انتظام فتح جميع اللجان الانتخابية في اليوم الثاني لانتخابات مجلس النواب بالبحر الأحمر    لليوم الثاني.. فتح 621 لجة فرعية لاستقبال الناخبين للاقتراع في انتخابات النواب بالمنيا    انطلاق التصويت في اليوم الثاني لانتخابات مجلس النواب 2025 بدوائر الهرم والعمرانية    عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم الثلاثاء 11-11-2025 بالصاغة بعد آخر ارتفاع    شوف البصل بكام فى أسواق الخضار والفاكهة اليوم الثلاثاء 11 -11-2025 بالمنوفية    وزير الرى: التعديات على مجرى النيل تؤثر سلبا على قدرته فى التصرفات المائية    مجلس الشيوخ الأمريكى يقر مشروع قانون لإنهاء الإغلاق الحكومى    الاستخبارات الروسية تفشل محاولة لاختطاف طائرة "ميج".. اعرف التفاصيل    وزير الخارجية يتوجه إلى بورسودان للقاء كبار المسؤولين السودانيين    حبس عاطلين لاتهامهما بسرق دراجة نارية فى طوخ بالقليوبية    استمارة التقدم لامتحانات الشهادة الإعدادية 2025: تعرف على خطوات التسجيل    أسعار الحديد والأسمنت اليوم الثلاثاء 11نوفمبر 2025    ننشر كواليس لقاء وفد روسي رفيع المستوى بالرئيس السيسي    كدتُ أموت، نجاة والدة كريستيانو رونالدو من حادث طائرة (فيديو)    عادل عبدالرحمن: الزمالك أنفق في الميركاتو الصيفي "أضعاف" الأهلي    مرشح واقعة اللافتات الشهيرة بقنا على أحداث الأمس: انا لقيت عربية بطاطا قعدت أكل منها وسبت اللجنة"    أسعار الخضراوات والفاكهة اليوم الثلاثاء 11 نوفمبر 2025    وزير العمل يتابع حادث انهيار سقف خرساني بالمحلة الكبرى    هتندع.. عاجل من الأرصاد بشأن طقس اليوم الثلاثاء    اليوم.. محاكمة 9 متهمين ب«رشوة الهيئة العامة للمستشفيات التعليمية»    مصطفى كامل ناعيًا إسماعيل الليثي: «والله يا ابني قلبي زعلان عليك»    موعد عرض مسلسل كارثة طبيعية الحلقة 6    بعد تداول فيديو.. «الداخلية» تضبط سائق «ربع نقل» سار عكس الاتجاه في الجيزة    زلزال يضرب كريت باليونان| هل شعرت مصر بالهزة؟.. البحوث الفلكية توضح    بعد إصابة 39 شخصًا.. النيابة تندب خبراء مرور لفحص حادث تصادم أتوبيس سياحي وتريلا بالبحر الأحمر    حظك اليوم الثلاثاء 11 نوفمبر.. وتوقعات الأبراج    وزير العمل يتابع حادث انهيار سقف خرساني بالمحلة الكبرى.. ويوجه بإعداد تقرير عاجل    صعود مؤشرات الأسهم اليابانية في جلسة التعاملات الصباحية    بينها حالات اغتصاب.. نزوح جماعي وانتهاكات بحق النساء في الفاشر (تفاصيل)    مجلس الشيوخ الأمريكي يقر تشريعًا لإنهاء أطول إغلاق حكومي في تاريخ البلاد (تفاصيل)    بسمة بوسيل تقف إلى جانب آن الرفاعي بعد طلاقها من كريم محمود عبد العزيز    بتوقيع عزيز الشافعي...بهاء سلطان يشعل التحضيرات لألبومه الجديد بتعاون فني من الطراز الرفيع    بعد إجراء الكنيست ضد الأسرى الفلسطينيين.. بن غفير يوزع البقلاوة (فيديو)    طبقًا لإرشادات الطب الصيني.. إليكِ بعض النصائح لنوم هادئ لطفلك    «متحف تل بسطا» يحتضن الهوية الوطنية و«الحضارة المصرية القديمة»    انتخابات «النواب» بمحافظات الصعيد: إقبال متوسط في أول أيام التصويت    القنوات الناقلة لمباراة الكاميرون ضد الكونغو الديمقراطية في تصفيات كأس العالم    في ثاني أيام انتخابات مجلس نواب 2025.. تعرف على أسعار الذهب اليوم الثلاثاء    سلطنة عمان تشارك في منتدى التجارة والاستثمار المصري الخليجي    نورهان عجيزة تكشف كواليس اليوم الأول للمرحلة الأولى بانتخابات النواب 2025 في الإسكندرية    يمهد الطريق لتغيير نمط العلاج، اكتشاف مذهل ل فيتامين شائع يحد من خطر النوبات القلبية المتكررة    «في مبالغة».. عضو مجلس الأهلي يرد على انتقاد زيزو بسبب تصرفه مع هشام نصر    ريم سامي: الحمد لله ابني سيف بخير وشكرا على دعواتكم    مع دخول فصل الشتاء.. 6 نصائح لتجهيز الأطفال لارتداء الملابس الثقيلة    أهمهما المشي وشرب الماء.. 5 عادات بسيطة تحسن صحتك النفسية يوميًا    النائب العام يستقبل وزير العدل بمناسبة بدء العام القضائي الجديد| صور    تقارير: ليفاندوفسكي ينوي الاعتزال في برشلونة    احفظ لسانك.. توقعات ونصائح برج العقرب اليوم 11 نوفمبر    صلاة جماعية في البرازيل مع انطلاق قمة المناخ "COP30".. صور    بي بي سي: أخبار مطمئنة عن إصابة سيسكو    اللعنة مستمرة.. إصابة لافيا ومدة غيابه عن تشيلسي    لماذا تكثر الإصابات مع تغيير المدرب؟    خطوة أساسية لسلامة الطعام وصحتك.. خطوات تنظيف الجمبري بطريقة صحيحة    هل يظل مؤخر الصداق حقًا للمرأة بعد سنوات طويلة؟.. أمينة الفتوى تجيب    دعاء مؤثر من أسامة قابيل لإسماعيل الليثي وابنه من جوار قبر النبي    انطلاق اختبارات مسابقة الأزهر الشريف لحفظ القرآن بكفر الشيخ    ما حكم المشاركة في الانتخابات؟.. أمين الفتوى يجيب    د.حماد عبدالله يكتب: " الأصدقاء " نعمة الله !!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عن الرسم بالكاميرا.. والنحت بالضوء والخيال الذي يقهر الخوف!

أحببت السينما، واستمتعت بما هو أبعد من حواديت الأفلام، من خلال عدد قليل من المخرجين الكبار في مصر والعالم، وأحد هؤلاء بالتأكيد هو سعيد مرزوق وفنان الصورة، وأستاذ التكوين الذي رسم بالكاميرا ونحت بالضوء لوحات لا تنسي، أحد أهم وأبرز مخرجي السينما المصرية عبر تاريخها الطويل، وصاحب البصمة في صناعة الأفلام القصيرة ذات الحس التجريبي المدهش كما في طبول وأعداء الحرية ودموع السلام، وفي صناعة الأفلام الروائية القصيرة التي تمزج بين جماليات السينما وجماليات المسرح كما في أغنية الموت وفي قصص حكاية وراء كل باب، وفي تقديم الفيلم الفني بصورة ناضجة ولافتة كما في فيلمه الأول زوجتي والكلب، في تقديم نماذج قوية تحسب علي الفيلم التجاري جيد الصنع تماما كما تحسب أحيانًا علي السينما الفنية المختلفة كما في فيلميه الشهيرين المذنبون وأريد حلا أي موضوع يمر من خلال عين سعيد مرزوق يخرج مختلفا حتي عندما، قدم فيلماً كوميديا إنسانياً سياسيا هو فيلم أي.. أي.
سعيد مرزوق المولود في 26 أكتوبر 1940 دليل السينمائيين في مصر - مندي البنداري - ويعقوب وهبي لم يدرس السينما في معهد متخصص ولكن في بلاتوهات استديو مصر منذ عام 1957، تفجرت موهبته الفنية في أكثر من مجال في وقت واحد، من الرسم إلي النحت إلي حب الموسيقي إلي العمل في الإذاعة إلي الانتقال إلي التليفزيون ليعمل مخرجًا منذ عام 1964، طاقة هائلة تعبر عن نفسها في مجالات مختلفة وبكل الوسائل حتي قدم فيلمه الأول زوجتي والكلب فدشن نفسه نهائيا كأحد أهم الأسماء التي صنعت السينما الجديدة في بداياتها القوية في نهاية الستينيات وبداية السبعينيات من القرن العشرين جنبًا إلي جنب مع أسماء مثل شادي عبدالسلام وحسين كمال وعلي عبدالخالق وآخرين، وكان أوضح ملامح هذه السينما التوظيف الخلاق لإمكانيات بتأثر أكثر وضوحًا بالتجارب الأوروبية، ومنح المخرجين فرصا أوسع للتعبير عن رؤي خاصة والاقتراب كثيراً خاصة في تجربة سعيد مرزوق من مفهوم الكاميرا- القلم الذي روجت له الموجة الجديدة في فرنسا ولولا موهبة مرزوق وحفنة قليلة من المخرجين لكان هذا التحول مجرد تلاعب فارغ بالكاميرا وبالإضاءة ولكن المذهل فعلا أن تولد تجربة بهذا النضج الذي رأيناه في زوجتي والكلب ثم بدرجة أقل في الخوف الفيلم الأول الذي صوره الراحل الكبير عبدالعزيز فهمي ليس إلا دراسة عن الشك بالصورة والثاني الذي صورة الراحل الكبير عبدالحليم نصر دراسة أخري لا تقل أهمية عن الخوف لا تخلو من الرمز والإسقاط والسياسي والفيلمان أقرب في بنائيهما إلي القصص القصيرة المكثفة التي تنتهي بلحظة تنوير والفيلمان أثبتا أن الصورة والاستخدام الذكي لشريط الصوت ولحظات الصمت تحقق تأثيراً شديد العمق بشرط أن يخرج من قلب وعقل وعين ووجدان فنان موهوب.
هناك عناصر أساسية في أفلام سعيد مرزوق الروائية القصيرة والطويلة أبرزها من حيث الشكل العناية الواضحة بكل مكونات الصورة ولو شاهدت كادرا ثابتا لأي فيلم أخرجه مرزوق لما تسلل إليك الشك في أن وراءه فنانًا تشكيليا المشاهد تتحول لديه بلا مبالغة إلي لوحات ترتب فيها الأشياء والأشخاص بين مقدمة الصورة وعمقها وحتي عندما تتحرك الكاميرا فإن التكوين لا يفقد أبداً رسوخه القوي، الصورة شديدة الثراء ولكن كل عنصر يستخدم في موضعه النور والظلام مثلا هما بطلا المشهد الجنسي الافتتاحي في زوجتي والكلب ولكن قطعات المونتاج السريعة هي التي تحقق التأثير المروع لنهاية نفس الفيلم أو لمشهد النهاية الذي لا ينسي لفيلم المذنبون، الصورة في أفلام سعيد مرزوق ليست لقطة فوتوغرافية ولكنها كائن حي يدعمه شريط الصوت الحافل بالموسيقي المناسبة وبالمؤثرات وللحظات الصمت البليغ في الصورة وحدة ترتبط بوحدات أخري وبلوحات متصلة تتعاون في النهاية لتحقيق التأثير النهائي للفيلم.
ومن أبرز عناصر سينما سعيد مرزوق عموما الجرأة في الشكل والمضمون معا، في فيلمه القصير المهم طبول يعتمد تماماً علي الرقص والإيقاعات الأفريقية للتعبير عن فكرة شديدة الصعوبة وهي يقظة أفريقيا في سبيل الحرية، وفي كل من أيام الرعب وآي آي يعتمد علي اللقطات الطويلة رغم اختلاف نوع وموضوع كل من العملين ويحقق بهذا الاستخدام تأثيراً مختلفاً في كل مرة وفي الفيلم القصير دموع السلام حقق أفضل عمل قدم عن جنازة عبدالناصر رغم أنه لم يصورها، لقد أعاد بناء موكب الجنازة ودمجه في لقطات من حياة الزعيم الراحل فحقق تأثيراً قوياً وكأنه يتأمل الموت والحياة في حال شخصية استثنائية وفيلم قصير مثل أعداء الحرية يعتمد نهائياً علي الصور الفوتوغرافية للعدوان الإسرائيلي في 1967 ومع ذلك فإن الحركة تدب في تلك اللوحات وكأنها تصرخ معبرة عن المأساة، جرأة مرزوق ليست مجانية ولكن تقف خلفها رؤية ثرية ومثقفة ويمتلك الأدوات والوسائل.
أنت تعرف طبعاً جرأة مضمون أفلام سعيد مرزوق في أريد حلا والمذنبون والمغتصبون وآي آي دع، عنك المشاهد الصريحة للانتهاك الجسدي وتأمل معي المضمون الأكثر عمقا وجرأة، أريد حلا خطورته ليست في عرض قضية امرأة معلقة تحلم بالطلاق ولكن في تأكيده أن المجتمع الذكوري يختار من الشريعة ما يناسبه، والمذنبون ليس فقط دراسة هائلة عن الفساد الهائل الذي كشفت عنه مجرد جريمة قتل ولكنه عن أن الظروف التي صنعت هؤلاء المفسدين مازالت قادرة علي إفراز المزيد، وانتهاك جسد الممثلة سناء في الفيلم ليس إلا التعبير المادي المباشر لسقوط كل القيم، وفيلم آي آي ليس مجرد دراما ساخرة وكوميديا سوداء عن التجارة بالألم ولكنه مرثية قاسية عن قيمة الإنسان التي انكمشت إلي حدها الأدني، جرأة مضمون أفلام سعيد مرزوق في هذا البعد الأعمق ولذلك تبدو أكثر خطورة من مظهرها الصادم.
ومن أهم سمات أفلام سعيد مرزوق أيضا الدور المحوري للشخصيات النسائية، هو أحد أهم مخرجينا في تقديم نماذج نسائية قوية، المرأة في أفلامه تحمل الدراما علي كتفيها كما حملت ليلي علوي والدها محمد عوض في آي..
آي فوق ظهرها، المرأة هي الحياة والخصوبة والمتعة والعذاب، كل الخيوط تبدأ وتنتهي عند سعاد حسني في زوجتي والكلب والخوف، وعند فاتن حمامة في أريد حلا وأغنية الموت وعند ليلي علوي في المغتصبون وعند سهير رمزي في المذنبون وعند نبيلة عبيد في هدي ومعالي الوزير والمرأة والساطور وفيما تبقي من فيلم قصاقيص العشاق.. لا يمكن أن تفهم سينما سعيد مرزوق إلا بتحليل نماذجه النسائية، وإلا بفهم عشقه وتعاطفه الواضح مع المرأة.
لم تأخذ سينما سعيد مرزوق حقها في الدراسة والتحليل، والكتاب الوحيد الصادر عنه بعنوان سعيد مرزوق.. عاشق السينما - العدد 27 - في سلسلة آفاق السينما للناقد طارق الشناوي يغلب عليه الطابع المعلوماتي في صورة حوار طويل مع المخرج الكبير. في هذا الكتاب فجر مرزوق بعض المفاجآت مثل إعلانه عن أنه قام بإعداد الموسيقي التصويرية لفيلم كمال الشيخ الشهير الليلة الأخيرة، وإعلانه عن طلب المنتج رمسيس نجيب منه تغيير نهاية فيلم الخوف حتي تكون مفهومة للجمهور، وإعلانه أنه قام بناء علي طلب فاتن حمامة بتغيير الجزء الأخير من فيلم الخيط الرفيع، وأضاف مشهد تمزيق الملابس الشهير وكلمة ابن الكلب علي لسان فاتن، وإعلانه عن أنه الذي كتب سيناريو المذنبون، وأن الرئيس السادات أعجب بالفيلم، وطلبه مرة أخري ليشاهده مع الملك حسين، وأعلن مرزوق في الكتاب أيضًا أنه صوّر فيلم المغتصبون بدون سيناريو، وكان يكتب المشاهد يومًا بيوم، كما اعترف بأنه أخرج أضعف أفلامه الدكتورة منال ترقص لاحتياجه للمال بسبب مرض أمه، كما تحدث عن فيلم عالمي لم يتم عن القضية الفلسطينية بعنوان القربان، وأظن أنه نفس الفيلم الذي أخبرني الراحل فتحي غانم أنه كتب له السيناريو ثم حوله إلي رواية بعد ذلك بعنوان أحمد داود.
كلها معلومات مهمة بالإضافة إلي ظروف تنشئته وحبه للسينما وعدم استكماله للدراسة في كلية الحقوق بسبب رعايته لأشقائه، ولكن عناصر كثيرة تحتاج إلي التعامل العميق مع عالم سعيد مرزوق فالفرصة متاحة للباحثين لدراسة عناصر التكوين في صورة مرزوق، ودور المرأة في أعماله، والمغزي السياسي والاجتماعي لأفلامه، ودوره في عالم الأفلام القصيرة التسجيلية والروائية، والنزعة التجريبية في أفلامه عمومًا، وكلها رءوس موضوعات تستاهل الدراسة العميقة، كما أتمني أن يعرض التليفزيون المصري مسلسليه الفيديو ابن سينا وصقر قريش. نحن - عُشاق الأفلام - مدينون لموهبة وعين وجرأة وشجاعة سعيد مرزوق مدينون له بمتعة المشاهدة والتفكير والتأمل والجدل والمناقشة مع وحول أعماله، مدينون له بالإيمان بإمكانيات السينما، وبقدرات المواهب الاستثنائية، ومدينون له بالانحياز لكل ما هو إنساني وجميل، مدينون بخياله الذي قهر الخوف وفضح الفساد وجعل المرأة معادلاً للحياة، مدينون نحن دائمًا وأبدًا لشيء وهبه الخالق الأعظم للبشر الفانين اسمه: سحر الفن وعبقرية الفنان، فهل نترجم هذا الدين إلي تكريم مستحق لهذا الفنان الكبير في المهرجان القومي للأفلام الروائية أو مهرجان القاهرة السينمائي في دورته القادمة؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.