ممتعان هما قراءة الأفلام وقراءة الكتب، أحياناً يمتزج المرضان معاً عند قراءة كتب تتحدث عن الأفلام أو عن السينما وصناعها وعشاقها وتاريخها وشهادتها علي زمنها وعصرها، من المفيد أيضاً أن أذكر أنني أعتبر الكتب والأفلام كالبشر سواء بسواء، كل كتاب له من صاحب نصيب، وكل فيلم يكشف عن صناعه حتي إذا لم يقصدوا ذلك، وكل من الكتب والأفلام تأخذ سمات بشرية تماماً كأن تكون ظريفة أو كئيبة، عميقة أو سطحية، مهندمة أو معبرة عن الفوضي، ذكية أو غبية مثيرة لليقظة أو دافعة إلي النعاس أو الشخير!
وهذا كتاب للناقد «أمير العمري» يحمل عنوان «حياة في السينما» لا تستطيع أن تتركه أبداً إذا بدأت في القراءة حتي تنتهي منه، ومنذ اللحظة التي اشتريته فيها لم أتركه حتي أثناء ركوب المواصلات العامة والخاصة، بمعيار الكتب التي تحمل صفات البشر فأنت أمام رفيق يقظ حاسم قاطع لديه تجربة طويلة يحاول أن يسردها بأسلوب سهل وعذب ولا يخلو من السخرية، والأهم من ذلك أنه يحدثك عن سنوات شديدة الثراء هي فترة السبعينيات من القرن العشرين، كما أنه يحكي لك عن الكواليس بشكل عام لدرجة أن الكتاب بأكمله يصح أن يحمل اسم «كواليس» يروي «العمري» «كواليس» الجمعيات السينمائية التي انضم إليها، و«كواليس» الجمعيات التي حاول أن يشارك في تأسيسها، وكواليس المهرجانات، التي قام بتغطية أنشطتها وأفلامها، وكواليس لجان التحكيم التي شارك فيها، والحكايات بأكملها معروضة من زاوية ذاتية تماماً فيما أظن امتلاك الحقيقة المطلقة والسينما حاضرة طوال الوقت والسياسة أيضاً، والانتقالات في الزمان والمكان من الكتاب وبين الشخصيات التي غيبها الموت أو تلك التي مازالت تواصل العطاء، كل ذلك يجعل من الكتاب رحلة ممتعة تستحق الإبحار والاكتشاف، ربما لم يلتزم «العمري» بأن يكون شاهداً، كما قال فمارس دور القاضي في أحيان كثيرة، وكانت أحكامه صريحة أو يمكن اكتشافها بين السطور، ولكنه أعلن أيضاً في المقدمة أنه لا يستطيع أن يكون محايداً، ربما تنغص عليك الأخطاء المطبعية صفو القراءة أحياناً وقد تنزعج لخطأ في تعليقات الصور كأن يوضع اسم «أحمد قاسم» تحت صورة للمخرج الفلسطيني «رشيد مشهراوي»، ولكن الكتاب يظل مع ذلك مختلفاً ومحفزاً علي المناقشة والجدل وتنشيط الذاكرة والتفاعل معه أو ضده، عرفت الناقد أمير المري من خلال كتاباته خاصة كتاب «سينما الهلاك» كما كنت أقرأ اسمه في مجلدات نشرة نادي السينما الشهيرة التي حصلت علي بعضها من خلال التردد علي سور الأزبكية أدامه الله زخراً لدراويش القراءة، ولكني عرفت «العمري» شخصياً خلال الفترة القصيرة التي عاد فيها إلي مصر بعد سنوات طويلة قضاها في بريطانيا، وكان قد انتخب وقتها رئيساً لجمعية نقاد السينما المصريين، وأصدر مجلة صغيرة عن الجمعية تحمل اسم «السينما الجديدة»، وأشرف في تلك الفترة علي تنظيم أسبوع لا ينسي لروائع الأفلام التسجيلية علي مر العصور حيث عرضت، بالمجلس الأعلي للثقافة أعمال تحمل توقيع الكبار مثل «دزيجا فيروتوف» و«ليني ريفنشتال» و«ميخائيل روم، وفي الندوة التي أعقبت عرض رائعة ليني ريفنشتن انتصار الإرادة، تحدث العمري، بحدة وعنف تعليقاً علي رأي قلته حول مدي دلالة الفيلم علي تعاطف المخرجة مع النازية، ولكن لدهشتي الشديدة فإن نشر الرأي كاملاً ضمن مقال لي في مجلة السينما الجديدة علي مساحة أربع صفحات، بل إنه كان وراء طلب أن أكتب للمجلة، وتحمس كثيراً لمقالاتي لدرجة أنه كان ينشر أكثر من مقال في عدد واحد، وللأسف توقفت المجلة بعد عشرة أعداد، وعاد «العمري» إلي لندن، وكان انطباعي عن تجربته القصيرة أنه يمتلك فكراً ومشروعاً وطاقة للتنفيذ، ولكنه لا يمتلك صبراً يليق بوطن اخترع الزراعة والبيروقراطية والرحرحة ومواويل «هاتولي حبيبي»!
كتاب «حياة في السينما» وهو نفس عنوان مدونة يحررها «العمري» فسر لي أنه تقريباً استنفد الصبر في سنوات السبعينيات الثرية والعاصفة معاً، أقول ثرية لأنها شهدت العصر الذهبي لنوادي السينما وللمراكز الثقافية الأجنبية، كما أنها سمحت لطالب الطب «أمير العمري» أن يؤسس ويدير نادياً للسينما في كلية الطب. جامعة عين شمس عام 1971، وأن يفتتح عروضه برائعة فيسكونتي «الموت في فينيسيا»، ولو عرض هذا الفيلم في قلب الأوبرا هذه الأيام لما توقف الجدل، ولا تهم عارضوه بكل الموبقات وفي تلك السنوات تأسست جمعية نقاد السينما المصرية في يونيو 1972 بمبادرة وجهود سمير فريد الناقد الكبير ولكن هذه السنوات شهدت أيضا الاستقطاب السياسي الحاد والتحول من اليسار إلي اليمين وانعكس ذلك بالضرورة علي الحياة الثقافية والسينمائية ويصف أمير العمري في كتابه وزير الثقافة الأسبق يوسف السباعي بأنه ضابط الأمن الثقافي للنظام الجديد وفي الجزء الأول من الكتاب يحكي مؤلفه عن بداية اهتمامه الجاد بالسينما ومشاهدة الأفلام بعد مشاهدته لفيلم الترتيب بطولة كيرك دوجلاس وفاي روناواي وإخراج إيليا كازان في سينما راديو ويتحدث عن الخلافات بين النقاد في جمعية النقاد وخروج الناقد الكبير سامي السلاموني منها كما يتحدث عن دعم وزارة الثقافة لجمعية جديدة منافسة تحمل اسم جمعية كتاب ونقاد السينما التي نظمت مهرجان القاهرة السينمائي ويقدم ملحقا في الكتاب يناقش فيه النقاد سلبيات الدورة الأولي التي أقيمت برعاية فندق شيراتون «!!» ويشير إلي كتاب أسود عن هذه الدورة كان من المقرر صدوره ويتحدث عن تجربة إصدار صحيفة سينمائية أسبوعية تحمل اسم السينما والفنون قام بدعمها وزير الثقافة عبدالمنعم الصاوي وصدر العدد الأول منها في يناير 1977 ورأس تحريرها صاحب الفكرة الناقد سمير فريد واشترك في تحريرها أعضاء جمعية النقاد ولكنها توقفت بعد ثلاثة وثلاثين عدداً يحكي العمري بحنين واضح عن أحلامه التي لم تتحقق فيما يسمي السينما الثالثة استلهاما من تجربة مماثلة في أمريكا اللاتينية كما يسرد فشل محاولته العمل مع شباب آخرين ضمن جماعة سينما الغد التي أسسها الناقد الكبير مصطفي درويش كل هذه التفصيلات وأن قدمت من وجهة نظر ذاتية تماما تساهم في رسم ملامح سنوات السبعينيات الثرية والعاصفة معا. ولكن الكتاب حافل أيضا بالحديث عن شخصيات بعينها عن الراحل رضوان الكاشف وشلة المنيل عن يوسف شاهين والراحل عبدالفتاح الجمل عن المخرج التونسي «نوري بوزيد» عن المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، وعن المخرج السوري «محمد قَلَص» الذي أقام لفترة ليست قصيرة بالقاهرة، وفي الجزء الثالث من الكتاب يحكي «العمري» تجاربه في لجان تحكيم مهرجانات مثل مهرجان أوبرهاوزن عام 1991، ومهرجان طهران عام 2002، وينقل يوميات نابضة بالحياة لمهرجان تطوان عام 2005، ومهرجان فينسيا عام 2008، ومهرجان قرطاج عام 2008، ومن خلال سرد مُركز ومشوق تعيش كواليس هذه التظاهرات السينمائية التي لا تخلو من الشد والجذب، ولعل أهم ما تستنتجه من هذا الجزء أن الاشتراك في لجنة تحكيم تضم أشتاتًا غير متوافقين يمكن أن تحول التجربة إلي «كابوس»، ولعل أهم ما يصل إليك من الكتاب كله أن الحياة الثقافية والسينمائية دفعت ثمنًا غاليا بسبب الاستقطاب الحاد السياسي في سنوات السبعينيات، كما أن العلاقات بين المثقفين لم تكن دومًا علي ما يرام لأسباب أيديولوچية أو سياسية أو بسبب اختلاف الطبائع البشرية، كما يظهر بوضوح رفض صاحب الكتاب لكل المؤسسات الرسمية البيروقراطية المصرية.
يمكن أن تختلف مع رؤية «أمير العمري» الخاصة لتلك الأحداث أو الشخصيات، بل إن أهمية هذا الكتاب تكمن في ضرورة أن يستفز فكرة الجدل والاختلاف والشهادة المعاكسة، مازالت تلك الفترة - سنوات السبعينيات - لم تُكتب بعد علي كل الأصعدة رغم أهميتها وتأثيرها في حياتنا حتي اليوم، وآمل أن نستكمل الصورة عن تلك السنوات بشهادات لأسماء كبيرة عن المناخ الثقافي والسينمائي، من هذه الأسماء مثلا «سمير فريد» و«مصطفي درويش» و«د. كامل القليوبي» و«هاشم النحاس»، ومهما كانت زاوية الرؤية ومنهج التناول فالفائدة مُحققة، هذا حق الأجيال التالية قبل أن يكون حقهم في اجترار «نوستالچيا» تنضح بالحنين إلي الماضي الذي صنع المستقبل!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.